طالبان بعد 3 سنوات.. استعراض القوة وتحديات الحكم
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
بعد 3 سنوات، وتحديدا في قاعدة باغرام الجوية التي كانت مقرا لقيادة القوات الأميركية في أفغانستان خلال فترة احتلالها (2001-2021)؛ احتفلت حركة طالبان بالذكرى الثالثة لعودتها إلى الحكم بعرض عسكري ضخم بالمدرعات والطائرات والأسلحة التي تركتها القوات الأميركية وراءها بعد انسحابها من البلاد.
الاحتفالات هذه السنة -والتي شهدت مثلها أيضا بقية المدن والولايات الأفغانية- كانت أكبر من قبل، واعتبرها المراقبون استعراضا للقوة في مواجهة ضغوط دولية متزايدة على حكم طالبان، ورأوا أن الحكومة أرادت توجيه رسالة إلى الداخل الأفغاني والخارج بأنها مسيطرة على الأوضاع في البلاد.
وكان من اللافت للنظر ظهور العديد من قيادات طالبان والوزراء في حكومة تصريف الأعمال في وسائل الإعلام المحلية والخارجية بهذه المناسبة والتحدث عن إنجازات الحركة خلال فترة حكمها المنصرمة، وهو ما وصفه بعض المحللين بأنه استعراض للوحدة في صفوفها ونفي للخلافات داخل قياداتها، في الوقت نفسه واجهت الحركة العديد من الانتقادات.
ذكرى التحرير وحديث عن المكتسباتوترى قيادات طالبان أن الحركة خاضت جهادا وحربا للتحرير وانتصرت في معركتها ضد قوات الاحتلال الأميركي والتحالف الدولي، إذ تمكنت من تحرير البلاد مع انسحاب آخر جندي أميركي من الأراضي الأفغانية في نهاية أغسطس/آب 2021 والذي سبقه سقوط كابل بأيدي مقاتلي الحركة وهروب الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني من البلاد في منتصف الشهر.
وبعد شهر تقريبًا من سيطرتها على كامل التراب الأفغاني، شكّلت حركة طالبان إدارة سمّتها حكومة تصريف الأعمال لإدارة شؤون البلاد، وبذلك بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الحركة، حيث تحولت من جماعة مسلحة تقاوم الاحتلال الأجنبي، إلى إدارة تسلّمت زمام الحكم وتدير أفغانستان.
وبمناسبة الاحتفالات بتلك الذكرى الثالثة، جاء في البيان الصادر عن حكومة أفغانستان "قبل 3 سنوات، في 14 من شهر أغسطس/آب، فتحت كابل وتحررت أفغانستان من الاحتلال الأميركي.. نحن نعاهد بأننا سنحافظ على النظام الإسلامي الذي حكّم دين الله وشريعته في البلاد، ووفّر السلام والأمن والاستقرار للشعب وهيأ أسباب بناء الوطن ماديا ومعنويا".
وأضاف البيان "كان الهدف الأصلي من الجهاد هو إعلاء كلمة الله وتحكيم دينه على أرضه، وإن الإمارة الإسلامية تعتبر تطبيق دين الله وشريعته أولى أولوياتها..".
وحذّر زعيم الحركة هبة الله آخوند زاده -الذي يتخذ من مدينة قندهار مقرا له بدلا من مدينة كابل العاصمة الرسمية لأفغانستان- من التفرق والاختلاف في صفوف الشعب والمسؤولين، ودعا في كلمته أثناء العرض العسكري في مطار قندهار إلى "الوحدة والعدل ونبذ العصبيات والظلم الذي تنهار بسببه الدول".
ومن جهته، اعتبر نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية المولوي عبد الكبير أن عودة طالبان للحكم "نهاية للكوارث التي حلت بأفغانستان خلال نصف قرن مضى".
وقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال سراج الدين حقاني إن "الشعب الأفغاني قدم تضحيات كبيرة جدا وحصل على استقلاله، وسنبقى ندافع عن المكتسبات التي أريقت لأجلها الدماء".
وعن العلاقات الخارجية لأفغانستان، قال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال المولوي أمير خان متقي -في مقابلة مع قناة بي بي سي- إنه "بالرغم من عدم الاعتراف الرسمي بحكومة الإمارة الإسلامية، فإن دول العالم والمنطقة تتعامل معها".
وأشار إلى أن "الرئيس الصيني استقبل سفير أفغانستان في بكين وتسلم أوراق اعتماده، كما أن لدينا 39 ممثلية دبلوماسية وقنصلية في مختلف دول العالم، وهناك تبادل للزيارات الرسمية على مستويات عليا بين بلدنا والعديد من الدول، وهذا يعني أننا نقترب تدريجيا من التعامل الكامل".
لفلسطين وغزة نصيب في الاحتفالاتوكان لغزة وفلسطين حضور في الاحتفالات ونصيب في كلمات قيادات حكومة طالبان، إذ ختم آخوند زاده كلمته بالدعاء للشعب الفلسطيني وتحرير المسجد الأقصى، قائلا "اللهم انصر إخواننا في فلسطين كما نصرتنا في أفغانستان، وأنقذهم من الوحشية والظلم الذي يمارس عليهم، وأنزل عذابك على إسرائيل مثلما أنزلته على فرعون ونمرود، وأنعم علينا لنرى المسجد الأقصى محررا بعيوننا".
وأما حقاني، فقال مخاطبا الشعب الفلسطيني "مثلما حصل الشعب الأفغاني بعد كفاح طويل وشاق على الحرية، سيأتي اليوم الذي ستحصلون فيه أيضا على الحرية والاستقلال".
وفي معرض رده على سؤال موفد "بي بي سي" الخاص عن موقف حكومة الحكومة الأفغانية حول القضية الفلسطينية وما يجري في غزة، يقول متقي "قضية فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى، واليوم هناك دول غير إسلامية تصوت لصالح فلسطين وتعترف بدولتها، وتعتقد الحكومة أن إسرائيل غاصبة ومعتدية وظالمة، ونحن نستنكر هذا الظلم والعدوان على الشعب الفلسطيني".
وجدير بالذكر أن الاحتفالات والعروض العسكرية تمت في أنحاء البلاد دون وقوع حوادث أو مشكلات أمنية، بالرغم من قيام عناصر "تنظيم الدولة-ولاية خراسان" بتبني هجمات وتفجيرات في مناسبات وتجمعات سابقا، وهو ما يعتبره المراقبون دلالة على نجاح طالبان في إضعاف التنظيم والحد من أنشطته بعد ضربات وجهت له في الأشهر الأخيرة.
وفي الوقت الذي كانت فيه قيادات طالبان تستعرض إنجازات حكومتها وتتباهى بمكتسباتها، فإن معارضين رأوا أن "سقوط النظام الجمهوري وعودة طالبان كانت كارثة في حق أفغانستان".
فقد قال سفير أفغاني سابق -للجزيرة نت- مفضلا عدم نشر اسمه: "إن إنجازات 20 سنة تبخرت في مختلف مجالات الحياة، وإن الشعب الأفغاني أرغم على العيش تحت حكم استبدادي ينتهج سياسة إلغاء الآخر واحتكار السلطة، بحسب تفسيره الخاص للإسلام والشريعة".
وفي مقابلة مع قناة آمو الأفغانية التي تبث من أميركا، قال وزير الخارجية السابق محمد حنيف أتمر إن "يوم 15 أغسطس/آب هو يوم مليء بالمصائب في تاريخ أفغانستان، لأن هذا اليوم لم يسهم في إسقاط النظام الجمهوري -الذي كان ثمرة كفاح الشعب الأفغاني- والزعماء السياسيين وقيادات الدولة فحسب، بل كان لأصدقائنا الدوليين أيضا دور كبير في هذا السقوط، حيث لم يفوا بوعودهم للشعب الأفغاني وتخلوا عنه".
ويضيف أن ادعاء طالبان بأنهم وفروا الأمن للمواطنين "غير صحيح لأنهم -أي طالبان- كانوا سبب الحرب وتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، واليوم سيطروا على الحكم فتوقف القتال والحرب، ولا يوجد ثمة من يزعزع الأمن"، مشيرا إلى أن "الشعب الأفغاني يستحق الحرية والأمن معا، وليس فقط الأمن على حساب الحريات التي تسحقها طالبان"، على حد قوله.
وكان المعارض وزعيم حزب الوحدة الإسلامي الشيعي عبد الكريم خليلي أشار -في بيان له بمناسبة سقوط النظام الجمهوري- إلى "ضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية وتجنب الحرب"، مؤكدا "حتمية المصالحة الوطنية وإشراك جميع مكونات الشعب الأفغاني في النظام ونبذ سياسة الإلغاء".
إنجازات وإخفاقاتوبصرف النظر عما تقوله طالبان عن الإنجازات وما يقوله معارضوها عن الإخفاقات خلال السنوات الثلاث، تقتضي النظرة الموضوعية للأوضاع في أفغانستان القول إن الصورة ليست بكاملها سوداء قاتمة أو بيضاء ناصعة، فثمة مكتسبات مهمة لحكومة طالبان لا يمكن للمراقب المنصف أن يغض النظر عنها، كما يوجد إخفاقات لا يمكن تجاهلها.
وترى حكومة طالبان أنها حققت إنجازات داخلية مثل:
انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وتوقف الحرب الأهلية. وإعلان العفو عن المسؤولين في النظام السابق. وتأسيس إدارة مركزية تسيطر على كافة أرجاء البلاد.كما يرى خبراء في الشأن الأفغاني أن تلك الحكومة لها مكاسب تمثلت في:
تحقيق الأمن. وتقليص زراعة وتصدير المخدرات. وإطلاق عدد من المشاريع التنموية مثل شق قنوات الري وإصلاح الطرق وبناء السدود. واستعادة آلاف الهكتارات من الأراضي الحكومية من أيدي الغاصبين. والبدء بالتنقيب واستخراج المعادن والنفط. وتوسيع التجارة مع دول الجوار والمنطقة.كما أنها حافظت على استقرار قيمة صرف العملة الأفغانية أمام الدولار، والتحكم النسبي في التضخم على الصعيد الداخلي، واستمرار التعامل مع الكثير من الدول بالرغم من عدم الاعتراف الرسمي بحكومة تصريف الأعمال، ومواصلة عمل أغلب البعثات الدبلوماسية الأفغانية في الخارج.
وبالرغم من مكتسبات تمت الإشارة إلى بعضها، أخفقت الحركة في إنجاز أمور منها:
وضع دستور للبلاد يعكس واقع أفغانستان ويلبي تطلعات الشعب الأفغاني ويؤسس لدولة القانون والاستقرار السياسي. استمرار عمل حكومة تصريف الأعمال والإخفاق في تشكيل حكومة دائمة ذات برامج. استمرار القيود المفروضة على المرأة الأفغانية في مجالات التعليم والعمل؛ إذ أغلقت أبواب المدارس المتوسطة والثانوية أمام الفتيات، كما أن المرأة ممنوعة من الذهاب إلى الجامعات منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، إضافة إلى منع النساء من العمل في المؤسسات الحكومية باستثناء قطاعات التعليم الابتدائي والصحة والأمن. عدم الحصول على الاعتراف الرسمي من قبل أي دولة في العالم، ورافق ذلك التوتر في العلاقات مع بعض المنظمات والهيئات الدولية.وفي تصريح للجزيرة نت، ينتقد المحلل السياسي الأفغاني محمد خالد مصعب أنه في كلمات زعيم حركة طالبان والوزراء في احتفاليتها الأخيرة، غاب الحديث عن الإصلاحات السياسية وعن إنهاء فترة حكومة تصريف الأعمال، وهو ما سيفتح باب التكهنات حول مستقبل البلاد السياسي، على حسب قوله.
ومن جهة أخرى، يرى المراقبون أن أفغانستان لا تزال تتمتع بفرص للنهوض شريطة إدراك القيادات السياسية حساسيات الظروف الراهنة ومقتضيات المرحلة لإخراج البلد من أزماتها المتراكمة.
وفي هذا الصدد، قال أستاذ جامعي وباحث أفغاني من كابل -للجزيرة نت- إنه حان الوقت لاستغلال قيادات حركة طالبان الفرص المتاحة، وأخذ بعض القضايا المثيرة للقلق على محمل الجد والسعي لحلها بما يلبي تطلعات الشعب الأفغاني لحياة كريمة، ويضمن إعادة الاستقرار للبلاد بعد معاناة استمرت نحو نصف قرن بسبب الحرب والتوترات السياسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حکومة تصریف الأعمال الشعب الأفغانی حرکة طالبان
إقرأ أيضاً:
كيف يبدو قطاع الاتصالات في أفغانستان؟
كابل- في ظل ظروف معقدة تعيشها أفغانستان منذ تسلّم حركة طالبان الحكم في أغسطس/آب 2021، يبرز قطاع الاتصالات كواحد من القطاعات القليلة التي تحقق تطورًا نسبيا رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العميقة.
وبينما تتقلص قطاعات حيوية مثل المصارف والتجارة والتعليم، يواصل قطاع الاتصالات نموه، إذ أُضيف أكثر من 150 برجًا جديدًا خلال عام 2024، وبلغ عدد المشتركين 22 مليونًا.
ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الإنترنت، والرقابة المشددة، والعقوبات الدولية، تمثل عقبات حقيقية أمام استدامة هذا النمو.
فهل يمكن لهذا القطاع أن يتحول إلى محرك حيوي للتنمية الرقمية في البلاد؟
بدايات من رحم الحربنشأ قطاع الاتصالات في أفغانستان وسط أتون الحروب في تسعينيات القرن الماضي، حين كان الهاتف المحمول والإنترنت رفاهية تقتصر على فئات ضيقة من الطبقة السياسية والدبلوماسية.
ومع نهاية التسعينيات، ظهرت أولى شبكات الهاتف المحمول، لتشكل وسيلة تواصل بين المدن والولايات الأفغانية المتباعدة في بلد يعاني ضعف البنية التحتية وصعوبة التنقل.
وخلال فترة حكم طالبان الأولى (1996-2001)، فُرضت قيود مشددة على استخدام وسائل الاتصال، خاصة الإنترنت الذي لم يكن متاحًا سوى عبر قنوات ضيقة.
إعلانومع سقوط نظام طالبان عام 2001، بدأ القطاع يشهد انطلاقة جديدة بدعم من المجتمع الدولي، إذ أُسست شركات اتصالات خاصة، واستُحدثت شبكات الجيل الثالث والرابع في بعض الولايات.
وتشير بيانات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية إلى أن عدد مستخدمي خدمات الهاتف المحمول تجاوز 22 مليونًا، بينما بلغ عدد مستخدمي الإنترنت أكثر من 9 ملايين شخص بحلول عام 2024، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 40 مليون نسمة.
والمفارقة أن هذا النمو حدث في ظل انكماش اقتصادي خانق، فقد توقفت أغلب المشاريع الاستثمارية الأجنبية، وتراجعت قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. ومع ذلك، استمر توسع الشبكات بدعم من الحكومة والشركات الخاصة، إذ رُكّب أكثر من 150 برجًا جديدًا لتحسين التغطية، خاصة في المناطق الريفية.
وفي مطلع 2025، قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية، المولوي نجيب الله حيات حقاني، في تصريح لوسائل إعلام محلية "نعمل على إيجاد بدائل للتكنولوجيا الغربية"، مشيرًا إلى توقيع اتفاق مع كازاخستان لمد كابل ألياف ضوئية يربط أفغانستان بالشبكات الإقليمية ويدعم استقلال البنية التحتية. وأضاف "تمكنا من إيصال الإنترنت إلى 23 ولاية أفغانية، ونعتزم تعميم الخدمة لتشمل جميع ولايات البلاد قريبًا".
كما دعمت الوزارة إطلاق موقع 4جي جديد في قلات مركز ولاية زابل عبر شركة "أتوما" في 2025، وهو مشروع يعزز الوصول الرقمي في المناطق النائية. وفي فبراير/شباط 2025، نفى الوزير شائعات حول اختراق أنظمة الوزارة، مؤكدًا أن البنية الرقمية "مؤمنة بالكامل ولا تتعرض لهجمات سيبرانية خارجية".
تحديات التمويل والكوادرورغم مظاهر التوسع، يواجه القطاع تحديات داخلية، أبرزها نقص الكوادر التقنية وهجرة الخبرات.
إعلانويقول سيد أحمد شاه سادات، وكيل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية السابق، للجزيرة نت "العديد من المهندسين المؤهلين غادروا البلاد بعد 2021، وقد أحدث ذلك فجوة كبيرة في إدارة الشبكات وتشغيلها".
ويضيف أن "استيراد الأجهزة الحديثة مكلف ويخضع لتعقيدات جمركية، في ظل العقوبات الدولية ونقص بوابات الدفع الإلكتروني".
كما يؤكد مسؤول سابق في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، للجزيرة نت، أنه "قبل عام 2021 كان قطاع الاتصالات يعتمد اعتمادا كبيرا على الاستثمارات الأجنبية والشراكات مع شركات غربية، وذلك ما سمح بتطوير شبكات الجيل الثالث والرابع في المدن الرئيسية.
لكن العقوبات الدولية الحالية أوقفت هذه الشراكات، وأصبح استيراد المعدات التقنية يعتمد على وسطاء في دول مجاورة، وذلك ما يرفع التكاليف بنسبة تصل إلى 30%. ويوضح المتحدث "هذا الوضع يحد من قدرة القطاع على تحديث البنية التحتية وتلبية الطلب المتزايد على الإنترنت، خاصة في المناطق الريفية".
ورغم الجهود الحالية لتوسيع التغطية، فإن نقص الكوادر المتخصصة الناتج عن هجرة الخبراء يظل تحديًا رئيسيا يتطلب استثمارًا طويل الأمد في التدريب المحلي، كما يضيف المتحدث ذاته.
ولمواجهة هذه الفجوة، افتتحت الوزارة مراكز تدريب محلية، أبرزها مركز التدريب التقني في ولاية بغلان شمالي أفغانستان، حيث تخرّج 72 متدربًا في يناير/كانون الثاني 2025، وفقًا لتصريح مدير المركز.
وتهدف هذه المبادرات إلى بناء قدرات محلية، لكنها لا تعوض النقص الكبير في الخبرات التقنية المطلوبة.
رغم وجود 4 شركات اتصالات كبرى في أفغانستان، فإن أسعار الإنترنت تبقى من الأعلى إقليميا. ففي حين يبلغ سعر الغيغابايت في إيران نحو 0.5 دولار، يراوح السعر في أفغانستان بين 2.3 و2.7 دولار.
إعلانوفي عام 2022، أعلنت الوزارة خفض السعر إلى 1.41 دولار، لكن الأسعار ارتفعت مجددًا بحلول عام 2024 بسبب تكاليف الاستيراد وتقلبات الاقتصاد.
ويقول عبد الرؤوف نوابي، وهو موظف في بنك خاص بولاية هرات غربي أفغانستان، إن "راتبي الشهري لا يتجاوز 150 دولارًا، لكنني أضطر إلى إنفاق نحو 70 دولارًا على الإنترنت لأنه ضروري للعمل والتواصل، وهذا يشكل عبئًا كبيرًا".
ويضيف في حديث للجزيرة نت "نستخدم أحيانًا نقاط واي فاي مجانية في المقاهي والجامعات، لكن الخدمة بطيئة وغير مستقرة".
الرقابة على الإنترنتومنذ أغسطس/آب 2021، شددت السلطات الأفغانية الرقابة على المحتوى الرقمي. فقد حظرت منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب"، وأُلزم مزودو الإنترنت بحجب المواقع "المخالفة للقيم الإسلامية والثقافة الأفغانية"، وفق تعميم رسمي صدر عن وزارة الإعلام في مارس/آذار 2025.
وفي عام 2022، طُبّق نظام تسجيل شرائح الهواتف عبر بطاقة الهوية، فأثار ذلك قلق الناشطين والمهتمين بحرية التعبير.
ووفقًا لتقرير "فريدم هاوس" لعام 2024، تراجعت حرية الإنترنت في أفغانستان بشكل ملحوظ. ويقول ناشط رقمي، تحفظ على نشر اسمه، للجزيرة نت، إن "الرقابة لم تعد فقط لمنع المحتوى غير الأخلاقي، بل طالت الصفحات الإخبارية والتدوينات النقدية، والنشر أصبح مخاطرة في حد ذاته".
العقوبات الدولية سلاح ضد التطويروتُعدّ العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أبرز العوائق أمام تطوير القطاع. فشركات الاتصالات المحلية تجد صعوبة في شراء أجهزة حديثة أو تحديث أنظمة الأمان بسبب توقف التعاملات البنكية الدولية، وعدم القدرة على استخدام منصات الدفع مثل "بيبال" و"فيزا".
ويقول مدير في شركة اتصالات محلية "نحتاج إلى ترخيص برامج حماية للشبكات، لكن أغلب الشركات العالمية ترفض البيع لأفغانستان، أو تشترط وسطاء في بلدان أخرى، وذلك يضاعف التكاليف. هذه القيود تزيد من تكاليف الاستيراد من دول مثل باكستان وإيران، وتؤخر عمليات تحديث البنية التحتية الرقمية".
ومنذ انسحاب القوات الأجنبية في 2021 انسحبت معظم الشركات الغربية من القطاع، ولم يعد هناك استثمار مباشر من الخارج. وتحاول الحكومة الأفغانية تعويض ذلك عبر تعزيز التعاون مع دول آسيوية مثل الصين وكازاخستان.
إعلانووفقًا لمسؤولين، أجريت محادثات أولية مع شركة "هواوي" الصينية لدعم تطوير شبكات الجيل الخامس.
كما يعزز التعاون مع كازاخستان، الذي أُعلن عنه في عام 2025، البنية التحتية الرقمية في البلاد. ومع ذلك، يرى الخبراء أن هذه الشراكات لا يمكن أن تحل مكان الاستثمارات الغربية، خاصة أن كثيرًا من المعدات التقنية المتقدمة لا تصنعها سوى شركات في أوروبا وأميركا الشمالية.
آمال القطاع وتحدياتهورغم التحديات، يُنظر إلى قطاع الاتصالات كبصيص أمل في بلد يعاني من عزلة سياسية واقتصادية خانقة. وتراهن الحكومة على تطوير قانون جديد ينظم الإنترنت ويشجع الاستثمار المحلي، وفق ما أفاد به مستشار في وزارة الاتصالات الذي قال للجزيرة نت إن "التوجه العام هو نحو الانفتاح بضوابط أخلاقية".
جهود الحكومة الحاليةحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية عناية الله الكوزي للجزيرة نت، فإن الحكومة الأفغانية أنجزت عددا من المشاريع البارزة لتطوير قطاع الاتصالات، من بينها:
مدّ أكثر من 1800 كيلومتر من كابلات الألياف الضوئية بينها 488 كلم خلال عام 2024 فقط. تفعيل 869 برجا للاتصالات وتوسيع خدمات الإنترنت في المناطق الريفية بما في ذلك تنفيذ مشاريع جديدة بولاية فارياب. إطلاق خطة لتخفيض أسعار المكالمات والإنترنت اعتبارا من يناير 2025. توزيع أكثر من 33 مليون بطاقة SIM نشطة ووصول عدد مستخدمي الإنترنت إلى نحو 13 مليونا. تنفيذ مشاريع بنية تحتية تشمل بناء 450 موقعا للاتصالات في 18 ولاية بميزانية 1.89 مليار أفغاني. رفع الناتج المحليويؤكد تقرير حديث للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) أن تحسين البنية التحتية الرقمية قد يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 1.5% سنويا، إذا تم تحرير القطاع، ورفع العقوبات، وتوفير التدريب والتجهيزات اللازمة. كما أن الشباب، الذين يشكلون أكثر من 60% من السكان، يمثلون قوة دافعة للطلب المتزايد على الخدمات الرقمية.
إعلانويمثل قطاع الاتصالات في أفغانستان نموذجًا لقطاع ينمو رغم الأزمات، لكنه يواجه حدودًا يصعب تجاوزها دون بيئة سياسية واقتصادية داعمة.
فمن أبراج جديدة واتفاقيات إقليمية ومراكز تدريب، إلى رقابة مشددة وعقوبات دولية، تتقاطع فرص هذا القطاع وتحدياته في مشهد معقد.
وبينما يحاول المواطن الأفغاني العادي تصفح الإنترنت وسط أعباء مالية مرهقة، تسعى الحكومة الأفغانية لتحقيق استقلال رقمي.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع أفغانستان تحويل هذا القطاع إلى محرك للنمو الرقمي والاقتصادي، أم ستبقى رهينة القيود الداخلية والخارجية؟