لماذا فشلت واشنطن في دفع الحكومة السودانية إلى مفاوضات جنيف؟
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
الخرطوم– تجاهلت الحكومة والقيادة العسكرية في السودان الضغوط الأميركية لحملها على المشاركة في مفاوضات جنيف السويسرية مع قوات الدعم السريع التي بدأت قبل أسبوع، ويعتقد مراقبون أن عدم الاستجابة للضغوط ينبع من قناعة الحكومة بأنها في وضع أفضل سياسيا وعسكريا.
وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، دعت الإدارة الأميركية طرفي الصراع في السودان إلى جولة جديدة من المفاوضات في جنيف لوضع حد للحرب المستمرة منذ 15 أبريل/نيسان 2023.
وانطلقت محادثات جنيف بين شركاء إقليميين ودوليين، الأربعاء الماضي، بهدف "التوصل إلى اتفاق لوقف العنف في السودان، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين".
وتمسكت الحكومة السودانية بعدم المشاركة في المفاوضات قبل تنفيذ "إعلان جدة" الموقّع بين الجيش وقوات الدعم السريع في مايو/أيار 2023، بينما قبل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الدعوة وبعث وفده إلى سويسرا.
ومع بدء المحادثات، اتصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هاتفيا برئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لحضّه على الانضمام للمحادثات، لكن الحكومة وضعت شروطا للمشاركة تشمل تنفيذ "إعلان جدة" وعدم توسيع الوسطاء والمراقبين في المحادثات.
وبعد التوافق بين الحكومة والوسطاء، بعثت الحكومة وفدا إلى جدة برئاسة وزير المعادن محمد بشير أبو نمو، حيث أجرى مشاورات مع الجانب الأميركي، لكن أخفق الطرفان في الاتفاق بشأن تلبية شروط الحكومة للمشاركة في مفاوضات جنيف.
ثم عاود بلينكن التواصل الهاتفي مع البرهان الذي طلب مشاورات جديدة مع الوساطة الأميركية السعودية لمناقشة رؤية الحكومة بشأن تنفيذ "إعلان جدة".
واستبق بلينكن المشاورات الجديدة في القاهرة، التي ستبدأ رسميا اليوم الأربعاء، بإجراء محادثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته ومدير المخابرات، من أجل "تليين" موقف القيادة السودانية بعد اعتماد مجلس السيادة الثلاثاء رؤية الحكومة لتنفيذ "إعلان جدة" حسب مصادر قريبة للمجلس تحدثت للجزيرة نت.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها، إن رؤية الحكومة شاملة، وحددت المواقع التي تتجمع فيها قوات الدعم السريع بعد انسحابها من المنازل والأعيان المدنية، وجدولا زمنيا لهذه الخطوة، وتشكيل آلية دولية للرقابة والدول التي تشارك فيها.
ممثلو الجيش والدعم السريع مع مسؤولين آخرين بعد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بجدة العام الماضي (رويترز) لا عواقب للغيابوقال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، في تصريح أمس الثلاثاء، إن الحرب ضد "مليشيا الدعم السريع اقتربت من نهايتها والمؤشرات على ذلك واضحة، وخلال شهر سيتم فتح كل الطرق التي تحتلها".
وذكر أن الحكومة دخلت في حوار صريح مع الولايات المتحدة حول مفاوضات جنيف "ورفضنا إملاءاتهم وشروطهم وسنرسل لهم وفدا لمقابلتهم في القاهرة وبعدها سندرس الخطوة القادمة".
وكان البرهان أوضح، خلال لقاء مع صحفيين في بورتسودان السبت الماضي حضره مراسل الجزيرة نت، أن "إعلان جدة" يلزم قوات الدعم السريع بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار ودارفور، و"لا تراجع عن ذلك، وفي حال رفضوا سنستمر في قتالهم لإخراجهم بالقوة"، وفق تعبيره.
من جانبه يعزو كاميرون هدسون، زميل مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، غياب وفد الجيش عن مفاوضات جنيف إلى عدم وجود تبعات وعواقب لهذا الغياب.
ويرى هدسون، في حديث إذاعي، أنه إذا كانت هناك ضغوط تمارس على الدول الداعمة لطرفَي النزاع في السودان، فيمكن أن تضغط هذه الدول على الطرفين من أجل حضور المفاوضات.
ويعتقد الباحث الأميركي أنه في موقف البرهان وجهة نظر "معقولة"، قائلا إن هناك الكثير أمام الولايات المتحدة لتفعله كي تُقنعه بالذهاب للمفاوضات.
ضغوط الداخل والخارج
من جهته يقول رئيس تحرير صحيفة "التيار" والكاتب عثمان ميرغني، إن الحكومة تشترط تنفيذ "إعلان جدة"، وقدمت لها الوساطة تعهدات وضمانات بتنفيذ الإعلان، لكن الحكومة تشترط التنفيذ أولا وليس التعهد به.
وأضاف الكاتب للجزيرة نت، أن عدم استجابة الحكومة للضغوط الأميركية سببه ضغوط سياسية من قبل بعض الأطراف القريبة منها، وهذا قيد قدرتها على اتخاذ القرار.
أما الباحث السياسي فيصل عبد الكريم، فيرى أن الحكومة متمسكة بعدم التراجع عن موقفها بشأن تنفيذ "إعلان جدة" قبل الانتقال لمناقشة الترتيبات الأمنية والعسكرية مع قوات الدعم السريع رغم الضغوط التي تتعرض لها، لداوع مرتبطة بالمواطنين والمؤسسة العسكرية.
ويوضح الباحث في تصريح للجزيرة نت، أن أي اتفاق تتوصل إليه الحكومة قبل خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين لن يكون مقبولا من الشعب وسيكون خصما من رصيدها، ويجرد القيادة العسكرية والسياسية من المساندة الشعبية، كما أن المؤسسة العسكرية غير مهيأة لقبول أي تسوية مع الدعم السريع تمنحه دورا عسكريا وسياسيا في المستقبل.
ويضيف المتحدث أن الحكومة وقيادة الجيش وجدتا في الفترة الأخيرة دعما من قوى إقليمية واتجهت شرقا، وتشعر أنها في موقف دبلوماسي وعسكري أفضل، وأنه في ظل التناقضات وتضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية فإنها في مأمن من أي عقوبات دولية.
كما أنه ليس هناك ما يدفع الحكومة السودانية، بحسب الباحث السياسي، إلى تقديم تنازلات أو منح الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض إنجازا سياسيا بلا ثمن قبل الانتخابات الأميركية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع مفاوضات جنیف فی السودان إعلان جدة
إقرأ أيضاً:
“بلومبيرغ”: مفاوضات إيرانية روسية لبناء قاعدة عسكرية في السودان
يأتي الدعم الخارجي للجيش السوداني في ظل استمرار الحرب الأهلية المستمرة منذ 20 شهراً، ما أدى إلى واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة.
متابعات – تاق برس
نقلت وكالة “بلومبيرغ” عن مسؤولين استخباراتيين سودانيين و4 مسؤولين غربيين، أن طهران وموسكو أجرتا في الأشهر الأخيرة مفاوضات مع الجيش السوداني لإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان، مشيرة إلى أن هذه المفاوضات أصبحت أكثر أهمية عقب هزيمة روسيا وإيران في سوريا.
وذكرت الوكالة، الأربعاء، في تقرير مفصل حول دور الطائرات المسيرة الإيرانية والأسلحة الروسية في الحرب الأهلية السودانية، نقلاً عن دِرار أحمد دِرار، قائد جماعة شبه عسكرية مؤيدة للجيش السوداني، أن البلاد تتلقى دعماً من إيران وروسيا.
وقال: “إنهم يقدمون أشياء مختلفة مثل الطائرات المسيرة والأسلحة، والآن تغير ميزان القوى”.
ويأتي الدعم الخارجي للجيش السوداني في ظل استمرار الحرب الأهلية المستمرة منذ 20 شهراً، ما أدى إلى واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة.
والحرب، التي تدور بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، تهدف للسيطرة على هذا البلد الشاسع بخط ساحلي استراتيجي على البحر الأحمر، وهي واحدة من أكثر الحروب دموية التي شهدتها منطقة الساحل الأفريقي في السنوات الأخيرة.
وأدت الانقلابات العسكرية المتكررة في المنطقة إلى تقارب جيوش مالي وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى مع موسكو وابتعادها عن الحلفاء الغربيين. وقد نشرت روسيا مرتزقتها في تلك البلدان.
ولكن لم يجذب أي من بلدان المنطقة القوى الأجنبية كما فعل السودان. وعلى عكس الهزيمة التي لحقت بروسيا وإيران مؤخراً في سوريا، فإن موسكو وطهران حالياً في موقع قوي داخل السودان.
إيرانالبحر الأحمرروسيا