تقطّعت أوصال الأندلس في الفترة الممتدة ما بين 400هـ و483هـ وتشرذمت وتفتت إلى أكثر من عشرين دويلة متناحرة فيما بينها؛ تتنافخ شرفا على بعضها البعض بينما يدفع حكامها الجزية صاغرين لأمراء قشتالة وأراغون وليون وغيرهم من قادة الصليبيين.
دخل ملك الإسبان ألفونسو السّادس مدينة طليطلة، وفرض الجزية على ملوك الطوائف، ولم يكتف بذلك بل عمد إلى تخريب محاصيلهم من خلال شنّ الغارات المتتالية على ممالكهم، وتحت وطأة هوانهم وتفرّقهم؛ استولى على قلاعهم التي كانت تتهاوى أمامه واحدة تلو الأخرى.
شعر ملك إشبيلية المعتمد بن عبّاد بالخطر الدّاهم الذي يقترب بتسارع من مملكته الهشّة أمام تقدم ألفونسو، فجمع العلماء والفقهاء ليعرض عليهم الخطر الوشيك، كما دعا ملوك الطوائف لاجتماع عاجل أبلغهم فيه عزمه على الاستعانة بدولة المرابطين في المغرب وأميرها يوسف بن تاشفين لمواجهة ألفونسو السّادس.
"المُلْك عقيم، والسّيفان لا يجتمعان في غِمْد واحد"؛ هذا ما قاله ملوك الطوائف للمعتمد بن عباد، مبدين تخوفهم واعتراضهم على فكرة الاستعانة بيوسف بن تاشفين وذلك لمعرفتهم بطموحات يوسف بن تاشفين ومعاينتهم ما هم عليه من الخور والضّعف، فحذّروا المعتمد من أنّ خطوة كهذه ستؤدّي إلى سيطرة ابن تاشفين الطّامح للتوسّع على بلاده وسيعزله وينفرد بالسّلطان دونه.
هذه المخاوف كانت تختلج أيضا في صدر ابن المعتمد بن عبّاد الذي قال مخاطبا والده: "يا أبت أتُدخِل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدّد شملنا"، فأجابه المعتمد: "أي بنيّ؛ والله لا يسمع عني أبدا أني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنّصارى فتقوم اللّعنة عليّ في الإسلام مثلما قامت على غيري". ثم قال عبارته الشّهيرة التي ما تزال تتردد في أذن الدّهر: "لأنْ أرعى الإبل عند ابن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو".
وبعد أن بلغه نداء الاستغاثة عبر ابن تاشفين مضيق جبل طارق وتوجه مع ملك إشبيلية المعتمد بن عبّاد وجيشها نحو قشتالة، حيث يحكم ويقيم ألفونسو السادس؛ وكان لقاء الجيشين في "الزلّاقة"، جيش المسلمين الذي بلغ نحو ثلاثين ألف مقاتل، وجيش ألفونسو الذي بلغ ثلاثمئة ألف مقاتل؛ أي عشرة أضعاف جيش ابن تاشفين.
وقف القائدان يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عبّاد خطيبين في الجيش الذي يقاتل متحدا تحت راية واحدة؛ كما جاء في "الرّوض المعطار في خبر الأقطار": "ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما، وقام الفقهاء والعُبَّاد يعظون الناس ويحضُّونهم على الصبر، ويُحَذِّرُونهم الفرار".
نحو أحد عشر شهرا من الإبادة المستمرة في غزة كشفت لنا بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ جلّ حكّام المسلمين الذين يتنافخون شرفا على بعضهم البعض، أو يستأسدون على شعوبهم المقهورة، قد اختاروا رعي الخنازير عند بايدن ونتنياهو وسياط الذلّ تنهش ظهورهم، ظانّين أن ذلك سيحفظ عليهم كراسيهم ومناصبهم وممالكهم الهشّة
التحم الجيشان وكانت الجولة الأولى في المعركة حامية الوطيس لصالح ألفونسو وجيشه، ثم كتب الله النّصر المبين لجيش المسلمين، وبعد أن هزم الله تعالى ألفونسو وجنده لم تتحقّق مخاوف ملوك الطوائف من ابن تاشفين الذي جمعهم بعد الانتصار الكبير، وأمرهم بالاتفاق والاتحاد وعاد إلى بلاد المغرب تاركا لهم مناصبهم وممالكهم، وعمره آنذاك تسع وسبعون سنة.
وفي الوقت الذي برهن فيه ابن عبّاد أن رعي الإبل عند ابن تاشفين أجدى وأنفع من أن يرعى الخنازير عند ألفونسو، فضلا عما في ذلك من الرجولة والكرامة؛ ما يزال قادة دول وحكّام ممالك ورؤساء أحزاب من ذلك العهد إلى يومنا هذا يختارون رعي الخنازير عند العدوّ الطامع والمحتل الغاصب!
نحو أحد عشر شهرا من الإبادة المستمرة في غزة كشفت لنا بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ جلّ حكّام المسلمين الذين يتنافخون شرفا على بعضهم البعض، أو يستأسدون على شعوبهم المقهورة، قد اختاروا رعي الخنازير عند بايدن ونتنياهو وسياط الذلّ تنهش ظهورهم، ظانّين أن ذلك سيحفظ عليهم كراسيهم ومناصبهم وممالكهم الهشّة، وما علموا أنّ نتنياهو وحلفاءه من الغرب الصهيوني لن يتوقفوا عند حدود غزة إن استتب لهم الأمر فيها -لا قدّر الله تعالى- بل سيزيلون هذه العروش ليعيدوا صياغتها من جديد، رغم ما يدفعه هؤلاء من جزية وما يمارسونه من رعي الخنازير في حظيرة واشنطن وتل أبيب.
x.com/muhammadkhm
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأندلس غزة نتنياهو غزة نتنياهو الأندلس العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ما الذي يريده ترامب حقاً من الرسوم الجمركية؟
يؤمن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الرسوم الجمركية هي حل شامل، فهي أداة اقتصادية يمكن أن تعيد قوة التصنيع في أمريكا، وتجبر الدول الأجنبية على الخضوع في النزاعات الرئيسية، وتعيد التوازن التجاري، وتدر أموالاً طائلة يمكن أن تساعد في سداد العجز الأمريكي وتقليل الأعباء الضريبية على المواطنين، بحسب تقرير تحليلي لشبكة "سي إن إن".
ويصح قول ترامب إلى حد ما، إذ يمكن أن تساعد الرسوم الجمركية في تحقيق العديد، إن لم يكن جميع، تلك الأهداف. فعند استخدامها بفعالية، يمكن أن تعزز الإنتاج المحلي عبر جعل السلع الأجنبية أكثر تكلفة.وبما أن الولايات المتحدة تملك اقتصاداً ضخماً ومتنوعاً لا يعتمد على التجارة بقدر اعَتماد جيرانها، يمكنها فرض رسوم جمركية لإلحاق ضرر جسيم باقتصادات الدول الأخرى دون أن تغرق نفسها في الركود. كما يمكن أن تساعد الإيرادات المتأتية من الرسوم الجمركية في تقليل العجز. بسبب رسوم ترامب..انخفاض النفط بعد تصاعد المخاوف من تداعياتها - موقع 24انخفضت أسعار النفط 1% الإثنين وسط مخاوف من أن تبطئ الرسوم الجمركية الأمريكية على كندا، والمكسيك، والصين الاقتصاد العالمي، وتقلص الطلب على الطاقة بينما تزيد أوبك+، إمداداتها.
لكن كما يقول المثل "إن كان الشيء يبدو جيداً لدرجة لا تُصدق، فعلى الأرجح أنه ليس كذلك".
تناقضات خطة ترامب وترى الشبكة بأن المشكلة في خطة ترامب هي أن الرسوم الجمركية لا يمكنها تحقيق جميع هذه الأهداف في وقت واحد، لأن أهدافه غالباً ما تكون متناقضة.على سبيل المثال، إذا كانت الرسوم الجمركية مجرد أداة ضغط، فيجب إلغاؤها بمجرد امتثال الدول الأخرى، مما يعني عدم وجود رسوم لإعادة التوازن التجاري. وإذا كانت تهدف إلى تعزيز التصنيع الأمريكي، فلا يمكنها أيضاً تحقيق إيرادات لسد العجز، لأنه إذا بدأ الأمريكيون بشراء السلع المحلية، فمن سيدفع الرسوم على المنتجات الأجنبية؟
وعلاوة على ذلك، قد تلحق خطة ترامب الجمركية ضرراً أكبر بالاقتصاد الأمريكي مما ستجلبه من فوائد. فقد أقرّ أخيراً بأن الرسوم الجمركية ستسبب "اضطرابات"، كما تراجعت أسواق الأسهم يوم الاثنين بعد أن رفض التنبؤ بأن الولايات المتحدة ستتجنب الركود بسبب سياساته التجارية. ترامب والرسوم الجمركية
لكن ترامب يبدو متمسكاً بشدة بفكرة الرسوم الجمركية، بحسب التقرير، فهو كثيراً ما يُشيد بالرئيس السابق ويليام ماكينلي، الذي فرض رسوماً جمركية مرتفعة على الدول الأجنبية قبل أن يكون هناك ضريبة دخل في أمريكا. وغالباً ما يردد ترامب أن "الرسوم الجمركية كلمة جميلة" ستجعل أمريكا غنية مرة أخرى.
انتقاماً من أونتاريو..ترامب يضاعف الرسوم على الصلب والألومنيوم من كندا - موقع 24قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء، إنه سيضاعف الرسوم الجمركية على الواردات من الصلب والألومنيوم الكندية من 25 إلى 50%، مشيراً إلى أن ذلك سيدخل حيز التنفيذ "صباح الغد".وعلى الرغم من التأجيلات والتراجعات المتكررة، يبدو ترامب مصمماً على فرض رسوم جمركية ضخمة على المنتجات الأجنبية بدءاً من 2 أبريل (نيسان) ولأسباب متعددة.
الفنتانيل والهجرةقال ترامب إن الرسوم الجمركية بنسبة 20% التي فرضها على الصين و25% التي فرضها – وأجّلها مراراً – على المكسيك وكندا، تهدف إلى الضغط على تلك الدول لوقف تدفق الفنتانيل والهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة.
وصرّح وزير التجارة هوارد لوتنيك بأن الرسوم المؤجلة، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 2 أبريل (نيسان)، ستظل قائمة حتى يقتنع ترامب بأن تلك الدول حققت تقدماً كبيراً في الحد من دخول الفنتانيل، بحسب التقرير.
وقال لوتنيك يوم الأحد في برنامج Meet the Press على شبكة NBC: "إذا انتهى تهريب الفنتانيل، أعتقد أن هذه الرسوم ستُلغى. لكن إذا لم يتوقف أو لم يكن متأكداً من ذلك، فستظل قائمة. هذا أمر واضح وبسيط: يجب إنقاذ الأرواح الأمريكية".
وأكد كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، على قناة ABC أن "الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا ليست حرباً تجارية، بل حرب ضد المخدرات".
تحقيق الإيرادات في الوقت نفسه، قدم ترامب تقديرات فلكية حول حجم الإيرادات التي يمكن أن تولدها الرسوم الجمركية.وقال ترامب في خطابه المشترك أمام الكونغرس الأسبوع الماضي: "سنجني تريليونات وتريليونات الدولارات وسنخلق وظائف لم يسبق لها مثيل".
وأضاف يوم الأحد على متن طائرة Air Force One: "سنصبح أثرياء لدرجة أنك لن تعرف أين تنفق كل هذه الأموال".
وقدّر لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين والمكسيك وكندا قد تجلب حوالي 120 مليار دولار سنوياً و1.3 تريليون دولار خلال عشر سنوات.
لكن المشكلة تكمن في أن هذه الرسوم لم تُصمم للبقاء طوال تلك المدة. فإذا قالت إدارة ترامب إنها "ستُلغى" إذا تم حل مشكلة الفنتانيل، فمن المفترض ألا تبقى لعقد من الزمن.
الوظائف الصناعية
قال ترامب يوم الأحد على Air Force One: "أخبركم، انتظروا فقط. سنحصل على وظائف، وسنفتح المصانع، وسيكون الأمر رائعاً".
لتحقيق ذلك، دعا ترامب مراراً إلى خفض الضرائب محلياً ورفعها على المنتجات المصنوعة في الخارج.
وقال خلال خطابه أمام الكونغرس: "نريد خفض الضرائب على الإنتاج المحلي وكل الصناعات التحويلية. لكن إذا لم تصنع منتجك في أمريكا، فستدفع رسوماً جمركية، وفي بعض الحالات ستكون مرتفعة جداً".
وترى "سي إن إن" أنها سياسة تجمع بين الحوافز والعقوبات، حيث يعتقد ترامب أن هذا النهج سيعيد إحياء قطاع التصنيع الأمريكي.
وأضاف الأسبوع الماضي: "مع هذه السياسات، سيزدهر قطاع السيارات لدينا. إنه سينتعش تماماً".
ويذكّر ترامب الشركات دائماً: "إذا صنعت منتجاتك في أمريكا، فلن تدفع رسوماً جمركية. لكن إذا امتثلوا لطلبه، فلن تتمكن الحكومة من جمع إيرادات من الرسوم الجمركية عليهم".
وقال لوتنيك على Fox News في فبراير (شباط) الماضي: "أعلن دونالد ترامب عن خدمة الإيرادات الخارجية، وهدفه بسيط للغاية: إلغاء مصلحة الضرائب الداخلية وجعل جميع الأطراف الخارجية تدفع".
بعبارة أخرى، يزعم ترامب أن خطته الجمركية ستجلب أموالاً كافية بحيث لن يضطر الأمريكيون لدفع ضرائب الدخل بعد الآن.
لكن الواقع هو أن الولايات المتحدة تجمع حوالي 3 تريليونات دولار سنوياً من ضرائب الدخل، وتستورد أيضاً سلعاً بقيمة 3 تريليونات دولار سنوياً.
وهذا يعني أنه سيتعين فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع السلع المستوردة لتحل محل ضرائب الدخل – وهو معدل غير معقول قد يؤدي إلى صدمة سعرية للمستهلكين الأمريكيين.
وهذا أمر غير مرجح، لكن ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي، مما يضر بالاقتصاد، والصناعات التي تسعى الرسوم الجمركية إلى إنقاذها