عربي21:
2024-09-17@12:52:55 GMT

عن الذين اختاروا رعي الخنازير

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

تقطّعت أوصال الأندلس في الفترة الممتدة ما بين 400هـ و483هـ وتشرذمت وتفتت إلى أكثر من عشرين دويلة متناحرة فيما بينها؛ تتنافخ شرفا على بعضها البعض بينما يدفع حكامها الجزية صاغرين لأمراء قشتالة وأراغون وليون وغيرهم من قادة الصليبيين.

دخل ملك الإسبان ألفونسو السّادس مدينة طليطلة، وفرض الجزية على ملوك الطوائف، ولم يكتف بذلك بل عمد إلى تخريب محاصيلهم من خلال شنّ الغارات المتتالية على ممالكهم، وتحت وطأة هوانهم وتفرّقهم؛ استولى على قلاعهم التي كانت تتهاوى أمامه واحدة تلو الأخرى.



شعر ملك إشبيلية المعتمد بن عبّاد بالخطر الدّاهم الذي يقترب بتسارع من مملكته الهشّة أمام تقدم ألفونسو، فجمع العلماء والفقهاء ليعرض عليهم الخطر الوشيك، كما دعا ملوك الطوائف لاجتماع عاجل أبلغهم فيه عزمه على الاستعانة بدولة المرابطين في المغرب وأميرها يوسف بن تاشفين لمواجهة ألفونسو السّادس.

"المُلْك عقيم، والسّيفان لا يجتمعان في غِمْد واحد"؛ هذا ما قاله ملوك الطوائف للمعتمد بن عباد، مبدين تخوفهم واعتراضهم على فكرة الاستعانة بيوسف بن تاشفين وذلك لمعرفتهم بطموحات يوسف بن تاشفين ومعاينتهم ما هم عليه من الخور والضّعف، فحذّروا المعتمد من أنّ خطوة كهذه ستؤدّي إلى سيطرة ابن تاشفين الطّامح للتوسّع على بلاده وسيعزله وينفرد بالسّلطان دونه.

هذه المخاوف كانت تختلج أيضا في صدر ابن المعتمد بن عبّاد الذي قال مخاطبا والده: "يا أبت أتُدخِل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدّد شملنا"، فأجابه المعتمد: "أي بنيّ؛ والله لا يسمع عني أبدا أني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنّصارى فتقوم اللّعنة عليّ في الإسلام مثلما قامت على غيري". ثم قال عبارته الشّهيرة التي ما تزال تتردد في أذن الدّهر: "لأنْ أرعى الإبل عند ابن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو".

وبعد أن بلغه نداء الاستغاثة عبر ابن تاشفين مضيق جبل طارق وتوجه مع ملك إشبيلية المعتمد بن عبّاد وجيشها نحو قشتالة، حيث يحكم ويقيم ألفونسو السادس؛ وكان لقاء الجيشين في "الزلّاقة"، جيش المسلمين الذي بلغ نحو ثلاثين ألف مقاتل، وجيش ألفونسو الذي بلغ ثلاثمئة ألف مقاتل؛ أي عشرة أضعاف جيش ابن تاشفين.

وقف القائدان يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عبّاد خطيبين في الجيش الذي يقاتل متحدا تحت راية واحدة؛ كما جاء في "الرّوض المعطار في خبر الأقطار": "ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما، وقام الفقهاء والعُبَّاد يعظون الناس ويحضُّونهم على الصبر، ويُحَذِّرُونهم الفرار".

نحو أحد عشر شهرا من الإبادة المستمرة في غزة كشفت لنا بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ جلّ حكّام المسلمين الذين يتنافخون شرفا على بعضهم البعض، أو يستأسدون على شعوبهم المقهورة، قد اختاروا رعي الخنازير عند بايدن ونتنياهو وسياط الذلّ تنهش ظهورهم، ظانّين أن ذلك سيحفظ عليهم كراسيهم ومناصبهم وممالكهم الهشّة
التحم الجيشان وكانت الجولة الأولى في المعركة حامية الوطيس لصالح ألفونسو وجيشه، ثم كتب الله النّصر المبين لجيش المسلمين، وبعد أن هزم الله تعالى ألفونسو وجنده لم تتحقّق مخاوف ملوك الطوائف من ابن تاشفين الذي جمعهم بعد الانتصار الكبير، وأمرهم بالاتفاق والاتحاد وعاد إلى بلاد المغرب تاركا لهم مناصبهم وممالكهم، وعمره آنذاك تسع وسبعون سنة.

وفي الوقت الذي برهن فيه ابن عبّاد أن رعي الإبل عند ابن تاشفين أجدى وأنفع من أن يرعى الخنازير عند ألفونسو، فضلا عما في ذلك من الرجولة والكرامة؛ ما يزال قادة دول وحكّام ممالك ورؤساء أحزاب من ذلك العهد إلى يومنا هذا يختارون رعي الخنازير عند العدوّ الطامع والمحتل الغاصب!

نحو أحد عشر شهرا من الإبادة المستمرة في غزة كشفت لنا بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ جلّ حكّام المسلمين الذين يتنافخون شرفا على بعضهم البعض، أو يستأسدون على شعوبهم المقهورة، قد اختاروا رعي الخنازير عند بايدن ونتنياهو وسياط الذلّ تنهش ظهورهم، ظانّين أن ذلك سيحفظ عليهم كراسيهم ومناصبهم وممالكهم الهشّة، وما علموا أنّ نتنياهو وحلفاءه من الغرب الصهيوني لن يتوقفوا عند حدود غزة إن استتب لهم الأمر فيها -لا قدّر الله تعالى- بل سيزيلون هذه العروش ليعيدوا صياغتها من جديد، رغم ما يدفعه هؤلاء من جزية وما يمارسونه من رعي الخنازير في حظيرة واشنطن وتل أبيب.

x.com/muhammadkhm

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأندلس غزة نتنياهو غزة نتنياهو الأندلس العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ما الذي يُفسر تعافي اقتصادات جنوب أوروبا؟

يتوقع التقرير الأسبوعي لـ QNB أن تتفوق اقتصادات جنوب أوروبا مرة أخرى هذا العام،  متوقعا أن يبلغ متوسط نمو ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي نسبة 1.6%، مقارنة بنحو 0.8% في منطقة اليورو وذلك على خلفية ازدهار السياحة، وتحسن القدرة التنافسية النسبية، فضلاً عن تصحيح الاختلالات المالية. 

كانت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2007 بداية لفترة طويلة من الأداء الاقتصادي الضعيف في اقتصادات جنوب أوروبا (إسبانيا، واليونان، وإيطاليا، والبرتغال). وكانت التحديات المالية والهيكلية الكبيرة التي تواجهها هذه الاقتصادات (والتي تضمنت، من بين أمور أخرى، تصاعد الديون السيادية، وجمود أسواق العمل، والقطاع الخاص المثقل بالديون)، قد جعلتها معرضة بشكل خاص لصدمات سلبية كبيرة.

وخلال الفترة من 2007 إلى 2022 والتي تشمل الاضطرابات الرئيسية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، وأزمة الديون السيادية، وجائحة كوفيد، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لاقتصادات جنوب أوروبا بمعدل 0.1% في المتوسط كل عام، أي أقل بقرابة نقطة مئوية كاملة من معدل النمو السنوي البالغ 1% لمنطقة اليورو ككل.

 

بعد جائحة كوفيد، شرعت اقتصادات جنوب أوروبا أخيراً في السير على طريق التعافي النسبي على خلفية العوامل الدورية والهيكلية. وخلال الفترة 2023-2025، من المتوقع أن يبلغ متوسط نمو ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي 1.7%، أي ما يقرب من ضعف معدل نمو منطقة اليورو البالغ 0.9%.

قال بنك قطر الوطني QNB في تقريره الأسبوعي أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تفسر تحسن نمو اقتصادات جنوب أوروبا.

وأوضح أن السبب الأول أن نهاية جائحة كوفيد أدت إلى طفرة في السياحة والتي قدمت دفعة قوية لاقتصادات جنوب أوروبا، حيث كان لهذا القطاع تأثير كلي كبير على الاقتصاد. ومع انحسار الجائحة ورفع القيود على السفر، انتعشت السياحة بقوة وبدأت فترة طويلة من التوسع. وتشهد المقاييس المختلفة لأعداد الزوار، وإجمالي الإيرادات، وإشغال الفنادق نمواً بمعدلات تتراوح بين 15 و20% في جميع أنحاء جنوب أوروبا. وهذا يوفر ضمناً دفعة كبيرة لاقتصادات جنوب أوروبا، حيث تتراوح تقديرات إجمالي الإسهام المباشر وغير المباشر للسياحة في الناتج المحلي الإجمالي بين 8% و20%. وبالمثل، فإن ذلك يساهم في إجمالي الوظائف بشكل كبير. ففي إيطاليا، يعمل 4.5 مليون عامل في القطاعات المرتبطة بالسياحة من إجمالي القوة عاملة البالغ 25 مليون عامل، بينما يعمل 2.7 مليون في هذه القطاعات في إسبانيا من أصل 24 مليون عامل. وبالإضافة إلى تأثير الاستهلاك من قِبل السياح، فإن إنفاق العاملين في مجال السياحة وشركات السياحة يعمل كمُضاعِف لبقية الاقتصاد. وبالتالي، فإن "الإنفاق الانتقامي" على السياحة بعد الجائحة كان له تأثير إيجابي كبير على اقتصادات جنوب أوروبا من خلال القنوات المباشرة وغير المباشرة.

وتابع QNB أن السبب الثاني: بالمقارنة مع الاقتصادات الأكثر اعتماداً على التصنيع في منطقة اليورو، استفادت اقتصادات جنوب أوروبا من التحسن النسبي في قدرتها التنافسية بعد الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية، وكذلك من تحصنها بشكل أفضل من أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، فقد كانت اقتصادات جنوب أوروبا أقل اعتماداً على واردات الغاز من روسيا، مقارنة بالدول الأكثر استهلاكاً للطاقة في منطقة اليورو، وهي ألمانيا والنمسا وسلوفاكيا، وهذا جعل اقتصادات جنوب أوروبا أقل عرضة لنقص الطاقة وارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية في تعديلات كبيرة في أسواق العمل في اقتصادات جنوب أوروبا، مما فرض ضغوطاً هبوطية على الأجور وبالتالي انخفاضاً في تكاليف العمالة النسبية. وارتفعت معدلات البطالة إلى ذروتها في جميع أنحاء اقتصادات جنوب أوروبا في المتوسط بنسبة 13.3 نقطة مئوية من أدنى مستوياتها قبل الأزمة. أدت هذه التعديلات الضخمة إلى انخفاض ضغوط الأجور وتكاليف العمالة للشركات. ونتيجة لذلك، تظهر تكاليف وحدة العمل تبايناً كبيراً بين اقتصادات جنوب أوروبا ومجموعة الدول التي تضم ألمانيا والنمسا وسلوفاكيا منذ بداية الأزمة المالية العالمية، فقد زادت هذه التكاليف بنسبة 34% في المتوسط في اقتصادات جنوب أوروبا، مقارنة بنحو 62% في مجموعة الدول ذات الاعتماد الكثيف على الطاقة في منطقة اليورو. 

وقد أصبحت تأثيرات أزمة الطاقة والقدرة التنافسية واضحة في قطاع التصنيع، فخلال الفترة بين الربع الثاني من عام 2023 والربع الثاني من عام 2024، توسع متوسط الإنتاج الصناعي بنسبة 1% في اقتصادات جنوب أوروبا، بينما انكمش بنسبة 4.1% في اقتصادات مجموعة الدول ذات الاعتماد الكثيف على الطاقة في منطقة اليورو. ووفرت المكاسب النسبية في القدرة التنافسية وانخفاض التعرض لأزمة الطاقة ميزة نسبية لقطاع التصنيع في دول جنوب أوروبا مقارنة بجيرانها الأوروبيين الأكثر كثافة في التصنيع. 

وثالث الأسباب كما يوضح بنك قطر الوطني في تقريره أن عملية خفض الديون في القطاع الخاص وتحسين استدامة الديون السيادية تعمل على تقليل مخاوف عدم الاستقرار المالي واستعادة ثقة المستثمرين. وبعد الأزمات السابقة، قامت الأسر والشركات في اقتصادات جنوب أوروبا بخفض الديون بوتيرة مدهشة، فقد انخفض متوسط نسبة ائتمان القطاع الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات جنوب أوروبا بنحو 65 نقطة مئوية من ذروته البالغة 134% في عام 2011 إلى المستويات الحالية البالغة 69%. كما كانت جهود التكيف التي بذلتها الحكومات مهمة أيضاً، حتى لو كانت أصغر، بالنظر إلى التوسعات المالية الكبيرة التي كانت ضرورية خلال جائحة كوفيد، فقد انخفض متوسط الدين الإجمالي في اقتصادات جنوب أوروبا بنحو 14 نقطة مئوية من 139% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 125% هذا العام. وقد أتاحت هذه التحسينات ارتفاع معدلات الاستثمار الخاص، وهو عنصر أساسي في الناتج المحلي الإجمالي من منظور الإنفاق. ففي الفترة بين الربع الأول من عام 2023 والربع الأول من عام 2024، توسع متوسط الإنفاق الاستثماري في اقتصادات جنوب أوروبا بنسبة 2.2%، بينما انكمش بنسبة 0.6% في منطقة اليورو. وبالتالي، أدى تصحيح الاختلالات المالية إلى تحسين ظروف الاستثمار والنمو في اقتصادات جنوب أوروبا. 

مقالات مشابهة

  • الزايدي: الذين سرقوا المليارات من أموال الدولة الليبية وأموال المواطنين الخاصة استنادوا على فتاوى الغرياني عام 2011
  • يوقع على شيك بغير توقيعه المعتمد.. والمحكمة تقاضيه
  • شاهد بالصور.. تفاصيل الزواج الأسطوري لرجل أعمال سوداني بالقاهرة.. تكلفة الزواج بلغت 300 ألف دولار والفنان المصري حمادة هلال والسلطانة أبرز المطربين الذين تغنوا في الفرح
  • عمان والعراق يبحثان تعزيز التعاون
  • ما الذي يُفسر تعافي اقتصادات جنوب أوروبا؟
  • ديلور: “الذين لم يُؤمنوا بي منحوني قوّة سأضعها في خدمة المولودية”
  • ما هذا العراق الذي لا يثق به أحد
  • معلومات عن الصاروخ الذي أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل
  • أبرز النجوم الذين تعرضوا للنصب عن طريق المنتجين(تقرير)
  • ريال مدريد يخطط للتعاقد مع ألفونسو ديفيز