جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-10@08:54:13 GMT

القدرة على قول "لا"

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

القدرة على قول 'لا'

 

سلطان بن محمد القاسمي

في حياة كل منَّا، تأتي لحظات نواجه فيها قرارات تبدو بسيطة في ظاهرها لكنها تحمل تأثيرًا كبيرًا على مسار حياتنا وصحتنا النفسية. أحد هذه القرارات هو القدرة على قول "لا". قد يبدو الأمر سهلاً، لكنه في الحقيقة يتطلب شجاعة وإدراكًا عميقًا لأهمية الحفاظ على الذات وحمايتها من الاستنزاف غير المبرر.

وفي مرحلة من مراحل حياتي، أدركت أهمية هذه الكلمة البسيطة، وكيف يمكن لها أن تكون درعًا واقيًا يحميني من الوقوع في دوامات من الالتزامات التي لا تتناسب مع قيمي أو تستنزف طاقتي بلا داعٍ.

ومع مرور السنوات وتراكم التجارب، وجدت نفسي في مواقف متعددة شعرت فيها بأنني مُجبر على قول "نعم" لأشياء لم أرغب في القيام بها، سواء كانت طلبات من الآخرين أو التزامات اجتماعية أو حتى مشاريع عمل لم تتوافق مع رؤيتي وأهدافي. كنت أعتقد أنني بقول "نعم" أُرضي الجميع وأكون الشخص المثالي، لكن مع الوقت، بدأت أشعر بأنني أضيع نفسي في هذه العملية، وأدركت أنني أخسر شيئًا ثمينًا: حق تقرير ما يُناسبني.

وبعد تأمل عميق، اكتشفت أنَّ الرفض ليس مجرد رفض لشيء مُعين، بل هو تعبير عن احترام الذات وفهم واضح لأولوياتي واحتياجاتي. إن الرفض لا يعني الأنانية، بل هو طريقة لحماية النفس من التشتت والإنهاك. وفي اللحظة التي نُدرك فيها هذا الحق، نتحرر من ضغوط التوقعات الزائفة، ونبدأ في توجيه حياتنا بما يتوافق مع رغباتنا الحقيقية.

لم يكن تعلمي لهذا الأمر سهلاً. فقد تطلب الأمر مواجهة الذات والتفكر في كيفية إدارتي لحياتي. بدأت ألاحظ أنني كنت أضع نفسي في مواقف لم أكن أريدها حقًا، وأنني كنت أضحي براحة نفسي لإرضاء الآخرين. هذا الإدراك كان نقطة تحول في حياتي، حيث بدأت أتعلم أن وضع حدود واضحة هو وسيلة للحفاظ على توازني الداخلي، وأنه ليس من الضروري أن أوافق على كل شيء من أجل الحفاظ على علاقات جيدة أو تجنب الشعور بالذنب.

وعندما بدأت أطبق هذا المبدأ، لاحظت أنَّ حياتي أصبحت أكثر تنظيمًا وهدوءًا. لم أعد أشعر بأنني مضطر للركض في سباق مستمر لإرضاء الجميع، بل بدأت أستثمر وقتي وطاقتي في الأمور التي تضيف لي قيمة حقيقية. شعرت بتحسن في صحتي النفسية، حيث تمكنت من التخلص من الشعور بالإرهاق والضغط. والأهم من ذلك، أدركت أنَّ العلاقات الحقيقية التي تستحق الاهتمام هي تلك التي تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل، وليس على المجاملات الفارغة.

استعدت جزءًا من نفسي كان قد ضاع في زحمة الحياة والتزاماتها. وأصبحت أكثر قدرة على وضع حدود دون شعور بالذنب أو الخوف من إغضاب الآخرين. أدركت، بوضوح أكبر، أنني أتحمل مسؤولية حياتي ووقتي، وأنه لا يمكن لأحد أن يفرض عليّ ما لا يتماشى مع قيمي أو يهدد سلامتي النفسية.

ومع اكتسابي لهذه القدرة، بدأت أرى الحياة من منظور جديد. أصبح كل قرار اتخذه محكومًا بما يضيف لي شخصيًا، وليس بما يتوقعه الآخرون مني. أصبحت أولوياتي واضحة، وصرت أكثر انتقائية في كيفية قضاء وقتي ومع من أقضيه. في هذه اللحظات، أدركت أنَّ القدرة على الرفض هي أيضًا وسيلة لفتح المجال أمام قبول الأمور التي تهمني حقًا، تلك التي تنسجم مع أهدافي وتطلعاتي. بعبارة أخرى، هذه القدرة هي مفتاح للتركيز على الأمور التي تساهم في نموي وسعادتي.

ومن الأمور التي تعلمتها في هذه الرحلة أنَّ الرفض لا يعني بالضرورة قطع العلاقات أو خلق صدامات. بل يمكن أن يكون فعلًا محبًا ورحيمًا، تجاه نفسك وتجاه الآخرين. وعندما ترفض التزامًا لا يناسبك، فإنك تحترم ذاتك ووقتك، وفي نفس الوقت تمنح الفرصة لشخص آخر يُمكنه أن يلتزم بشكل أفضل. هذه النظرة جعلتني أفهم أن الرفض قد يكون في صالح الجميع، وليس مجرد حماية لذاتي.

تعلمت أيضًا أنَّ القدرة على الرفض يمكن أن تكون تمرينًا على الشجاعة والصدق. فكم مرة وجدنا أنفسنا نوافق على شيء ما لأننا خائفون من عواقب الرفض؟ لكن عندما تتخذ القرار بعدم الموافقة، فإنك تتحدى نفسك لتكون صادقًا مع رغباتك واحتياجاتك. وهذا الصدق مع الذات يعزز الثقة بالنفس ويمهد الطريق لعلاقات أكثر صدقًا وشفافية.

وفي سياق العمل المهني، أصبحت أكثر وعيًا بأهمية تحديد الأولويات والتخلص من المهام التي تستنزفني دون مردود يُذكر، سواء على المستوى الشخصي أو المهني. أدركت أنَّ التميز لا يأتي من قبول كل شيء، بل من اختيار ما يتناسب مع قدراتي وأهدافي. هذه الانتقائية جعلتني أكثر إنتاجية، حيث أصبحت أركز جهودي على المشاريع التي أؤمن بها وأستمتع بها، بدلاً من التشتت في مهام لا تضيف لي قيمة حقيقية.

وفي الختام، فإن القدرة على قول "لا" تعكس قدرتنا على إدارة حياتنا بشكل متزن. إنها تدل على أننا نعرف ما نريد، ونسعى لتحقيقه دون الانجرار خلف ما لا يناسبنا. إنها ليست مجرد كلمة تُقال في وجه الآخرين، بل هي بوصلتنا الداخلية التي توجهنا نحو حياة مليئة بالمعنى والرضا. عندما نصل إلى هذه المرحلة، نعيش الحياة التي نختارها بأنفسنا، ونعرف كيف نحمي سلامنا الداخلي، وكيف نكون أكثر صدقًا مع ذواتنا.

وبالتالي، يمكن القول إنَّ القدرة على اتخاذ هذا القرار تمثل خطوة كبيرة نحو النضج والاستقلالية، وتصبح هذه القدرة جزءًا لا يتجزأ من شخصيتنا، نعيش بها حياة أكثر اتساقًا مع قيمنا وأهدافنا، بعيدًا عن الضغوط والإملاءات التي لا تنسجم مع ما نؤمن به.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رئيسة جامعة مصر للمعلوماتية: لدينا القدرة على اقتحام سوق الألعاب الإلكترونية العالمية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكدت الدكتورة ريم بهجت رئيس جامعة مصر للمعلوماتية بان الجامعة تشجع طلبتها على المشاركة الفعالة في جهود الجمهورية الجديدة الرامية للارتقاء بالاقتصاد القومي وتعزيز جهود التنمية البشرية، والاستفادة من التصميم المعماري الفريد لمدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة الذي يجمع بين الطراز الفرعوني والطراز الحديث وهو ما نلمسه في تصميم مباني وشوارع وميادين المدينة التي تبرز الكتابة الفرعونية والهرم الزجاجي بالمدينة وزهرة اللوتس والنقوش علي جميع المباني مما يعكس تلاقي الحضارة المصرية القديمة والهندسة الحديثة ليشكلا معا لوحة بديعة تثري مخيلة طلابنا.
وأوضحت ان سوق الألعاب العالمي يشهد نموًا ملحوظًا، مدفوعًا بالتطورات التكنولوجية، للأجهزة والبرمجيات وثورة الاتصالات والإنترنت فائق السرعة وانتشار الألعاب على الهواتف المحمولة، ليتجاوز حجم سوق الألعاب العالمي الـ 200 مليار دولار، وهو ما يظهر أهمية مشاركة مصر في هذا السباق والحصول على نصيب من هذه السوق المهمة، مع التركيز على تصميم العاب الكترونية تعكس ثقافتنا العريقة وتقاليدنا الاصيلة.
وقالت ان الجامعة تفخر بمشاريع عديدة نفذها طلاب كلياتها المختلفة وبصفة خاصة كلية الفنون الرقمية والتصميم والتي ستساعد في تطوير الكثير من القطاعات مثل مرحلة التعليم الأساسي والسياحة، فمثلا صمم ونفذ طلاب بكلية الفنون الرقمية والتصميم أكثر من لعبة الكترونية، تخدم جهود تحديث وتطوير القطاع التعليمي في المرحلتين الابتدائية والاعدادية، والتي يعد الطلاب بها أكثر استجابة للألعاب كوسائل تعليمية تحببهم في المناهج الدراسية.
من جانبه أكد الدكتور أشرف زكي عميد كلية الفنون الرقمية والتصميم بجامعة مصر للمعلوماتية ان الألعاب الإلكترونية التفاعلية تصنع من خلال مزيج من التكنولوجيا والتصميم الفني والخبرة البرمجية، حيث يشمل تطوير الألعاب إنشاء برمجيات معقدة، تتألف من الرسومات والصوت وآليات اللعب، وغالبًا ما يتم صنعها بواسطة فرق متخصصة من المصممين والمبرمجين والفنانين. وتعمل كأداة قوية للتعليم والمحاكاة والتدريب، حيث تتيح للمستخدمين اكتساب مهارات جديدة. وتكمن مزاياها في تعزيز القدرات المعرفية ومهارات حل المشكلات، وتعزيز العمل الجماعي والتفاعل الاجتماعي. 
وأضاف ان طلاب كلية الفنون الرقمية والتصميم يمكنهم الاختيار من بين برنامجين دراسيين ليتخصصوا بإحداهما وهما تصميم الألعاب الالكترونية، وتصميم تجربة المستخدم، ومع العام المقبل سنفتح ،برنامج التصميم الداخلي الرقمي، وربما برامج اخرى.
واوضح ان الجامعة تقدم بيئة داعمة لتصميم الألعاب الالكترونية بفضل الإمكانيات والقدرات التي نمتلكها مثل معمل الماك الذي يتميز باحتوائه على أجهزة متخصصة عالية المواصفات، مصممة لتلبية متطلبات برامج التصميم ثلاثية الأبعاد التي تحتاج إلى أداء فائق يفوق قدرات الحواسب التقليدية؛ حيث توفر هذه البيئة التقنية المتطورة للطلاب والمبدعين فرصة مثالية لصقل مهاراتهم، وتنفيذ مشاريعهم بأعلى معايير الاحترافية.
وأشار الي ان الكلية تشجع طلبتها علي التركيز بتصميماتهم على خدمة القطاع التعليمي والترويج السياحي لمصر ومن الألعاب التعليمية التي صممها ونفذها طلبتنا، عدة العاب الكترونية مثل التي صممتها ونفذتها الطالبة لجين ياسر بالفرقة الرابعة تخصص تصميم الألعاب الالكترونية، حيث تعمل على تحويل دروس بعض المواد بالمرحلة الابتدائية والإعدادية إلى ألعاب، ليصبح التعلم أكثر إمتاعًا للأطفال، وبدأت بدرس من مادة الأحياء للصف الأول الإعدادي وحولته إلى لعبة الكترونية، تشرح كيف تحارب كرات الدم البيضاء في جسم الإنسان الفيروسات، ولعبة الكترونية اخرى لتعريف الاجانب بالتراث المصري عن طريق الاكلات والمعالم السياحية المشهورة بكل محافظة.
من جانبها أوضحت الطالبة سوسن راني بالفرقة الثالثة تخصص تصميم الألعاب الالكترونية ان تصميم لعبة الكترونية يمر بعدة مراحل وهي: اختيار الفكرة، ثم أجراء أبحاث عليها، ثم كتابة جميع تفاصيل اللعبة، ثم مرحلة رسم الاسكتشات للشخصيات والبيئات واختيار المفهوم الخاص باللعبة، وتصميم مستويات المراحل المختلفة، ثم يتم وضع خطة لكيفية مسار اللعبة، وبعدها تحديد أماكن الأعداء والعوائق ومكان الكنز (الجوائز)، بعدها تبدء مرحلة البرمجة وتجربته لإجراء اية تعديلات ضرورية، وبعد ذلك يصبح لدينا لعبة الكترونية بشكلها النهائي.
وأضافت الطالبة مريم روبي بالفرقة الرابعة تخصيص تصميم الألعاب الالكترونية انها صممت ونفذت لعبة الكترونية قصتها عن حرب 6 أكتوبر وهي تستهدف تعريف النشء بتاريخ مصر وانتصاراتها العظيمة، وأيضا لعبة عن قصة خيالية تدعو الى تغليب الخير حيث تحكي قصة بنت صغيرة تتحول الي جنية تجمع اليرقات المضيئة لإنارة قرية فقيرة.

IMG-20250309-WA0041 IMG-20250309-WA0042 IMG-20250309-WA0043

مقالات مشابهة

  • هل يحق لمستفيدي التأهيل الشامل التسجيل في حساب المواطن؟
  • القناة ١٣ الإسرائيلية عن مسؤولين: إذا توصل ترامب لاتفاق مع حماس فسيصعب على نتنياهو الرفض
  • حسن الرداد: أنا مؤمن بالحسد بس عمري ما حصنت نفسي
  • رئيسة جامعة مصر للمعلوماتية: لدينا القدرة على اقتحام سوق الألعاب الإلكترونية العالمية
  • أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين
  • الأونروا: إسرائيل بدأت هدم أكثر من 16 مبنى في مخيم نور شمس
  • عاجل| البيان الختامي لاجتماع منظمة التعاون الإسلامي: الرفض المطلق للخطط الرامية إلى تهجير الفلسطينيين
  • كيف يمكن احتواء المخاطر التي تتعرض لها سوريا؟.. محللون يجيبون
  • عبدالرحيم علي لـ "كلم ربنا": "بعتبر نفسي زرعة ربانية"
  • ارتفاع أسعار المواد الأساسية يضغط على القدرة الشرائية للمغاربة في رمضان