تورنتو – يعتبر العمل الثقافي العربي في كندا عملا نضاليا في ظل انعدام السبل إلى تنفيذه وانحسار موارد الدعم من أجل ترسيخ الهوية العربية عند المهاجرين العرب، مقابل ذلك الحضور القوي لثقافات الشعوب الأخرى وخاصة منها الصينية والهندية إلى جانب الشعوب المؤسسة لكندا الجديدة من فرنسيين وإنجليز.

ورغم أن اللغة العربية تعتبر اللغة الثالثة تقريبا في مستوى السماع في الشوارع بسبب العدد المهم من المتحدثين بها إلا أن حضورها الثقافي مازال محتشما لأسباب كثيرة منها الموضوعي ومنها الذاتي.

وعلى الرغم من هذا الوضع الحرج للثقافة العربية فإن عددا من المبدعين العرب الذين وصلوا إلى كندا في أزمنة مختلفة حاولوا زرع نَوًى لحضور جديد لهذه الثقافة عبر بعث الفرق الموسيقية والصالونات الثقافية ومعارض الكتاب ومدارس الموسيقى والفرق المسرحية ومهرجانات السينما العربية والصحف الناطقة بالعربية.

ومن هذه التجارب الحالمة والرائدة تجربة الشاعر والناشر والمهندس الفلسطيني يونس عطاري الذي بعث منذ سنوات "دار الحاضرون" وهي أول دار نشر للأدب العربي المترجم للانجليزية، ونشرَ العشرات من الكتب للمبدعين والباحثين العرب، منهم فجر يعقوب وأمير تاج السحر وسهير المصادفة وشربل داغر وآمال بشيري ومحمد إبراهيم طه وأحمد فضل شبلول وآخرون. حول تجربته في النشر وفي الشعر وعن حياته المرتبطة بهما وعن إنجازات "دار الحاضرون" وطموحاتها يدور هذا الحوار الخاص للجزيرة نت.

 يونس عطاري، تنقلت بين دول عربية كثيرة قبل وصولك إلى كندا، حدثنا كيف اخترت كندا والاستقرار فيها؟

الحماية والأمن، هما عنصران يبحث عنهما أي كائن حي وغير حي، الشجرة والعصفور والسمكة والرسوم والشعر والأغاني والذكريات، حتى الماء والهواء والنار والتراب، التماثيل كذلك.

ولدتُ لاجئا، والداي لاجئان أيضا، أي بلا هوية شخصية ليس المكان لي ولا لأبي ولا جدي، ليس لأمي أيضا، حتى لو كان لأمي، في بلادنا العربية الأم لا تمنح زوجها وذريتها الجنسية.

في السابعة من عمري الغض الطري عشت ويلات الحرب والتهجير كما عاشها أهلي خلال تشريدهم من قرية سمخ جنوب بحيرة طبريا عام 1948؛ عشتها في الأردن عام 1970 في حرب الإخوة. تلك كانت مؤشرا أساسيا وجديا ومريعا، بعدها عشت تداعيات تلك الحرب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والأمنية التي نشأت مباشرة. بعدها بـ3 سنوات انتقل والدي حزنا وقهرا إلى جوار ربه عام 1973. في سن مبكرة قررت ترك الأردن بلا رجعة، وذلك بعد زيارتي الأولى إلى دمشق بصحبة أمي وخالتي للقاء خالي الممنوع من دخول الأردن، تلك الزيارة جعلتني أنتظر التخرج من المدرسة الثانوية لأسافر للدراسة خارج الأردن.

هنا، يصح القول إن اللاجئ كثير الترحال بحثا عن وطنه المفقود، عشت في دمشق 20 سنة ما بين 1982 و2002 (فترة طويلة) درست وأحببت وتزوجت وعملت في دمشق وأصدرت ديواني الشعري الأول "على قلبكَ انحنِ" عام 1999.

قررنا الهجرة زوجتي وأنا الى كندا لعدة أسباب أهمها الحماية والأمن ومستقبل أطفالنا، سمعة كندا الدولية وصلت إلينا منذ زمن بعيد مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين كدولة سلام. أيضا اللغة الإنجليزية هي لغة العصر العلمي والتقدم الصناعي والاقتصادي وهي دولة قائدة ورائدة في العلم، ديمقراطية، في تعدد إثني حقيقي كما أميركا، واخترنا تورنتو لأنها متنوعة الأعراق.

وقدمت طلب الهجرة عام 2000 وحصلت على الموافقة عام 2006 ومنذ العاشر من أغسطس/آب 2006 دخلنا كندا واستقررنا فيها ولم أغادرها حتى الآن إلا بزيارات لجارتنا الجنوبية أميركا وهذه الزيارات لا تُعد سفرا حقيقيا حيث البلدان لا فرق كبيرًا بينهما. لكنني عملت في جدة والرياض خلال فترة الانتظار كمهندس من أجل سنوات الغربة لعدة أسباب.

كيف حافظ يونس عطاري على الشاعر في هذا المنفى البارد البعيد وهذا الحصار على الشعر وفي دولة ناطقة بالإنجليزية؟

كندا ليست جنة الله على الأرض لكنها قطعة باردة منها، حصلت على الحماية والأمن والمساواة، بدأنا زوجتي وأنا رحلة شاقة جدا في تأسيس حياة أسرتنا من الصفر.

الحب هو المعادل الأبدي للتوازن والفرح والنهوض من تحت الرماد، فيه أمن وحماية أيضا، كما الوطن، الشاعر فيَّ توارى لفترة وجيزة بسبب التأسيس الأول الشاق المتعب المنهك الذي في تنافس جدي وتحد كبير في كندا، لم أكتب لسنوات وشعرت أن الشعر نام تحت الثلج وطار مع عواصف تورنتو الثلجية وغرق في بحيراتها العظمى الخمس.

كيف عدت إليه إذن؟

"ابتسام" هي المرفأ؛ ترسو عند قدميها مراكبي ويصير لأشرعتي منزل.

لا أعرف كيف عدتُ أو عاد الشعر صبيا عند مفترقات الاغتراب وغرف شقتي والاستقرار الذي أحاطنا.

عدت لقراءة الروايات فهي تلهمني، تلك الرواية الجميلة فأنا اقرأ الرواية أكثر من الشعر، تلك الفسحة أعادت لي رايات الشعر خفاقة يجول بها قلبي فنشرت ديواني الثاني عام 2016 في عمّان عن دار الأهلية " الجبال التي أحبت ظلي". واستيقظ الشاعر القليل الإنتاج وكتب القصائد القصيرة جدا والطويلة وأصدرتُ ديواني الجديد بداية هذا العام 2024 طبع في القاهرة وجلبت كل النسخ إلى تورنتو "رائحة قميص معلق".

ليس هنالك نسخ منه في العالم العربي، هذه الأيام ستكون منه طبعة جديدة أو موازية في فلسطين في حيفا بدار راية للنشر بإدارة الشاعر الفلسطيني بشير شلش وسوف يوزع في الدول العربية.

فماذا عن اللغة الإنجليزية وما الذي أضافته إليك؟

اهتممت باللغة الإنجليزية منذ زمن بعيد جدا فهي لغة المحتل الإنجليزي الذي قدّم بلادي فلسطين على طبق من فضة إلى الصهاينة ثم أحببتها ولم تشكل عائقا لي بل كانت مفتاح نجاحي المهني الهندسي دوما.

الهندسة والخيال بين هندسة الميكانيك وهندسة الشعر، أي علاقة يمكن أن تجدها بعد هذه الصحبة الطويلة؟

اخترت الهندسة منذ زمن بعيد وخلال حياتي المدرسية وكذلك اختارني الشعر في سن مبكرة كنت أكابد فيها الحصول على مبلغ ما من الأعمال التي كنت أزاولها وأنا تلميذ مدرسي، الحدادة وصناعة الأبواب وشبابيك الألمنيوم في ورشة بمدينة الزرقاء، تلك النقود أشتري بها الكتب من أرصفة عمان.

إذن، خلقني الله شاعرا وصرت مهندسا منذ القدم. لا يعرف الشاعر الهندسة ولا المهندس عرف الشعر، لكن، تجربتي الشعرية المنشورة، أي التي بين يدي القارئ، هي غير تقليدية، أقصد ليست شعرا كلاسيكيا، إنها حديثة ومعاصرة وهي قصيدة نثر لها عوالم جديدة دوما. الشعر هو الموازي النفسي والفرجة الداخلية للمهندس "خاصتي"، لكن المهندس يدرب الشاعر فيّ (على) الرفض والتجديد وبناء علاقات بين المفردات والجمل الشعرية ودرّبني على الانزياحات التي تجعل مبنى النص جديدا دوما ودرّبني على فهم النص العمودي والأفقي، كذلك دربني على الحفر والنبش وربط المفردات ببعضها بطرق جديدة وملتوية، الهندسة فيها فكر بنيوي دنيوي خالص.

الهندسة الميكانيك وتخصصي كان نتاج بنيتي كلها مما أتاح لي أن أكون مهندسا ليس فقط ناجحا بل مميزا حيث الهندسة هي إيجاد حلول للمشاكل ويقال إن المهندس مهمته أن يجد حلا، بالتالي تحتاج كمهندس للخيال كي تجد حلا مبتكرا وخارج الصندوق كما يقال، بهذا كانت عين الشاعر عندي تجد حلولا لا يجدها زملائي المهندسون وتكون جديدة ومفاجئة وفيها مغامرة في الطرح والتنفيذ.

الحاضرون والأدب العربي المترجم بكندا سنة 2021 أطلقت "دار الحاضرون" بكندا، هذه الدار تنشر الآداب العربية مترجمة إلى الإنجليزية، وهي فريدة من نوعها في كندا في ظل وجود دور أخرى تنشر باللغة العربية. حدثنا عن فكرة الدار ودوافعك لإطلاقها؟

الغياب/الحضور، ثنائية مكابدة وتأصيل للهوية المفقودة، واللغة وطن الإنسان الأول، جاء اسم "الحاضرون" من هذا المبدأ، أما لماذا كانت الدار، لمَ باللغة الإنجليزية؟ الحقيقة هي أن صورة الإنسان العربي بعد 11 سبتمبر المشؤم في نيويورك، صارت صورة بشعة جدا وكان خلف تشويه تلك الصورة الكثير من الميديا والسياسات الدولية، جاء الربيع العربي وقدم صورتين.

صورة التحرر من الطغيان الذي كلفنا الشهداء والدمار والتشريد والموت غرقا في البحر الأبيض المتوسط. صورة الحرية تلك هي التي تبنتها دار الحاضرون في تقديم الأدب العربي المعاصر.

لكن، حمَلَ رايات داعش السوداء وأعمالها البشعة التي كانت تبث في الميديا تدمر صورة العربي عالميا وإلى الأبد، وعليه، فإن القرار الدولي يصنع في واشنطن وباللغة الإنجليزية وأنا أعيش في شمال أميركا، فقررت الدفاع عن صورة العربي وأقدم للعالم في شمال أميركا وتحديدا الطبقة التي تقرأ الكتب و تهتم بالآداب العصرية، صورة حقيقية للعربي الذي هو يشبه كل البشر و أنّ لدينا أدبًا مهمّا جيدا معاصرا.

النشر باللغة العربية في شمال أميركا لا يقدم شيئا للقارئ الأميركي ولا لأحفاد العرب في شمال أميركا لأن أبناءنا وبناتنا وأحفادنا يقرؤون بالإنجليزية وهنا دار الحاضرون تقدم لهم أدب بلادهم بلغتهم الجديدة.

أعتقد أنه كانت لك تجربة سابقة مع عالم النشر في دمشق؟

كانت لدي تجربة مهمه وممتعة في دار كنان الفلسطينية الدمشقية التي عملت فيها وأنا طالب جامعي لمدة سنتين كأمين صندوق، مما أتاح لي التعرف على سر المهنة كما يقال وأيضا على بعض أهم الكتّاب العرب الكبار منهم المرحوم الروائي العربي الكبير عبد الرحمن منيف وقد حالفني الحظ في تحرير روايته " الآن.. هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى".

المتابع لنشاط دار الحاضرون يرى أن الكتّاب ينتمون إلى كل العالم العربي تقريبا، ولم تنحز الدار لجنسية صاحبها، أي خطة اعتمدتها للوصول إلى المخطوطات والنصوص التي تم نشرها والتي تعتزم إطلاقها بالإنجليزية، هل لدى الدار مستشارون في الدول العربية مثلا، أم تعتمد على الأصدقاء؟

الأدب العربي هو نتاج العرب الذين أحبهم، وأنا عروبي الهوى لدي إيمان بالشخصية العربية، لست شوفينيّ العروبة بالمطلق، لست متعصبًا قوميا أعمى، لكنني أرى العرب في وحدتهم (فهي) قوتهم في جميع نواحي الحياة ولا مستقبل لدولة عربية بحد ذاتها؛ في دول صغيرة لا يمكن أن تكون دولا مستقلة أبدا لأنها صغيرة ومحدودة الإمكانات.

كأديب عربي فلسطيني، أرى فلسطين وحيدة في هذا المشهد الراهن رسميا وسياسيا، لكن الشعب العربي من المحيط للخليج وبكل الإثنيات هو فلسطيني الهوى لأن احتلالها يهين كرامة أي إنسان حر فما بالنا بالعربي الحر.

من هنا كان تنوع الكتّاب والكتب؟

علاقاتي الواسعة القديمة والحديثة التي تشكلت مع الفيس بوك، أتاحت لي التعرّف على عدد كبير جدا من الكتاب العرب، وأعلنت على صفحتي عن انطلاق الدار وعن أهدافها مما جعل كل وليس بعض الكتاب يباركون ويدعمون الفكرة وبل بعضهم قدم كتبه مترجمة إلى الإنجليزية مجانا دعما للفكرة الأساس في نشر الكتاب العربي ورقيا وإلكترونيا في شمال أميركا. وهنا أود أن أشكر جميع الكتاب الذين دعمونا دون مقابل، بالتأكيد قمنا بترجمة عدد كبير من الكتب على نفقة الدار. رغبة أي كاتب بالانتشار و"العالمية" تجعله يتواصل معنا دون وساطة من أحد، تصل إلى الدار أعمال عربية كثير يرغب أصحابها بترجمتها إلى الإنجليزية ونشرها عندنا، تقوم اللجنة المختصة بقبول المواد أو رفضها.

لدينا مشرف عام ولجنتان، واحدة مختصة بالرواية والقصة والأخرى بالشعر. أعضاء اللجنتين مقيمون خارج كندا في الدول العربية وأوروبا.

يبدو النشر باللغة العربية في كندا والموجه للجالية العربية عاديا على صعوبته، لكن النشر باللغة الإنجليزية في مشهد معقد جدا.. كيف تتعامل مع هذا الوضع وهذه المغامرة؟ كيف تحاول دار الحاضرون تكريس نفسها والبقاء على قيد الحياة في ظل هذا المشهد؟

من جهة النشر بالعربية أعتقد لا حاجة له في كندا كثيرا رغم أن هناك عددًا كبيرا جدا في شمال أميركا وباقي المنافي من الكتاب العرب الكبار، لأن المتلقي الحقيقي لا يعيش هنا، يعيش هناك في البلاد العربية، وبعد سنوات سوف يندثر القارئ باللغة العربية بحكم الزمن، ويبقى عرب يقرؤون بالإنجليزية أي أحفادنا.

النشر والتوزيع في كندا ليس أمرا معقدا فحسب إنما هو غيرُ ما اعتدت عليه شخصيا في بلادنا من أسلوب الطباعة والنشر والتوزيع، هنا صناعة الكتاب معقدة جدا.

نشر كتب عربية مترجمة إلى الإنجليزية هو محض مغامرة كبرى، أضف إليه ما ذكرته قبل قليل عن صناعة الكتب في كندا يصبح الأمر في غاية الصعوبة.

اعتمدت الدار الكتاب الإلكتروني أساسا وطباعة بعض العناوين ورقيا، لكن أهمية التسويق كبرى، والتسويق يحتاج إلى ميزانية ضخمة و مستدامة ليصل الكتاب إلى المتلقي، تحاول الدار بالصبر -ليس أكثر- النجاة والصمود في ظل غابة "الأمازون" للنشر الكتروني المجاني، وهي تتواصل مع المكتبات العامة والمحلية وتتبرع ببعض النسخ الورقية و شاركت في معرض الكتاب العربي الأول في تورنتو، وأصبح للدار موزع معتمد في كندا، شخصيا كمدير للدار لا أتردد في المشاركة في النشاطات الثقافية العربية وغير العربية للتعريف بالدار وأحدثها كنت في لقاء مع أهم راديو شبه رسمي سي بي سي من شهر أتحدث فيه عن أحد كتب الدار بعنوان "قصصنا" وهو كتاب كنت حررته شخصيا، كتاب بالإنجليزية من مجموعة قصص لمهاجرين جدد نجحوا في كندا، ليس كتابا أدبيا إنما هو قريب من السيرة القصيرة لقصة نجاح رجال وسيدات من مختلف أنحاء الأرض حضروا مهاجرين أو لاجئين إلى كندا و نجحوا، أنا صاحب فكرة الكتاب وكان باكورة إصداراتنا وتم العمل عليه لمدة عام كامل بالاتصالات واللقاءات وإقناع الأشخاص الناجحين بكتابة تجربتهم. كان كتابا جيدا.

شاركت الدار في جائزة كندية مرموقة عالمية للشعر المترجم الى الإنجليزية بديوان شعري للتعريف بالأدب العربي وبالدار وشاركنا في مسابقة بنيبال مرتين في لندن بالشعر والرواية، وفي العام الماضي وصل أحد كتبنا إلى القائمة القصيرة. أيضا أنا عضو رابطة كتاب بالمنفى في تورنتو أقوم بالنشاطات وأشارك فيها وأقدم دار النشر للرابطة وأشرح عنها، ولدي جدول أعمال لهذا العام والعام القادم لدعم الدار.

إذا كان القارئ الكندي يتذرع بأن الأدب العربي غير متوفر بالإنجليزية أو الفرنسية فهل توفره كاف لكي نراه يقرأ هذا الأدب؟

الكتاب العربي فعلا غير متوفر للآخر بلغاته، وإذا توفر لا توجد وسائل دعاية حقيقية وقوية ومستمرة لكي يصل الكتاب الى المتلقي، وإذا وصل فهو كتاب لا يُقرأ!! القصد أنه لا يقرأ ليس لأنه غير جيد بل لأنه غير ممتع! غير ممتع لأسباب عدة منها، أن المترجم عربي لم يعش في بلاد اللغة التي يترجم إليها، لا يعرف الخطاب الأدبي المعاصر مثلا في الرواية أو الشعر الأميركي. هنا نعود إلى صناعة الكتاب في الغرب وخاصة شمال أميركا، الكتب هنا تخضع للتحرير من محررين محترفين تجعل الكتب ممتعة. بالتالي الكتاب العربي لابد من ترجمته من مترجم يعرف اللغتين، إن كان المترجم عربيا أو مستشرقا، بعدها لابد من مرحلة التحرير للكتاب كي يصير ممتعا للمتلقي الغربي. هنا، لابد من الإشارة إلى أن كلفة الكتاب العربي المترجم إلى الإنجليزية تصل إلى 10 آلاف دولار أميركي ليكون كتابا ممتعا أولا، وبالتأكيد وأصلا هو كتاب قيم وممتع ومهم بلغته العربية الأم إذ تختاره لجان الدار.

الشاعر والناشر يونس عطاري صاحب دار الحاضرون الكندية (الجزيرة) هل تشجع الحكومة الكندية على مشاريع الثقافة العربية إذا ما كانت بالإنجليزية أو الفرنسية كما تشجع المشاريع الأخرى لجماعات ثقافية، جاليات أخرى؟

نعم تشجع الحكومة على ذلك، فهي تدعم كل النشاطات الثقافية بدون تمييز عرقي، فهي تدعم بمنح مالية حتى الأفلام السينمائية، لكن الشرط أن يكون صاحب العمل كندي الجنسية، عليه دار الحاضرون هي كندية الجنسية لكن كتّابها ليسوا كنديين، هذه مشكلة عويصة وقاسية تمر بها الدار، لأن الجهود فيها شخصية ومن مالي الشخصي المتواضع، بالتالي حاولت الاتصال بسفارة عربية وتعريف سعادة السفير بالدار، ولقد فرح بالدار وبالنسخ الورقية التي وصلته بالبريد، لكن التواصل انقطع دون أسباب واضحة.

لدى الدار مشروع تعمل عليه بهدوء وهو ترجمة أعمال لكتاب عرب كنديين وبهذا تتوفر شروط الدعم من الحكومة الكندية وهو مشوار صعب ومعقد أيضا، غير مضمون كذلك.

بدأت الإنجليزية تنتزع مكانة في مجمل الدول العربية، فهل لدار الحاضرون أي حضور في المعارض والمتاجر هناك؟

هذا أمر أكيد، للأسف لم نشارك بمعارض فعدد الكتب لا يسمح بالمشاركة ودفع كلفتها، حيث حصلت على عرض سعر للمشاركة في معرض أبو ظبي للكتاب وكانت المشاركة غير مجدية ماديا. آمل بتقدم الدار وازدياد عدد الكتب المطبوعة ورقيا كي أشارك بالمعارض العربية الكثيرة وأيضا التعاون مع موزع عربي للكتب في المستقبل.

هناك عدد من الهيئات في العالم العربي اختصت في الترجمة وتسعى لترجمة أدبها للغات أجنبية، هل من تعاون أو تواصل معها؟

بدا لي الأمر يسيرا في التواصل، لكنه معقد ويخضع للعلاقات والتوصيات والمصالح الشخصية، لقد تواصلت بعدد من تلك الهيئات لكن لم تنجح، وهذا اللقاء هو فرصة للتعرف على دار الحاضرون وليس لدي أدني شك بأن بعض تلك الهيئات بدعم مثل هذا المشروع هدفه الأول إيصال السردية العربية الى شمال أميركا بأفضل طريقة وأعمقها وهي مستدامة ألا وهي الأدب، الأدب يبقى ويؤثر بعمق في تغيير الصورة العربية التي تشوهت خلال القرن الراهن. يهمني ويسعدني التعاون مع أي جهة عربية.

المؤسسات والمنظمات العربية والحضور الدبلوماسي العربي بكندا، بماذا يمكن أن يساهم في هذه المرحلة حسب رأيك؟ كيف يمكن أن تتحول مثل هذه المشاريع الثقافية إلى جزء من الدبلوماسية الثقافية التي تسعى لتكريس صورة جديدة للعربي بديلا عن تلك الصورة البائسة الهوليودية والتي كرستها السينما الأجنبية وحتى الأدب الشعبي عندهم؟

الثقافة هي مشروع حضاري عميق يؤسس للتعريف بالأمة التي أنتجتها، المشاريع أيضا تحتاج الثقة من قبل تلك المؤسسات، للأسف ليس سهلا فرز المشروع الأصيل من المشروع الوهمي الذي يرفع شارع الكسب المؤقت والفرار، أي اضرب واهرب، مما جعل تلك المؤسسات لا تثق بالمشاريع الفردية. رغم ذلك تفتقر الدبلوماسية العربية الى التمتع بالجدية في دعم الأدب العربي، ليس هناك مشروع عربي مشترك الآن هنا في عاصمة كندا أوتاوا، نحتاج من سفراء العرب الذين عندهم عميد دبلوماسي بالتناوب أن يدعوا بعض الكتاب العرب الكنديين لطرح النقاش والحوار للقيام بتأسيس مجموعة عربية كندية لترجمة الأدب العربي الى الإنجليزية، وسأكون أول المشاركين كدار نشر وبشكل شخصي كأديب عربي كندي والسفر والإقامة في أوتاوا على نفقتي الشخصية.

الأدب وحده هو العامل الأساس في تغير وجهة نظر أي إنسان والتغير يكون حقيقيا وعميقا وباقيا.

نشرت الشعر والرواية والسيرة الذاتية والمذكرات والنقد الأدبي والقصة القصيرة وحتى أدب الأطفال.. ما الأجناس الأدبية التي يقبل عليها القارئ الكندي إذا ما تعلق الأمر بالأدب العربي؟

إن في كندا برامج تشجع على القراءة، منها شهر الشعر سنويا في مارس/آذار، وبرنامج كندا تقرأ. بمعنى، هناك قارئ جيد في كندا. خلال دراستي لإنشاء الدار شاركت في مجموعات للقراء على الفيس بوك، عدد أعضاء بعضها يتجاوز الـ100 ألف شخص، وطرحت على أعضاء تلك المجمعات أسئلة عن اهتماماتهم بالأدب العربي وماذا يحبون منه، وكانت الإجابات متنوعة لكن أهم حصيلة كانت أن القارئ في شمال أميركا متشوق لقراءة الشعر العربي المعاصر والروايات والقصص القصيرة. ومنهم من طلب كتبا عن التاريخ المصري القديم مثلا.

هل تعتقد أن الأدب عامة مازال قادرا على تغيير ذهنية ووعي الشعوب في ظل هذا الانفجار الاتصالي؟

الأدب هو المادة الوحيدة التي تستطيع نزع الشر من الإنسان وتجعل إنسانيته عميقة وحقيقية، الأدب يغير الإنسان حقا ويقلل من بشاعته ويجعل الشر الإنساني يتراجع، إن الأدب ينتشر بسرعة وينتقل بين الشعوب بكل تنوعها والإنترنت جعلت مهمة الأدب أسهل بحيث يصل الكتاب للقارئ بثوان معدودات، والإنترنت جعلت الأدب خارج معتقل الرقابة، إن الانسان خزان مثقوب تحتاج روحه الأصيلة للآداب كي يرتق الخواء الراهن في حياته اليومية والاستهلاكية إلخ.

 هل يُقبل العربي هنا في كندا على شراء الكتاب العربي المترجم؟

هناك تردد في شراء الكتاب المترجم، إلا إذا كان كتابا دينيا مترجما إلى الإنجليزية وهذا أمر جيد. لكن القراءة بالإنجليزية هي من نصيب الجيل العربي الكندي الجديد، نعم وجدت من يهتم منهم بالأدب العربي مترجما إلى الإنجليزية.

ما حظ الأطفال من مشروع دار الحاضرون؟ نقول الأطفال بكل ما تحمله الكلمة من إحالة على مستقبل الأطفال الذين ولدوا في كندا وأميركا؟

هذا موضوع كبير ومتشعب ومعقد ويحتاج مؤسسات عربية تهتم بالأمر، لكن نشرنا كتابا للأطفال للشاعر الصديق اللبناني بلال المصري مترجم بالإنجليزية من مترجم مستشرق.

أطفالنا هنا، مع الزمن هم من أصل عربي، ولكل أسرة عربية هنا أسلوبها في الحياة، منها من يتغرب ويغرب الأطفال، منها من يحاول ألا يفعل ذلك. الحقيقة، الشارع والمدرسة تسحب أطفالنا منا، بالتالي هم يقرؤون أدب الأطفال المكتوب بالإنجليزية في المدرسة والمكتبة العامة. هنا دور الأسرة بدعم شراء كتب أطفال عربية مترجمة، لكن سوف تواجهنا معضلة البيئة في القصة وأهدافها وأسلوبها، يبقى الأمر شائكًا ومعقدا.

في الأصل لدينا فقر في كتابة القصة للأطفال في بلادنا العربية، بالتالي مشروع ترجمة قصص الأطفال بعيد المنال.

 تزدحم أجندات العرب في كندا بمهرجانات الأكل والمطاعم والمقاهي والأراجيل، وتعتبر بعض الولايات كما في أميركا الشمالية عربية بامتياز نمثل لذلك مدينة ميسيساغا قرب تورنتو وميشيغان بأميركا، لكن مع ذلك الثقافة العربية هنا مازالت تعيش مأزقا، كيف حسب رأيك يمكن تحويل هذا التجمع العربي إلى قوة ناعمة كبقية المجموعات في العالم والخروج به إلى مستوى المنتج الفاعل؟

شخصيا أعيش في مدينة ميسيساغا منذ 2006، أسمع اللغة العربية في مصعد البناء الذي أسكن فيه، والشارع والمحلات غير العربية، نعم العرب في هذه المدينة رقم مهم، ولدينا مراكز ثقافية عربية هنا منها الجمعية الثقافية العراقية والبيت الفلسطيني ومركز الجالية العربية، أيضا لدينا أعضاء في الأحزاب الكبيرة خاصة الليبرالي والديمقراطي الجديد، وأعضاء برلمان فدرالي، مثلا عمر الغبرا عضو برلمان وأصبح وزيرا للمواصلات في الحكومة الفدرالية الحالية التي تجددت من أشهر و خرج منها الغبرا وبقي عضو برلمان عن مدينة ميسيساغا.

من ناحية أخرى، إن حركة المجتمعات لها جدلية تاريخية تنتج من يمثلها والأقلية العربية التي تندمج في المجتمع الكندي تحتاج للازدهار المادي لتصير ضمن إطار الطبقة الوسطى الفاعلة وبالتدريج ستؤسس مستقبلا سياسيا معقولا كما فعل الصينيون والهنود (نسبة الى الهند) حيث إن ثالث حزب كندي من أصل هندي وعمدة المدينة الخامسة في شمال أميركا مدينة تورنتو الكندية العاصمة الحقيقية لكندا هي صينية الأصل، في بلد يعطي الفرصة للجميع بالتساوي سيكون لنا محل.

 الجمعيات الثقافية القُطرية في كندا هل حان الوقت لمراجعة وإحصاء نتائجها؟ ألا يحتاج العرب هنا إلى جمعيات ومؤسسات عامة تقطع هذه المنافي والدويلات الصغيرة في هذا المنفى؟ ما الذي يحول دون تحويل هذا المشترك العربي في هذا الدياسبورا إلى قوة تدفع نحو الاتحاد؟

الصعوبات كثيرة والذي يجمعنا كثير، لكل قطر خصوصية لكن لدينا مظلة جامعة، ليس سهلا جمع المعلومات لدراسة نتائج النشاطات والأعمال لتلك الجمعيات، إنما يمكن القول إنها نشاطات ضعيفة بسبب تفرق الجهود، يمكن لمن يهتم أن يطرح مشروع توحيد، تظهر هنا الأجندات الشخصية التي صعب التغلب عليها.

نحتاج إلى رجال الأعمال العرب الكنديين أن يستثمروا بالثقافة، لكن هذا معقد، فالثقافة غير مربحة ماديا وهي مضيعة للمال في نظر الكثيرين من البشر، نحتاج لمن يؤمن بالثقافة، يقدم لها الدعم والرعاية.

ونحن في هذه اللحظة الفلسطينية والعربية الحرجة، ما الذي قدمته النخبة الثقافية لنصرة غزة، وما الذي يمكن أن تفعله النخبة هنا لنصرة القضية الفلسطينية؟

أعتقد أن الطلاب العرب هم النخبة الحقيقية التي عملت من خلال المظاهرات والاعتصامات وقدمت الكثير للقضية الفلسطينية وناصرت غزة بشكل كبير ومهم وفعّال، والبيت الفلسطيني قام بنشاطات مهمة منها الثقافية.

أخيرا تقدم الشاعر العراقي كريم شعلان بمشروع كتاب شعري بعنوان "عن غزة وأطفالها" نشرته دار الحاضرون هذا الشهر، نأمل أن نترجمه إلى الإنجليزية قريبا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات باللغة الإنجلیزیة اللغة الإنجلیزیة باللغة العربیة إلى الإنجلیزیة العربی المترجم اللغة العربیة الدول العربیة الکتاب العربی الأدب العربی دار الحاضرون الکتاب العرب العرب فی فی کندا یمکن أن ما الذی فی هذا

إقرأ أيضاً:

الجامعة العربية: التصنيف العربي للجامعات يحسن جودة مُخرجات التعليم العالي والبحث العلمي

أكدت السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية بالجامعة العربية أهمية التعاون بين الجامعة العربية واتحـاد الجامعات العربية واتحاد مجالس البحث العلمي في تنفيذ مخرجات التصنيف العربي للجامعات بغرض تحسين جودة مُخرجات التعليم العالي والبحث العلمي في الدول العربية، ومن أجل الارتقاء بالمجتمعات العربية وتمكينها من الوصول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.


 جاء ذلك في كلمة السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة في حفل إعلان نتائج التصنيف العربي للجامعات لعام 2024 بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.


وقالت أبو غزالة إن التصنيف العربي للجامعات يدعم جهود الدول العربية في تحسين مُخرجات التعليم العالي، وخلق منافسة بناءة بين الجامعات العربية ووضعها في مكانتها الطبيعية، و يعد نقلة نوعية في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي العربي، نظراً لأنه التصنيف الاول على مستوى العالم الذي يراعي خصوصية الجامعات العربية.


ولفتت الى ان التصنيف العربي يعتمد على عدة مؤشرات ومعايير تُقّيم فيها الجامعات ومن ضمنها جودة التعليم والتعلم وتميز أعضاء هيئة التدريس، والبحث العلمي، والابداع والريادية والابتكار بالإضافة إلى مؤشر التعاون الدولي والمحلي في المنطقة العربية وخدمة المجتمع.


وتابعت: "نسعى من خلال التصنيف أن يكون مُحفزاً حقيقياً للأكاديميين والباحثين لتوطيد العلاقات الدولية والتعاون مع المستفيدين النهائيين، وتشجيعهم على تحويل مخرجاتهم البحثية إلى منتجات تفيد المجتمع المدني. وليُسهِم كذلك في مُساعدة الطلبة في اختيار الجامعات المتميزة.


وهنأت الجامعات التي حصلت على التصنيف مع تمنياتي لهم بمزيد من النجاح والتوفيق، معربة عن بالغ الشكر والتقدير للشركاء في هذا الحدث الهام، وعلى رأسهم الدكتور عمرو عزت سلامة الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية وفريق عمله، على كل ما قدموه لإنجاح هذا المشروع لتحقيق تحسين وتطوير جامعاتنا العربية للمنافسة إقليميا ودولياً.

مقالات مشابهة

  • أمطار وثلوج على بعض الدول العربية.. طقس الخليج والمغرب العربي
  • "جمعية الكتاب" في جنوب الباطنة تحتفل بيوم اللغة العربية
  • الحرب في السودان: تداعيات الأفلات من العقاب من منظور سياسي/ أقتصادي
  • حكم قراءة القرآن الكريم وكتابته بغير العربية.. الإفتاء توضح
  • أهم أنواع الخط العربي التي تزين أرجاء المسجد الحرام
  • "الأدب العربي والكوري.. بين نجيب محفوظ وهان كانغ" فى ندوة بمركز اللغة والثقافة العربية الاثنين
  • قيمتها 60 ألف جنيها.. مجمع اللغة العربية يعلن تفاصيل جائزة القصة القصيرة
  • الجامعة العربية: التصنيف العربي للجامعات يحسن جودة مُخرجات التعليم العالي والبحث العلمي
  • أمين الوحدة الاقتصادية العربية:  مصر داعم رئيسي للعمل العربي المشترك
  • محافظة أملج تحتفي باليوم العالمي للغة العربية