زهير عثمان حمد

الأزمة السودانية هي واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في القارة الإفريقية، وتحتاج إلى حلول متعددة الأبعاد تتجاوز إطار محادثات جنيف التقليدية. بينما تظل جنيف منصة دولية مهمة لتسوية النزاعات، إلا أن الولايات المتحدة تمتلك مجموعة واسعة من الأدوات والخيارات التي يمكن أن تساهم في إيجاد حل شامل ومستدام للأزمة السودانية.



الضغط الدبلوماسي المباشر
تعتبر الدبلوماسية المباشرة أحد أهم الأدوات التي يمكن للولايات المتحدة استخدامها للتأثير على مجرى الأحداث في السودان. السفارة الأمريكية في الخرطوم تعتبر نقطة اتصال حيوية بين واشنطن والقادة السودانيين، ويمكن أن تلعب دورًا محوريًا في نقل الرسائل وتقديم المقترحات. إضافة إلى ذلك، يمكن للدبلوماسيين الأمريكيين إجراء لقاءات مع قادة الجيش والمجموعات المسلحة وأعضاء الحكومة المؤقتة لضمان توافقهم على خريطة طريق تنهي النزاع وتؤسس لحكم مدني شامل.

في هذا السياق، يمكن للولايات المتحدة استخدام استراتيجية "الجزرة والعصا" من خلال تقديم حوافز اقتصادية وسياسية للأطراف التي تظهر استعدادًا للتفاوض بجدية، وفي الوقت نفسه تهديد بعقوبات على الأفراد أو الجهات التي تعيق التقدم نحو السلام.

التحالفات الإقليمية
تلعب الدول المجاورة للسودان دورًا كبيرًا في تشكيل المشهد السياسي السوداني. وبالتالي، يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع بعض هذه الدول، مثل مصر وإثيوبيا وتشاد، لدفع عملية السلام. هذه الدول ليست مجرد مراقبين؛ بل هي أطراف ذات مصلحة مباشرة في استقرار السودان، خاصةً فيما يتعلق باللاجئين وتأمين الحدود.

على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة العمل مع مصر لتعزيز الضغط على الجيش السوداني للتوصل إلى اتفاق، أو التعاون مع إثيوبيا لتخفيف التوترات الحدودية التي قد تؤثر سلبًا على المحادثات. هذا التعاون الإقليمي قد يشمل أيضًا تنظيم مؤتمرات إقليمية للحوار، حيث تكون الدول المجاورة جزءًا من العملية التفاوضية بدلاً من أن تكون مجرد داعمة لها.

الوساطة عبر منظمات إقليمية
إلى جانب التحالفات الثنائية مع الدول المجاورة، يمكن للولايات المتحدة دعم جهود الوساطة من خلال منظمات إقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد). هذه المنظمات لديها معرفة عميقة بالسياق الإفريقي وقدرة على التفاعل مع جميع الأطراف السودانية بشكل أكثر فعالية من بعض القوى الدولية.

دعم الولايات المتحدة لهذه المنظمات يمكن أن يكون من خلال تقديم تمويل إضافي لجهود الوساطة أو توفير الدعم اللوجستي لمفاوضات السلام. كما يمكن أن تعمل واشنطن على تعزيز قدرة هذه المنظمات على فرض العقوبات أو تطبيق قراراتها من خلال مجلس الأمن الدولي.

تعزيز الدعم الإنساني
الولايات المتحدة، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ومنظمات إنسانية أخرى، تمتلك قدرة كبيرة على التأثير في الأزمة السودانية عبر توفير الدعم الإنساني. النزاع في السودان تسبب في تشريد مئات الآلاف من المواطنين وأدى إلى أزمة إنسانية كبيرة. تقديم المساعدات الغذائية والطبية للمناطق المتضررة يمكن أن يخفف من معاناة السكان، ولكنه يمكن أن يستخدم أيضًا كوسيلة للضغط على الأطراف المتنازعة لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة دعم جهود إعادة البناء والإعمار في المناطق التي تضررت من النزاع، مما قد يشجع الأطراف على التوصل إلى حلول سلمية دائمة.

العقوبات الدولية
الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل في استخدام العقوبات كأداة للضغط على الأنظمة والأفراد المتورطين في النزاعات. في حالة السودان، يمكن لواشنطن أن تعمل على توسيع نطاق العقوبات الحالية أو فرض عقوبات جديدة على القادة العسكريين وأي جهة تعرقل عملية السلام.

التنسيق مع الشركاء الأوروبيين وأعضاء مجلس الأمن الدولي لضمان فرض عقوبات دولية منسقة يمكن أن يزيد من فعاليتها. هذه العقوبات قد تشمل تجميد الأصول وحظر السفر للأفراد المتورطين، وكذلك فرض حظر على بيع الأسلحة للأطراف المشاركة في النزاع.

دعم المجتمع المدني السوداني
أحد أهم عناصر الحل المستدام للأزمة السودانية هو دعم المجتمع المدني. المجتمع المدني السوداني لعب دورًا محوريًا في الثورة التي أدت إلى الإطاحة بنظام البشير، ويظل عاملًا حاسمًا في الدفع نحو حكم مدني وديمقراطي. الولايات المتحدة يمكن أن توفر دعمًا ماليًا وتقنيًا لهذه المنظمات لمساعدتها في تنظيم المجتمع، وتعزيز حقوق الإنسان، والضغط من أجل إصلاحات سياسية.

هذا الدعم يمكن أن يشمل تمويل برامج التدريب والتعليم لقادة المجتمع المدني، ودعم وسائل الإعلام المستقلة، وتمويل برامج تهدف إلى تعزيز الحوار بين مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية في السودان.
بينما تظل محادثات جنيف منصة هامة لحل الأزمة السودانية، فإن الولايات المتحدة تمتلك عدة أدوات أخرى يمكن أن تساهم في تحقيق حل شامل ومستدام. من خلال الجمع بين الضغط الدبلوماسي، والتحالفات الإقليمية، ودعم الوساطة الإفريقية، وتقديم الدعم الإنساني، وفرض العقوبات، ودعم المجتمع المدني، يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورًا فعالًا في إنهاء الأزمة السودانية وبناء مستقبل أكثر استقرارًا للبلاد.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: یمکن للولایات المتحدة الأزمة السودانیة الولایات المتحدة المجتمع المدنی هذه المنظمات من خلال یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الإمارات تعزز دبلوماسية المياه وبناء السلام في جنيف

جنيف (وام) 

ترأس عبدالله بالعلاء، مساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة والاستدامة، وفد دولة الإمارات المشارك في سلسلة من الفعاليات رفيعة المستوى في جنيف؛ بهدف تعزيز التعاون الدولي في مجالات المياه، وتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ، وبناء السلام، وذلك في إطار استعدادات الدولة لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2026 بالشراكة مع السنغال.
وفي 16 أكتوبر، شارك بالعلاء في جلسة حوارية رفيعة المستوى بعنوان: «إعادة إحياء نظام بناء السلام الدولي: دعوة إلى تبني دبلوماسية المياه»، والتي عقدت ضمن فعاليات أسبوع جنيف للسلام في دورته الثانية عشرة. وقد حضر الجلسة كبار المسؤولين الدوليين لبحث دور التعاون المائي في إرساء دعائم السلام، والاستقرار، وإجراء الإصلاحات متعددة الأطراف.  وخلال كلمته، أكد بالعلاء أهمية دبلوماسية المياه، باعتبارها عاملاً محفزاً للتعاون الإقليمي والدولي، كما شدد على التزام الإمارات بالتعددية والمسؤولية المشتركة في التصدي للتحديات العالمية المتعلقة بالمياه. وقال: «إن مناقشة موضوع المياه خلال أسبوع السلام، بدلاً من أسبوع المياه، يرسل رسالة قوية مفادها أن المياه جوهر السلام والتعاون».
وفي إطار زيارته الرسمية، عقد بالعلاء أيضاً سلسلة من اللقاءات الثنائية مع قادة وشركاء دوليين بارزين في قطاعات المياه والمناخ. وشملت هذه اللقاءات اجتماعات مع شيخ تيديان دايي، وزير المياه والصرف الصحي في السنغال، والسيد كمال كيشور، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، والدكتورة موسوندا مومبا، الأمين العام لاتفاقية رامسار بشأن الأراضي الرطبة، والبروفيسور مارك زيتون، المدير العام لمركز جنيف للمياه. وتمحورت المناقشات حول تعزيز التعاون بشأن الموارد المائية المشتركة، وإقامة الشراكات المؤسسية، وتنسيق المساهمات العملية لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2026.
وفي 17 أكتوبر، ترأس عبدالله بالعلاء مائدةً مستديرةً تقودها دولة الإمارات مع الشركاء والخبراء الموجودين في جنيف من أجل تسريع أعمال التحضير لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2026.
وتركزت المناقشات حول الاستفادة من هذه الخبرات الفريدة في جنيف من أجل تحديد المساهمات العملية والشراكات، وتعزيز الحوار الشامل ذي الطابع العملي.
«وتواصل دولة الإمارات تعزيز التزامها بالأمن المائي العالمي، والتعاون متعدد الأطراف، والتنمية المستدامة، مستفيدة من المنصات الدولية في دفع التعاون والعمل الجماعي تمهيداً لإقامة مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2026».

أخبار ذات صلة الإمارات تدعو إلى نهج جديد لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط «العدل الدولية» تطالب إسرائيل بالسماح لـ«الأونروا» بتزويد غزة بالمساعدات

مقالات مشابهة

  • للاعتراف بالدولة الفلسطينية.. طلب عاجل من حركة فتح للولايات المتحدة
  • عبدالعزيز العساكر يوقع كتابه: (كيف ساهم تآكل العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية في الأزمة الأوكرانية)
  • أبرز الولايات التي نشر فيها ترامب قوات الحرس الوطني
  • ولي العهد السعودي يعتزم زيارة الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل
  • الرئيس الكولومبي يعلن أنه سيدافع عن نفسه قانونيا ضد ترامب في الولايات المتحدة
  • الإمارات تعزز دبلوماسية المياه وبناء السلام في جنيف
  • وزير الصحة يبحث مع سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية آفاق التعاون الثنائي في المجال الصحي
  • دراسة: تراجع نظرة الألمان إلى الولايات المتحدة خلال الولاية الثانية لترامب
  • ترامب… آخر رئيس للولايات المتحدة
  • ترامب: جلبت استثمارات للولايات المتحدة مقدارها 17 تريليون دولار وسيصل الرقم إلى 20 قريبا