الجديد برس/ تقرير

تمر مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، بأصعب وأخطر مراحلها، في ظل التصعيد الإسرائيلي “الساخن” على لبنان وغزة، والمرجح لمزيد من الانفجار وإشعال حربًا إقليمية “طاحنة” لا يمكن التنبؤ بصعوبتها وخطورتها وحتى النيران التي ستأكلها.
ورغم أن الكثير يعلقون آمالاً ضعيفة على مفاوضات “الفرصة الأخيرة” التي ستنطلق بعد أيام في العاصمة المصرية القاهرة، إلا أن معظم المؤشرات تتجه نحو جولة تصعيد جديدة، خاصة في ظل تعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ورفضه بشكل قاطع التوصل لاتفاق مع حركة “حماس” لإنهاء حرب غزة.

هذا المؤشر يجعل حركة “حماس” ومحور المقاومة بأكمله وإيران، أمام أصعب وأخطر السيناريوهات التي قد تم تأجيلها، بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران نهاية الشهر الماضي، وكذلك أبرز قادة “حزب الله” في العاصمة اللبنانية بيروت فؤاد شكر قبل بيوم واحد فقط.
فالخيار المتاح الآن، اتفاق على وقف حرب غزة أو الدخول بتصعيد إقليمي سيُشعل المنطقة بأكملها، ويبدو هذا ما يسعى له نتنياهو، الذي يتعرض لهجوم إسرائيلي داخلي غير مسبوق بسبب تعطيله انجاز صفقة تبادل للأسرى مع حركة “حماس” وإنهاء الحرب.

ورقة “حماس” القوية

وتحدثت وسائل إعلام عبرية، الأربعاء، عن آخر مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة والتوصل لصفقة تبادل بين إسرائيل و”حماس”، وقالت قناة “كان” نقلاً عن مصادر في فريق التفاوض الإسرائيلي، إن نتنياهو لا زال يضع عقبات أمام التوصل لصفقة تبادل أسرى، وأضافت أنه حتى الليلة الماضية كان هناك عدة أشخاص في الدوحة في محاولة يائسة لإنقاذ احتمالات نجاح الصفقة.
وأشارت القناة إلى أن هذه المفاوضات الملموسة تعود بالكامل إلى نتنياهو وتحت إدارته والمسؤولية عنها تقع تحت عاتقه، مؤكدة أن من بين العقبات التي يضعها نتنياهو ما يخص نتساريم وفيلادلفيا، حيث أنه يصر على عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا.
بدورها قالت صحيفة “يديعوت احرونوت” العبرية، إنه لا يزال 109 أسرى محتجزين في قطاع غزة بينهم عشرة مواطنين أجانب، ورسميا أعلنت إسرائيل مقتل 36 منهم “ثلاثة منهم أجانب، بمعنى أنه لا يزال هناك 73 على قيد الحياة”.
وأوضحت الصحيفة أنه “من الناحية العملية ووفقا للتقديرات والتقارير المختلفة فإن عدد الأسرى الأحياء أقل وربما أكثر من 50″، ولفتت إلى أن “هذا الغموض بشأن مصير العديد من المختطفين يعتبر أحد الخلافات الرئيسية بين إسرائيل وحماس وهو ما يمنع إلى جانب قضية فيلادلفيا ونتساريم من تقدم الصفقة المطروحة”.
وأكدت الصحيفة، أن “هناك شكوك أيضا فيما إذا كان سيتم التوصل إلى صيغة مقبولة لكل من إسرائيل وحماس فيما يتعلق بالانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية ولذلك لا زالت الخلافات والفجوات كبيرة”.
محرر الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس”، إن حركة “حماس” ترى فخا في أحدث مقترح لوقف إطلاق النار بعدما تبنت الولايات المتحدة موقف إسرائيل، وإن ردها على ما يجري في غزة قد يكون استئناف العمليات “الاستشهادية”، في حين شككت افتتاحية الصحيفة في أن يكون نتنياهو قد قبل فعلا الخطة الأميركية الجديدة.
وفي تقرير بعنوان “وحدة الجبهات: العمليات الاستشهادية رد حماس على ما يجري في غزة”، كتب جاكي خوري محرر الشؤون العربية في هآرتس أن حماس ترى -في الأساس- في أحدث نسخة من مقترحات وقف إطلاق النار الأميركية المتقلبة تبنيا لموقف إسرائيل في رفض نهاية الحرب والانسحاب الشامل من قطاع غزة.
وكتب أن عملية التفجير في تل أبيب قبل يومين، والأهم منها تبني حماس وحركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتهما عنها، أحيت خوفا قديما وهو عودة العمليات “الاستشهادية” إلى قلب إسرائيل كما في تسعينيات القرن الماضي، حتى إنه لم يُعرف إذا ما كانت الحركتان قادرتين عملياتيا على شنها.
ولاحظ الكتاب أن توقيت التفجير الذي أدى لمقتل شخص وإصابة آخر يكتسي أهمية هو الآخر، إذ جاء في خضم حراك دبلوماسي وسياسي لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وقبيل زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
ورغم أن الهجوم محدود، فإن القلق لن يختفي حسب كاتب التقرير الذي ذكّر بأن رسالة الفلسطينيين، خاصة حماس والجهاد، واضحة، وهي أن مواصلة تعطيل الصفقة، خاصة من قبل نتنياهو، تعني أن الصراع سيتغير، إن لم يكن في القطاع، ففي داخل إسرائيل، وستُطرح العمليات الاستشهادية خيارا مرة أخرى.
ووصف ذلك بنوع آخر من وحدة الجبهات، فأحداث غزة تؤثر على الضفة الغربية وما يستشعره سكان الضفة سيؤثر على كبريات مدن إسرائيل.
التوقيت مهم أيضا بالنسبة لحماس من حيث إنها تنظر لا فقط إلى ما حدث الأيام القليلة الماضية، بل أيضا إلى ما لم يحدث، فالضغط الدولي (بما فيه العربي) ضعيف، والأمم المتحدة نفضت يديها مما يجري، ولم يعد يُعوّل كثيرا على محكمة العدل الدولية، أما غزة فعمها الخراب، وفق تعبيره.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي أن رئيس حركة حماس يحيي السنوار لا يزال يحتفظ بورقتين أشبه بالجزرة والعصا: فمن جهة يمسك بالأسرى الإسرائيليين الذين يتطلب الإفراج عنهم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وإنهاء الحرب والانسحاب من غزة، ومن جهة أخرى يشن حرب عصابات في القطاع ويحاول إضرام النار في الضفة وإطلاق عمليات انتقامية داخل إسرائيل.

الفخ الأمريكي

وقال الكاتب خوري إن حماس ترى فخاً في المقترح الأميركي الأحدث الذي قضى أساساً بوقف متدرج لإطلاق النار مع احتفاظ إسرائيل بخيار استئناف القتال في نهاية المرحلة الأولى.
وأضاف أن المقترح يعني بالنسبة لها أن واشنطن تتبنى موقف إسرائيل التي ترفض أساسا الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والانسحاب التام من غزة، لذا تعمدت حماس -حسبه- تسريب تفاصيل الخطة وأبرزها تأجيل بحث نهاية الحرب حتى نهاية المرحلة الأولى، مع غياب التزام واضح بالانسحاب من محور فيلادلفيا وبتجسيد آلية مراقبة في محور نتساريم، ناهيك عن مطالب إسرائيل بترحيل عشرات الأسرى الفلسطينيين ورفضها إدراج أسماء عشرات آخرين.
واختتم خوري كاتبا أن حماس ليس لديها ما تخسره، فقد فهمت أن هدف واشنطن الحصول على سلام حتى انتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وتقديم صورة نصر في عودة المحتجزين المدنيين (وربما بعض المجندات) مقابل الإفراج عن عدد محدود من الأسرى الفلسطينيين، وهي تعتقد أن المرحلة الثانية تكتسي أهمية أقل بالنسبة لواشنطن وحتى بالنسبة لإسرائيل التي ترى في كل ذلك ثمنا من أثمان الحرب، لذا تركز الحركة معركتها الحقيقية على المرحلة الأولى على أمل أن تكون الأخيرة.
وبهذا الصدد، علّقت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية على التفاؤل الذي تحاول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن تبثه بشأن المفاوضات الجارية لإبرام صفقة وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، في وقتٍ تقول إسرائيل وحماس إنّ “الخلافات الكبرى لا تزال من دون حل”.
وقالت الصحيفة الأميركية إنّ إدارة بايدن “تضع، مرةً أخرى، ثقلها الدبلوماسي وراء الجهود المبذولة لكسر الجمود في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بشأن وقف إطلاق النار، لإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر في غزة. وأعرب المسؤولون الأميركيون عن تفاؤلهم بشأن إمكان التوصل إلى اتفاق”.
ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين مطلعين على المحادثات، أنّه بموجب الاقتراح الأميركي الجديد، “سوف تتمكن القوات الإسرائيلية من مواصلة دورياتها في جزء من حدود غزة مع مصر، وإن كان عبر أعداد مخفضة”.
لكن هذا الحل “من المرجح أن يكون غير قابل للتطبيق بالنسبة إلى حماس”، كما “أعربت مصر أيضاً عن اعتراضاتها الشديدة على الوجود الإسرائيلي طويل الأمد في تلك المنطقة”، وفق “نيويورك تايمز”.
وأكّدت القاهرة أنّها لن تقبل بقاء قوات إسرائيلية في محور “فيلادلفيا”، وهو ما يقول عنه المسؤولون المصريون إنّه “قد يشكل تهديداً للأمن القومي، ومن المرجح أن يثير غضب الرأي العام المصري”.
وفي إشارة إلى إحباط مصر، “صعّدت وسائل الإعلام الحكومية لهجتها ضد إسرائيل في الأيام الأخيرة، متهمةً إياها بمحاولة إثارة قتال مع مصر بشأن الممر، من أجل تأخير التقدم في وقف إطلاق النار في غزة”، بحسب الصحيفة.
وما يُشكّل عقبةً أخرى هو طلب المسؤولين الأميركيين أيضاً، خلال محادثات وقف إطلاق النار، التي انتهت يوم الجمعة الماضي، تأجيل المحادثات المعمقة بشأن طلب “إسرائيل” “فحص” النازحين الفلسطينيين العائدين إلى شمالي قطاع غزة، وفقاً لمسؤولين مطلعين على المحادثات.
وعليه، “يبدو الآن أنّ المحادثات تواجه خطر الوصول إلى طريق مسدود آخر”، بينما قال مسؤولان إسرائيليان إنّ موعد الاجتماع المقبل “لم يتم تحديده بعد”، وإنّه “من غير الواضح أين قد يُعقد”.
وامام هذا التطور.. هل ستقع “حماس” في الفخ؟ وهل ستقبل مصر بتواجد إسرائيلي على معبر رفح وفيلادلفيا؟ وماذا عن رد إيران
المصدر: رأي اليوم – نادر الصفدي

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: إطلاق النار فی غزة وقف إطلاق النار المرحلة الأولى إسرائیل وحماس

إقرأ أيضاً:

الحرب الغربية على الشعب الفلسطيني ‏والتنكر لحق المقاومة

تتوافر الدول الغربية والمستعمرة الإسرائيلية على قيم تاريخية مشتركة شكلت ذاتا وكينونة تقوم على إبادة وغزو الآخر المختلف، فالقيم المشتركة للسوء والقبح تتمتع بتاريخ غربي عدائي طويل تجاه الأغيار؛ يستند إلى آفات الاستعمار الاستيطاني والعنصرية والتفوقية البيضاء والإبادة الجماعية، وهي مفاهيم وأدوات إمبريالية واستعمارية راسخة لم تتبدل مع تعاقب الأحوال وتبدل الأزمان.

فمنذ اللحظة الأولى لعملية "طوفان الأقصى" شاركت الدول الغربية في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها المستعمرة الإسرائيلية ضد الشعب ‏‏الفلسطيني‏‏، ولم تقتصر المشاركة الغربية على الإمدادات العسكرية والمساعدات المالية والتغطية السياسية والقانونية والإعلامية، بل عمدت إلى تزييف الحقائق وتحريف الوقائع من خلال إصباغ الشرعية على الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ومنحه حق الدفاع عن النفس، ونزع الشرعية عن مقاومة الشعب الفلسطيني وتجريمه وإدانته ووصفه بـ"الإرهاب".

عندما شنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، هجوما مفاجئا على القواعد العسكرية للاحتلال الإسرائيلي في غلاف عزة، انتفضت الروح الإمبريالية الاستعمارية الغربية للدفاع عن المستعمرة الإسرائيلية. ففي اللحظات الأولى لهجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قال رئيس الولايات المتحدة جو بايدن: "تحدثت هذا الصباح مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن الهجمات المروعة والمستمرة في إسرائيل. تدين الولايات المتحدة بشكل صارم هذا الهجوم المروع ضد إسرائيل الذي شنّه إرهابيو حماس من غزة، وقد أوضحت لرئيس الوزراء نتنياهو أننا على استعداد لتقديم جميع وسائل الدعم المناسبة لحكومة إسرائيل وشعبها. فالإرهاب غير مبرر على الإطلاق، ومن حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وعن شعبها. وتحذر الولايات المتحدة من استغلال أي طرف آخر معاد لإسرائيل هذا الوضع خدمة لمصالحه. إن دعم إدارتي لأمن إسرائيل راسخ ولا يتزعزع".

بعد أيام بدأ القادة الغربيون يتوافدون إلى تل أبيب، وفي 23 تشرين الأول/ أكتوبر عقد اجتماع عبر الهاتف دعا إليه بايدن لزعماء الدول الغربية الإمبريالية، ضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا، وجاء في بيان مشترك: "اليوم، نحن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والرئيس الأمريكي جو بايدن، نعرب عن دعمنا الثابت والموحد لدولة إسرائيل والإدانة القاطعة لحركة حماس وأعمالها الإرهابية المروعة. ونحن نوضح أن لا مبرر ولا شرعية للأعمال الإرهابية التي تقوم بها حماس ويجب إدانتها عالميا. لا مبرر للإرهاب على الإطلاق، وقد رأى العالم بهلع إرهابيي حماس وهم يذبحون عائلات في منازلها ويذبحون أكثر من مئتين من الشباب الذين كانوا يستمتعون بمهرجان موسيقي ويختطفون نساء مسنات وأطفال وأسر بأكملها ويحتجزونهم الآن كرهائن. ستدعم دولنا إسرائيل في جهودها للدفاع عن نفسها وشعبها ضد الفظائع المماثلة، ونؤكد أيضا على أن هذه الفترة غير مناسبة لتستغلها أي جهة معادية لإسرائيل لتحقيق مكاسب. وسنبقى متحدين ونواصل التنسيق كحلفاء وكأصدقاء مشتركين لإسرائيل في خلال الأيام المقبلة، وذلك لضمان أن تتمتع إسرائيل بقدرة الدفاع عن نفسها ولتهيئة الظروف للمزيد من السلام والتكامل في منطقة الشرق الأوسط في نهاية المطاف".

لا غرابة في وصف الدول الغربية للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ففي كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون ضد الاحتلال يستحضر الغرب تهمة الإرهاب، دون الإشارة إلى السياق الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. وهذه التهمة للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب، تتيح للدول الغربية الإمبريالية القفز عن حقيقة الاحتلال، وتسمح لها بارتداء لباس القانون والضمير الإنساني، وتناسي حقيقة النظام الاستعماري الفصل العنصري
لا غرابة في وصف الدول الغربية للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ففي كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون ضد الاحتلال يستحضر الغرب تهمة الإرهاب، دون الإشارة إلى السياق الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. وهذه التهمة للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب، تتيح للدول الغربية الإمبريالية القفز عن حقيقة الاحتلال، وتسمح لها بارتداء لباس القانون والضمير الإنساني، وتناسي حقيقة النظام الاستعماري الفصل العنصري (الأبارتايد) الوحشي الذي يضطهد الفلسطينيين بشكل يومي.

لكن القيم الإمبريالية والاستعمارية المشتركة بين الدول الغربية وإسرائيل تطمس منظومة القيم الإنسانية وتحتكر تفسيرها وتطبيقها، وتتنكر لقيمة المقاومة في مواجهة الاحتلال إذا جاءت على غير مقاسها، فهي تحتفي بالحرب في أوكرانيا وتصف التصدي لروسيا بالمقاومة، بينما تصف المقاومة الفلسطينية لاحتلال إسرائيلي صريح بالارهاب، في تناقض فاضح مع كافة المبادئ والمواثيق التي تنص على أن الاحتلال يطلق العنان دائما لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها، كما ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عقب الثورة الفرنسية في 26 آب/ أغسطس 1789، "إن مقاومة القمع هي حق أساسي"، ولا يمكن تجريد الشعب الفلسطينيي من هذا الحق.

إن الحيلة الغربية المفضوحة باعتبار حركات المقاومة الفلسطينية منظمات إرهابية، تهدف إلى نزع الصفة السياسية عن عملها، ونزع الحصانة الإنسانية عن أعضائها، فوصف المقاومين الفلسطينيين بالإرهابيين يضع جنود المقاومة الفلسطينية في قائمة "محاربون لا شرعيّين"، بل إن حشر الفلسطيني في هوية جوهرانية إرهابية هو الأصل، ففي الصّحافة الإسرائيليّة والغربية كلّما تعرّض الجيش الإسرائيليّ لمقاومة غير منتظرة من الفلسطينيّين، اعتبرتها الصّحافة دليلا على عملهم الإرهابيّ. فحسب الرؤية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية لا يحقّ للإرهابيّ أن يقاوم، وهذه المفارقة تقع في صميم الفكرة الّتي ينهض عليها برنامج "الحرب ضدّ الإرهاب"؛ هذه الحرب الغريبة التي يضحى فيها العدوّ مجرما بسبب دفاعه عن نفسه أو مقاومته.

عمدت الدول الغربية الإمبريالية إلى تصنيف منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، وعندما كفّت منظمة التحرير عن المقاومة وخضعت للمتطلبات والاشتراطات الغربية رُفعت عن لوائح الارهاب، لكن ذلك لا يمنح منظمة التحرير حصانة أبدية، فتصنيفها مشروط بعدم ممارسة أي شكل من أشكال المقاومة، وعندما تولت حركة حماس خيار المقاومة المسلحة، شرعت الدول الغربية بتصنيفها منظمة إرهابية. ففي 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1997، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية حماس كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية بصيغته المعدلة. وبعد ذلك، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2001، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية حماس بشكل خاص ككيان إرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 بصيغته المعدلة.

الحيلة الغربية المفضوحة باعتبار حركات المقاومة الفلسطينية منظمات إرهابية، تهدف إلى نزع الصفة السياسية عن عملها، ونزع الحصانة الإنسانية عن أعضائها، فوصف المقاومين الفلسطينيين بالإرهابيين يضع جنود المقاومة الفلسطينية في قائمة "محاربون لا شرعيّين"، بل إن حشر الفلسطيني في هوية جوهرانية إرهابية هو الأصل
لم تتأخر دول الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة في تصنيف حركة حماس منظمة إرهابية، فقد أدرجت المحكمة الأوروبية العليا حماس على لائحة الاتحاد الأوروبي للإرهاب في 2001، وبعد خلافات أعلنت محكمة العدل الأوروبية حكما برفع اسم حماس من قوائم الإرهاب، استنادا على خطأ في الإجراءات القانونية في 2014، وعاود التكتل الأوروبي إجراءاته لرفع الحركة من قوائم الإرهاب، لذا تم تعليق القرار في 2015، ثم أوصت المدعية العامة بمحكمة العدل الأوروبية إليانور شاربستون، بحذف حركة حماس من قوائم الإرهاب في 2016، وعادت القضية للمحكمة الابتدائية لإعادة النظر فيها، بعد قرار محكمة العدل بإبقاء حماس ضمن قوائم الإرهاب في 2017، وقد أيدت محكمة العدل الأوروبية قرار المجلس الأوروبي بإبقاء حماس على قوائم الإرهاب، معلنة أن المحكمة العامة أخطأت في تنفيذ القانون في 2021، كما صنفت بريطانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 حماس وذراعها العسكري (كتائب القسام) منظمة إرهابية، ليأتي القرار استكمالا لقرار حظر كتائب القسام في 2001.

وبعد عملية "طوفان الأقصى" أصدرت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إضافة للولايات المتحدة؛ بيانا يتضمن دعما ثابت لإسرائيل وإدانة قاطعة لحركة حماس وأعمالها التي وصفها البيان بـ"الإرهابية"، وأكدت إيطاليا على لسان وزير خارجيتها أنطونيو تاجاني في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أن روما تعتبر حماس منظمة إرهابية.

خلافا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تدرج موسكو حركة "حماس" على "لائحة الإرهاب"، بل حافظت على قنوات اتصال ثابتة معها في كل مراحل الأزمة الفلسطينية، وخلال المواجهات السابقة التي وقعت بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل. فموسكو تستقبل مسؤولي حماس منذ فوزهم في الانتخابات في الأراضي الفلسطينية، و"كان الروس نشطين للغاية في السنوات الأخيرة، حيث حاولوا التوسط بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. ولم يعترفوا قط بحماس منظمة إرهابية. وجادلوا دائما بأن الفصائل المختلفة بحاجة إلى تشكيل الوحدة". وكانت موسكو قد استقبلت وفد حماس في 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعد أسابيع من إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى.

أما الصين فتتوافق مع روسيا بعدم وصف فصائل المقاومة الفلسطينية وحركة حماس بالإرهاب، وتؤكد على حق مقاومة الشعب الفلسطيني، وقد استضافت بكين حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية وعملت على توحيد الفصائل الفلسطينية، فقد وقعت الفصائل الفلسطينية التي ضمت 12 فصيلا، بما في ذلك حركتي حماس وفتح، في بكين في 23 تموز/ يوليو 2024، اتفاقا لإنهاء الخلاف المستمر منذ سنوات وتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة للأراضي الفلسطينية، وتم التوقيع على "إعلان بكين بشأن إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية".

وفي نيسان/ أبريل 2024، استضافت الصين ممثلين عن حركتي حماس وفتح لإجراء محادثات المصالحة. وفي وقت سابق من شهر آذار/ مارس، التقى الدبلوماسي الصيني وانغ كيجيان ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في قطر، حيث ناقشا الصراع في غزة.

وقد دافعت الصين عن حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة، ففي 22 فبراير/ شباط 2024 تم الاستماع إلى ما شين مين، ممثل الصين لدى محكمة العدل الدولية، الذي دافع أمام المؤسسة القضائية التابعة للأمم المتحدة عن حق الفلسطينيين في إقامة دولة، وميّز بين "الإرهاب" و"الكفاح المسلح" من أجل الاستقلال. وقال في خطابه: "في سعيه لتحقيق حق تقرير المصير، فإن استخدام الشعب الفلسطيني للقوة لمقاومة الاضطهاد الأجنبي واستكمال إنشاء دولة مستقلة هو حق غير قابل للتصرف، ومبني على القانون الدولي. وقد لجأت إليه بعد الحرب العالمية الثانية شعوب مختلفة للحصول على استقلالها. وتعترف العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل القرار 3070 لعام 1973، "بشرعية نضال الشعوب من أجل التحرر من الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح".

يكشف موقف الصين وروسيا ومعظم دول العالم عن ازدواجية الدول الغربية في التعامل مع المبادئ والمواثيق الدولية والقيم الاخلاقية الانسانية، إذ يعد حق تقرير المصير حقا ثابتا في القانون الدولي، ومبدأ أساسيا في ميثاق الأمم المتحدة، والتي في قرارها رقم 1514 لـ"إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة"، بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 1960، أكدت بصفة صريحة أنه "لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي"، ويشمل هذا الحق القضية الفلسطينية، وهو ما يؤكده القرار الأممي 3236، بتاريخ 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1974، والذي نص على أن الأمم المتحدة "تعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقا للميثاق"، وأصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2649 عام 1970، بـ"إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصا لشعوب جنوب أفريقيا وفلسطين"، والذي ينص على أن الجمعية العامة "تؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها"، وأكدت الجمعية العامة على شرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية، وربطتها وقتها بما كانت تعيشه ناميبيا وجنوب أفريقيا من أنظمة فصل عنصري، أيضا في قرارها بتاريخ 4 كانون الأول/ ديسمبر 1986، والذي ينص "على شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح".

حرب الإبادة الجماعية التي تشنها المستعمرة الإسرائيلية ضد الشعب ‏‏الفلسطيني‏‏ تتم بمشاركة غربية إمبريالية بقيادة ‏‏الولايات المتحدة‏،‏ والمملكة ‏‏المتحدة،‏‏ ‏‏وفرنسا‏‏ ‏‏وألمانيا‏‏ وبقية دول ‏‏الاتحاد الأوروبي‏‏ ‏‏وحلف شمال الأطلسي. وقد كشفت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ عن عمق العلاقات والقيم المشتركة بين الإمبريالية الغربية والاستعمارية الإسرائيلية
إن حق المقاومة لا يقتصر على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاتفاقيات الدولية، فهو مثبت في الاتفاقيات الإقليمية. فعلى سبيل المثال، تؤكد الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 على "حق الشعوب في مكافحة الاحتلال والعدوان الأجنبي بكافة الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح، من أجل تحرير أراضيها وضمان حقها في تقرير المصير والاستقلال".

فالكفاح المسلح يستند إلى القانون الدولي ويختلف عن الأعمال الإرهابية، وهذا التمييز معترف به في العديد من الاتفاقيات الدولية. على سبيل المثال، تنص المادة 3 من اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للوقاية ومكافحة الإرهاب لعام 1999 على أنه "لا يجوز اعتبار الكفاح الذي تخوضه الشعوب وفقا لمبادئ القانون الدولي من أجل التحرر أو تقرير المصير، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاستعمار، والاحتلال والعدوان والسيطرة من قبل القوات الأجنبية، أعمالا إرهابية".

خلاصة القول أن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها المستعمرة الإسرائيلية ضد الشعب ‏‏الفلسطيني‏‏ تتم بمشاركة غربية إمبريالية بقيادة ‏‏الولايات المتحدة‏،‏ والمملكة ‏‏المتحدة،‏‏ ‏‏وفرنسا‏‏ ‏‏وألمانيا‏‏ وبقية دول ‏‏الاتحاد الأوروبي‏‏ ‏‏وحلف شمال الأطلسي. وقد كشفت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ عن عمق العلاقات والقيم المشتركة بين الإمبريالية الغربية والاستعمارية الإسرائيلية، فقد أنشئت إسرائيل كقاعدة إمبريالية غربية لضمان سيطرة الدول الغربية على العالم العربي، فالصلة بين الدول الغربية والمستعمرة الإسرائيلية تتأسس على قيم ذاتية مشتركة، وكينونة مسكونة بالغزو والإبادة والكراهية والاستعمار الاستيطاني والعنصرية والتفوقية البيضاء والإبادة الجماعية.

فمنذ اللحظة الأولى لعملية "طوفان الأقصى" شاركت الدول الغربية في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها المستعمرة الإسرائيلية ضد الشعب ‏‏الفلسطيني‏‏، ولم تقتصر المشاركة الغربية على الإمدادات العسكرية والمساعدات المالية والتغطية السياسية والقانونية والإعلامية، بل عمدت إلى تزييف الحقائق وتحريف الوقائع من خلال إصباغ الشرعية على الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ومنحه حق الدفاع عن النفس، ونزع الشرعية عن مقاومة الشعب الفلسطيني وتجريمه وإدانته ووصفه بـ"الإرهاب"، في تنكر صريح لكافة القيم والمبادئ الإنسانية الأخلاقية والسياسية التي يدعي الغرب تأسيسها وتبنيها.

ففي حين تكفل المواثيق الدولية والقرارات الأممية حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، بشتى الطرق، بما فيها المقاومة المسلحة، يتجاهل الغرب كافة المواثيق والمبادئ والقيم بالتنكر للحق الفلسطيني بمقاومة الاحتلال، ويغض الطرف عن جرائم الحرب والإبادة التي تقوم بها المستعمرة الإسرائيلية.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • السفير الأمريكي في إسرائيل يكشف تفاصيل الرسالة الأخيرة من حكومة نتنياهو
  • أسامة حمدان: غزة سيحكمها الفلسطينيون والمقاومة قادرة على الاستمرار
  • بابا الفاتيكان يجدد دعوته لمواصلة مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة
  • الحرب الغربية على الشعب الفلسطيني ‏والتنكر لحق المقاومة
  • لماذا تتمسّك إسرائيل بممر فيلادلفيا؟
  • رئيس البرلمان العربي : إسرائيل اعتادت الأكاذيب لعرقلة جهود وقف الحرب
  • تفاصيل اجتماع حماس مع رئيس الاستخبارات التركية
  • رئيس الاستخبارات التركية يجتمع بمسؤولين من حماس في أنقرة
  • السنوار يوجه رسالة هامة إلى السيد حسن نصر الله.. تفاصيل ما جاء فيها
  • إسرائيل تواصل استفزاز مصر بـ "سلاح حماس"