ترقب سوداني لمباحثات إنفاذ «اتفاق جدة» بالقاهرة
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
الشرق الاوسط:
تستضيف العاصمة المصرية القاهرة مشاورات بين وفد من الحكومة السودانية والمبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيرييلو؛ للبحث في تنفيذ مخرجات «اتفاق جدة» لوقف الحرب في السودان، في وقت أعلنت فيه واشنطن مواصلة المفاوضات في جنيف «للوصول إلى التزامات من طرفي الحرب تنهي الأزمة».
وبعد اتصالات مكثفة من الوسطاء مع قائد الجيش رئيس «مجلس السيادة» السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قررت الحكومة السودانية، التي تتخذ من بورتسودان مقراً لها، إرسال وفد إلى القاهرة للقاء وفد من الإدارة الأميركية «لمناقشة إنفاذ (اتفاق جدة)».
وقالت مصادر سودانية مطلعة إن «مشاورات وفد الحكومة السودانية مع المبعوث الأميركي ستُجرى على مدى يومين»، وأشارت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الوفد الحكومي سيضم وزير المعادن السوداني محمد بشير عبد الله، وسفير السودان في القاهرة عماد عدوي، بجانب مفوضة العون الإنساني سلوى آدم بنية، وقيادات من الجيش السوداني».
وأعلن توم بيرييلو، المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، وصوله إلى القاهرة الثلاثاء، لإطلاع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وكبار المسؤولين المصريين، على نتائج «اجتماعات جنيف»، وقال في تدوينه له عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، إنه «سيلتقي وفداً من الحكومة السودانية بشأن مشاركة القوات المسلحة السودانية في جهود الوساطة بسويسرا».
وقال إن «المشاورات تستهدف تعزيز وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في السودان، وضمان الامتثال للالتزامات الواردة في (إعلان جدة)، فضلاً عن وقف الأعمال العدائية في السودان».
وسبق ذلك تأكيد المبعوث الأميركي إلى السودان على استمرار «اجتماعات جنيف» من أجل وقف الحرب في السودان، وقال في تصريحات صحافية، عقب اجتماعات الوفود الدولية مع ممثلي «الدعم السريع» في سويسرا الاثنين، إن «الوفود المشاركة في المفاوضات تريد استمرار الاجتماعات الجارية لتحقيق نتائج على الأرض»، مشيراً إلى أنه «سيواصل (المفاوضات الأحادية) مع الطرفين للحصول على الالتزامات الممكنة».
وشدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال مباحثاته مع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، في القاهرة الثلاثاء، على «موقف مصر المطالب بالتوصل لوقف فوري وشامل لإطلاق النار، والعمل على احتواء التداعيات الإنسانية للصراع، وتسهيل العمل الإنساني، ووفاء الدول المانحة بتعهداتها السابقة على صعيد تقديم المساعدة للسودان ودول الجوار للتعامل مع التداعيات الإنسانية للأزمة».
وقلّل المدير التنفيذي لـ«مركز فكرة للدراسات والتنمية» السوداني، أمجد فريد، من جدوى المشاورات التي تقودها الإدارة الأميركية في جنيف والقاهرة مع الأطراف السودانية، وقال إن «الدور الأميركي تجاه السودان يحتاج إلى إعادة نظر، حتى يصبح أكثر واقعية في التعاطي مع الأزمة».
وعزا ذلك إلى «مشاركة (الدعم السريع) في مفاوضات وقف الحرب في وقت تواصل فيه استهداف المدنيين في مناطق كثيرة بالسودان دون إدانة من المسؤولين الدوليين».
وترى مديرة «البرنامج الأفريقي» في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، الدكتورة أماني الطويل، أن المفاوضات التي دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية، بمشاركة أطراف دولية وإقليمية، «يمكن أن تقدم فرصاً لحل الأزمة السودانية»، وأعادت ذلك إلى «قدرة الوسطاء المشاركين في تلك المشاورات على ممارسة ضغوط على طرفي الحرب لتحريك مسارات الحل».
ورهن الباحث في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، صلاح خليل، تحقيق انفراجة لحل الأزمة السودانية بتنفيذ «اتفاق جدة»؛ بـ«ضمانة من مصر»، مشيراً إلى أن «المفاوضات لن تحقق شيئاً في حال ممارسة الجانب الأميركي ضغوطاً على الجيش السوداني».
وعدّ خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإدارة الأميركية ترغب في ممارسة ضغوط على الجيش السوداني؛ إذ تتبنى واشنطن سياسة دعم الميليشيات المسلحة في أفريقيا؛ لممارسة ضغوط على الأنظمة التي تتجه لتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا».
من جهة ثانية، أكد بيان مشترك صدر في جنيف (من الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا والسعودية ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي) أنه في «إطار الجهود الجارية لتعزيز حماية المدنيين والوصول الإنساني، ووقف الأعمال العدائية في السودان، التقت الوفود بممثلي (قوات الدعم السريع)، وشددت على الاحتياجات الإنسانية الملحة للشعب السوداني، وضرورة تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب (إعلان جدة)، ويشمل ذلك مسؤولية كلا الطرفين عن حماية المدنيين».
وحضّت «الدعمَ السريع» على «ضرورة السماح بالمرور الآمن، ومن دون عوائق، للمساعدات الإنسانية والعاملين في جميع المناطق التي تسيطر عليها؛ لتوسيع إمكانية وصول المساعدات إلى 12 مليون سوداني عبر عدة ولايات».
وأعلنت الوفود اعتزامها مقابلة «وفد القوات المسلحة السودانية فور وصوله، أو الاتصال به بأي طريقة يختارها».
وكرر البيان دعوة الطرفين إلى «الالتزام بالقانون الإنساني الدولي بحماية البنية التحتية المدنية؛ بما في ذلك الجسور والطرق اللازمة لوصول المساعدات الإنسانية».
////////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة السودانیة فی السودان اتفاق جدة
إقرأ أيضاً:
كوارث بيئية لا تنسى.. العامل البرتقالي الأميركي بفيتنام
خلال حرب فيتنام (1955- 1975) استخدم الجيش الأميركي مبيدات الأعشاب السامة على نطاق واسع. ومن بين نحو 50 مليون لتر من المبيدات التي تم رشها بين عامي 1961 و1971، كان ما يعرف بالعامل البرتقالي (Agent Orange) الأثر الأكبر والأخطر، حيث تسبب بدمار واسع النطاق للغابات والنظم البيئية بفيتنام وجوارها.
وأدى استخدام العامل البرتقالي إلى مقتل آلاف الأشخاص أو إصابتهم بأمراض مزمنة، بالإضافة إلى تلوث التربة والمياه. وبات هذا العمل رمزا للإبادة البيئية نظرا لأثره الطويل الأمد على صحة الإنسان والبيئة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2منحة دولية لحركة طالبان من أجل مكافحة تغير المناخlist 2 of 2أسياد الجليد في خطر.. معركة الدب القطبي مع تغير المناخend of listبدأت المشاركة النشطة للقوات الأميركية في فيتنام عمليا في عام 1965. وبحلول عام 1969، كان أكثر من 500 ألف جندي أميركي يقاتلون في المعارك التي تحولت إلى الصراع الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية.
ففي خضم الحرب وبعد اشتداد هجمات المقاومة الفيتنامية الشيوعية المعروفة باسم "فييت كونغ" وتسببها في خسائر كبيرة جدا للقوات الأميركية، لم يجد قادة الجيش الأميركي حلا للتعامل معها سوى استخدام سلاح العامل البرتقالي.
كان الغرض من ذلك تحقيق هدفين أساسيين، الأول حرمان "فييت كونغ" والقرى الداعمة لهم من مورد غذائي واقتصادي هام كان يعينهم على مواصلة القتال وشراء الأسلحة اللازمة، والثاني هو كشف انتشار تلك القوات عبر إزالة الغطاء النباتي عنها وسلبها ميزة إستراتيجية هامة، حيث كانت تستغل الأحراج والغابات الكثيفة للاختباء وشن الهجمات المفاجئة.
البراميل السامة الملونة
وتبعا لذلك قامت القوات الأميركية طوال فترة الحرب بإلقاء أكثر من 50 مليون لتر من أخطر المبيدات النباتية سُمّية وفتكا وبدأت العملية منذ عام 1961 بموافقة الرئيس جون كينيدي، وتواصلت بعد ذلك لتبلغ ذروتها عام 1965 قبل أن تقل وتتوقف مع نهاية الحرب عام 1971.
ورغم تأثيراتها القاسية بقيت ماهية هذه المبيدات الغامضة سرية ومحاطة بالتعتيم والتكتم فترة طويلة، إلا أن الأمر تكشف بعد أن بين أن الجيش الأميركي تعاقد مع كبرى شركات صناعة الكيميائيات في أميركا لتصنيع كميات هائلة من 15 نوعا من المبيدات النباتية (antiplant agents) التي تبين احتواء معظمها على الديوكسين (TCDD)، وهو من أخطر المواد الكيميائية للإنسان والبيئة.
وتشير التقارير إلى أنه تم شحن هذه المبيدات السامة بشكل سري في براميل خاصة، وللتفرقة بين أنواع المبيدات المختلفة، لونت البراميل بألوان محددة بديلا عن الاسم الكيميائي. ومن هنا عرفت هذه المبيدات بأسماء مثل العامل البرتقالي والأبيض والأخضر والأرجواني والأزرق وغيرها.
كان العامل البرتقالي الذي يحتوي على "الديوكسين" أكثر تلك المبيدات ضررا وفتكا، والأكثر استخداما من قبل القوات الأميركية في فيتنام ولاوس وكمبوديا. وقد تركز استخدامه في تدمير الأشجار الاستوائية والغابات والحشائش وأشجار الخيزران المنتشرة في جنوب فيتنام وعلى الحدود الكمبودية المجاورة.
وحسب التقارير، جاء "العامل الأزرق"(Agent Blue) في المرتبة الثانية، وهو مبيد أعشاب يعد شديد الفاعلية في سحب الرطوبة من أوراق النباتات مما يؤدي الى تجفيفها والقضاء عليها في الحال. لذا استخدم في تدمير محاصيل الرز، غذاء الفيتناميين الأساسي، بغرض تجويع القرى والمدن الموالية للمقاومة، فيما عرف آنذاك بعمليات "إبادة الرز".
مضاعفات خطيرة
وتؤكد التقارير أن استخدام العامل البرتقالي والمبيدات الأخرى أدى الى نتائج وتداعيات مأساوية ممتدة حتى اليوم. هذه التداعيات لم تصب فقط الغابات والمحاصيل، بل أصابت أيضا كل من كان فيها أو قربها بقائمة طويلة من التشوهات والأمراض المزمنة والسرطانية.
فعلى المستوى البيئي تم تدمير نحو 1.5 مليون هكتار من الغابات، منها نحو 125 ألف هكتار من أشجار المنغاروف النادرة أبيدت بشكل كامل. كما أبيدت مساحة أخرى من المحاصيل الزراعية تقدر بنحو 300 ألف هكتار، في ما كان يشكل معا خمس مساحة المناطق الخضراء في فيتنام على أقل تقدير، وهي مساحة كانت تكفي لإطعام نحو 245 ألف فيتنامي.
كانت عملية التدمير شاملة وذات تأثيرات مستمرة، فرغم مرور أكثر من 6 عقود على تلك الهجمات، بقيت معظم المناطق التي تعرضت للمبيدات بشكل مركز على حالها وباتت تربتها غير قادرة على الإنبات.
وتؤكد مقالة نشرتها جامعة إلينوي وجامعة ولاية أيوا عام 2019 أن مستويات الديوكسين (TCDD) ما تزال عند مستويات خطيرة، مشيرة إلى أن ملايين الفيتناميين يعيشون في المدن والقرى المجاورة. لقد تم تدمير بيئة الغابات والمزارع بسبب العامل البرتقالي والتربة والمجاري المائية الملوثة بالديوكسينات الثابتة بيئيًا، كما يستمر في تلويث المياه والرواسب والأسماك والأنواع المائية وإمدادات الغذاء والصحة الفيتنامية.
وعلى مستوى الخسائر البشرية، تشير بعض التقديرات الى أن أكثر من 3 ملايين فيتنامي تعرضوا للعامل البرتقالي، وأصيب أكثر من مليون بأمراض تنفسية وجلدية وتشوهات خلقية جراء التعرض لهذه المواد السامة.
ويقدّر الصليب الأحمر الفيتنامي أن ما يقرب من مليون شخص عانوا من مضاعفات صحية خطيرة وإعاقات نتيجة التعرض للإشعاع. كما وُلد مئات الآلاف من الأطفال بعيوب خلقية خطيرة. وكان الدمار البيئي لا يُحصى ولا يُعوّض.
من جهتها، ذكرت إدارة المحاربين القدامى الأميركية أن حوالي 2.8 مليون من قدامى المحاربين الأميركيين تعرضوا أيضا للعامل البرتقالي، لكنهم حصلوا على تعويضات حكومية، بالإضافة إلى تسويات بملايين الدولارات من الدعاوى القضائية المرفوعة ضد مصنعي هذه المادة الكيميائية، بينما لم يُحاسب أحد رسميًا على معاناة الضحايا الفيتناميين.
إعلاناستعملت القوات الأميركية أيضا نحو 352 ألف طن من النابلم على فيتنام وملايين الذخائر والقنابل التي لم ينفجر بعضها. وبعد عقود من الحرب، لا يزال الناس في جنوب شرق آسيا يُقتلون بانفجار القنابل والألغام التي تُركت في المنطقة خلال فترة الحرب.
وفي عام 2018، أفادت صحيفة نيويورك تايمز بوجود أكثر من 300 ألف طن من الذخائر غير المنفجرة في فيتنام، بينما تقول وسائل الإعلام الفيتنامية إن 725 ألف طن من الذخائر غير المنفجرة متناثرة في جميع أنحاء البلاد.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 20% من أراضي كمبوديا ولاوس وفيتنام ملوثة بالذخائر غير المنفجرة. ولا تزال مساحات شاسعة من هذه الدول الثلاث غير صالحة للزراعة أو الصناعة أو السكن، مما يعيق التنمية الاقتصادية لهذه الدول.
ويعتقد أن لاوس هي الدولة الأكثر تعرضا للقصف في العالم من حيث نصيب الفرد نتيجة حرب فيتنام. ووفقا لمرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، ومقره جنيف، فقد تجاوز عدد ضحايا الذخائر غير المنفجرة في لاوس 50 ألفا منذ عام 1964، بما في ذلك أكثر من 29 ألف حالة وفاة، وكان نحو 40% من الضحايا أطفالا.
يشير المؤرخ الأميركي نيك تورس في كتابه "اقتل أي شيء يتحرك: الحرب الأميركية الحقيقية في فيتنام" الصادر عام 2013 إلى أن السمة المميزة التي تجعل ذكريات حرب فيتنام صعبة للغاية (بالنسبة للأميركيين وكذلك الفيتناميون) كانت العنف المستمر ضد المدنيين، لكن هذا العنف مازال متواصلا في فيتنام بآثار تلك الحرب على البشر وخصوصا على البيئة من حوله.