جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-25@04:48:33 GMT

القدرة على قول "لا"

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

القدرة على قول 'لا'

 

سلطان بن محمد القاسمي

في حياة كل منَّا، تأتي لحظات نواجه فيها قرارات تبدو بسيطة في ظاهرها لكنها تحمل تأثيرًا كبيرًا على مسار حياتنا وصحتنا النفسية. أحد هذه القرارات هو القدرة على قول "لا". قد يبدو الأمر سهلاً، لكنه في الحقيقة يتطلب شجاعة وإدراكًا عميقًا لأهمية الحفاظ على الذات وحمايتها من الاستنزاف غير المبرر.

وفي مرحلة من مراحل حياتي، أدركت أهمية هذه الكلمة البسيطة، وكيف يمكن لها أن تكون درعًا واقيًا يحميني من الوقوع في دوامات من الالتزامات التي لا تتناسب مع قيمي أو تستنزف طاقتي بلا داعٍ.

ومع مرور السنوات وتراكم التجارب، وجدت نفسي في مواقف متعددة شعرت فيها بأنني مُجبر على قول "نعم" لأشياء لم أرغب في القيام بها، سواء كانت طلبات من الآخرين أو التزامات اجتماعية أو حتى مشاريع عمل لم تتوافق مع رؤيتي وأهدافي. كنت أعتقد أنني بقول "نعم" أُرضي الجميع وأكون الشخص المثالي، لكن مع الوقت، بدأت أشعر بأنني أضيع نفسي في هذه العملية، وأدركت أنني أخسر شيئًا ثمينًا: حق تقرير ما يُناسبني.

وبعد تأمل عميق، اكتشفت أنَّ الرفض ليس مجرد رفض لشيء مُعين، بل هو تعبير عن احترام الذات وفهم واضح لأولوياتي واحتياجاتي. إن الرفض لا يعني الأنانية، بل هو طريقة لحماية النفس من التشتت والإنهاك. وفي اللحظة التي نُدرك فيها هذا الحق، نتحرر من ضغوط التوقعات الزائفة، ونبدأ في توجيه حياتنا بما يتوافق مع رغباتنا الحقيقية.

لم يكن تعلمي لهذا الأمر سهلاً. فقد تطلب الأمر مواجهة الذات والتفكر في كيفية إدارتي لحياتي. بدأت ألاحظ أنني كنت أضع نفسي في مواقف لم أكن أريدها حقًا، وأنني كنت أضحي براحة نفسي لإرضاء الآخرين. هذا الإدراك كان نقطة تحول في حياتي، حيث بدأت أتعلم أن وضع حدود واضحة هو وسيلة للحفاظ على توازني الداخلي، وأنه ليس من الضروري أن أوافق على كل شيء من أجل الحفاظ على علاقات جيدة أو تجنب الشعور بالذنب.

وعندما بدأت أطبق هذا المبدأ، لاحظت أنَّ حياتي أصبحت أكثر تنظيمًا وهدوءًا. لم أعد أشعر بأنني مضطر للركض في سباق مستمر لإرضاء الجميع، بل بدأت أستثمر وقتي وطاقتي في الأمور التي تضيف لي قيمة حقيقية. شعرت بتحسن في صحتي النفسية، حيث تمكنت من التخلص من الشعور بالإرهاق والضغط. والأهم من ذلك، أدركت أنَّ العلاقات الحقيقية التي تستحق الاهتمام هي تلك التي تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل، وليس على المجاملات الفارغة.

استعدت جزءًا من نفسي كان قد ضاع في زحمة الحياة والتزاماتها. وأصبحت أكثر قدرة على وضع حدود دون شعور بالذنب أو الخوف من إغضاب الآخرين. أدركت، بوضوح أكبر، أنني أتحمل مسؤولية حياتي ووقتي، وأنه لا يمكن لأحد أن يفرض عليّ ما لا يتماشى مع قيمي أو يهدد سلامتي النفسية.

ومع اكتسابي لهذه القدرة، بدأت أرى الحياة من منظور جديد. أصبح كل قرار اتخذه محكومًا بما يضيف لي شخصيًا، وليس بما يتوقعه الآخرون مني. أصبحت أولوياتي واضحة، وصرت أكثر انتقائية في كيفية قضاء وقتي ومع من أقضيه. في هذه اللحظات، أدركت أنَّ القدرة على الرفض هي أيضًا وسيلة لفتح المجال أمام قبول الأمور التي تهمني حقًا، تلك التي تنسجم مع أهدافي وتطلعاتي. بعبارة أخرى، هذه القدرة هي مفتاح للتركيز على الأمور التي تساهم في نموي وسعادتي.

ومن الأمور التي تعلمتها في هذه الرحلة أنَّ الرفض لا يعني بالضرورة قطع العلاقات أو خلق صدامات. بل يمكن أن يكون فعلًا محبًا ورحيمًا، تجاه نفسك وتجاه الآخرين. وعندما ترفض التزامًا لا يناسبك، فإنك تحترم ذاتك ووقتك، وفي نفس الوقت تمنح الفرصة لشخص آخر يُمكنه أن يلتزم بشكل أفضل. هذه النظرة جعلتني أفهم أن الرفض قد يكون في صالح الجميع، وليس مجرد حماية لذاتي.

تعلمت أيضًا أنَّ القدرة على الرفض يمكن أن تكون تمرينًا على الشجاعة والصدق. فكم مرة وجدنا أنفسنا نوافق على شيء ما لأننا خائفون من عواقب الرفض؟ لكن عندما تتخذ القرار بعدم الموافقة، فإنك تتحدى نفسك لتكون صادقًا مع رغباتك واحتياجاتك. وهذا الصدق مع الذات يعزز الثقة بالنفس ويمهد الطريق لعلاقات أكثر صدقًا وشفافية.

وفي سياق العمل المهني، أصبحت أكثر وعيًا بأهمية تحديد الأولويات والتخلص من المهام التي تستنزفني دون مردود يُذكر، سواء على المستوى الشخصي أو المهني. أدركت أنَّ التميز لا يأتي من قبول كل شيء، بل من اختيار ما يتناسب مع قدراتي وأهدافي. هذه الانتقائية جعلتني أكثر إنتاجية، حيث أصبحت أركز جهودي على المشاريع التي أؤمن بها وأستمتع بها، بدلاً من التشتت في مهام لا تضيف لي قيمة حقيقية.

وفي الختام، فإن القدرة على قول "لا" تعكس قدرتنا على إدارة حياتنا بشكل متزن. إنها تدل على أننا نعرف ما نريد، ونسعى لتحقيقه دون الانجرار خلف ما لا يناسبنا. إنها ليست مجرد كلمة تُقال في وجه الآخرين، بل هي بوصلتنا الداخلية التي توجهنا نحو حياة مليئة بالمعنى والرضا. عندما نصل إلى هذه المرحلة، نعيش الحياة التي نختارها بأنفسنا، ونعرف كيف نحمي سلامنا الداخلي، وكيف نكون أكثر صدقًا مع ذواتنا.

وبالتالي، يمكن القول إنَّ القدرة على اتخاذ هذا القرار تمثل خطوة كبيرة نحو النضج والاستقلالية، وتصبح هذه القدرة جزءًا لا يتجزأ من شخصيتنا، نعيش بها حياة أكثر اتساقًا مع قيمنا وأهدافنا، بعيدًا عن الضغوط والإملاءات التي لا تنسجم مع ما نؤمن به.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وظائف حكومية شاغرة في ديوان محافظة المنوفية.. الشروط وطريقة التقديم

أعلنت بوابة الوظائف الحكومية توفر فرص وظيفية في ديوان محافظة المنوفية، لتحسين وتطوير المنظومة الرقمية، وتشمل الوظائف المتاحة مجموعة من المهام الإدارية والإشرافية التي تهدف إلى تعزيز كفاءة الأداء الوظيفي، من خلال تحديث نظم المعلومات وقواعد البيانات وتقديم الدعم لصناع القرار والموظفين.

المهام المطلوبة

يؤدي الملتحق بالوظائف الحكومية في محافظة المنوفية، المهام التالية:

• إعداد الخطة السنوية للإدارة العامة، ويتابع التنفيذ؛ لضمان الالتزام بكل الأنظمة واللوائح والتوجيهات ويقدم مقترحات تطوير العمل.

• اقتراح الاحتياجات من الموارد البشرية في ضوء تحليل أعباء العمل وكذا الاحتياجات التدريبية اللازمة لرفع كفاءة الأداء بالإدارة العامة.

• التحديث الدوري لسجلات الأداء الوظيفي وإعداد تقارير تقويم الأداء لمرؤوسيه ورفعها للمستوى الأعلى.

• تقديم التقارير الدورية المتعلقة بسير العمل للرئيس الأعلى بناء على التوجيهات الصادرة.

المهارات والشروط المطلوبة

يتطلب التقدم لهذه الوظائف توافر مهارات القيادة، والتخطيط، وإدارة الأزمات، إلى جانب خبرات سابقة في الوظائف الإشرافية، وإليك أهم الشروط:

• القدرة على القيادة والتوجيه.

• القدرة على وضع الخطط والبرامج ومتابعة تنفيذها.

• مهارة إدارة الأزمات واتخاذ القرار وحل المشكلات.

• القدرة على تحفيز العاملين على الابتكار والإبداع.

• القدرة على الاتصال والعرض وإدارة الوقت.

• قضاء مدة بينية مقدارها عام على الأقل في وظيفة من المستوى الأدنى له مباشرة الأول (أ) أو قضاء مدة كلية مقدارها سبعة عشر عاما على الأقل تتفق مع طبيعة عمل الوظيفة.

• اجتياز البرامج التدريبية التي يحددها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بنجاح وفقا لإحكام القانون 81 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية.

• اجتياز البرامج التدريبية التي تحددها الوزارة المعنية بالدعم الفني بالاتفاق مع الجهاز المركزي للتنظيم والادارة.

المستندات المطلوبة

يجب على المتقدمين لشغل وظائف محافظة المنوفية تقديم مجموعة من المستندات التي تشمل التقارير الوظيفية، الشهادات التدريبية، والإنجازات المهنية، وإلي تفاصيلها:

عدد (2) صورة شخصية. عدد 9 ملفات (أصل + 8 صور) كل ملف يحتوى على بيان حالة وظيفية معتمد ومختوم من الجهة التابعة لها مقدم الطلب موضحا به الاسم، تاريخ الميلاد، محل الإقامة، الرقم القومي. إرفاق عدد 3 تقارير تقويم الأداء سنوية ورقم الهاتف، الحالة الاجتماعية، المؤهل العلمي الحاصل عليه، تاريخ الحصول عليه، تاريخ التعين، والدرجة المالية، المجموعة النوعية، الوظائف الإشرافية التي شغلها، الدورات الحاصل عليها، الجزاءات أو التحقيقات أو الإحالة للمحاكمة التأديبية. تقارير الكفاية ثلاث سنوات سابقة. خطابات الشكر وشهادات التقدير الحاصل عليها. شهادة قانونية وصورة بطاقة الرقم القومي. بيان بأبرز إنجازاته خلال حياته الوظيفية السابقة مدعمة بالمستندات المؤدية لذلك. مقترح وافر لتطوير الوحدة أو أحد أنشطتها الرئيسة لتحسين أدائها. كيفية التقديم على الوظائف الحكومية  

على من يرغب في شغل إحدى الوظائف الحكومية في محافظة المنوفية، التقدم بطلب باسم المحافظ باليد للأمانة الفنية للجنة الوظائف القيادية ومقرها ديوان عام محافظة المنوفية بالإدارة العامة للموارد البشرية، وذلك في موعد أقصاه 22 يناير 2025.

مقالات مشابهة

  • المسئولية الطبية بين الرفض والقبول بعد موافقة «صحة الشيوخ» على القانون.. النقابة ترفض حبس الطبيب في القضايا المهنية.. و«الصحة» ترى أنه يسعى إلى تحسين بيئة العمل للفريق الصحي
  • القدرة المالية والدخل الشهري.. معايير استحقاق حساب المواطن
  • صنعاء تحت وطأة الجبايات الحوثية: إغلاق المحلات وسط كساد غير مسبوق
  • هل يمكن إعفاء الحاصل على الدعم النقدي دون وجه حق من رد المبالغ التي صرفها؟.. الضمان الاجتماعي يوضح
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • ثوران بركان في هاواي
  • متصب بالقدرة الإلهية..إيران: لا قوة في العالم يمكنها التغلب على الحرس الثوري
  • شاب صيني يكتشف إصابته بمرض نادر.. «فقد القدرة على الابتسام والكتابة»
  • وظائف حكومية شاغرة في ديوان محافظة المنوفية.. الشروط وطريقة التقديم
  • بدأت في الأربعينيات قبل ظهور الإنترنت.. كل ما تريد معرفته عن التجارة الإلكترونية