الجزيرة:
2024-09-13@01:59:11 GMT

المفاوضات.. هل هي خدعة من نتنياهو؟

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

المفاوضات.. هل هي خدعة من نتنياهو؟

جرت عدّة جولات من المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب الإسرائيليّة على غزّة دون أن تحرز حتى الآن تقدمًا فارقًا يؤدي إلى وقف العدوان كخطوة أولى، توطئة لانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع بعد تبادل الأسرى والاتفاق المبدئي على خطة لإعادة إعمار ما دمّرته الآلة العسكرية الإسرائيلية.

ومع محاولات الوسطاء، ممثلين في مصر وقطر والولايات المتحدة، لإنضاج اتفاق يوقف الحرب، تبدي المقاومة تذمرًا من التسويف الإسرائيلي والتهرب من الاستحقاقات، ما يدفعها أحيانًا إلى الاحتجاج بفعل وليس بالقول فقط، مثلما هددت بعدم إرسال وفد مفاوضاتها إلى "الدوحة" و"القاهرة".

لكن هذا لا يمثل موقفًا نهائيًا من عملية التفاوض برمتها، ولا يمكن تفسيره على أن المقاومة في غزة قد اختارت المضي في القتال إلى ما لا نهاية. فهذا أمر لا يمكن تصوره ولا تبرره ثقة المقاومين في قدراتهم، ولا عدم اكتراثهم بالمعاناة القاسية التي يعيشها أهل غزة، خصوصًا الأطفال والنساء والعجائز والمرضى والمشردين، إنما هو تعبير عن احتجاج قيادة المقاومة على المسلك التفاوضي الإسرائيلي، الذي لا يُظهر أي نية صادقة في إنضاج اتفاق ينهي القتال.

فالمقاومة، وبعد خبرة طويلة من التجريب والمعاناة، باتت تدرك كيف يفكّر ساسة إسرائيل، وكيف تنقل تل أبيب عملية التفاوض من وسيلة للبحث عن حلّ إلى أداة تلاعب أو شرك خداعي، تريد من خلاله تحقيق عدة أهداف في وقت واحد، وهي:

تطبيق جزء من "العقيدة القتالية" للجيش الإسرائيلي

لا تخرج عن التكتيك المعهود، الذي طالما طرح السلام على أنه مجرد هدنة بين حربين، وجلس إلى التفاوض لإرهاق خصومه أو أخذ أكبر مكسب ممكن منهم بلا حرب. وهذا ما تؤكده الخبرة العربية في التعامل مع إسرائيل على مدار ثلاثة أرباع قرن.

كسب مزيد من الوقت

يتيح لنتنياهو ترتيب أوراقه الداخلية الضاغطة عليه، إذ يدرك تمامًا أن توقف المعركة في غزة، يعني على الفور بدء معركة سياسية وقانونية تخصّه في تل أبيب، لا يضمن أن يخرج منها منتصرًا، بل لا يضمن أساسًا أن يُقلل فيها خسائره إلى حد يبقيه على قيد الحياة السياسية ولو لسنوات قليلة قادمة.

 يراهن نتنياهو على أن استدراج المقاومة إلى التفاوض قد يؤدي إلى تراخي مقاتلي الفصائل الفلسطينية، حين يعتقدون، ولو لبضعة أيام، أن الحرب ستنتهي قريبًا

استخدام التفاوض كواجهة

تحاول إسرائيل من خلالها تجميل وجهها الحربي العدواني أمام شعوب العالم، التي بات فيها كثيرون ناقمين على القتل المفرط والتدمير الذي وصل إلى حد "الإبادة الجماعية" للفلسطينيين في غزة. تسعى تل أبيب إلى إظهار نفسها كطرف جادّ في البحث عن حلّ، بينما هي في الواقع لم تتخلَّ عن الحل الوحيد الذي تؤمن به الآن، وهو استئصال المقاومة، أو تحطيمها بحيث تفقد الفاعلية تمامًا، ثم حرمانها من إدارة قطاع غزة بعد الحرب.

في الوقت نفسه، يستخدم نتنياهو ورقة التفاوض لتقليل الضغوط الدولية عليه، لا سيما مع توالي القرارات والنداءات التي تطالب بوقف الحرب فورًا، سواء من قبل منظمات دولية أو على ألسنة مسؤولين في حكومات عدة حول العالم. ولذلك يحاول الساسة في إسرائيل تحميل "حماس" مسؤولية عرقلة التفاوض، وهو كذب صريح تثبته تصريحات المسؤولين في مصر وقطر، خاصة أنّ البلدين منخرطان بعمق في رعاية هذا التفاوض.

تقليل الأثر الداخلي

يستعمل نتنياهو التفاوض كورقة رابحة لتقليل الأثر السياسي والاجتماعي لقطاع من الشعب الإسرائيلي، بمن فيهم جنرالات سابقون في الجيش وضباط استخبارات متقاعدون وأهالي الأسرى، الذين يرون أن الحرب قد تفشل في تحقيق الأهداف التي حددها الجيش الإسرائيلي في بدايتها. هؤلاء يتحدثون دائمًا عن أن نتنياهو لا يريد التفاوض، وأنه حتى إن وافق على إرسال وفد إسرائيلي، فهو لا يسعى لتحقيق أي حل حالي يقود إلى وقف الحرب.

إضعاف المقاومة

يراهن نتنياهو على أن استدراج المقاومة إلى التفاوض قد يؤدي إلى تراخي مقاتلي الفصائل الفلسطينية، حين يعتقدون، ولو لبضعة أيام، أن الحرب ستنتهي قريبًا. ويعتقد نتنياهو هنا أن اشتداد المقاومة وقت التفاوض ليس تعبيرًا عن قدرة، بل هو محاولة يائسة لتحسين شروط المقاومة على طاولة المفاوضات، جريًا على السلوك المتبع في الحروب كافة.

إحداث شرخ داخل المقاومة

يراهن نتنياهو على أن التفاوض قد يحدث انقسامًا داخل صفوف المقاومة في غزة، خاصة بين جناحيها السياسي والعسكري. السياسيون يتفاوضون تحت ضغوط دولية أو تقديرات ذاتية قد تجعلهم أكثر ميلًا إلى إنهاء جولة الصراع الحالية دون فقدان المقاومة بنيتها العسكرية الفعالة، أو حرمانها من إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وهي مسألة قد لا يعطيها المقاتلون على الأرض الوزن نفسه، أو أنهم يقررون في ظل ضغوط مختلفة عن تلك التي يتعرض لها السياسيون.

ربما كان إدراك المقاومة هذه المحاولة الإسرائيلية هو ما رجح تولي السنوار نفسه رئاسة "حماس"، لتبدو القيادة بشقيها السياسي والعسكري متوحدة في وجه إسرائيل، وهو ما حدث بالفعل، كما بينته تصريحات ساسة فلسطينيين ومحللين متابعين للحرب من كثب.

تدرك المقاومة هذه الاعتبارات الستة وتفهم أن نتنياهو لا يستطيع الإعلان صراحة أنه لا يؤمن بأي مفاوضات تقود إلى حل. إنما سبيله الوحيد لتحقيق أهدافه هي الحرب، وإلا ما أقدم في كل مرة تقترب فيها المفاوضات من تحقيق شيء – كما أعلن مسؤولون في الولايات المتحدة نفسها – على القيام بهجوم وحشي على المدنيين في غزة، مما يحرج المقاومة، ويجعل من الصعب عليها الاستمرار في التفاوض؛ لأن ذلك قد يعني القبول بالشروط الإسرائيلية أو الظهور بمظهر المتنازل.

إنّ المقاومة الفلسطينية، وكذلك رعاة التفاوض، بل إسرائيل نفسها، يدركون القاعدة التي تقول إن المفاوضات هي النهاية الطبيعية للحروب، خصوصًا تلك التي لم تُحسم نتائجها في ميدان القتال.

لكن يبقى توظيف نتنياهو وحلفائه من اليمين الإسرائيلي المتشدد للتفاوض كـ "شرك خداعي" أو "واجهة تجميلية" أو "لعبة لكسب الوقت" هو ما يضع أمام هذه القاعدة الكثير من العراقيل والمعوقات، التي تصنعها نوايا شريرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

معنويات الفلسطينيين

يشير الخط البياني للروح المعنوية فى الحرب على غزة إلى أنه، بمرور الوقت، يتصاعد لدى المقاومة، ويهبط عند الجيش الإسرائيلي، بما قد يجعله هو العامل الأساسي في تحديد النتيجة النهائية للقتال الضروس الدائر، عملاً بالقاعدة المتعارف عليها والتي تؤكد أن حسم الحروب لا يقف على عدد الجيوش وعدتها ومستوى تدريبها فقط، بل على معنويات المقاتلين، التى تعطى العدد والعتاد معنى أو تأثيراً.
يبرهن تحليل تصريحات القادة السياسيين لحركتي حماس والجهاد وأحاديثهم على حالة من الثقة القوية في معنويات المقاتلين، الذين يضيفون هم لهذا البرهان الكثير من خلال التكتيكات العسكرية الناجحة، المحمولة على أسلوب «حرب العصابات»، والتي أمدتهم بقدرة دائمة على تكبيد الإسرائيليين خسائر فادحة في الأفراد والمعدات. على النقيض تتراجع معنويات الجيش الإسرائيلي بشكل ملحوظ، حتى باتت تشكل معضلة شديدة للقيادة العسكرية، وصفتها، بلا مواربة، بأنها «مقلقة» بل «مفزعة».
ففى استطلاع أجرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» ظهر أن الروح المعنوية فى صفوف الضباط تشهد تدهوراً ملحوظاً، إذ عبّر 58% منهم عن رغبتهم في عدم مواصلة الخدمة العسكرية، فيما تضاعفت طلباتهم للتقاعد أثناء الحرب، مع شعورهم العميق بالفشل فى أداء مهامهم القتالية، وهو شعور تراكم حتى بلغ حد «الظاهرة» التي ترجموها فى وصف دال للجيش نفسه بأنه صار «جهازاً فاشلاً».
وتعكس الأرقام التى نشرتها صحف إسرائيلية عن الانهيار النفسى في صفوف الجيش الحالة المعنوية المتدهورة لهم، إذ وصل عدد الذين هم في حاجة إلى علاج نفسى إلى ما يربو على عشرة آلاف جندي وضابط. وهو عدد يزيد كل يوم، ويؤثر سلباً فى قدرة الجيش على مواصلة الحرب بقوة الدفع التى بدأ بها.
ومنذ بداية الحرب وعت المقاومة لدور الحرب النفسية، فردت على قيام إسرائيل بتدوين أسماء نشطاء أجانب وعرب رافضين للإبادة الجماعية التى يقوم بها الجيش الإسرائيلي، بكتابة أسماء شهداء من الضفة، نفذوا عمليات ضد الجيش الإسرائيلى، على قذائف صاروخية، أُطلقت فى اتجاه إسرائيل، وقال بيان للمقاومة إنها «إهداء لأرواح شهداء الضفة الغربية».
وتمكنت المقاومة من تفريغ الحملة التى شنتها إسرائيل لتعزل المقاومين عن الحاضنة الشعبية، وتزعزع صمود الغزاويين، من مضمونها. على التوازي شنت المقاومة حملة مضادة على الشعب الإسرائيلى، من خلال عرض خسائر جيشه، وبث أخبار عن الأسرى، كى يضغط على حكومة بنيامين نتنياهو.
وترسم المقاومة خطتها فى الحرب النفسية على أساس تبديد الأهداف التى حددتها إسرائيل للحرب، وأعلاها تدمير القدرات العسكرية لحماس تماماً، وحرمانها من حكم قطاع غزة بعد الحرب. وإذا كان الوصول إلى الأنفاق وتدميرها هو الوسيلة الأولى لبلوغ هذا الهدف، فإن المقاومة تحرص دوماً على تكذيب أي رواية إسرائيلية تتحدث عن اكتشاف أنفاق رئيسية، ما عبر عنه بجلاء مقطع مصور رداً على إعلان إسرائيل اكتشافها نفقاً كبيراً، تضمن رسالة تقول للإسرائيليين: «وصلتم متأخرين.. المهمة أُنجزت».

مقالات مشابهة

  • عائلات الأسرى الصهاينة: نتنياهو يواصل إفشال صفقة التبادل
  • باحثة سياسية: نتنياهو يعرقل المفاوضات لعدم رغبته في حل الدولتين
  • معنويات الفلسطينيين
  • ماذا وراء طلب المحكمة الجنائية الاستعجال بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو؟
  • مقتل جندي بجيش الاحتلال الإسرائيلي دهسا صباح اليوم في رام الله
  • إذاعة الجيش الإسرائيلي: 60 صاروخا جرى إطلاقها من جنوب لبنان اليوم
  • نتنياهو ووهْم اسمه صفر مقاومة
  • جنرال مصري يهز إسرائيل ويكشف كيف سيتم قطع رأس ” نتنياهو”
  • هآرتس: نتنياهو يحضر للاستيطان وضم شمال غزة إلى إسرائيل
  • مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية: إسرائيل تريد الآن أن تصل إلى السنوار حتى تدمر ما تبقى من المفاوضات