المفاوضات.. هل هي خدعة من نتنياهو؟
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
جرت عدّة جولات من المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب الإسرائيليّة على غزّة دون أن تحرز حتى الآن تقدمًا فارقًا يؤدي إلى وقف العدوان كخطوة أولى، توطئة لانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع بعد تبادل الأسرى والاتفاق المبدئي على خطة لإعادة إعمار ما دمّرته الآلة العسكرية الإسرائيلية.
ومع محاولات الوسطاء، ممثلين في مصر وقطر والولايات المتحدة، لإنضاج اتفاق يوقف الحرب، تبدي المقاومة تذمرًا من التسويف الإسرائيلي والتهرب من الاستحقاقات، ما يدفعها أحيانًا إلى الاحتجاج بفعل وليس بالقول فقط، مثلما هددت بعدم إرسال وفد مفاوضاتها إلى "الدوحة" و"القاهرة".
لكن هذا لا يمثل موقفًا نهائيًا من عملية التفاوض برمتها، ولا يمكن تفسيره على أن المقاومة في غزة قد اختارت المضي في القتال إلى ما لا نهاية. فهذا أمر لا يمكن تصوره ولا تبرره ثقة المقاومين في قدراتهم، ولا عدم اكتراثهم بالمعاناة القاسية التي يعيشها أهل غزة، خصوصًا الأطفال والنساء والعجائز والمرضى والمشردين، إنما هو تعبير عن احتجاج قيادة المقاومة على المسلك التفاوضي الإسرائيلي، الذي لا يُظهر أي نية صادقة في إنضاج اتفاق ينهي القتال.
فالمقاومة، وبعد خبرة طويلة من التجريب والمعاناة، باتت تدرك كيف يفكّر ساسة إسرائيل، وكيف تنقل تل أبيب عملية التفاوض من وسيلة للبحث عن حلّ إلى أداة تلاعب أو شرك خداعي، تريد من خلاله تحقيق عدة أهداف في وقت واحد، وهي:
تطبيق جزء من "العقيدة القتالية" للجيش الإسرائيليلا تخرج عن التكتيك المعهود، الذي طالما طرح السلام على أنه مجرد هدنة بين حربين، وجلس إلى التفاوض لإرهاق خصومه أو أخذ أكبر مكسب ممكن منهم بلا حرب. وهذا ما تؤكده الخبرة العربية في التعامل مع إسرائيل على مدار ثلاثة أرباع قرن.
كسب مزيد من الوقتيتيح لنتنياهو ترتيب أوراقه الداخلية الضاغطة عليه، إذ يدرك تمامًا أن توقف المعركة في غزة، يعني على الفور بدء معركة سياسية وقانونية تخصّه في تل أبيب، لا يضمن أن يخرج منها منتصرًا، بل لا يضمن أساسًا أن يُقلل فيها خسائره إلى حد يبقيه على قيد الحياة السياسية ولو لسنوات قليلة قادمة.
يراهن نتنياهو على أن استدراج المقاومة إلى التفاوض قد يؤدي إلى تراخي مقاتلي الفصائل الفلسطينية، حين يعتقدون، ولو لبضعة أيام، أن الحرب ستنتهي قريبًا
استخدام التفاوض كواجهةتحاول إسرائيل من خلالها تجميل وجهها الحربي العدواني أمام شعوب العالم، التي بات فيها كثيرون ناقمين على القتل المفرط والتدمير الذي وصل إلى حد "الإبادة الجماعية" للفلسطينيين في غزة. تسعى تل أبيب إلى إظهار نفسها كطرف جادّ في البحث عن حلّ، بينما هي في الواقع لم تتخلَّ عن الحل الوحيد الذي تؤمن به الآن، وهو استئصال المقاومة، أو تحطيمها بحيث تفقد الفاعلية تمامًا، ثم حرمانها من إدارة قطاع غزة بعد الحرب.
في الوقت نفسه، يستخدم نتنياهو ورقة التفاوض لتقليل الضغوط الدولية عليه، لا سيما مع توالي القرارات والنداءات التي تطالب بوقف الحرب فورًا، سواء من قبل منظمات دولية أو على ألسنة مسؤولين في حكومات عدة حول العالم. ولذلك يحاول الساسة في إسرائيل تحميل "حماس" مسؤولية عرقلة التفاوض، وهو كذب صريح تثبته تصريحات المسؤولين في مصر وقطر، خاصة أنّ البلدين منخرطان بعمق في رعاية هذا التفاوض.
تقليل الأثر الداخلييستعمل نتنياهو التفاوض كورقة رابحة لتقليل الأثر السياسي والاجتماعي لقطاع من الشعب الإسرائيلي، بمن فيهم جنرالات سابقون في الجيش وضباط استخبارات متقاعدون وأهالي الأسرى، الذين يرون أن الحرب قد تفشل في تحقيق الأهداف التي حددها الجيش الإسرائيلي في بدايتها. هؤلاء يتحدثون دائمًا عن أن نتنياهو لا يريد التفاوض، وأنه حتى إن وافق على إرسال وفد إسرائيلي، فهو لا يسعى لتحقيق أي حل حالي يقود إلى وقف الحرب.
إضعاف المقاومةيراهن نتنياهو على أن استدراج المقاومة إلى التفاوض قد يؤدي إلى تراخي مقاتلي الفصائل الفلسطينية، حين يعتقدون، ولو لبضعة أيام، أن الحرب ستنتهي قريبًا. ويعتقد نتنياهو هنا أن اشتداد المقاومة وقت التفاوض ليس تعبيرًا عن قدرة، بل هو محاولة يائسة لتحسين شروط المقاومة على طاولة المفاوضات، جريًا على السلوك المتبع في الحروب كافة.
إحداث شرخ داخل المقاومةيراهن نتنياهو على أن التفاوض قد يحدث انقسامًا داخل صفوف المقاومة في غزة، خاصة بين جناحيها السياسي والعسكري. السياسيون يتفاوضون تحت ضغوط دولية أو تقديرات ذاتية قد تجعلهم أكثر ميلًا إلى إنهاء جولة الصراع الحالية دون فقدان المقاومة بنيتها العسكرية الفعالة، أو حرمانها من إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وهي مسألة قد لا يعطيها المقاتلون على الأرض الوزن نفسه، أو أنهم يقررون في ظل ضغوط مختلفة عن تلك التي يتعرض لها السياسيون.
ربما كان إدراك المقاومة هذه المحاولة الإسرائيلية هو ما رجح تولي السنوار نفسه رئاسة "حماس"، لتبدو القيادة بشقيها السياسي والعسكري متوحدة في وجه إسرائيل، وهو ما حدث بالفعل، كما بينته تصريحات ساسة فلسطينيين ومحللين متابعين للحرب من كثب.
تدرك المقاومة هذه الاعتبارات الستة وتفهم أن نتنياهو لا يستطيع الإعلان صراحة أنه لا يؤمن بأي مفاوضات تقود إلى حل. إنما سبيله الوحيد لتحقيق أهدافه هي الحرب، وإلا ما أقدم في كل مرة تقترب فيها المفاوضات من تحقيق شيء – كما أعلن مسؤولون في الولايات المتحدة نفسها – على القيام بهجوم وحشي على المدنيين في غزة، مما يحرج المقاومة، ويجعل من الصعب عليها الاستمرار في التفاوض؛ لأن ذلك قد يعني القبول بالشروط الإسرائيلية أو الظهور بمظهر المتنازل.
إنّ المقاومة الفلسطينية، وكذلك رعاة التفاوض، بل إسرائيل نفسها، يدركون القاعدة التي تقول إن المفاوضات هي النهاية الطبيعية للحروب، خصوصًا تلك التي لم تُحسم نتائجها في ميدان القتال.
لكن يبقى توظيف نتنياهو وحلفائه من اليمين الإسرائيلي المتشدد للتفاوض كـ "شرك خداعي" أو "واجهة تجميلية" أو "لعبة لكسب الوقت" هو ما يضع أمام هذه القاعدة الكثير من العراقيل والمعوقات، التي تصنعها نوايا شريرة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا اختار نتنياهو ديرمر لقيادة المفاوضات؟
ما إن نشر خبر موافقة مكتب نتنياهو على بدء المرحلة الثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، حتى قفز إلى الواجهة اسم المستشار السياسي الأكثر قربًا من بنيامين نتنياهو، وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر. إذ أعلن مكتب نتنياهو تسليم ديرمر مسؤولية قيادة وفد التفاوض الإسرائيلي في هذه المرحلة بدلًا من رئيسَي جهاز الموساد ديدي برناع، وجهاز الشين بيت رونين بار.
هذا التعيين يثير أسئلةً كثيرةً حول خلفيات هذا الاختيار لهذه الشخصية بالذات، واستبعاد قادة الأجهزة الأمنية بالمقابل. ولكن للحق، فإن نتنياهو قد ضرب بهذا التعيين أكثر من عصفورٍ بحجرٍ واحد.
رون ديرمر ينحدر من أصلٍ ألماني من جهة أبيه المحامي الذي كان قد ولد في نيويورك لعائلةٍ هاجرت قديمًا إلى الولايات المتحدة، ومن أصلٍ ألماني وبولندي من جهة أمه التي ولدت في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني لأبوين مهاجرين من ألمانيا وبولندا قبل الحرب العالمية الثانية، وبعد النكبة الفلسطينية هاجرت عائلة أمه بالكامل إلى ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، حيث التقى والده بوالدته وتزوجا، ثم ولد رون في فلوريدا عام 1971، وعاش طفولته وشبابه هناك.
ودرس ديرمر في صباه في مدرسةٍ دينيةٍ يهودية متشددة في مدينته ميامي بيتش، ونشأ فيها متعصبًا لإسرائيل التي تعلم في تلك المدرسة أنها هي التي تمثل طموحات الشعب اليهودي وآماله، بما شده للسفر إلى إسرائيل أكثر من مرة، ودرس الاقتصاد والإدارة في جامعة بنسلفانيا، ثم الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة عام 1993، وكان يرأس جمعيةً طلابيةً يهودية باسم (لخايم) خلال دراسته هناك، ويبدو أن سنوات دراسته ونشاطه في أكسفورد هي التي أدخلته في عالم السياسة الإسرائيلية، حيث نشط من بريطانيا في حزب (يسرائيل بعاليا) الإسرائيلي اليميني القومي الذي رأسه في ذلك الوقت نتان شيرانسكي (وهذا الحزب اندمج في حزب الليكود عام 2006).
إعلانوبرز اسم ديرمر في ذلك الوقت بين الناشطين في هذا الحزب خاصةً في انتخابات عام 1996 في إسرائيل التي فاز فيها نتنياهو لأول مرةٍ برئاسة الحكومة، ليهاجر بعد تخرجه إلى إسرائيل عام 1997 ويكتسب الجنسية الإسرائيلية ويتزوج هناك، ويقال إن شيرانسكي هو الذي قدّم ديرمر لنتنياهو في ذلك الوقت المبكر من مسيرة نتنياهو السياسية، وبالتالي فإن علاقة نتنياهو وديرمر قديمة ومرافقة لكافة مراحل حياة نتنياهو في دهاليز السياسة الإسرائيلية، وما لبث أن أصبح أحد أقرب الشخصيات لنتنياهو على الإطلاق، حتى بات البعض يطلق عليه لقب (ظل نتنياهو).
هذا الشخص المتشدد بلغ به التعصب لدولة الاحتلال لدرجة أنه تنازل بلا تردد عن جنسيته الأميركية الأصلية عام 2005 ليتمكن من شغل منصب الملحق الاقتصادي في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، الذي رشحه له بنيامين نتنياهو الذي كان يشغل منصب وزير المالية في حكومة أرييل شارون آنذاك.
وبعد عودته إلى إسرائيل عام 2008 ساهم بفاعلية في نجاح حملة نتنياهو الانتخابية وحصوله على رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 2009، ليعينه نتنياهو مستشاره الخاص، ويتحول إلى رجل في غاية القوة والنفوذ، حتى إنه كان يكتب خطابات بنيامين نتنياهو، وهذا ما جعل نتنياهو يسلمه ملفًا حساسًا هو منصب سفير إسرائيل في واشنطن، وهو الملف الذي برع ديرمر في إدارته بسبب علاقاته الواسعة في الأوساط الأميركية.
وهنا برزت علاقاته مع التيار المحافظ في الولايات المتحدة، حيث نجح في بناء شبكة علاقات واسعةٍ مع شخصياتٍ محسوبة على الحزب الجمهوري، وهي التي ستقدمه في وقتٍ لاحقٍ للرئيس دونالد ترامب في فترته الأولى، حيث أعجب به ترامب بعد أن علم بدوره الكبير في توجيه وتحريك دفة السياسة الإسرائيلية تجاه الولايات المتحدة، ولا سيما دوره في كتابة الخطاب الأشهر لبنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي في عهد إدارة أوباما عام 2015، والذي أثار أزمةً دبلوماسيةً حينها بين إدارة أوباما وإسرائيل بعد تحريض نتنياهو في خطابه على عدم المضي قدمًا في خطة أوباما لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما كان يتفق تمامًا مع أهواء الجمهوريين، ولا سيما دونالد ترامب.
وهذا المدخل جعل من ديرمر مفتاحًا أساسيًا من مفاتيح السياسة الإسرائيلية في الولايات المتحدة في عهد ترامب، فمن خلال علاقاته التجارية والسياسية والاجتماعية المتعددة، لعب دورًا مركزيًا في تسهيل عدد من المشروعات الخطيرة، وعلى رأسها اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها عام 2017، وكذلك اعترافها بضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل رسميًا، وساهم بفاعليةٍ كبيرةٍ في عقد اتفاقيات أبراهام مع عدد من الدول العربية عام 2020، وهو ما جعل وجوده في واشنطن مفتاح نجاحٍ مبدئيٍّ لطموحات نتنياهو.
إعلانومع قدوم حكومة نتنياهو الثانية، قرر نتنياهو تسليم حقيبة وزارة الشؤون الإستراتيجية لصديقه الوفي ديرمر، وهذه الوزارة التي أنشئت عام 2006 في عهد حكومة إيهود أولمرت كوزارةٍ شكليةٍ لإرضاء أفيغدور ليبرمان زعيم حزب (إسرائيل بيتنا)، تحولت إلى أداةٍ مهمةٍ بيد حكومات الليكود المتعاقبة، ويدٍ ناعمة خفية تعمل على ملفات تبدو صغيرةً ولكنها حساسة، مثل ملف ملاحقة أعضاء حركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل (BDS)، والعلاقات العامة مع مؤسسات المجتمع المدني وما شابهها.
وفي عهد ديرمر تحوَّلت هذه الوزارة إلى أداةٍ فعالةٍ في دبلوماسية الأبواب المغلقة ومحادثات ما تحت الطاولة، ويبدو أن نتنياهو بات يعتمد على ديرمر في هذه الوزارة – التي كان يفترض قديمًا أنها هامشية – لدرجة أنه خصص لديرمر مقعدًا دائمًا في كابينت الحرب الذي يدير الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الأمر الذي لم يكن نتنياهو يتيحه لوزراء في وزاراتٍ مركزيةٍ حيويةٍ، مثل وزارة الأمن القومي التي كان يرأسها إيتمار بن غفير.
من خلال النظر في هذه الحقائق، تتكشف لنا أسرار اختيار نتنياهو لديرمر ليرأس وفد المفاوضات في مرحلتها الثانية المفصلية على حساب رئيسَي جهاز الموساد والشين بيت.
فنتنياهو في مفاوضات المرحلة الأولى التي كان يرأس وفد إسرائيل فيها رئيس الموساد وجد نفسه مضطرًا تحت ضغط مبعوث ترامب ستيفن ويتكوف للنزول عن الشجرة والموافقة على الصفقة في مرحلتها الأولى. وهو يأمل بتعيينه ديرمر أن يكون قد أعاد لنفسه السيطرة الكاملة على ملف المفاوضات في مرحلتها الثانية.
اختيار ديرمر يعني أن نتنياهو يريد السيطرة على مفاتيح المفاوضات، ذلك أن ديرمر يمكن أن نعتبره نسخةً من نتنياهو، وهو ما جعل عائلات الأسرى الإسرائيليين تعبر عن خوفها من هذا الاختيار، فديرمر قال لهم في أحد اللقاءات إنه لن يؤيد أي اتفاق يوصل إلى إنهاء الحرب دون ضمان القضاء الكامل على حماس، في تكرارٍ حرفي لكلام نتنياهو.
إعلانمن ناحيةٍ أخرى، فإن نتنياهو بهذا التعيين يرجو أن يتخلص من ضغوط ترامب، حيث يرى نتنياهو أن ديرمر شخصية محببة لترامب، وهذا أمر حقيقي، فديرمر كان قد صرح في أحد لقاءاته العامة أنه يعتبر ترامب ملهمًا له لدراسة الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا في شبابه بعد أن قرأ أحد كتبه حول إدارة الأعمال.
كما أن علاقاته السياسية بترامب في فترة رئاسته الأولى كانت نتائجها كبيرة كما أسلفنا. ومن هنا فإن نتنياهو يرى أن وجود ديرمر على رأس الوفد المفاوض قد يساهم في تخفيف الضغوط الأميركية عليه؛ لأن ديرمر حلقةُ وصلٍ مقربةٌ لكلا الطرفين: نتنياهو وترامب.
وفي نفس الوقت، فإن تعيين ديرمر يعتبر محطةً أساسيةً ضمن محطات الحرب الدائرة في الأروقة بين نتنياهو وأجهزة الأمن الإسرائيلية وانقلابه عليها، فهي تعتبر أن تهور نتنياهو قد يودي بمشروع دولة الاحتلال كله إلى المجهول، ونتنياهو يعتبر أن نجاحه في وضع رَجُلِه المقرّب على رأس الوفد المفاوض بمباركة ترامب يجعله يكسب نقاطًا كثيرةً في وجه الأجهزة الأمنية، ويكون بذلك قد نجح في تحييدها عن أروقة اتخاذ قرارات الحرب الحالية، حتى إنه اتخذ قرارًا بمنع قادتها من حضور الاجتماعات الأمنية، وهو ما سيسهل عليه التخلص منهم لاحقًا دون إزعاج من الإدارة الأميركية التي لطالما كانت حليفًا وثيقًا للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتثق تمامًا في تقديراتها المختلفة.
التخوف هنا في الحقيقة يكمن في أن تعيين ديرمر يعني أن نتنياهو يريد أن يكون هو نفسه الذي يقود المفاوضات، وهو الذي في نفس الوقت لا يريدها أن تنجح، وإن نجحت فبناءً على رؤيته الخاصة دون تنازلات مؤذية، لأنه يثق في قدرة ديرمر على تخفيف الضغوط الأميركية مع إبقاء مصلحة نتنياهو في مقدمة اهتماماته، وخاصة بسبب حماسة ديرمر نفسه للحرب.
ينبغي ألا ننسى هنا أيضًا أن ديرمر هو مهندس أوّل فكرة طرحت للتهجير القسري للفلسطينيين من غزة برًا وبحرًا في بداية الحرب مباشرةً، بل إنه حاول تسويق التهجير أكثر من مرةٍ لإدارة بايدن، واختياره يدل على أن نتنياهو يريد تطبيق خطة التهجير بأي ثمنٍ.
إعلانوهذا ما يرتب على المفاوض الفلسطيني أن يتمتع بصلابةٍ مضاعفةٍ في المرحلة الثانية من المفاوضات مهما كانت الضغوط؛ لأنه هذه المرة لن يواجه جهةً واحدةً، بل جهتين متفقتين على خطة فرض الاستسلام عليه بالقوة، وتهجيره خارج القطاع نهائيًا ودون رجعة.
ويجب أن يعيَ المفاوض الفلسطيني أبعاد ما يريده نتنياهو وظلُّه ديرمر، أو ترامب وشركاؤه، ويثقَ في نفس الوقت أنه يملك من الأوراق ما يجعله قادرًا على فرض رؤيته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline