ورطة العلماء وخيبة أمل الشعب: ثلاثة نماذج سودانية
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
علماء الدين هم ورثة الأنبياء, يعلّمون الناس أمور دينهم , و في زمن الضيق و المسغبة يعقد الناس آمالهم بما يلهمونهم به من صبرٍ على البلاء, و كان لا بدّ من الحزر في الفتاوى الجزافية التي تورد مورد الهلاك , عن عمر بن الخطاب قال: ثلاثة يهدمن الدين :( زلة عالم , و جدال منافق بالقران, و ائمة مضلون).
أمّا في أمور الدنيا هناك علماء في شتى ضروب الحياة لا يقلّون قدراً في التأثير على توجهات الناس و أمزجتهم, قد تكون زلة العالم في الامور الحياتية عبارة عن هفوة جاءت نتيجة أخطاء بسبب إرتجال الكلام أو تداخل المواضيع أوْ لظروفٍ أخرى تربك العالِم في إختيار اللفظ المناسب أو القرار الصحيح, على العموم كثير من زلات العلماء في شؤون الدنيا مغتفرة, وسرعان ما تهدأ ساحة العامة التي ربّما هيجها تصريحاتهم , و لعلّى أذكر حادثة البروفسور إدوارد ويلسون و هو عالم علم الاجتماع الحيوي (Sociobiology) عندما قدم كتابه الشهير (Sociobiology the New Synthesis) .
قد تصل زلة العالم إلى مرحلة متقدمة بحيث تكون ورطة كبرى , يصعب خروج العالم أو من أدّعى العلم منها, هنا أذكر ثلاثة نماذج لثلاثة من علماءنا الأجلاء و قعوا في " مرحلة" ما بعد زلة اللسان, و هفوة الكلام, أو انقلاب فكري مع سبق الإصرار و الترصد, فاصبحوا في ورطة كبرى.
النموذج الاول :-
الدكتور محمد جلال هاشم يُعتبر من المناضلين المشهورين ضد دولة القراصنة ( الانقاذ) و الفكر الشمولي من منطلق فكره اليساري, نادى بحقوق الهامش حتى بحّ صوته و قد شهدت له المنابر بذلك, الدكتور محمد جلال هو صاحب منهج التحليل الثقافي ( صراع الهامش و المركز), و فيه تكلم عن نموذج شرق افريقيا , حيث قال : " في ان تقوم حركة تمردية بالهجوم على العاصمة , و من ثم اقتلاع النظام الحاكم , و اقتلاع مؤسساته الملتبسة بمؤسسة الدولة " , في نفس السياق اشاد بمحاولة حركة العدل و المساواة بدخولها العاصمة التشادية كثورة لاقتلاع النظام القائم انذاك , كما اشاد بقوات الجبهة الوطنية المعارضة في عام 1976 على اجتياحها الخرطوم, كل هذا اعتبره تمارين لتحقيق سيناريو شرق افريقيا . واصل الدكتور قائلا : " ربما يكون هذا السيناريو عالي التكلفة من حيث الارواح و المال و المؤسسات ............ الا انه يرتكز على نموذج سوداني متوطن في مجال الثورات الشعبية , و هو نموذج الثورة المهدية.........لا بد من التنبيه الى ان اي من هذه السيناريوهات ليس سوي مرحلة ضرورية من المعاناة في سبيل استشراف ديمقراطية حقيقية" انتهى.
من يقرأ نموذج شرق افريقيا في زمننا الراهن لابدّ أن يخطر بباله أنّ الحرب الحالية ( ما بين الجيش و الدعم السريع) هي تحقيق لتنبؤاته كما كانت و لا ينقصها من امرها شئ غير انها كانت انشقاق من داخل المؤسسة العسكرية و انحيازها للثورة, و من لا يعرف من هو محمد جلال هاشم و أين هو الآن لأعتقد جازماً إنّه صار أحد مستشاري الدعم السريع لما له من قراءات إستنتاجية تحققت فرضياتها و تطابقت مع مجريات الأحداث التى تنعكس معالمها في إجتياح الدعم السريع لمناطق سيطرة المؤتمر الوطني, و خاصة أن المؤتمر الوطني أعتبرت أنّ ما قام به الدعم السريع هو تمرد و هو ما تنبأ به الدكتور, و من قبل أعلن دقلو اصطفافه مع الثورة و أكد ذلك عدة مرات قولاً, و فعلاً عندما رفض قتل ثلث الشعب , و الاعتراف بأن ما حدث في 25 اكتوبر كان إنقلاباً و أعتذر عن ذلك , و ما يزيد بريق تنبؤات الدكتور, هو تمسك " حميدتي" بتنفيذ الاتفاق الاطاري, الامر الذي عجّل بقيام( الثورة المسلحة) ضد الدولة الشمولية التي نادى الدكتور محمد هاشم في السابق, بالتمرد ضدها بالسلاح و اقتلاعها. إلا أنّ الشخص الذي لا يعرف محمد هاشم من قبل, يتفاجأ بان الدكتور يشتدّ هتافاً وسط كرنفالات الحركة الاسلامية الدموية, التى ( الحركة الإسلامية) كان هو من ألدّ أعدائها فيما قبل حرب 15 ابريل, فصار أكثر عداوة للدعم السريع من الإسلاميين أنفسهم الذين أخيراً لمّحوا إلى التفاوض مع الدعم السريع إمتثالاً لأوامر الله( و ان جنحوا للسلم فاجنح لها), إلاّ أننا نظل نشهد الدكتور وهو يقوم بتمزيق سفر الثورة الذى أختطه بنفسه قرطاساً قرطاس, و ينقلب على سيناريو شرق إفريقيا شر منقلب من حيث يدري و لا يدري. و نجد الدكتور قد وقف في الصف الامامي لدعاة الحرب رغم النزوح الفيّاض و اللجوء و الموت المباح فى شوارع المدن, زاعماً وقوفه مع الجيش, و أخيراّ خزله الجيش إذ تسلل إلى معسكر السلام سراً في جنيف و تركه عارياً يخصف على نفسه من حججٍ رعناء لا تغنيه عن الحديث منطقاً و لا تقوّم في سلوكه اعوجاجاً , فيا ترى هل قفز الدكتور من دائرة اليسار البلشفي الى دائرة اليمين الداعشي!! .
النموذج الثاني:
الدكتور عشاري أحمد محمود و قد أشتهر بوقوفه مع قضية الدينكا في مذبحة الضعين في 28 مارس 1987 وقوفاً مستمياً وقوف من لا يخشى في الحق لومة لائم , حتى أدى ذلك إلى ملاحقتة من قبل أصحاب السوء و آكلى أموال السحت و بائعي الذمم , هذه الوقفة كانت لها قدر عالى من القيم الانسانية خاصة في زمن فيه مارست النخب الشمالية استلاء عرقياً على الجنوبيين الذين في نهاية المطاف لم يجدوا وسيلة للتخلص من هذا الصلف إلاّ الانفصال. و قد كسب الدكتور صيتاً نيّراً في ذاك الزمان و ما زال قبيل تصريحاته اللاحقة , إلاّ إننا بين ليلة و ضحاها يطلّ علينا الدكتور بتسجيل صوتى يدعو فيه للتشفي العنصري ضد إثنيات معينة و كان بدعوة واضحة و صريحة لمعاقبة قبائل بعينها فقط لأنّه أفترض أنّها تساند الدعم السريع أو كما سماها أخرون إنّها حواضن للدعم السريع , هذا الكلام جاء على لسانه رداً لمقال الدكتور الدرديري محمد احمد الذي حذر فيه من أنْ تتخذ الحرب منحىً قبلياً و عرقياً , إلاّ أنّ الدكتور عشاري, في تناوله لقضايا النهب والقتل و خلافها من تجاوزات الحرب في ذات الموضوع, قام بتلويث القضية بنتانة العنصرية . و إنّ العنصرية تُعمي البصائر إذ أنّ الدكتور أصابه عوز الإدراك في كون القضية جنائية من الدرجة الأولي تؤخذ من حيث المسؤولية الفردية, ليست لها رابط قانوني بالقبيلة , حتى أنّه تكلم بألفاظ فُصامية على شاكلة " نحن و هم" و الكلّ سوداني , ماذا جرى للدكتور, ءأصابه الهرم فاعتلت ساعته البيولوجية و أختلت وظائف الاشياء لديه, فأضطرب المنطق عنده؟ أم إنه أكتشف شيئاً جديداً جعله يعيد ترتيب ذاته مع المجتمع و البيئة حوله؟.
النموذج الثالث :-
النموذج الثالث و الأخطر هو نموذج الدكتور يوسف عبد الحي , في البدء لا يجوز للمسلم القدح في صدق الفقيه و علمه بالأشباه فحسب , اللهم الا اذا كان هناك دليل مادى لا يقبل التأويل, لكن يكفي الوقوف تشككاً عند انتماء الدكتور يوسف لحزب المؤتمر الوطني الى حين إيجاد ما يلغي الإشتباه . لا نستطيع المزايدة في علم الدكتور يوسف عبد الحي و لباقته اللغوية رغم ما أثاره البروفسور محمد سعيد القدّال قدحاً في علمه, و لا نقدح في أمانته بدون دليل رغم ما انتشر في الاسافير عن قضية الخمسة مليون دولار و علاقتها بإذاعة طيبة, إلا أن شيئاً ما قد حدث, قل إنقلاباً فكرياً أو فقهياً أو سلوكياً : عندما أحتشد عباد الله ( مسلمون 100%) حول القياد العامة و ضربوا حصاراً على السلطان الفاسد ( سلطان الثلاثين عام) و أرادوا إسقاطه مع سبق الاصرار و الترصد(تسقط بس) , فأستفتى السلطان شيخنا الدكتور هذا في محنة مطالب الشعب , فأفتاه غير آبهٍ بجواز قتل ثلث الشعب , معتمداً على ما نُسب الى الامام مالك, بالقول :" قتل ثلث الامة لاستصلاح الثلثين" , و أوّل من نسب هذا للأمام مالك هو امام الحرمين و حامد الغزالي , واخيراً أكدّا إنّهما لم يطّلعا على هذا القول في كتب الامام مالك, إنّما عن طريق الرواية من أطراف أخرى لذك قام الاثنان ( إمام الحرمين و الغزالي) بتضعيف هذا القول و الحذر من العمل به لما فيه من خطورة و تنكيل بالأمة( كتاب شفاء الغليل لحامد الغزالي) .
إذا أفترضنا صحة القول بـ" قتل ثلث الامة " بسبب فسادها لاستصلاح الثلثين الاخرين, علينا البحث عن مركز الفساد أوّلاً, لتحديد الموضع الحقيقي لهذا الثلث, إذن لتم قتل ربّما كلّ اعضاء المؤتمر الوطني و على رأسهم البشير و شيخه, لتنفيذ فتوة الإمام مالك ان صحت نسبتها له, و عليه نرجع مرة أخرى للتساؤلات حول شرعية الاعتصام حول القيادة و من يحب أن يُحاسب. و على هذا المنوال إنّ الدكتور يوسف عبدالحي قد خيّب أمل الأمّة فيه ( الشعب السوداني) , سواء كان ما بدر منه زلة عالم أو إمامة مضلة, بتبنيه فتوة تبرأ منها مصادرها, وهو يعلم ذلك, لقتل (10,000,000) نسمة من الشعب السوداني ومن أجل شخص واحد مطلوب جنائياً, محلياً و عالمياً على الاقل مع اعترافه بقتل (10,000) نسمة من أهالي دارفور. فالشيخ الدكتور متّهم بالشروع في قتل واحد مليون نسمة بدلالة القول و الاشارة , رغم أن حامل الصولجان ( الدعم السريع) لا يستطيع قتل هذا العدد فعلاً, إذا أنصاع لقرارات فقيه السلطان , إلا إنّه كفر بها كفراّ بيّناً تفضيلاً على البقاء في الملة ( ملة القراصنة).
أختم مقالي بورطة العلماء الثلاثة في أفكار أدخلت محبيهم في حيرة و خيبة أمل, وأخلص في أن ثلاثتهم قاموا بقفزة عمودية ألقت بهم في مستنقعٍ لزجٍ فأعياهم الخروج: الدكتور محمد هاشم بعد عدائه السافر للإسلاميين في نظريته " الهامش و المركز" وجد نفسه مركزياً أكثر من المركزيين. أمّا الدكتور عشاري بعد نضاله المستميت ضد الابادة الجماعية للدينكا في 1987, و المطالبة بتطبيق قوانين حقوق الإنسان, صار عنصرياً إلى مستوى أن دعا إلى معاقبة ( الإبادة الجماعية على قاعدة الممكن ) القبائل التى لا تتسق مع مزاجه, و أمّا الدكتور يوسف عبدالحي تورط في دائرة الشروع في إبادة ثلث الشعب بحجة مالكية لا علاقة لها بالأمام مالك.
عبدالرحمن صالح احمد (أبو عفيف)
رسائل الثورة (42) – 20/8/2024
Aahmed59@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی الدکتور محمد الدکتور یوسف الدعم السریع ا الدکتور
إقرأ أيضاً:
رغم تأكيد الإمارات.. واشنطن تعيد تقييم مزاعم أبو ظبي حول عدم تسليح الدعم السريع
ذكرت وسائل إعلام أمريكية، أن إدارة بايدن ستقدم للمشرعين الأمريكيين تقييما بحلول 17 من الشهر الجاري حول مصداقية تأكيدات الإمارات بأنها لا تزود قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان بالسلاح.
ومطلع الشهر الجاري، أرسل اثنان من المشرعين الديمقراطيين في الولايات المتحدة رسالة إلى إدارة بايدن يهددون بعرقلة مبيعات الأسلحة الهجومية إلى دولة الإمارات بسبب دعمها الحرب الأهلية في السودان عبر تسليح ميليشيات قوات الدعم السريع.
ووجه السيناتور كريس فان هولن وعضوة الكونجرس سارة جاكوبس رسالة إلى الرئيس بايدن، حذرا فيها من أن المشرعين سيسعون إلى إجراء تصويت على قرار برفض بيع أسلحة هجومية إلى الإمارات، بما في ذلك صواريخ بقيمة 1.2 مليار دولار، ما لم يشهد بايدن بأن أبوظبي لا تدعم قوات الدعم السريع.
وجاء في الرسالة التي أوردتها مجلة بوليتيكو، “نحن نشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة قدمت الدعم المادي، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة، لقوات الدعم السريع وسط الحرب الأهلية في السودان، ونعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن توقف مبيعات الأسلحة الهجومية حتى يتوقف هذا الدعم “.
وقالت الرسالة “إذا قدمت إدارتكم تأكيدًا مكتوبًا بأن الإمارات لا تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة وتعهدت بالامتناع عن مثل هذه التحويلات في المستقبل، فإننا سنكون قد حققنا هدفنا ولن نحتاج إلى الدعوة للتصويت على هذا التشريع في الكونجرس”.
وسبق أن اتهم مندوب السودان بالأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، الإمارات بإشعال الحرب في بلاده عبر دعم قوات "الدعم السريع"، فيما نفت الإمارات ذلك وقالت؛ إن "تلك الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر إلى أدلة موثوقة لدعمها".
وغير مرة، عرض الجيش السوداني صورا وتسجيلات لكميات كبيرة من الأسلحة التي انتزعها من أيدي قوات الدعم السريع في محاور القتال، وقال إنها إماراتية.
ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.