بعد حوالي الشهر والنصف (السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل) تأتي الذكرى السنوية الأولى لمعركة طوفان الأقصى والعدوان المستمر على قطاع غزة، ورغم أن كل الأنظار تتجه إلى المفاوضات الدائرة في القاهرة حول وقف إطلاق النار، فإن كل المؤشرات والتقديرات السياسية والأمنية تؤكد أن هذه الحرب لن تتوقف أو تنتهي حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى، بل سيكون وقف إطلاق النار مجرد هدنة فيما ستعود الحرب بأشكال مختلفة ضد الشعب الفلسطيني، كما أن احتمال الذهاب إلى تصعيد واسع في حال فشل المفاوضات ليس مستبعدا، وكل الدلائل والمعطيات تشير إلى أنه في حال فشل المفاوضات ونفذ حزب الله وإيران تهديداتهما بالرد على استشهاد القائد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في بيروت ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في طهران، فإننا ذاهبون إلى تصعيد كبير لا يمكن لأحد أن يحدد مداه.



وبانتظار وضوح الصورة السياسية والأمنية والعسكرية في فلسطين وكل المنطقة، فإن الحرب على قطاع غزة وعلى الضفة الغربية المحتلة وتداعياتها في كل المنطقة تعيدنا إلى لوحة الفنان الإسباني الشهير بابلو بيكاسو حول القصف الذي تعرضت له مدينة غرنيكا في منطقة الباسك في إسبانيا خلال الحرب الأهلية في ثلاثينيات القرن الماضي، وتمت تسمية تلك اللوحة باسم هذه المدينة: غرنيكا.
ولوحة غرنيكا تعرض مأساة الحرب والمعاناة التي تسببها للأفراد، وقد صارت معلما أثريا، لتصبح مذكرا دائما بمآسي الحروب، إضافة لاعتبارها رمزا مضادا للحرب وتجسيدا للسلام. وبعد الانتهاء منها طافت اللوحة في جولة عالمية في كل أنحاء العالم لتصبح من اللوحات الأكثر شهرة في العالم، كما أن جولتها تلك ساهمت في لفت أنظار العالم للحرب الأهلية الإسبانية وحافزا لإنهاء تلك الحرب.

رغم كل الصور والأفلام والمشاهد والأنشطة الفنية التي نقلت ما يجري في قطاع غزة ورغم كل المقالات والدراسات والكتب التي نشرت خلال الأشهر الماضية، فإن المراقب لما يجري يشعر بأن ما كُتب ونُشر لا يزال قاصرا عن الإحاطة الفكرية والفنية والإعلامية لهذه المأساة الكبرى ولهذا الصمود
واليوم نحن بحاجة لمن يرسم لوحة غرنيكا- غزة ونقلها إلى كل أنحاء العالم من أجل وقف هذه الإبادة الإنسانية المستمرة لحوالي العام، ولتصوير هذا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة وفي السجون الإسرائيلية. ورغم كل الصور والأفلام والمشاهد والأنشطة الفنية التي نقلت ما يجري في قطاع غزة ورغم كل المقالات والدراسات والكتب التي نشرت خلال الأشهر الماضية، فإن المراقب لما يجري يشعر بأن ما كُتب ونُشر لا يزال قاصرا عن الإحاطة الفكرية والفنية والإعلامية لهذه المأساة الكبرى ولهذا الصمود.

والخطورة الأبرز أن كل ما جرى يؤكد لنا أن هذا الصراع مع العدو الصهيوني دخل مرحلة جديدة بعد 76 عاما من الصراع، وفي ظل فشل كل المحاولات لإنهائه أو الوصول إلى تسوية سياسية تحت عناوين مختلفة، ومنها ما يُطرح حول مشروع حل الدولتين وغيره من المشاريع التسووية الفاشلة.

ومن الشواهد الجديدة التي تؤكد أن هذا الصراع لن ينتهي قريبا حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، ما كتبه الكاتب والباحث السياسي اللبناني جهاد الزين في جريدة النهار اللبنانية قبل عدة أيام تحت عنوان: هل اتخذت إسرائيل قرار الحرب الدائمة (لِسَنوات)؟

وفي هذا المقال يشير الزين إلى أنه قبل حوالي العامين نشرت صحيفة "الجيروزاليم بوست" الإسرائيلية مقابلة أجرتها مع المؤرخ الأمريكي الشديد التأييد لإسرائيل، دانيال بايبس. كان بايبس كما كشفت الصحيفة موجودا في إسرائيل في زيارة وصفتها بأنها للقاء وجوه من النخبة السياسية الإسرائيلية على رأسهم بنيامين نتنياهو، كانت لائحة المقابلات تضم مجموعة من قادة سياسيين وقادة رأي أغلبهم من أوساط اليمين الإسرائيلي. كان هدف بايبس كما قال لمراسل الصحيفة هو وضع كتاب عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وكشف الكاتب نظريته قبل الانتهاء من كتابته، النظرية التي جاء لإقناع قادة إسرائيل بتبنيها كما صرح يومها.

ويضيف الزين: هذه النظرية تقول إن سبب تعثر إسرائيل في الصراع والأثمان الكبيرة التي تدفعها؛ هو لجوؤها للتسوية بين الحين والآخر وخصوصا اتفاق أوسلو، فهو يعتبر أن نزعة إسرائيل التصالحية(!) ونزعة الفلسطينيين "الرفضية" لا تطيل الصراع فحسب بل أيضا تضاعف الأثمان التي تدفعها إسرائيل في هذا الصراع، وإن الحل الوحيد إلحاق الهزيمة الكاملة بالفلسطينيين وتولي إسرائيل حكمهم مباشرة.

وفي حزيران/ يونيو الماضي صدر كتاب بايبس تحت عنوان: "انتصار إسرائيل- كيف يربح الصهاينة القبول والفلسطينيون ينالون تحريرهم"! (وهو يقصد السيطرة الكاملة عليهم وإخضاعهم لسلطة الكيان الصهيوني).

لا خيار أمام الفلسطينيين والعرب وكل من يؤيدهم من أحرار العالم سوى الاستمرار بالمقاومة والصراع، وهذا الصراع ليس فقط على الصعيد العسكري، مع أهمية العامل العسكري ودور قوى المقاومة، بل إن المسؤولية تقع على جميع المفكرين والكتاب والباحثين والإعلاميين وعلماء الدين ومراكز الدراسات والأبحاث بإعادة فهم الصراع الحقيقي
ويستنتج الأستاذ جهاد الزين في مقالته أن نظرية بايبس حول الدعوة للهزيمة الكاملة للفلسطينيين تعني أن يكون سلوك القيادة الإسرائيلية عمليا هو الحرب الطويلة لسنوات في غزة انطلاقا من النظرية "البايبسية"؟ ولا يحتاج اليمين العنصري الإسرائيلي لمن يقنعه بالحرب الدائمة مع الفلسطينيين، فهذا مشروعه في الأساس لاقتلاع السكان الأصليين من كل فلسطين. لكن الوقوف عند هذا النوع من النظريات ومنها الآن نظرية بايبس قد تكون دخلت في مرحلة عملية أو عادت لتصبح على بساط الطرح الاستراتيجي لدى الدولة الإسرائيلية، وأن إسرائيل أمام حرب هي في بدايتها كأننا في العام 1948.

هذه الخلاصة التي يتوصل إليها الكاتب اللبناني جهاد الزين والمعروف عنه دعمه للتسوية السياسية وحل الدولتين وإنهاء الصراع مع العدو الصهيوني من خلال التسوية السياسية، تؤكد أنه لا خيار أمام الفلسطينيين والعرب وكل من يؤيدهم من أحرار العالم سوى الاستمرار بالمقاومة والصراع، وهذا الصراع ليس فقط على الصعيد العسكري، مع أهمية العامل العسكري ودور قوى المقاومة، بل إن المسؤولية تقع على جميع المفكرين والكتاب والباحثين والإعلاميين وعلماء الدين ومراكز الدراسات والأبحاث بإعادة فهم الصراع الحقيقي مع هذا العدو، وأن يتم الإعداد لخوض هذه الحرب الكبرى على كافة المستويات.

وقد تكون الذكرى السنوية لمعركة طوفان الأقصى مناسبة هامة لإعادة فهم الأبعاد الحقيقية لهذا الصراع المستمر، وتقديم رؤية فكرية ومستقبلية جديدة لمواكبة هذه المعركة.

وكلنا بانتظار لوحة غرنيكا- غزة والتي لن ترسم المأساة الفلسطينية فقط اليوم، بل صورة الصمود والنصر القادم.

x.com/kassirkassem

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطيني الإبادة المقاومة فلسطين غزة المقاومة الإبادة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا الصراع قطاع غزة ما یجری

إقرأ أيضاً:

رحيل إيهاب جلال: مسيرة حافلة بالنجاحات والتحديات في عالم كرة القدم المصرية(بروفايل)

فقدت الكرة المصرية اليوم أحد أبرز مدربيها، إيهاب جلال، المدير الفني لنادي الإسماعيلي، الذي وافته المنية بعد صراع قصير مع المرض. كانت مسيرة جلال مليئة بالإنجازات والتحديات، حيث ترك بصمته في عدة أندية مصرية، وقاد المنتخب الوطني لفترة قصيرة. نستعرض فيما يلي أبرز محطات حياته ومسيرته التدريبية.

صراع مع المرض 

توفي إيهاب جلال بعد تعرضه لوعكة صحية منذ أسابيع قليلة، أدت إلى دخوله المستشفى وخضوعه لأكثر من ثلاث عمليات جراحية للسيطرة على جلطة في المخ. وظل تحت الملاحظة بالرعاية المركزة، ولكن المرض لم يمهله طويلًا. وتم إعلان خبر الوفاة بواسطة أشرف خضر، نجم الإسماعيلي السابق، لينهي جلال بذلك مشوارًا حافلًا بالتحديات والإنجازات في عالم التدريب.

البدايات كلاعب وانتقاله إلى التدريب

وُلد إيهاب جلال في مصر عام 1967، وبدأ مسيرته كلاعب كرة قدم في نادي الإسماعيلي، حيث لعب في مركز المدافع. انتقل جلال بين عدة أندية مصرية، منها الأهلي وأندية أخرى أقل شهرة، قبل أن يعتزل اللعب في أوائل الألفينيات. وبعد اعتزاله، قرر دخول مجال التدريب وبدأ مسيرته كمدرب مساعد في بعض الأندية المحلية، وسرعان ما برز كمدرب رئيسي مع العديد من الأندية المصرية.

النجاحات مع نادي مصر المقاصة

أحد أبرز محطات جلال التدريبية كانت مع نادي مصر المقاصة، حيث قاد الفريق إلى مراكز متقدمة في الدوري المصري الممتاز، ومكّنه من المنافسة على المراكز المؤهلة للبطولات الإفريقية. وعُرف جلال بقدرته على تطوير اللاعبين واكتشاف المواهب الشابة، مما جعل منه اسمًا بارزًا في عالم التدريب المحلي.

التحدي الكبير مع الزمالك وبيراميدز

في عام 2018، تولى جلال منصب المدير الفني لنادي الزمالك، أحد أكبر الأندية في مصر وإفريقيا. ورغم الضغوط الكبيرة، ترك جلال بصمته التكتيكية في الفريق، لكن مهمته لم تدم طويلًا. بعدها، تولى تدريب نادي بيراميدز، حيث قدم أداءً جيدًا، لكن التوقعات الكبيرة أثرت على النتائج بشكل عام.

العودة العاطفية إلى الإسماعيلي

إيهاب جلال كان مرتبطًا بنادي الإسماعيلي عاطفيًا منذ أيامه كلاعب، وقد تولى تدريب الفريق عدة مرات. وفي آخر مواسمه، كان يطمح لإعادة الفريق إلى المنافسة في الدوري المصري الممتاز، وتجنب الهبوط، لكن المرض لم يسمح له بإكمال مسيرته مع الدراويش.

قيادة المنتخب المصري وتحديات دولية

في مارس 2022، تم تعيين إيهاب جلال مديرًا فنيًا للمنتخب الوطني المصري خلفًا للبرتغالي كارلوس كيروش. وتولى المسؤولية في فترة صعبة بعد عدم تأهل المنتخب لكأس العالم 2022، لكن مسيرته مع المنتخب لم تدم طويلًا بعد خسارته في مباراتين ضد إثيوبيا وكوريا الجنوبية، مما أدى إلى إنهاء مهمته بعد ثلاث مباريات فقط.

أسلوبه التدريبي وإرثه في كرة القدم المصرية

اشتهر إيهاب جلال بأسلوبه التدريبي الذي يعتمد على الانضباط التكتيكي وتطوير الجانب الفني للاعبين. وكان يفضل اللعب الهجومي المتوازن، مع التركيز على بناء اللعب من الخلف والسيطرة على الكرة. كما أعطى جلال أهمية كبيرة لتطوير اللاعبين الشباب وإدماجهم في الفرق التي دربها.

التحديات والفرص التي لم تكتمل

رغم التحديات التي واجهها جلال في مسيرته، إلا أنه يظل أحد أبرز المدربين المصريين الذين جمعوا بين الخبرة المحلية والتجارب الدولية. ترك جلال بصمة واضحة في الأندية التي قادها، وكان من المتوقع أن يستمر في تحقيق النجاحات مع نادي الإسماعيلي قبل أن ينهي المرض مسيرته.

برحيل إيهاب جلال، فقدت كرة القدم المصرية مدربًا قديرًا أثرى الساحة التدريبية بخبراته وإنجازاته، ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة عشاق الرياضة المصرية.

مقالات مشابهة

  • ترامب وهاريس.. من يستطيع حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
  • مؤسسة القدس الدولية .. الأقصى معركة وجود ” المسجد الأقصى وموسم العدوان الأعتى بعد الطوفان “
  • هوكشتاين سيصل إلى المنطقة.. ما هي الرسالة التي يحملها إلى إسرائيل؟
  • مسؤولية المفكر في الأزمات التي نعيشها
  • رحيل إيهاب جلال: مسيرة حافلة بالنجاحات والتحديات في عالم كرة القدم المصرية(بروفايل)
  • الصراع يحول السودان إلى مركز تنافس دولي.. هذه الدول تبحث عن موطئ قدم
  • ترامب: “سأنهي الحرب في أوكرانيا.. حتى قبل أن أصبح رئيساً”
  • غالانت: فيديو نفق حماس في رفح يؤكد أهداف الحرب التي يخوضها الجيش
  • ما طبيعة القنابل التي استخدمتها إسرائيل في قصفها منطقة المواصي؟
  • الخيانة التي سيجني العالم عواقبها