كيف لمقطع شعري أن يغير حياة شخص، ويدخله معارك فكرية، قد تصل به إلى السجن والاغتيال المعنوي؟. هذا ما قمت به في مراهقتي وصباي حيال الشاعر المجدد "صلاح عبدالصبور".. كان جل غضبي فقط أنه ميت بالفعل ولن أستطيع النيل منه وما كان يشفي غليلي كمسلمة غيورة على دينها أن هذا الشاعر مات مقهورًا بعتاب أصدقائه على موقف سياسي وكنت أرى هذه الميتة أول وأرق درجات الإنتقام الإلهي لتجرئه على الذات الإلهية.

يا لحزني على ما كنته!

 بالعودة للوراء كنت أنفذ خطة قراءة جديدة من خطط البناء الذهني التي تضعها لي الشاعرة السكندرية الراحلة "منى مصطفى" وأغلب الوقت توفر لي نسخ الكتب التي تضعها لي، إلا كتاب معنون بـ(مسافر ليل) مسرحية شعرية للشاعر صلاح عبدالصبور لم تتوفر نسخته حيث يتم تدريسه لطلبة كلية الآداب جامعة الإسكندرية في هذا العام أظنه 1987، حيث كان الدكتور أحمد الشيخ قرر "المسرحية" في منهج الدراسة والترجمة للإنجليزية على طلبة قسم اللغة العربية؛ لجأت لحيلتي المعتادة بتصوير الكتاب نسخة ضوئية، وتوفيرًا للنفقات وجدت نفسي أنسخ المسرحية بخط اليد كما كنت أفعل مع كثير من دواوين الشعر، بدأت المعركة الذهنية.. ما هذا الكفر البين المطبوع في كتاب تحت مسمى مسرحية شعرية؟ ويضاف إليه انتشار الكفر ويدرس في الجامعة.. لتكتمل نظرية المؤامرة على الإسلام في عقليتي المحدودة التي تربت على النسخة الأزهرية من الإسلام.

إن الله تخلى عن هذا الجزء من الكون

لا يعطينا شيئًا قط

لا ينظر في هذي الناحية كما  كان

قلنا: ماذا حدث لنا؟

قالوا: أحدهم قد قتل الله هنا

ولهذا يخاصمنا

أعني طبعًا قد سرق بطاقته الشخصية

وانتحل وجوده 

 تأخذني (مسافر ليل) إلى (مأساة الحلاج) إلى (الناس في بلادي) حتى جاءتني صفعة قوية بتأثير نفسي وعقلي مربك كأنه كتبها ليحسم معركتي ضده، كأنه يواجهني ويخبرني أنه إبن ماء.. أنه من أبناء الوادي الأخضر وأنني متصحرة الروح والثقافة، حدثت المعركة الكبرى نحو التحول من صلاح عبدالصبور إلى صلاح عبدالصبور ذلك الشاعر الذي ظللت أنا - ومعظم جيلي- متأثرة به كمرجع في كتابة القصيدة التفعيلية آخذا بيدي؛ لأتخلى عن القصيدة العمودية طواعية وبهدوء شديد.

ظللت سنوات غاضبة من أمل دنقل  المؤسس الأب لسنوات التمرد والإغتراب لأنه نال نفسيًا من صلاح عبد الصبور. نضجت على نار التجربة وسنوات ممارسة الكتابة ويظل صلاح بديوانه الأول (الناس في بلادي) مؤنسًا للرحلة والذي كان صدوره بدءًا لحركة شعرية جديدة، إلى استدعائي في أكتوبر 2022 لسماع أقوالي في اتهام بسب الذات الالهية وكأني أشرب من نفس الكأس؛ مبتسمة استعنت بمقطعه الشهير في "مسافر ليل"  لتوضيح الفرق بين الكتابة الإبداعية التي تقوم على أعمال المخيلة وإنعاشها بالصدمة أحيانًا وبين الرأي الشخصي أو المذهب الديني للكاتب والمتلقي معا في قضية لم ولن تحسم بعد؟. 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مسافر ليل

إقرأ أيضاً:

رأي.. بارعة الأحمر تكتب: هل ينجح الحكم الجديد في لبنان باحتواء الصراعات بـسلام؟

هذا المقال بقلم بارعة الأحمر، صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN. 

منذ تكليف القاضي الدولي نواف سلام بمهمة تشكيل الحكومة اللبنانية الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون، يقف لبنان أمام عقبات التمثيل الحزبي في الحكم في وجه استعادة سيادة الدولة وإنهاء سيطرة حزب الله على مفاصل الحكم وآلية اتخاذ القرارات.

تكليف سلام حمل دلالات سياسية واضحة لما يعنيه من  تعديل لموازين القوى الداخلية، فهو شخصية معروفة بخبراتها القانونية والأكاديمية والدبلوماسية، ونفس تغييري وإصلاحي، إلى شعبيته في أوساط النخب والشباب.

إن أصابت التوقعات بإعلان الحكومة العتيدة نهاية الأسبوع الحالي، فإن هذا سيعني النجاح في تخطي العقبات بسلام، وستكون سابقة في تاريخ لبنان الحديث: انتخاب رئيس وتكليف شخصية لتشكيل الحكومة وإعلان تشكيل الحكومة في غضون أسبوعين فقط. أمر لا يصدق في لبنان! وهو مسار كان انطلق منذ لحظة إعلان ثوابت الحكم وحين رفع سلام الدستور اللبناني "الكتاب" في باحة القصر الجمهوري وأمام الصحفيين فوضع بذلك الحدود والضوابط في خطاب قبول التكليف بتشكيل الحكومة. 

لم يتوصل سلام بعد إلى اتفاق مع قيادات الأحزاب حول صيغة للبيان الوزاري تجمع اللبنانيين ولا تتسبب بمواجهات قد تخرب انطلاقه العهد. ولم يتوصل بعد إلى اتفاق مع الثنائي الشيعي حول تطبيق القرار 1701 على الرغم من جلسات التفاوض التي استمرت ساعات. وذلك أنه يحرص على تطبيق الدستور وخصوصا ما ينص عليه في مجال حق الدفاع عن النفس والمقاومة. إلا أن حزب الله يطالب بتضمين البيان الوزاري ما يراه من "عناصر القوة" للبنان وهو ما لا يجمع عليه اللبنانيون. وحتى الساعة لا حلول لهذه العقدة أيضا. وقد يكون الحل الوحيد في تعليق هذا النقاش وترحيله لحين تشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري، بما أن الأولوية اليوم هي لتشكيل الحكومة.

لدى الرئيس المكلف أيضا تصور واضح ودقيق لحكومته، وهو حرص على التأكيد منذ بدء استشارات التشكيل أن "ليس هناك من عراقيل" لكنه في الوقت عينه حرص أيضا على عدم تسريب الأخبار أو المعلومات وهذا أمر لم يعتد عليه اللبنانيون وخصوصا الإعلام في لبنان.

ومرد هذا التكتم حول التركيبة والأسماء، غير المعهود، إلى أن الـ"عقبات" هذه المرة لا تقتصر على حزب الله بل هي أيضا من تلك الـ "غير معهود"، لأنها تأتي من الجهات التي انتخبت الرئيس الجديد وقبلت تكليف سلام. وهي اليوم تفاوض على حصتها في الحكومة لأنها ترى فيها فرصة حقيقة لتغيير المشهد السياسي برمته، وهو تغيير يطالب به اللبنانيون منذ ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ومن قبلها.  إلا أن تحديد الحصص والأسماء، لا يزال مرهونا بلقاء حول المسودة الحكومية بين الرئيس المكلَّف ورئيس الجمهورية الذي لم يحد بعد حصته من الوزارات، كما جرت العادة. 

اللافت في القليل مما يرشح من معلومات، هو البعد الإقليمي للحكومة التي يفترض أن تعكس التوازنات السياسية المستجدة في الشرق الأوسط ما بعد الطوفان والزلازل وما بعد إقصاء المشروع الإيراني عن لبنان وسوريا. وأن تقدم مشهدا إصلاحيا سياسيا وإداريا لطالما كان شرطا دوليا وإقليميا لدعم لبنان، وخصوصا من جانب المملكة العربية السعودية راعية التغيير الرئاسي والحكومي في آن. 

إضافة إلى وقف الفساد المالي والإداري وإصلاح القضاء يتم بناء التركيبة الحكومية على أساس التحضير للانتخابات النيابية المقبلة التي ستنتج برلمانا جديدا، وذلك من خلال إعداد قانون انتخابي يُصلح ما أفسدته القوانين السابقة التي كانت تصاغ على مقاس القوى السياسية ويضمن بقائها في السلطة. قانون انتخابي جديد يغير الوجه التشريعي ويعكس التوازنات الجديدة في السلطة اللبنانية وفي الإقليم.

وعلى الرغم من هذه العقبات، يعيش لبنان اليوم لحظة نادرة وجوا من التفاؤل، فتشكيل هذه الحكومة ليس مجرد تعديل تجميلي أو ترقيعي لدولة منهارة، بل هو فرصة لإقصاء حراس النظام القديم، شعاع أمل يُضاء في وجه الفساد. 

لبناننشر الثلاثاء، 21 يناير / كانون الثاني 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • صباحية شعرية وإنشادية في ذمار بذكرى سنوية الشهيد القائد
  • عبدالله: العقد التي تواجه مسار التأليف متعددة
  • منى أحمد تكتب: تحديات الرئيس الـ47 للولايات المتحدة
  • هند عصام تكتب: الملكة نيت حتب
  • رمضان 2025.. لام شمسية يجمع أمينة خليل والمخرج كريم الشناوي للمرة الرابعة
  • قصيدة شعرية في حب مصر بمناسبة الذكرى الـ73 لعيد الشرطة
  • «الفراولة المصرية».. قصة نجاح تكتب بـ 335 مليون دولار
  • رأي.. بارعة الأحمر تكتب: هل ينجح الحكم الجديد في لبنان باحتواء الصراعات بـسلام؟
  • ريهام العادلي تكتب: الشرطة المصرية.. 73 عاماً من العطاء الوطني
  • خصم 50% من وإلى المحطات.. الخط الثالث للمترو يوقع شراكة مع منصة لتوصيل الركاب