لجريدة عمان:
2025-11-20@15:38:24 GMT

أيمكن لعلم الأعصاب أن يفسر كيف تنشأ الأفكار؟

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

أيمكن لعلم الأعصاب أن يفسر كيف تنشأ الأفكار؟

يخوض الإنسان العاقل مرحلة فلسفية ذاتية تتمحور في انبثاق الأسئلة الوجودية وسريانها اللامحدود؛ فيجد نفسه تارة على مشارف الشك المنهجي الذي يُعنى بالوسيلة السائقة إلى اليقين، وسبق أن أورد لنا التاريخ تجارب الفلاسفة مثل أبو حامد الغزالي مؤسس منطلقات الشك المنهجي وديكارت الذي حسم شكوكه بمقولته الشهيرة «أنا أفكر؛ إذن أنا موجود»؛ فنجد أن التفكير والأفكار عناصر أساسية في تجاربنا الفلسفية الذاتية، ومولدات لأسئلتنا الوجودية والكبيرة، ويأتي السؤال: كيف تنشأ أفكارنا؟ وللإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى البحث في علم النفس، وعلم الأعصاب، والفلسفة، وثقافة المجتمع ومستجداته الحضارية مثل الصناعة والتقنية؛ إذ تشكّل هذه المنطلقات العلمية والفلسفية والثقافية لب معرفتنا لآلية صناعة الأفكار وأسرار ماهيتها.

نسعى عبر هذه المقالة إلى توضيح العملية المعقدة لكيفية توليد البشر للأفكار عبر الاسترشاد بالدراسات المنشورة والحقائق العلمية والمنظورات التاريخية.

الوعي: مصدر الأفكار الأول

يمكن أن نُرجعَ النشأة الأولى للأفكار إلى مصنعها الأول، وهو الوعي الذي سبق أن تناولته في كتب سابقة لي من زاوية فلسفية وعلمية، ويمكن أن نبسّط مفهومنا للوعي بأنه الإدراك الإنساني، ومع ذلك يعد هذا التأويل سطحيا لا يمتد إلى المفهوم العلمي والفلسفي؛ فالتفسير العلمي للوعي أقرب ما يكون تفسيرا ماديا عاجزا عن تفسير أسرار الوعي الكثيرة؛ فتشير معظم التأويلات العلمية المادية إلى أن الوعي جزء لا يتجزأ من منظومة الدماغ، وفي حين نجد أن ثمّة تأويلات علمية حديثة -تحتاج إلى عمق علمي أكثر لإثباتها- ترى أن منظومة الوعي خارج نطاق الدماغ، وأن الوعي وتفسيره مرتبط بظاهرة الكوانتم، ويأتي التأويل الفلسفي الذي يكون متأثرا بالمنهج العلمي أو بالمنهج الديني الصرف؛ فيفسر الوعي أنه حالة غير مادية تتجاوز الظواهر البيولوجية؛ فيدرجه البعض في خانة الظواهر الميتافيزيقية من حيث الرؤية الفلسفية المحضة، ومن حيث الرؤية الفلسفية الدينية يرتبط بالجانب الروحي؛ إذ يمكن تأويل الوعي أنه عنصر من عناصر الروح والعقل الخاص بالإنسان دون سواه من بقية الكائنات الحية، وسبق أن أشرت إلى هذا بشيء من التفصيل في كتاب «بين العلم والإيمان». تتبُّعنا لمعنى الوعي وعلاقته بصناعة الأفكار منطلق مهم يؤكد أن الأفكار حالة واعية مستمرة في سريانها، وأن العقل الإنساني كائن مفكر يرتبط وجوده بوجود تفكيره وأفكاره، ولهذا لا مناص من الإقرار أن الوعي مصدر الأفكار الأول والرئيس.

التفسير البيولوجي

نحتاج إلى الولوج العلمي والاقتراب من الجانب البيولوجي المتعلق بدماغ الإنسان الذي يمكن اعتباره العامل الثاني المسؤول عن صناعة الأفكار وتشغيلها بعد عامل الوعي، والذي يمكن إرجاعه إلى النشاطات العصبية في الدماغ؛ حيث نجد أن بعض العلماء يشيرون إلى الأفكار على أنها تلاعب الدماغ بالمعلومات عن طريق النظر إلى الماضي والحاضر أو المستقبل وفقَ ما ذكره «Daniel Kahneman» في كتابه «Thinking, Slow and Fast»، ومن ناحية أخرى، يمكن اعتبار الأفكار بنى أكثر تعقيدًا، ويمكن أن تنشأ من سلسلة متواصلة من الأفكار التي تأتي في حالتها المعقدة في صيغة عمليات إبداعية أو حل للمشكلات.

يمكن أن نعد علم الأعصاب منطلقا بيولوجيا رئيسا يستطيع أن يفسر جانبا مهما من جوانب آلية تشكيل الأفكار؛ حيث يتكون دماغ الإنسان من حوالي 86 مليار خلية عصبية، وترتبط كل خلية بمشابك تعمل على نقل الإشارات الكهروكيميائية؛ فتنتج الأفكار نتيجة لوجود هذه الشبكة المعقّدة ونشاطها المستمر التي تربط الخلايا العصبية الدماغية بعضها بعضًا وفقَ دراسة نشرها مجموعة من الباحثين عام 2009م في مجلة «Journal of Comparative Neurology».

كذلك نجد أن القشرة الجبهية «Prefrontal Cortex» الموجودة في الدماغ تملك قدرة محورية في نشأة وظائفنا المعرفية العليا التي تشمل التخطيط واتخاذ القرار وحل المشكلات، وهذا ما يمكن أن نعده ضروريا في تشكيل الأفكار حسب دراسة نشرتها مجلة «Annual Review of Neuroscience» عام 2001م، وحينها لا يمكن أن ننكر دور علم الأعصاب المعاصر الذي قدّم نهجًا أكثر تجريبية وقابلية للقياس، مما يشير إلى أن ثمّة نشاطا دماغيا يسهم في نشأة الأفكار بسبب العمليات المعقدة للشبكات العصبية. من الناحية التاريخية، تطور فهم عمليات التفكير عبر التاريخ بشكل ملحوظ؛ إذ أسهم الفلاسفة القدامى في وضع فرضياتهم وآرائهم الفلسفية المتعلقة بالتفكير ونشأة الأفكار؛ فتطور فهم عمليات التفكير بشكل كبير؛ إذ كان الفلاسفة القدامى مثل أفلاطون وأرسطو ينظرون إلى العقل بشكل عميق، ويعتقد بعضهم أن الأفكار هي انعكاس للعالم الخارجي، ولبعض الفلاسفة المتقدمين أمثال أفلاطون وأرسطو نظريات فلسفية خاصة بالعقل، مفترضين أنه كيان معقد قادر على عكس العالم الخارجي ومعالجة المفاهيم المجردة؛ فيقترح أفلاطون، في نظريته المتعلقة بالأشكال -نظرية المُثل- أن الأفكار انعكاسات لأشكال مثالية ثابتة توجد في عالم يتجاوز العالم المادي، وهذا ما أشار إليه الباحث (Silverman, 2016) في موقع «Stanford Encyclopedia of Philosophy»، ومن زاوية أخرى، قدّم أرسطو نهجًا أكثر تجريبية عبر تصنيفه قدرات العقل إلى كليات مختلفة تشمل القدرات الحسية والفكرية، التي يمكن أن تتفاعل مع العوالم المادية والميتافيزيقية حسب ما أشار إليه الباحث (Shields 2000) الذي نُشر في المصدر السابق نفسه؛ فنرى أن مثل هذه المحطات الفلسفية المبكرة التي بحثت في قضايا العقل وعمليات التفكير وصناعة الأفكار استطاعت أن تمهّدَ الطريق إلى النظريات اللاحقة في علم النفس وعلم الأعصاب المعرفي، موضحة آلية تطور التفكير عن طريق التفسيرات الميتافيزيقية؛ فيعزى الفضل إليها في وضع اللبنة الأولى للعلوم العصرية، والقدرة إلى الولوج لفهم هذه القضايا بشكل علمي.

توليد الأفكار وتباينها

تعد العمليات المعرفية التي تحدث في الدماغ الإنساني مثل الانتباه والذاكرة والتعلم عمليات رئيسة تسهم في صناعة الأفكار خصوصا الإبداعية منها؛ فينظّم الانتباه تدفق المعلومات التي تؤثر على التفكير استنادا إلى دراسة نشرتها مجلة «Annual Review of Neuroscience» عام 2001م، وكذلك ثمّة دور للذاكرة في صناعة الأفكار عبر تخزين المعلومات واسترجاعها، مما يوفّر ما يمكن أن نسميه ببنك المعلومات الرافد لعمليات التفكير، وهذا ما أشارت إليه دراسة نُشرت في «Oxford University Press» عام 2000م، ويأتي أيضا دور التعلم في تعزيز صناعة الأفكار بواسطة تحديث قاعدة معارفنا؛ فيؤثر التعلّم على كيفية تفسيرنا للمعلومات الجديدة وتحويلها إلى أفكار استنادا إلى تقرير نشره باحثون في «National Academy Press» عام 2000م. في بعد علمي آخر، يشير تقرير نُشرَ عام 2001م في «Psychology Press» أن الحالة العاطفية للإنسان ودافعيته يمكن أن تُحدثَ تأثيرا نسبيا على تكوين الأفكار وآلية التفكير؛ فوفقَ نظرية الإدراك العاطفي، يمكن للعواطف أن تؤثر بشكل كبير على العمليات المعرفية عن طريق توجيه الانتباه، وتسهيل استرجاع الذاكرة، والتأثير على اتخاذ القرار؛ فعلى سبيل المثال، تعمل العواطف الإيجابية بشكل عام على تعزيز الإبداع، مما يسهّل توليد مجموعة متنوعة من الأفكار حسب ما أظهرته دراسة نُشرت في»American Psychologist» عام 2001م.

البُعد الثقافي

والتطور التقني

لا يمكننا أن نهمل البعد الثقافي ونبتعد عنه؛ حيث إن للثقافة الإنسانية دورا في تشكّل الأفكار وصناعتها؛ فتتولّد الأنماط المعرفية وتتغاير وفقَ الثقافات من حيث تنوعها وثرائها المعرفي؛ فهناك مجموعة من الأنماط المعرفية التي تستند إلى النمط الثقافي الذي بدوره يحدد آلية التفكير مثل التفكير الشمولي أو التحليلي، والتي يمكن أن تؤثر بشكل عميق على عملية التفكير وتوليد الأفكار حسب ما أظهرته دراسة أجراها مجموعة من الباحثين ونشروها عام 2001م في مجلة «Psychology Review»، ويمكن أن نستدل بمثال بسيط ملحوظ عند بعضنا يخص الثقافات الشرقية التي تُظهر نمطا يتسم بالشمولية أكثر من النمط التحليلي الذي من الممكن أن يكون تركيزه أكثر في الثقافات الغربية، ولكل نوع من الأنماط التفكيرية دوره الخاص في تشكيل الأفكار وتغاير قدراتها الإبداعية.

ووفق زمكانيتنا الحالية؛ فنحن في عصرنا الرقمي الذكي الذي لم تعدْ صناعة الأفكار شبيهة بشكل كلّي مع الآلية التقليدية التي تحدثنا عنها في السطور الآنفة، وخاصة أننا في عصر الذكاء الاصطناعي الذي نلحظ تصاعد تطويراته وتأثيراته المجتمعية بما فيها الثقافة بشكل عام والأفكار بشكل خاص، وهذا ما يمكن أن يؤثر في الكيفية التي تتشكل فيها الأفكار؛ فيمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي في وقتنا تقليد بعض العمليات المعرفية والتفكيرية بل تتجاوز في بعض أنماطها ومجالاتها قدرات الدماغ البشري، مما يقود عمليات تغيير كبيرة في توليد الأفكار وأنماطها بسبب التحول من الأدوات المعرفية التقليدية إلى الأدوات الرقمية مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية التي أحدثت صدمة ثقافية في المجتمع وأدارت دفة الأفكار بما يتوافق مع معايير المجتمع الرقمي وثقافته المستجدة.

ختاما، نؤكد أن عملية صناعة الأفكار تعد عملية متعددة الأوجه وفق الظروف المجتمعية التي تتعلق بثقافة المجتمع وأدواته المعرفية والتقنية؛ فيمكن لكل من هذه العوامل أن تؤثر على الوظائف العصبية الدماغية، والعمليات المعرفية، والحالات العاطفية والغائية، والخلفية الثقافية والتقدم التقني، ويمكن أن تبرز هذه التفاعلات المعقّدة عمقَ الإدراك البشري وتنوعه؛ لتؤكد على التطور المستمر في فهمنا للعمليات العقلية بما في ذلك فهمنا لنشأة الأفكار.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صناعة الأفکار علم الأعصاب یمکن أن ن ویمکن أن دراسة ن وهذا ما

إقرأ أيضاً:

المذنب الضيف 3آي/أطلس.. لم لا يمكن اعتباره مركبة فضائية؟

مع اكتشاف المذنب المسافر بين النجوم 3آي/أطلس في يوليو/تموز 2025، بدأت وسائل التواصل وبعض المواقع بالحديث عن احتمال كونه مركبة فضائية أو مسبارا أرسلته حضارة مجهولة.

يرجع ذلك الادعاء إلى سببين أساسيين، الأول أنه ثالث جرم قادم من عالم ما بين النجوم ليمر داخل مجموعتنا الشمسية، مما يعطيه هالة من الغموض، والثاني أنه يمتلك خواصّ غير مألوفة مقارنة بالمذنبات المعتادة، وهي خواص فسّرها البعض كدلائل "اصطناعية"

لكن، ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ وما الأدلة العلمية التي تثبت أن 3آي/أطلس ليس مركبة فضائية، بل مذنبا طبيعيا؟

الصور الأولى التي التقطت لمسار المذنب الضيف (ناسا)خصائص أساسية عادية

أول شيء، فإن 3آي/أطلس هو جرم ذو مدار مفتوح، أي أنه لا يتخذ مسارا حول الشمس، ما يدل على أنه ليس من "عائلة" أجرام النظام الشمسي، بل من مكان آخر في مجرّة درب التبانة.

من خصائصه الأساسية أن له غلافا غازيا وينتج غازات مثل ثاني أكسيد الكربون والماء، وتوهجات مذنبية واضحة، وجميعها سمات طبيعية جدا للمذنبات، حسبما نقلت مجلة "سكاي آت نايت" الفلكية.

أضف لذلك أن أرصاد العلماء أوضحت أن المذنب طور غلافا غازيا نتيجة تسامي الجليد، هذا الغلاف لا يمكن أن يظهر في جسم مصنوع من معدن أو سيراميك أو مركب صناعي.

من جانب آخر فإن الدراسات الطيفية المدققة من جيمس ويب ووكالة الفضاء الأوروبية لم تجد أي هيكل معدني أو أي سبائك صناعية أو أي نمط تصنيع، بل وجدت مواد طبيعية جدا في المذنّبات، كما أسلفنا، وإن كانت بنسب مختلفة عما هو معتاد، وهو أمر سنفصّل فيه بعد قليل.

كما أن المركبات الفضائية لا تصنع ذيولا غازية ممتدة مئات الآلاف من الكيلومترات، هذه علامة واضحة أنه مادة جليدية تتسخن تحت أشعة الشمس وتتسامى، وهذا أساسي في تعريف المذنب.

أظهرت صور تلسكوب جيمس ويب أن المذنب يمتلك تركيبة غازية غير مألوفة (ناسا)ديناميكية طبيعية

إلى جانب ذلك، أظهر العلماء مع دراسة متفحصة أن هذا الجرم يتصرف بديناميكية مذنب، لا مركبة، بمعنى أنه يتخذ مسارا يمكن اعتباره طبيعيا غير متحكم به، حيث لم ترصد أي حركة دفع أو مناورة ولم يظهر أي انحراف غير طبيعي.

إعلان

وكما صرّح عالم المذنبات تشيتشنغ تشانغ من مرصد لويل في أريزونا لمنصة لايف ساينس: "جميع الصور التي رأيتها تظهر مذنبا عاديا".

من جانب آخر، لم ترصد من 3آي/أطلس أي إشارة راديوية أو ترددية اصطناعية، لم يلتقط العلماء أي نبضات أو اشارات توجيه منتظمة أو أي نشاط اتصالات؛ ولو كان مسبارا فضائيا، لظهر منه ولو "تسريب" راديوي بسيط.

وعلى ذكر الإشارات، فإن علماء الفلك استخدموا تلسكوب "ميركات" الراديوي بجنوب أفريقيا مؤخرا لرصد 3آي/أطلس، ووجدوا إشارات راديوية تتمثّل في خطوط امتصاص لمُركّب الهيدروكسيل عند ترددات محددة.

ومن المعروف أن هذا النوع من الإشارات ناتج عن عملية طبيعية تسمى "التبخّر"، حيث يتحول جليد الماء الموجود في المذنب إلى غاز عند اقترابه من الشمس، ويتحلل إلى مركب الهيدروكسيل وغيره.

هذا الاكتشاف يعزز فكرة أن 3آي/أطلس مذنّب طبيعي وليس مركبة فضائية. بمعنى آخر، إذا كانت هناك "إشارة راديوية" فهي لا تشير إلى نظام اتصالات أو تكنولوجيا، بل إلى سلوك مذنّبي معتاد.

إلا أنه غريب لا شك

لكن على الرغم من ذلك، يظل 3آي/أطلس غريبا عما نعرفه عن المذنبات، حيث تكشف الملاحظات باستخدام التلسكوبات الكبيرة أنه يحتوي نسبة من النيكل أعلى من المتوقع، ونسبة أكبر من المعتاد من ثاني أكسيد الكربون، وقلة من جزيئات سلسلة الكربون الشائعة.

كما أنه أحمر اللون ومغبر، مما يشير إلى أنه قضى وقتا طويلا غارقا في الأشعة الكونية أثناء انتقاله عبر الفضاء، كما أنه يتحرك بسرعة كبيرة، وتشير تقديرات أولية مبنية على النمذجة الحركية المبكرة إلى أنه ربما يكون قد تشكل منذ ما يصل إلى 11 مليار سنة.

هذه الغرائب تتحد لتشكل مذنبا لا مثيل له في النظام الشمسي، وهو مثير للغاية لعلماء الكواكب وأي شخص آخر يحب الفضاء.

لكن هناك نقطة هامة في هذا السياق، وهي أن هذه الغرائب ممكنة جدا من ناحية علمية، فهذا المذنب ليس من المجموعة الشمسية، ومن ثم فمن المفهوم أن تختلف تركيبته بحسب مصدره.

كل ما درسه العلماء عن تركيب المذنبات قادم فقط من دراسة أجرام قادمة من داخل النظام الشمسي، وقد نشأت جميعها من نفس السحابة النجمية قبل نحو 4.5 مليارات سنة، ومن ثم فمن المقبول أن تختلف عن مذنبات نشأت في سحابة نجمية أخرى.

يتزعم آفي لوِب، أستاذ الفيزياء المعروف من جامعة هارفرد، الادعاء بأن 3آي/أطلس مركبة فضائية (رويترز)الردود على آفي لوب

يتزعم آفي لوِب، أستاذ الفيزياء المعروف من جامعة هارفرد، الادعاء بأن 3آي/أطلس مركبة فضائية، ويقول إن هناك احتمالا قدره 40%، غير أن هذا الادعاء، رغم انتشاره الإعلامي، لا يستند إلى أدلة علمية صلبة، ولم يلقَ أي قبول لدى علماء الكواكب المتخصصين في دراسة المذنّبات، ويأتي على رأسهم جيسون رايت، عالم الفلك من جامعة بنسلفانيا الأميركية.

يوضح رايت، في مقال نشره على مدونته الفلكية، أن ما يسمى "الشذوذات" ليس إلا نتائج طبيعية لتنوع المذنبات، خاصة تلك القادمة من خارج النظام الشمسي، ويتفق غالبية علماء هذا النطاق مع رايت، وهم من المختصين بدراسة الكواكب والمذنبات على خلاف لوب الذي يختص في الفيزياء الفلكية.

إعلان

بل إن المتوقع، بحسب رايت، أن يكون 3آي/أطلس مختلفا أصلا، لأنه  تكونت حول نجم آخر ببيئة مختلفة، وتعرض لإشعاعات مختلفة في الفضاء بين النجوم، كما أنه قد يكون أقدم أو أصغر عمرا من مذنّباتنا، وهذا يؤثر لا شك على تركيبه وسلوكه.

كذلك من المقبول أن تتحرك المذنبات القادمة من خارج النظام الشمسي بسرعات عالية، هذا يتعلق بمصدرها، وهذه السرعة هي ما يجعل سلوك هذه المذنبات قرب الشمس مختلفا عن المذنّبات المحلية.

ويوضح رايت أنه من بين 10 نقاط طرحها لوب كدليل على أنه مركبة فضائية، 4 فقط مثيرة حقا لعلماء الكواكب، وهي:

زيادة نسبة النيكل إلى الحديد: قيمة متطرفة لكنها ضمن نطاق تنوع المذنبات، ويمكن تفسيرها بطبيعة كيمياء الغبار على مسافات بعيدة عن الشمس. استقطاب ضوئي سالب وقوي: الاستقطاب السالب هو أن ينعكس ضوء الشمس عن غبار المذنب، وهو شائع في المذنّبات، وكون الحالة أكثر شدة لا يعني شيئا غير طبيعي، فقد يتعلق بالسرعة أو الطبيعة المختلفة للمذنب. زيادة اللمعان بسرعة كبيرة: متوقعة بسبب سرعته الهائلة، القادم بها من خارج النظام الشمسي، وليس هناك أي سبب يجعل "مركبة فضائية" تزداد لمعانا بهذا الشكل الماء بنسبة 4% فقط: نسبة غير معتادة، لكنها ليست خارج حدود ما هو معروف في المذنّبات، خاصة البين-نجمية.

هل هذه السمات غريبة؟ نعم بالطبع، لكن هل تعد دليل مركبة فضائية؟ لا إطلاقا، فكلها أشياء متوقعة بسبب تنوع المذنبات بشكل عام، وبشكل خاص بسبب أن 3آي/أطلس قادم من خارج النظام الشمسي.

غريب في نطاق الطبيعي

على سبيل المثال، أظهرت صور تلسكوب جيمس ويب أن المذنب يمتلك تركيبة غازية غير مألوفة مقارنة بمعظم مذنّبات نظامنا الشمسي، إذ وجد العلماء أن غلافه الغازي يحتوي على نسبة مرتفعة للغاية من ثاني أكسيد الكربون مقابل نسبة منخفضة من الماء.

لكن هذا التفاوت الكبير يشير إلى أن الجسم قد يكون قد تشكّل في منطقة مختلفة تماما داخل القرص الكوكبي لنجم آخر، أو أنه مر عبر بيئات بين-نجمية غنية بالإشعاع غيّرت تركيب جليده على مدار ملايين أو مليارات السنين.

بعبارة أخرى، غرابة تركيب 3آي/أطلس هي علامة على أصله البعيد، لا على كونه جسما اصطناعيا، وهذا ما أكدته الدراسات في هذا النطاق إلى الآن.

مقالات مشابهة

  • الباغيت يواجه مستقبلًا غامضًا.. كيف تعيد فرنسا التفكير في خبزها الأيقوني؟
  • وزير المالية يدعو إلى التفكير في منح إعانات إضافية للمتعثرين في انجاز سكناتهم
  • “حين ينهض الهامش… وتولد الأفكار من خارج الأسوار”
  • هل يمكن أن تستمر أوروبا المُجَزَّأة في الازدهار
  • الجراحات الميكروسكوبية بسوهاج الجامعي تنقذ حالتين من بتر مؤكد بإعادة توصيل الأعصاب والشرايين
  • انتصار طبي بسوهاج الجامعي.. إنقاذ حالتين من بتر بإعادة توصيل الأعصاب والشرايين
  • كيف يمكن الحفاظ على صحة الأمعاء؟
  • المذنب الضيف 3آي/أطلس.. لم لا يمكن اعتباره مركبة فضائية؟
  • ترسيخ قيم التفكير النقدي والإبداع.. مهرجان الذكاء الطبيعي يعزز مقدرات الطلاب
  • 3 فتيات من القدس يحققن إنجازا في علم الأعصاب