المغيرة التجاني علي
mugheira88@gmail.com
أمدرمان ,, مدينة تنام علي ألحان كرومة و تصحو نشيطة علي صدي المآذن العتيقة ,, طيورها تعانق الفضاء حرة طليقه , صغارها المبللون بالندي كشهقة الورود في الحديقة ,, ويزدهي الصباح باذخا و مورقا , مخيم علي أبوابها, يضج نهارها بأصوات متنوعة و متعددة هي مزيج من اللهجات والرطانات والكلام المباح , و ينتشر في ارجائها نفح من البخور و البهار و الشواء و التمباك,, أصائلها عامرة بالدافوري و أزيز طبول المدائح و هدير اللواري العائدة الي القري و المدائن البعيدة ,, و مساءاتها طلق و صفاء و ألق ,, يتسرب من شبابيكها عطر العرائس ودخان الطلح و تتشر في الفضاء روائح السمك المقلي .
مدينة الأحلام الوردية و ملتقي الأذواق , , مدينة الانشطة و التاريخ والثقافة , مدينة الاذاعة والبرلمان , مدينة المسرح القومي و الحقيبة و المنتخب الوطني و البقعة المباركة و دار الخريجين , مدينة تعكس مزاج كل أهل السودان و تجسد مزيجًا فريدًا من التاريخ والجمال والتراث ، مما يجعلها وجهة المبدعين و الباحثين عن المجد والنمو الذاتي من كل فجاج البلاد , مزهوة بتأريخها و عاداتها و تقاليدها و ارثها المصنوع من جماع عبقرية الانسان السوداني ,, تروي حكايتها في صفحات التاريخ المصبوغ بدم الأجداد في كرري و المطرز بفنون المبدعين في كافة مجالات الحياة , تجمع بين سر التاريخ و جمال الطبيعة و سحر الفنون . هي أمدرمان , ظلت علي مدار السنين مركزا ثقافيا و ملتقي اجتماعيا للناس من كل مكان و بوتقة ينصهر فيها عصارة الفكر و الانتاج لبلاد السودان .
ولكن شاءت الأقدار أن تشتعل الحرب في قلبها و أطرافها لتقتل الأبرياء و تطرد الأهالي و تهدم البيوت و تخرب الشوارع وتحول المدينة الي بيوت اشباح , محترقة ممزقة مظلمة , تخلو شوارعها و أسواقها من الحركة ويهيم انسانها الجميل مبعثرا بين قتيل و جريح و نازح و لاجي , كسير الخاطر , حزين النفس , مهيض الجناح .
لقد خلفت هذه الحرب العبثية اللعينة أثرا عميقا علي تاريخ و حاضر و مستقبل امدرمان , فما عاد للفرح مكان ولا للسعادة مجال ,,خيم الحزن و عمت الكآبة و تراكمت الحسرة واتسعت الحيرة و ارتسمت علي وجوه انسانها الفريد سحائب من الألم و أحمال من الهموم الثقال . .
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الكتابة في زمن الحرب (42): أطفال السودان بين سندان الحرب وتجاهل المجتمع الدولي
أطفالنا هم زهور الحياة ومستقبل الأوطان، وهم الأساس الذي تُبنى عليه آمال الغد. لذا كان من واجبنا جميعاً أن نرعاهم ونوفر لهم البيئة التي تضمن نموهم السليم والمستقبل الواعد. لكن في السودان، كُتب على الأجيال الناشئة أن تعيش في ظل ظروف قاسية تفوق حدود الاحتمال، فمعاناة الشعب السوداني، ومنذ وقت طال أمده مع الحروب والنزاعات المسلحة أصحبت بلا شك تنعكس بشدة على حياة الأطفال، الذين أصبحوا مكتوين بين ناري الصراع ودوامة التجاهل الدولي.
لقد أصبح أطفال السودان ضحايا مباشرة للعنف، حيث يعيشون في قلب واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم. والقتال الدائر بين الفصائل المسلحة لا يستثني أحداً، بل يدفع الأطفال ثمنه الأكبر، من خلال تعرضهم للتهجير القسري، وفقدان الأهل، والعيش في خوف دائم من الموت. هؤلاء الأطفال يجدون أنفسهم محاصرين بين سندان الحرب وسوء الأحوال المعيشية، وبين تجاهل المجتمع الدولي الذي غالباً ما يُغمض عينيه عن معاناتهم.
في ظل هذه الظروف المأساوية، يُحرم أطفال السودان من أبسط حقوقهم الأساسية: الغذاء، الرعاية الصحية، والتعليم. والأخطر من ذلك هو الصدمات النفسية العميقة التي تتركها هذه الحروب في نفوسهم، حيث يشهدون الفقدان والعنف بشكل يومي. إن هذا الجيل الذي كان من المفترض أن يكون رمزاً للمستقبل، يجد نفسه الآن ضحية لأزمة قد تمتد آثارها لعقود قادمة.
ورغم الدعوات الإنسانية والنداءات المتكررة لتقديم المساعدة، إلا أن الاستجابة الإقليمية والدولية تظل خجولة وغير كافية لتلبية الاحتياجات الهائلة. وهذا التجاهل لا يزيد سوى من عزلتهم وتفاقم معاناتهم، ما يترك الكثير منهم في مواجهة مستقبل مجهول ومظلم.
إن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي، إلى جانب الدول المجاورة حيث يتواجد اللاجئين السودانيين، والمنظمات الإقليمية. فالأطفال هم الضمانة لمستقبل أفضل، وإنقاذهم من براثن الحرب والإهمال يجب أن يكون أولوية قصوى. نحتاج إلى جهود مشتركة من أجل تقديم الدعم والرعاية لهم، وتمكينهم من حقهم في التعليم والحياة الكريمة.
إن مستقبل السودان بأكمله يعتمد على هؤلاء الأطفال، وإذا استمر هذا التجاهل، فإن الوطن سيواجه مستقبلاً مظلماً، حيث ستحل جراح الحرب وآثارها القاتمة محل الأمل والطموح. يجب أن نعمل جميعاً على إنقاذ أطفال السودان من هذا المصير المجهول.
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
osmanyousif1@icloud.com