المثقف وقيادة المجتمع نحو الإصلاح
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
كتب الكثير من المفكرين والسياسيين حول متطلبات الإصلاح وبناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، وتعددت وجهات نظرهم تجاه هذا الأمر، ولكنهم اتفقوا على أن من أهم هذه المتطلبات:
- إطار دستوري وتشريعي يتيح فرصة بناء نظام ديمقراطي.
- تعددية حزبية ناضجة.
- مجتمع مدني قوي حر – "نقابات عمّالية، نقابات مهنية، الاتحادات الطلابية، الجمعيات والمؤسسات الأهلية"- ينمو ويتطور بفضل وجهود أعضائه ويدافع عن مصالحهم أمام السلطة ومؤسسات الدولة الرسمية، ولابد أن يكون مستقل عن السلطة ولا تُلحق بها أو بالتنظيمات السياسية التي يتم بنائها من قمة السلطة.
- إعلام مستقل.
تداول سلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة نزيهة.- نظام حكم محلي شعبي حر.
- نخبة مثقفة من المفكرين والسياسيين تدعو وتحفز الشعب حكامًا ومحكومين إلى تحقيق المتطلبات السابقة وغيرها من متطلبات التنمية والديمقراطية.
وفي هذا المقال نحاول معرفة معنى المثقف الذي يوكل إليه دور دعوة وتحفيز المجتمع، باستقلال وتجرد، إلى تحقيق متطلبات التنمية وبناء نظام ديمقراطي عادل، ويعد مفهوم المثقف واحد من المفاهيم التي يتجسد فيها فكرة الاختلاف بين المفكرين فقد تباينت الآراء بينهم في تحديد المقصود بمصطلح المثقف.
فمنهم من عرف المثقف بأنه: المتعلم، ومنهم من أكد على أن الثقافة: لا علاقة لها بالتعليم، واعتبر البعض أن كل الناس مثقفون ولكن الاختلاف يكمن في طبيعة الثقافة نفسها، ومنهم من يرى أن مفهوم المثقف يرتبط بالانتماء الطبقي، وفي ذلك يقول "برهان غليون": إن المثقف ينتمي إلى طبقة اجتماعية فاعلة في المجتمع، بحيث تتميز عن غيرها بتفكيرها العالي والناقد، وتدخل في عملية الصراع الاجتماعي والسياسي، وفي النهاية يكون تأثيرها واضحًا، إما من خلال مشاركات قوية لصنع السياسة والقرار السياسي، أو من خلال أعمال فكرية كبيرة تؤثر في الناس والمجتمع فكريًا وثقافيًا ومعنويًا. (من رسالة دكتور مصطفى مرتضى بعنوان المثقف والسلطة)، وعلى هذا السياق نجد "لويس فولير" يعرف المثقف: بأنه الشخص المتعلم المهني من الطبقة الوسطى، وأما "ادوارد شيلز" فينظر للمثقف من المنظور التعليمي الذي يكون سببًا للتكوين الطبقي فيعرفه بأنه: المتعلم الذي لديه طموح سياسي بالسعي ليكون حاكمًا لمجتمعه، أو السعي إلى صياغة ضمير مجتمعه.
يعرف "جان بول سارتر" - في كتابه دفاع عن المثقفين - المثقف بأنه: الإنسان الذي يدرك ويعي التعارض القائم في المجتمع، ويدرك الفرق بين البحث عن الحقيقة العلمية والايديولوجيا السائدة، أي أنه الشخص الذي يمكنه التمييز بين الأحداث الاجتماعية المختلفة في مجتمعه.
ويرى المناضل الإيطالي الماركسي والفيلسوف السياسي "انطونيو جرامشي" الذي سجنه موسوليني بين عامي ١٩٢٦ و١٩٣٧ أنه بإمكان المرء القول: إن كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدّوا وظيفة المثقفين في المجتمع. ويرى غرامشي أنه يمكن تصنيف الذين يؤدون الوظيفة الفكرية في المجتمع إلى نوعين:
- يضم أولهما المثقفين التقليديين مثل المعلمين، ورجال الدين، والإداريين، ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل.
- ويشمل ثانيهما المثقفين العضويين، الذين اعتبرهم جرامشي مرتبطين على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح، واكتساب المزيد من القوة، وزيادة السيطرة. ولذا يقول غرامشي عن المثقف العضوي: إن منظم الأعمال الرأسمالي يخلق الى جانبه التقني الصناعي، والاختصاصي في الاقتصاد السياسي، ومسؤولين لإنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد، إلى ما هنالك، وفقًا لغرامشي يُعتبر في عالم اليوم خبير الإعلان أو العلاقات العامة، الذي يستنبط أساليب تضمن لمسحوق غسيل أو شركة طيران حصة أكبر من السوق، مثقفًا عضويًا. فهو إنسان يحاول، في مجتمع ديموقراطي، كسب موافقة الزبائن المحتملين، ونيل الاستحسان، وتوجيه رأي المستهلك أو الناخب. وكان غرامشي مؤمنًا بأن المثقفين العضويين يشاركون في المجتمع بنشاط، أي أنهم يناضلون باستمرار لتغيير الآراء وتوسيع الأسواق. فالمثقفون العضويون هم دائمو التنقل، دائمو التشكل، على عكس المعلمين والكهنة، الذين يبدون وكأنهم باقون في أماكنهم، يؤدون نوع العمل ذاته عامًا بعد عام.
وهناك أيضًا تعريف "جوليان بندا" الشهير للمثقفين بأنهم: عصبة صغيرة من الفلاسفة، الذين يتحلون بالموهبة الاستثنائية وبالحس الأخلاقي الفذ، ويشكلون ضمير البشرية. ووفقًا لرأي بندا فإن خيانة المثقفين تتمثل في: أنهم إذا تنازلوا عن سلطتهم الأخلاقية لمصلحة ما يسميه في تعبير تنبؤي، "تنظيم العواطف الجماعية" مثل الروح الطائفية، والمشاعر الجماهيرية، والعدوان القومي، والمصالح الطبقية. وكان بندا يكتب هذا الكلام عام ۱۹۲۷، أي قبل فترة طويلة من عصر وسائل الإعلام الجماهيري، لكنه أدرك كما يقول إدوارد سعيد: كم هو هام للحكومات أن تحول إلى خُدّام لها أولئك المثقفين الذين من الممكن أن يُطلب منهم ألا يُطلقوا الدعاوة ضد الأعداء الرسميين، ويستعملوا العبارات الملطّفة، وأن يبتكرون على نطاق أوسع أنظمة كاملة من اللغة الأورويلية – أي لغة المجاملة -، التي يمكنها إخفاء حقيقة ما يجري باسم «النفعية» المؤسساتية أو «الشرف القومي».
ويعرف "ادوارد سعيد" المثقف بأنه: الشخص الملتزم، والواعي اجتماعيًا، بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع، والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه، وما يتبع ذلك من دور اجتماعي فاعل من المفروض أن يقوم بتصحيح مسارات مجتمعية خاطئة - (من كتابه خيانة المثقفين). فهو فرد وهب نفسه لتقديم وتجسيد وتبيين رسالة أو رؤية أو موقف أو فلسفة أو رأي إلى جمهور ولأجله أيضًا، وهذا الدور له مخاطرة أيضًا، ولا يمكن للمرء أن يؤديه دون الشعور بأن مهمته هي طرح الأسئلة المربكة علنًا، ومواجهة التّزمت والجمود، وأن يكون شخص لا تستطيع الحكومات أو الشركات الكبرى احتواءه بسهولة، والذي مبرر وجوده هو أن يمثل هؤلاء الناس والقضايا التي نُسيت بشكل روتيني أوكُنست تحت البساط – (كتاب صور المثقف).
من خلال العرض السابق حول مفهوم المثقف يتبين أن المثقف لا يرتبط بمستوى تعليمي محدد، بل يرتبط بصفة رئيسية بمقدار تفاعله مع القضايا اليومية، وأنه يفقد صفته إذا لم يتفاعل مع تلك القضايا، وكما جاء في رأى غرامشي إذا لم يقوم بالوظيفة لا يستحق الصفة، وعن ممارسة المثقف لدوره يجب أن يمارسه بكفاءة، وهو وسط الجماهير لا في موقع السلطة، ويجب أن يكون المثقف جريئًا وصاحب كلمة حق وشجاعًا، كما يرى ماركس أنه يستطيع الذهاب بالمذهب العقلاني إلى أبعد مدى وأن يقوم بنقد صارم لكل ما هو موجود – (محمد عابد الجابري من كتابه المثقفون في الحضارة العربية) - وعلى ذلك فالمفهوم الإجرائي للمثقف:
- الشخص الذي يتمتع بقدر من الثقافة العلمية والاجتماعية والسياسية والدينية.
- يتواجد في موقع معين يؤهله لأن يكون فردًا فاعلًا في توجيه الرأي العام وتغيير العقول والأفكار.
- التفاعل مع مختلف القضايا السياسية والاجتماعية في المجتمع وإبداء الرأي والمشورة.
- الاحتكاك والتفاعل مع مختلف أفراد المجتمع من خلال موقعه المهني والثقافي.
- لديه قدرة نقدية لما هو كائن.
- لدية قنوات اتصال بالجماهير سواء من خلال المؤلفات أو العضوية في المؤسسات الثقافية.
- يشارك من مختلف المنابر العلمية والدينية والسياسية.
- وهو شخص مستقل عن السلطة ودوائرها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فی المجتمع أن یکون من خلال
إقرأ أيضاً:
مريم بنت محمد بن زايد: الإمارات تواصل تطوير نظام التعليم الوطني
موسكو (وام)
أخبار ذات صلة «اتفاق الإمارات» إطار عالمي لتمكين قطاع الطاقة العالمي صقر غباش: دول الخليج العربية ستظل بوابة للسلام العالمياطلع وفد من دولة الإمارات، خلال زيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية، على أفضل الممارسات المطبقة في تطوير نظم التعليم والنهوض بمخرجاته، وبحث سبل تعزيز التعاون المشترك، وتبادل الخبرات العلمية والعملية بين البلدين، وذلك خلال لقاءاته مع عددٍ من الوزراء وكبار المسؤولين والخبراء في مجال التعليم في مدينتي موسكو وسوتشي.
ضم الوفد كلاً من سمو الشيخة مريم بنت محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع، ومعالي سارة بنت يوسف الأميري، وزيرة التربية والتعليم، ومعالي هاجر أحمد الذهلي، الأمين العام لمجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع، والدكتور محمد أحمد الجابر، سفير الدولة لدى روسيا الاتحادية، والمهندس محمد القاسم، وكيل وزارة التربية والتعليم، وممثلين عن مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع، ووزارة التربية والتعليم.
وأكدت سمو الشيخة مريم بنت محمد بن زايد آل نهيان، أهمية مثل هذه الزيارات التي من شأنها فتح آفاق أوسع للتعاون وتبادل الخبرات بين الجانبين، مشيرة إلى وجود العديد من القواسم المشتركة بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالاهتمام بالثقافة والاعتزاز بالقيم والمبادئ التي تتأصل في التماسك الأسري، والاعتزاز بالتاريخ والإرث الحضاري، إلى جانب تنشئة الأبناء في محيط آمن، سواء كان ذلك في المجتمع الذي يعيشون فيه أو المجتمع الرقمي الذي يتعاملون معه يومياً.
وأكدت سموها، خلال اللقاءات، حرص دولة الإمارات على مواصلة تطوير نظام التعليم الوطني، بما يتناسب مع توجهات قيادتها تجاه تعزيز القيم والهوية الوطنية، مشيرة إلى أهمية تبادل المعرفة، والاستفادة من النماذج والتجارب الناجحة في تطوير البرامج والمناهج التعليمية، بما يدعم جهود الدولة خلال الفترة المقبلة، ورؤيتها المستقبلية الطموحة تجاه التعليم، ويسهم في تعزيز التعاون بين مختلف القطاعات المعنية، مثمنة سموها التعاون المشترك والتجارب التعليمية الروسية.
وقالت سموها: إن نظام التعليم الروسي يُعد الأقرب لنا من حيث غرس القيم، وخلق البيئة المرنة والمتوازنة للطلبة التي تحفز على المهارات الإبداعية، وتنمي القدرات اللغوية، وتصقل القدرات البدنية من خلال الأنشطة المختلفة، وذلك مع التركيز على توفير مرافق تساعدهم على تعلم العلوم والتكنولوجيا صممت وفق أعلى المواصفات وأحدث التقنيات.
وأضافت سموها أن من أهم عوامل نجاح التجربة الروسية في التطوير، القدرة على تجاوز العديد من التحديات، مثل الحفاظ على الثقافة والهوية في مجتمع متعدد الثقافات، إضافة إلى تحقيق التوازن بين استخدام التكنولوجيا في التعليم والحفاظ على الجوانب الإنسانية التي لا يمكن للتكنولوجيا أن تحل محلها.
وعبرت سموها عن شكرها لاستضافة معالي سيرغي كرافتسوف، وزير التربية والتعليم الروسي، والمسؤولين في قطاع التعليم، مؤكدة حرص الدولة على تحقيق التعاون بين النظامين التعليميين الروسي والإماراتي، وتعميق الروابط بين النموذجين، وبناء القدرات، وتبادل الخبرات والدروس المستفادة بما يضمن الوصول إلى أهداف التنمية البشرية المشتركة.
كانت سمو الشيخة مريم بنت محمد بن زايد آل نهيان قد التقت، خلال الزيارة، معالي سيرغي كرافتسوف وزير التربية والتعليم في روسيا الاتحادية، وبحثا فرص تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في المجالات التعليمية.
وزارت سموها ووفد الدولة، يرافقهم وزير التعليم الروسي وحاكم منطقة موسكو، مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم الذي افتتح مؤخراً في مدرسة بريماكوف الدولية في منطقة موسكو، الذي يستهدف تطوير برامج تعلم اللغة العربية وتدريسها لطلبة المدارس والمعلمين، إضافة إلى عقد دورات تدريبية وفعاليات دولية يستفيد منها نحو 50 طالباً من طلبة المركز الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً، إضافة إلى جولة في المدرسة والحرم الخاص بالمعلمين العاملين في المركز التعليمي، وحضور حصة للغة العربية.
واطلع الوفد من المسؤولين المعنيين على البنية التحتية الحديثة اللازمة لعملية تعليمية عالية الجودة.
من جانبه، أكد وزير التربية والتعليم الروسي أن وزارته تتطلع إلى تبادل الخبرات والمعرفة مع دولة الإمارات، بما يسهم في الاستفادة من النماذج الناجحة في تطوير نظم التعليم، مشيراً إلى أهمية تعزيز فرص التعاون المشترك، من خلال تنفيذ برامج تعليمية للطلبة في دولة الإمارات، تشمل مواد العلوم الطبيعية، إضافة إلى البرامج التدريبية التي من شأنها تأهيل الطلبة الإماراتيين للمشاركة في الأولمبياد.
وقالت معالي سارة الأميري: إن من أولوياتنا، خلال الفترة المقبلة، تطوير نظام تعليمي يزود الطلبة بالمهارات الأساسية والكفاءات المستقبلية، التي تعكس قيمنا واحتياجاتنا في دولة الإمارات، ونركز وبشكل خاص على غرس القيم والتعلم القائم على المهارات، والتعلم مدى الحياة لبناء قوة عاملة مستقبلية.
وأضافت معاليها: «إن الإمارات تولي اهتماماً كبيراً لتبادل الخبرات وبناء علاقات شراكة مميزة مع أصحاب التجارب الناجحة في تطوير النظم التعليمية لنستقي منها ما يفيدنا حتى نستطيع أن نطور النموذج الذي يرقى إلى تطلعاتنا، ويوائم نهجنا، ويساعدنا في تطوير نظام تعليمي يعد الجيل القادم بنجاح في عالم يتطور بوتيرة سريعة».
تطوير كوادر بشرية
قالت معالي هاجر الذهلي: «إن العمل على تطوير كوادر بشرية تنتمي إلى قيم ومبادئ أساسية وتتمتع بمهارات عالية ضمن نظام تعليمي موحد بشكل يراعي الشمولية في نهجه، ويتخذ من التنمية البشرية ركيزة أساسية تبنى عليها استراتيجياته الحالية والمستقبلية، مسؤوليةٌ مشتركةٌ نعمل معاً وجنباً إلى جنب على تحقيق نتائجها التي حددناها ضمن خططنا العملية».
وأضافت معاليها: «إن أهمية مثل هذه الزيارات تكمن في مساعدتنا على الاطلاع على الممارسات الناجحة، وتبادل الخبرات، بما يخدم أهدافنا الأساسية في المجلس لوضع الأسس اللازمة التي من شأنها أن تنقل قطاع التعليم نحو تنفيذ رؤية القيادة، وربط نتائجه بسياسات التنمية البشرية والمجتمعية، بما يلبي احتياجاتنا لتطوير نظام يخدم الحاضر، ويلبي تطلعاتنا للمستقبل، ويدعم طموحنا المشترك، ويضمن التعاون المستمر بيننا وبين من لهم أمثلة تطويرية ناجحة».
تضمن برنامج وفد الدولة جولة في المنطقة الفيدرالية، اطلع خلالها على تاريخ مدرسة سيريوس وإنجازاتها، فضلاً عن الأهداف والمهام التي تحققها في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى زيارة جامعة العلوم والتكنولوجيا ومجمع المختبرات التابع لها أحد أكبر المختبرات في روسيا في مجال علوم الحياة.