إذا كانت فكرة ممارسة الرياضة تتخمر في عقلك لكنك لا تمارسها في الواقع، فَمَثَلُكَ كَمَثَلِ جيسيكا هوارد، التي كانت لديها نية دائمة غامضة تتمثل في الرغبة في المشاركة في سباق الماراثون، لكنها في الوقت نفسه كانت تعاني من الكسل، وتواجه صعوبة حتى في النهوض من الأريكة التي تنام عليها. وكانت دوما ما تردد قائلة: «لم أمارس الجري.
تَبدّل كل هذا عندما كانت جيسيكا طالبة في جامعة بانجور في المملكة المتحدة، وشاركت في برنامج خاص يهدف إلى معالجة العقبة الرئيسة التي تقف في طريق الكثيرين منا عند التخطيط للبدء بممارسة التمارين الرياضية، ألا وهي غياب التحفيز. لقد اتضح أن هناك حِيَلا يمكننا استخدامها للمساعدة في التخلص من العادات السيئة والوصول إلى الأهداف التي نضعها.
إنّ استحضار الإرادة والرغبة لممارسة الرياضة يعدّ تحديًا كبيرًا بالنسبة لمعظم الناس (ارجع إلى كتاب «لماذا لا نحب ممارسة الرياضة»). وهذا يمثل مشكلة، خاصة في البلدان ذات الدخل المرتفع التي لديها أضعاف مستويات الخمول إذا ما قارناها بالبلدان ذات الدخل المنخفض. الكثير من الناس هناك لا يمارسون نشاطًا كافيًا للبقاء في صحة جيدة على المدى الطويل.
يمكن لبعض العوائق، مثل المرض أو عدم وجود المساحة والموارد المناسبة، أن تحد بشكل كبير من قدرتنا على ممارسة الرياضة. ومع ذلك فإن المعركة، من وجهة نظر الكثيرين، تكمن في دواخلنا، فنحن نكافح من أجل تخصيص وقتٍ للرياضة. قد ندرك تمامًا المنافع طويلة المدى لصحتنا الجسدية والعقلية، ولكننا ننجذب إلى الأمور التي تجلب المزيد من المنافع السريعة التي لا تتطلب بذل جهد كبير، مثل الجلوس أمام التلفاز. وهنا، في جوهر هذا السلوك، تكمن فكرة «تأخير الإشباع»، وهي تمثل حاجزا مشتركا أمام العديد من التغييرات السلوكية.
يهدف برنامج «وُلِدتُ لكي أركض» في جامعة بانجور إلى إيجاد طرق للتغلب على هذه المشكلة، من خلال تعليم الطلاب كيفية بناء عادات جديدة بشكل أكثر فعالية، مع التركيز بشكل خاص على هدف الجري في الماراثون. تقول فرانسيس جاراد كول، منسقة البرنامج: «الفكرة هي أنه يمكنك تحقيق أهداف صعبة لم تكن تعتقد أنها ممكنة من خلال استخدام بعض النظريات والتقنيات النفسية»، مضيفة: إنّ «جزءًا من نجاحك في تحقيق الأهداف الصعبة هو القدرة على تحفيز نفسك عندما تواجه نكسات، أو لا تشعر بالرغبة في ذلك، أو عندما تكون لديك اهتمامات متنافسة وما إلى ذلك. يعلمك هذا البرنامج طرقا من خلال هذه التحديات للبقاء متحفزًا.»
الخطوة الأولى هي استخدام القليل من الحيل النفسية المعروفة باسم «الدفعات» لإزالة أي شعور مزعج يكون ذريعة للإحجام عن ممارسة التمارين. فعلى سبيل المثال، يمكنك وضع حذاءك بالقرب من الباب الأمامي في الليلة التي تسبق ممارسة الجري في الصباح. يقول جاراد كول: «لذلك عندما يرنّ المنبه، فلست بحاجة إلى التفكير في الأمر، فبوضعك الحذاء في الليل، دفعت نفسك إلى تغيير سلوكك من الجلوس إلى الجري».
كما أن الحيل النفسية تساعد على التعرف على أشكال الدوافع المختلفة وتأثيراتها على السلوك، فالدافع الخارجي يأتي من الحوافز الخارجية. على سبيل المثال، دعنا نسأل عن السبب الذي جعلك تقرر المشاركة في الماراثون، قد يكون لأنك تعتقد أنه قد يكون إضافة جيدة في سيرتك الذاتية، أو مساهمة منك لدعم مؤسسة خيرية. وفي مقابل ذلك، فإن الدافع الداخلي يأتي من ممارسة النشاط نفسه. فمثلا لو وجدت متعة في ممارسة الرياضة لأنها تساعد على تصفية ذهنك وإزالة التوتر، فسيكون ذلك دافعًا داخليّا. تشير الأبحاث إلى أن الدافع الداخلي قد يساعد في تكوين عادة جديدة، مثل ممارسة التمارين بانتظام.
الموضوع الرئيس الآخر للبرنامج هو «العقلية». هل تعتقد أن الصفات الضرورية، لخوض سباق الماراثون هي فطرية وغير قابلة للتغيير أم أنها قد تكتسبُ بمرور الوقت؟ قد تفترض أنه ليس لديك العوامل اللازمة من قوة الإرادة للقيام بالتمارين الرياضيّة. يميل الأشخاص ذوو العقليات «الثابتة» إلى تفسير أي فشل على أنه علامة على أنهم لا يملكون القدرة على النجاح. الأشخاص الذين يتمتعون بعقلية «النمو» هم أكثر مرونة ويرون في خيبات الأمل فرصة للتعلم، مما يساعدهم على تحقيق نجاح أكبر على المدى الطويل. عقلياتنا مرنة، فالتعرف على قدرة الدماغ على التغيير والتكيف مع السلوكيات الجديدة يمكن أن يساعدنا في تبني عقلية النمو.
إحدى الطرق العملية الأخرى للبقاء على المسار الصحيح هي وضع خطة تدريب يمكن تقسيمها إلى مجموعات من الأهداف الأكبر والأصغر باستخدام أربعة مبادئ وهي: تحديد الهدف، وأن يكون الهدف قابلا للقياس، ويمكن تحقيقه، وأن يكون تحقيقه محددا بزمن معيّن. إذا كان هدفك هو رفع قدرتك على الجري، فقد يتضمن ذلك الاشتراك في سباق (باركرن) كل يوم سبت، أو الاستعانة بأحد التطبيقات لتعيين أهداف واقعية لزيادة المسافة الإجمالية التي تقطعها كل أسبوع.
وأخيرا، هناك عنصر «المساءلة والمسؤوليّة». يبدأ برنامج بانجور في يناير، وبحلول عطلة عيد الفصح، يكون العديد من الطلاب قد تعودوا على ممارسة التمارين بانتظام. ومع هنا، فإنّ فترة الإجازة تشكل تحديات جديدة، لأنها تفتقد النظام والقوانين التي توفرها المحاضرات المنتظمة والندوات والرحلات الجماعية. وَيُطلِقُ علماء النفس على هذا الدعم الخارجي باسم «السّقّالات أو الدّعامات». أحد الدروس الأساسية للنجاح هو أنه يتعين عليك بناء دعامتك الخاصة بك.
فعلى سبيل المثال، يمكنك استعمالُ تطبيق خاص بتتبع النشاط اليومي، بحيث يكون أداؤك مرئيًا للآخرين. يمكن أن يساعدك هذا على الشعور بالمسؤولية عن أفعالك، والحصول على التشجيع عندما تلتزم بجدولك الزمني.
النتائج تتحدث عن نفسها. في السنة الأولى من البرنامج، لم يكن أي من الطلاب قد شارك في سباق الماراثون الكامل من قبل ــ وكثيرون، مثل هوارد، كانوا بالكاد يمارسون الرياضة. وفي نهاية البرنامج، أكملت الأغلبية إما السباق كاملا أو نصفه. يقول جاراد كول: «إنه أمر لا يصدق أن نشاهد هؤلاء الطلاب يتغيرون».
ومن المثير للدهشة أنّ هوارد وجدت أيضًا أن البرنامج يساعد في تحسين التعاطف الذاتي لدى المشاركين، أي قدرتهم على معاملة أنفسهم بلطف عندما يواجهون خيبات الأمل. وهذا أمر مهم؛ لأن التعاطف مع الذات يمكن أن يساعدنا في التعامل بشكل أكثر إيجابية مع التوتر ويرتبط بصحة نفسية أفضل.
لقد نجح هذا البرنامج بالتأكيد مع جيسيكا، التي أكملت منذ أن بدأت الرنامج عددًا من سباقات الماراثون وأصبحت مدربة للجري. تقول: «لقد غير هذا البرنامج حياتي». إنّ الدروس التي تعلمتها يمكنك أن تطبقها أنت أيضا على نفسك.
هناك حيل يمكننا جميعًا تعلمها للتخلص من العادات السيئة وتحقيق أهدافنا، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا نحب ممارسة الرياضة؟
إن الخمول يسبب لنا الأمراض، فهو يمكنه أن يقتلنا حرفيًا في نهاية المطاف. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يجد الكثير منا صعوبة في العثور على الدافع لممارسة الرياضة؟ ونظرًا للفوائد الصحية الهائلة لممارسة الرياضة، فمن المفترض أن نعتقد أننا جميعًا سننجح في هذا الأمر.
يقول دانييل ليبرمان من جامعة هارفارد : المشكلة تكمن في مصطلح «التمرين». فالجنس البشري لم يرتقِ ويتطور أبدًا ليمارس الرياضة، فنحن مهيأون للقيام بمجهود معتدل طوال اليوم، وليس للتنافس في سباق الترياتلون أو ممارسة الركض في جهاز المشي الكهربائي. ولم يكن هناك أبدًا أي ضغط اختياري تطوري يجعلنا نحب ممارسة الرياضة؛ لأنه أسلافنا القدماء كان عليهم قطع مسافات طويلة كل يوم من أجل البقاء على قيد الحياة، لذلك لم يكن عدم ممارسة الرياضة خيارًا متاحًا على الإطلاق. بل على العكس من ذلك، ربما كانت هناك ميزة تطورية لأولئك الذين تجنبوا النشاط غير الضروري عندما استطاعوا ذلك، مما أدى إلى الحفاظ على الطاقة الثمينة في أجسادنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ممارسة التمارین ممارسة الریاضة فی سباق
إقرأ أيضاً:
عُمان تفوز على قطر بثنائية في بطولة كأس الخليج
الثورة نت/..
حقق المنتخب العماني، فوزا مهما، مساء اليوم، على شقيقه القطري، بهدفين مقابل هدف، في ثاني مباريات المنتخبين ببطولة كأس الخليج الـ26، في الكويت.
بذلك تصدرت عمان المجموعة الأولى بـ4 نقاط، وظل رصيد قطر نقطة واحدة، انتظارا لما ستسفر عنه مواجهة الكويت والإمارات.
بدأت المباراة بهجوم مباغت من المنتخب القطري أسفر عن هدف مبكر أحرزه المعز علي، في الدقيقة الثانية.
بعدها، سيطر التحفظ الدفاعي على أداء المنتخبين، ما أسفر عنه انسداد زوايا التمرير، وهو ما انفك تدريجيا من الدقيقة 15، عندما بدأ المنتخب العماني في اختراق الأطراف، ونجح في خلق فرصة تهديف من الجانب الأيمن، لكن عمر المالكي تباطأ في التسديد، ليتمكن الدفاع من التشتيت.
ومن اختراق آخر من الجانب الأيسر، حصل عصام الصبحي مهاجم المنتخب العماني على ركلة جزاء، جراء عرقلته بعد إرسال عرضية.
ونجح اللاعب نفسه بترجمة الركلة في المرمى، ليتعادل لعمان في الدقيقة 20.
بدءا من الدقيقة 25، بدأ المنتخب القطري في تنفيذ “دفاع متقدم”، لكن لاعب الخطي الخلفي بالمنتخب العماني تمكنوا من كسر ذا الدفاع أكثر من مرة، ليتكرر اختراق “الأحمر” عبر هجوم معاكس، خاصة من الطرف الأيمن.
وواصل المنتخب العماني أسلوبه في طريقة اللعب منذ افتتاح البطولة، والذي يعتمد على اللعب المباشر دون كثرة تحضير، مع تنفيذ أسلوب “دفاع المنطقة متأخرة” حال فقد الكرة بمساحة ثلث الملعب.
وبدا واضحا اعتماد المدير الفني، رشيد رضا، على لاعبه جميل اليحمدي في بناء اللعب المباشر من المناطق الخلفية إلى أحد طرفي الهجوم.
وانتهى نصف الساعة الأول من المباراة باستمرار سيناريو الاستحواذ القطري في مقابل المرتدات العمانية، ما دفع المنتخب القطري إلى محاولة الاعتماد على سلاح التسديد من خارج منطقة الجزاء، لكن هذه التسديدات افتقدت للدقة، ومنها تسديدة لجاسم جابر في الدقيقة 36.
في الدقيقة 38 كاد عبدالرحمن المشيفري أن يضيف الهدف الثاني لعمان بعدما واصل أمجد الحارثي اختراقاته من الجانب الأيمن، ليمنحه كرة عرضية سددها المشيفري بجوار العارضة وهو على مسافة لا تزيد على 10 ياردات عن المرمى.
وحتى نهاية الشوط الأولى، ظل المنتخب القطري عاجزا عن اختراق الدفاعات العمانية، التي تعرضت لتحد قوي في الدقيقة 44، بعد خروج لاعب الوسط: أرشد العلوي من الملعب بداعي الإصابة.
وفي الشوط الثاني، بادل المنتخب العماني نظيره القطري مباغتة البداية، وتمكن عصام الصبحي من إضافة الهدف الثاني في الدقيقة 51، لينفرد بصدارة هدافي البطولة بثلاثة أهداف، إذ سبق له التسجيل في مباراة عمان الأولى في افتتاحية البطولة أمام الكويت.
وظل إيقاع المباراة على نفس منوال نهاية الشوط الأول: استحواذ سلبي لقطر بأغلب فترات الشوط مقابل هجمات عمانية معاكسة وسريعة، لكن خروج عصام الصبحي مصابا في الدقيقة 84 أثر سلبا على التحول الهجومي للأحمر، الذي اكتفى بالدفاع المتأخر في الدقائق الأخيرة من المباراة.
وفي الدقيقة 86 كاد المنتخب القطري أن يحقق التعادل في أخطر فرصه التهديفية عن طريق جناحه الأيمن، عبدالرحمن مصطفى، الذي سدد الكرة من داخل منطقة الجزاء، لكن العارضة حالت دون إحراز التعادل.
ولجأ المنتخب العماني في الدقائق الست للوقت بدل الضائع إلى استهلاك الوقت بالتمرير القصير والمتكرر، وهو ما نجح اللاعبون في تنفيذه باقتدار، وأضفى جمالية على الأداء السريع والممتع للأحمر في المباراة.