الجزيرة:
2024-09-14@04:21:35 GMT

كشف الصورة الزائفة التي يصنعها الدعم السريع

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

كشف الصورة الزائفة التي يصنعها الدعم السريع

ينبغي أن نقولها بكل ثقة: إنّ تجارب السودان والدول المجاورة، قد أثبتت أضرار التدخّلات الأجنبية ومساوئها. رسم صورة وردية أو سردية حالمة للتدخل الأجنبي ليس إلا خداعًا أو جهلًا. ولذا، لن يقبل به الشعب السوداني أبدًا؛ لأنه ليس فيه خير للسودان ولا لمستقبله.

نسوق على ذلك دليلًا واحدًا: المنظمات الدولية تجمع التبرّعات وتستهلك 30٪ من المبالغ المحصلة في المرتبات والتشغيل.

وتعهّدات التمويل الأجنبي التي بلغت 2.1 مليار دولار، لم يزد ما تم تحصيله منها على 200 مليون دولار فقط. يُصرف منها 140 مليون دولار على المرتبات واللوجيستيات، ولا يتبقى للمواطن منها إلا 60 مليون دولار، رغم كل تلك الحملات الإعلامية التي تعزف على نغمات الإنسانية.

اعتمدت قوات الدعم السريع في ردودها بشكل كبير على استخدام الذكاء الاصطناعي في غرفها الإلكترونية، مركزة على خلق سردية زائفة تصورها كجهة راغبة في السلام، ومتجاوبة مع الجهود الإقليمية والدولية

التدخل الدولي لن يكتفي بتقويض ما تبقى من مؤسسات الدولة وبنية المجتمع، لكنه كذلك سيغذّي ويضاعف جيوش المنظمات النفعية التي تستفيد من هذه الأموال. وبالتأكيد هناك أزمة حقيقية في توفر المواد الغذائية، لكن حتى في حال توفر الغذاء، يظل توزيعه صعبًا؛ بسبب انتشار قوات تنهب المواطنين وتصادر شحنات المساعدات. وقد كان هذا هو الحال الذي سبّب أزمة إنسانية في المدن المحاصرة كالفاشر ومدني وبابنوسة.

لهذا كله، ينبغي على الحكومة أن تتخذ خطوة حازمة بنزع الغطاء الدبلوماسي والسياسي عن قوات الدعم السريع كإجراء أولي لمحاصرة هذه القوات العابرة للحدود، والتي تحتمي بشبكة من وكلاء المصالح المتعددة.

وفي هذا الإطار، كانت مناورة ذهاب الوفد الحكومي إلى جدة وطرح شروطه، حركة ذكية في خضم ضغوط إقليمية ودولية، فقد مكّن ذلك الحكومة من استعادة زمام المبادرة. وأشير هنا تحديدًا إلى الوزير أبو نمّو، رئيس الوفد الحكومي، الذي أعرفه شخصيًا وأشهد بكفاءته، فهو من أمهر المفاوضين الذين قادوا مثل هذه المهام، إذ يمتلك معلومات دقيقة وشاملة حول قوات الدعم السريع وأهدافها واحتياجاتها ووكلائها.

كما ينبغي الإشارة إلى أن لقاءات الحكومة مع الدعم السريع في الدورات السابقة تميزت بالحزم وعدم التردد، دون الانصياع للضغوط أو الابتزازات الإقليمية والدولية، وهو ما أثمر عن اتفاق جدة، الذي يجب تنفيذه دون مماطلة أو تسويف. لقد أظهرت الحكومة في تعاملها مع الأزمة قدرة على الصمود وقوة في الأداء، مما أتاح لها خلق مساحة وأفق للتفاوض.

وفي المقابل، اعتمدت قوات الدعم السريع في ردودها بشكل كبير على استخدام الذكاء الاصطناعي في غرفها الإلكترونية، مركزة على خلق سردية زائفة تصورها كجهة راغبة في السلام، ومتجاوبة مع الجهود الإقليمية والدولية، وذلك بهدف ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة. ترد منصات الذكاء الاصطناعي التي تديرها قوات الدعم السريع تلقائياً على أي مبادرة، دون تأنٍ للدراسة والتحليل والتشاور.

تقسيم القضايا

أفضل أساليب التفاوض هو تقسيم القضايا إلى أجزاء، ومن ثم تقديم حلول لكل جزء، وفي الحالة السودانية يجب توجيه الحوار نحو القضايا الإنسانية الأساسية، كالنزوح، ومحاصرة المدن، والاعتداءات على المدنيين العزل. فمن شأن هذا أن يمنح وضعًا تفاوضيًا أفضل. إذ من الصحيح أن الوسيط الأميركي يتمتع بمرونة كبيرة، لكنه لن يمنح الوفد الحكومي كل ما يطمح إليه؛ إذ يعتمد منهج "العصا والجزرة"، وينتظر ردود أفعال الحكومة.

سيعود الوفد الأميركي بمقترحات جديدة، خصوصًا أن مبعوثه ليس في عجلة من أمره لإغلاق هذا الملف؛ فهو سياسي سابق يطمح إلى تحقيق النجاح في بعثته، وسيدفعه هذا أن يكون مرنًا إلى أقصى درجة. ومع ذلك فمن المهم إدراك أن السودان ليس على أجندة الناخب الأميركي، وليس ضمن اهتمامات السياسيين، أما أوروبا، فقد أنهكتها حرب أوكرانيا، ولم تعد تملك إلا خيارات محدودة. أي أن المجتمع الدولي لم يعد يملك ذلك البريق والقوة. لذلك، على الحكومة السودانية أن تظل متمسكة بشروطها وتواصل المناورة دون استعجال، فظهرها محميّ بدعم شعبها الصامد.

التمسك بشرط إخلاء المنازل والأعيان المدنية، ثم إخراج الدعم السريع من الحياة السياسية، أمران لا يمكن التنازل عنهما؛ لأن التنازل سيؤدي إلى عودة الحرب، أو في أقل تقدير يحول السودان إلى دولة مأزومة تدار بالوكالة. هناك محاولات لنفخ الروح في الدعم السريع عبر مشروع وقف إطلاق النار، لكن كسر شوكتها هي الحل، وهو أمر أصبح اليوم في متناول اليد بصمود الشعب رغم المجازر والإبادة.

الكرة في ملعب الحكومة السودانية وهي التي تملك المبادرة، وعليها ألا تخدع بالإنسانية الخادعة التي تصرخ: "مجاعة" وتملأ الكون تباكيًا على المعاناة الإنسانية، فوراء ذلك ماكينة فبركة إعلامية هدفها التلاعب بالقضايا السياسية.

"مجموعة تقدم"، هي الجناح السياسي للدعم السريع، ويسعها أن تتفاوض وتقدم طرحها دون تسترّ خلف المواقف الرمادية، وما يفضي إليه التفاوض سيكون ملزمًا لجناحها العسكري. إذا أنجزت "تقدم" هذه الخطوة، فقد تستعيد بعض رأس مالها السياسي المتآكل، وإلا فلن تكون جزءًا من المجتمع السياسي الوطني.

محددات لتعزيز قدرة الحكومة على إدارة الأزمة

لتجنب المخاطر المحتملة وتعزيز موقف الحكومة السودانية، من الضروري مراعاة النقاط التالية على المستويين الدبلوماسي والداخلي:

تعزيز الدبلوماسية النشطة: يمكن للسودان الانخراط في دبلوماسية نشطة لعرض مخاوفه ومطالبه بوضوح. ويشمل ذلك تكوين تحالفات مع دول أفريقية وغير أفريقية تشارك السودان في مخاوفه. فالجبهة الموحدة من الدول التي تشترك في مخاوف السودان بشأن السيادة والتدخل الخارجي، يمكن أن تعزز موقف السودان التفاوضي.

إن دول الجوار، رغم تباين مواقفها، تعيش ظروف السودان وتفهم اضطراباته. ويمكن إجراء لقاءات وتشجيع الدبلوماسية الشعبية لتمتين العلاقات مع تشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، ومصر باعتبارها دولًا تتأثر بانعكاسات الحرب في السودان وعلى السلم والأمن الإقليمي. سيكون هذا مفيدًا في التعاطي مع المجتمع الدولي وحماية السيادة الوطنية.

الاعتماد على القانون الدولي: يُعد الاستناد إلى القانون الدولي ركيزة أساسية لتعزيز موقف السودان في الأزمة الراهنة. يجب التأكيد على أهمية السيادة الوطنية، كما هو منصوص عليه في القانون الدولي، والذي ينص على مبدأ عدم التدخل وحق الدول في تقرير مصيرها الداخلي دون وصاية خارجية. يمكن للسودان أن يقدم النزاع على أنه شأن سوداني بحت، وأن للدولة حقها في الدفاع عن مواطنيها ضد منظومة إجرامية عابرة للحدود تمارس الإرهاب، وتحاصر المدن، وتنهب وتسرق. هذه السردية، إذا تم تقديمها بشكل قانوني، يمكن أن تضفي الشرعية على موقف السودان. اتخاذ إجراءات إنسانية استباقية: يمكن أن تكون خطوة مهمة للسودان في التعامل مع الأزمة الراهنة، مع الحفاظ على سيادته. يمكن للحكومة السودانية أن تعرض إنشاء آليات خاصّة بها لتوفير الوصول الإنساني تتماشى مع المعايير الدولية، ولكن تحت سيطرة الحكومة السودانية. يمكن أن يُظهر هذا التزامًا بتخفيف الأزمة الإنسانية مع الحفاظ على السيادة الوطنية. على سبيل المثال، يمكن فتح مدخل أدرى وطينة على الحدود التشادية مع وضع آليات ومراقبين؛ لضمان وصول الإغاثة إلى المواطنين واللاجئين في دول الجوار، رغم شحها، دون أن تُستخدم كحيلة من الكفلاء لتأجيج الصراع. التأكيد على عدم إطالة أمد الحرب: يتطلب التركيز على التزام السودان بالسلام والاستقرار. يمكن للسودان أن يبرز موقف الحكومة كخطوة ضرورية لضمان احترام جميع الأطراف للاتفاقيات الموقعة في جدة، والتي تشمل بنودًا رئيسية، مثل: وقف إطلاق النار، والخروج من منازل المواطنين وأعيان المدينة. يمكن تقديم الحجة بأن المواقف السابقة للمبعوثين واللجنة الرباعية كانت إما منحازة أو ضعيفة أو غامضة، مما شجع قوات الدعم السريع وأعطاها غطاءً دبلوماسيًا، الأمر الذي أدى إلى استمرار الصراع وارتكاب جرائم حرب في أنحاء البلاد. تثبيت آليات وقف إطلاق النار: يجب أن يشمل الدفاع عن اتفاق جدة من خلال آليات قوية للمراقبة والتنفيذ. هذه الآليات يمكن أن تضمن التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، مما يمنع الدعم السريع من استغلال وقف إطلاق النار كوسيلة لإعادة التنظيم وإطالة أمد الصراع. يجب أن تُجمع قوات الدعم السريع في مراكز محددة خارج المدن لحماية المواطنين وتشجيع عودتهم إلى منازلهم. تجنب تمكين الدعم السريع: الاستسلام للضغوط دون ضمان التزام الدعم السريع باتفاق جدة قد يشجعه على المزيد من الانتهاكات، مما يؤدي إلى مزيد من النزوح وعدم الاستقرار. إذا استمرت قوات الدعم السريع في احتلال منازل المواطنين ومرافق المدينة، فقد يقوض ذلك سلطة الحكومة ويطيل أمد الصراع. على الحكومة تثبيت أركان الدولة وبسط سيطرتها لتمكين السودانيين من العودة إلى بيوتهم. كيف يمكن للمواطن أن يعود إلى منزله وهو يجاور "قاتلًا داعميًا"، أو توجد نقطة ارتكاز لتلك القوات تسأله عن هويته؟ يجب التمسك بشرط خروج الدعم السريع لتعود الشرطة والحياة إلى مدن السودان. الحفاظ على الدعم الداخلي: لقد صبر الشعب السوداني لأكثر من 16 شهرًا على انتهاكات هذه القوات وحرمانه من حقوقه الأساسية وتجريده من إنسانيته؛ وأصبحت المعركة الآن معركة الشعب السوداني من أجل حياته وكرامته. على الحكومة السودانية أن تتحمل تبعات أفعالها؛ خاصة أنها تستند إلى هذا الشعب الأبي. إذا نُظر إلى الحكومة على أنها تستسلم للضغوط الدولية دون حماية المصالح الوطنية، فإنها ستفقد دعم الشعب السوداني. وقد يُضعف ذلك شرعية الحكومة وقدرتها على الحكم بفاعلية، مما قد يؤدي إلى معارضة واسعة، وربما ثورة شعبية تعرض البلاد لخطر التمزق. توصيات سياساتية

إلى جانب ما سبق، هناك عدد من التوصيات الأخرى التي يحسن بالحكومة السودانية الاهتمام بها وهي تتعامل مع هذا التحدي، ومن ذلك:

الانخراط في دبلوماسية موازية: ينبغي للسودان، في الوقت الذي تتعامل فيه الوفود السودانية مع الفاعلين الدوليين، تعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية التي يمكن أن تشكل توازنًا أمام التأثير الغربي. قد يشمل ذلك التواصل مع دول في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، التي قد تدعم موقف السودان بشأن السيادة وعدم التدخل. إنشاء ممرات إنسانية بضمانات: اقتراح إنشاء ممرات إنسانية تخضع للمراقبة المشتركة من قبل الحكومة السودانية والمنظمات الدولية المحايدة. يهدف ذلك إلى منع تهريب الأسلحة، وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين بأمان. التواصل الشفاف: يجب على الحكومة السودانية الحفاظ على التواصل المفتوح مع جميع أبناء الشعب السوداني في الداخل والخارج لدورهم في حشد الدعم المادي والدبلوماسي والسياسي. من الضروري تفعيل الدبلوماسية الشعبية، بما في ذلك التظاهر أمام سفارات الدول الداعمة للدعم السريع وفق خطة محددة، والاستفادة من المنصات الإعلامية في الدول الأوروبية وأميركا للتأثير على صنّاع القرار والضغط لتجريمهم. ينبغي على الحكومة تقديم تحديثات دورية للشعب حول جهودها لتحقيق السلام، وضمان وصول الدعم الإنساني، مع توضيح أن السيادة الوطنية والأمن غير قابلين للتفاوض. الوساطة المحايدة: الدعوة إلى عملية وساطة أكثر حيادية تشمل دولًا أو منظمات دولية تُعتبر محايدة من قبل الدولة السودانية، مثل بعض دول الاتحاد الأفريقي. إن ما تفعله قوات الدعم السريع بشعب أعزل لا يمكن غضّ الطرف عنه؛ فالوساطة المحايدة يمكن أن تساعد في بناء الثقة، وتسهيل مفاوضات أكثر إنتاجية. وعلى المبعوثين أن يتعلموا من تجارب سابقة أظهرت أن عدم الحيادية يؤدي إلى الفشل، مما يستدعي الاستقالة. تجربة فولكر واللجنة الرباعية كانت سببًا في عسكرة الساسة واحتمائهم وراء من يحمل السلاح. النهج القائم على التوازن: بتبنّي نهج ثابت قائم على التوازن، يمكن للسودان أن يؤكد مصالحه الوطنية مع إظهار التزامه بالسلام وضمان وصول المساعدات الإنسانية، مما يقلل من خطر حدوث مزيد من الصراع، ويحافظ على سيادته في مواجهة الضغوط الدولية. معالم النصر داخليًا ليست بعيدة، وإن صمود فاشر السلطان في وجه التتار رغم محاولاتهم الفاشلة زاد من ثقة شعبنا في هزيمة هؤلاء.

النصر قادم بإذن الله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع فی الحکومة السودانیة السیادة الوطنیة وقف إطلاق النار الشعب السودانی موقف السودان على الحکومة الحفاظ على یمکن أن

إقرأ أيضاً:

المحقق يكشف تفاصيل الصفقة التي يلفها الغموض: الدعم السريع باع سراب جبل عامر لحكومة حمدوك

حصل موقع المحقق الإخباري على معلومات جديدة كشفت الكثير من التفاصيل التي كانت غائبة عن الرأي العام فيما يتعلق بالصفقة التي أبرمتها حكومة الدكتور عبد الله حمدوك ممثلة في وزارة المالية مع شركة الجنيد التابعة لقوات الدعم السريع، وقد اتضح من خلال التقصي أن كثيراً من الغموض والتلاعب قد شاب تلك الصفقة، وأن “الدعم السريع” بعد أن استنفد أغراضه من جبل عامر أراد أن يستولي على النصيب الأكبر من شركة “سودامين” الذراع الحكومي في وزارة المعادن وأن يدخل شريكاً كذلك في نشاط التنقيب عن الذهب والنحاس في منطقة حفرة النحاس !!

ولا بد هنا أن نشير إلى أن محررة “المحقق” تواصلت عدة مرات مع المدير العام السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول ولكنه تجاهل طلب المعلومات الخاصة بالصفقة .. فإلى تفاصيل التحقيق.

المحقق – هبة عبد العظيم

“عندما أصبح لديهم المال والسلاح والسلطة بعد عام 2019 كان بإمكانهم مع آخرين ابتلاع كل موارد السودان ” هكذا وصف مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية في عهد حكومة حمدوك الخبير الجيولوجي د. يوسف محمد أحمد محاولات قادة قوات الدعم السريع للسيطرة على موارد السودان .
ويكشف يوسف عن استخراج كل كميات الذهب في منطقة جبل عامر والتي يسهل تعدينها خلال الفترة (2012 – 2019). ويقول ل(المحقق) : “ما تبقى من ذهب فيها قد يكون موجود في أعماق بعيدة وهناك احتمال بأن يكون استخراجه غير مجدٍ إقتصادياً ، ويمكن القول أن المنطقة أصبحت غير مجدية إقتصادياً لشركة الجنيد، ولذلك وصلوا لاتفاق كله فساد مع وزارة المالية” واستدرك قائلاً: “لا أدري دور وزارة الطاقة و التعدين أو الهيئة العامة للأبحات الجيولوجية و قتها ، لكن أعتقد أن لهم دوراً في الصفقة”.

هل كانت صفقة جبل عامر عطاء مَن لا يملك لمن لا يستحق؟

وكانت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي الأسبق د.هبة محمد على قد أعلنت في أكتوبر 2020 تسلم الحكومة لمنطقة جبل عامر من شركة الجنيد عقب الإعلان عن تنازل الأخيرة عن المربع N15 بجبل عامر لصالح حكومة السودان في مارس من ذات العام ، وقالت وزيرة المالية وقتها إن الاتفاق جاء نتاج تعاون وثيق بين وزارتي المالية والطاقة والتعدين وشراكة بناءة مع شركة الجنيد للأنشطة المتعددة ، ووصفت الاتفاق بأنه خطوة مهمة لتعزيز إيرادات الدولة والنمو بالاقليم والنمو بالمحلية واعتبرته إنجازاً للحكومة الانتقالية . واحتفلت حينها بعض المنصات الإعلامية المحسوبة على حكومة حمدوك بما حدث ووصفته بأنه انتصار سياسي ساحق لم تخسر فيه الدولة (ولا فلساً واحداً) بما أنه – وفقا لهم – أن الشعب السوداني كان يتخوف من ملكية الدعم السريع لمناجم غنية بالذهب في دارفور .

لم يتمكن المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية الأسبق د.يوسف من إخفاء غضبه مما وصفه بفساد وزارة المالية والذي يشمل الوزيرة هبة أيضاً في التلاعب في الصفقة وإخفاء معلومات فيها والتي لم تكن تنازلاً من شركة الجنيد كما تم الترويج لها بل طالبت الشركة بالتعويض وهذا لم يرد مطلقاً في قانون الثروات المعدنية السوداني، ويوضح يوسف: ” يفترض بالشركة التي وقعت اتفاقية تعدين مع الحكومة في منطقة معينة… و قررت الإنسحاب و إنهاء الاتفاقية أو ما يعرف ب
Withdraw or terminate the agreement
يمكنها عمل ذلك بكتابة خطاب موضحة الأسباب ؛ مثلاً التعدين في المنطقة أصبح إقتصادياً غير مجدٍ، و تنسحب و يوؤل المربع أو منطقة الترخيص للحكومة بدون أن تدفع الحكومة دولاراً واحداً “.
ويزيد بقوله : “و لكن لفسادهم ومن داخل وزارة المالية والذي يشمل الوزيرة هبة توصلوا لاتفاق مع الجنيد ليتنازل عن المربع مقابل حوالي 50 مليون دولار”.. واتفق أكثر من ثلاثة مصادر كانت على صلة وثيقة بالصفقة، تحدثت إليهم محررة ( المحقق) بأن الحكومة لم تكن تملك المبلغ بالعملة الصعبة مقابل التنازل عن مربع N15 كان مملوكاً لحكومة ولاية شمال دارفور تنازلت عنه لقوات الدعم السريع مقابل شراكة لم تحصد منها شيئاً ، وأكدت المصادر أن المبلغ لم يكن (50) مليون دولار كما أشيع وقتها بل كان (250) مليون دولار، وقد أجبرت وزارة المالية وقتها جهاز الضمان الاجتماعي على شراء الدولار من السوق الموازي لسداد المبلغ مما ساهم في ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني ، إضافة إلى ايلولة 70% من أسهم شركة سودامين الحكومية إلى شركة الجنيد إضافة إلى مشاركة الحكومة في مربع حفرة النحاس الغنية بالذهب في منطقة سنقو (الواقعة في أقصى الطرف الغربي لجنوب دارفور على المثلث الحدودي بين دول السودان ودولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى).في وقت كانت فيه الحكومة السودانية لديها مطالبات مالية لدى قوات الدعم السريع تصل قيمتها إلى (450) مليون دولار عبارة عن مديونيات ايجارات المناجم لم تسددها قوات الدعم السريع طوال فترة عملها بجبل عامر، كما حصل الدعم السريع على خطابين تم بموجبهما إعفاء شركة الجنيد من سداد حصائل الصادر والعوائد الجليلة من الشركة السودانية للموارد المعدنية ووزارة المالية في عهد حكومة عمر البشير – وفقاً لأكثر من ثلاثة مصادر لصيقة بالملف – والذين أكدوا على اجتهاد شركة الجنيد للحصول على أسهم في شركة سودامين الحكومية والتي كانت تمثل الحكومة في الشراكة مع شركات الامتياز الأجنبية التي تحصل على عقد للعمل في التنقيب عن الذهب داخل السودان.
وحصل موقع (المحقق) الإخباري على معلومات تؤكد أن جهات أمنية بالتعاون مع بعض اللجان المطلبية والمهنية تمكنت من إعاقة أيلولة 70% من أسهم شركة سودامين الحكومية إلى شركة الجنيد التي كانت مملوكة حسب تسجيلها في المسجل التجاري للأخ غير الشقيق لحميدتي وهو عبد الرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع . فيما لم تدفع شركة الجنيد للحكومة أي من حصائل الصادر ولم يدخل أي من عائدات الذهب المنتج من جبل عامر إلى خزينة الدولة طوال فترة سيطرة شركة الجنيد على جبل عامر.

عادل خلف الله: العملية تمت بتكتم وسرية تامة حول إجراءاتها، والمكاتبات التي تمت حولها

الصفقة السرية
من الواضح أن رئاسة الوزراء ووزارة المالية وقتها ممثلة في الوزيرة هبة محمد علي تجاهلت عن عمد استشارة أو إخطار اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير ولجنة الطاقة والتعدين بمبادرة أساتذة جامعة الخرطوم ، بالصفقة ويقول عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير عادل خلف الله لموقع (المحقق) الإخباري: “اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير، التى كنت عضواً فيها ، ليس لها علم بما تم بين وزارة المالية وشركة الجنيد التابعة لقوات الدعم السريع ولم يطرح هذا الموضوع فى أي من اللقاءات التى جمعت بين اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير ،ووزارة المالية أو رئيس الوزراء ، أو وزراء القطاع الاقتصادى .أو مناقشات الموازنة العامة ” . ويوضح أن العملية تمت بتكتم وسرية تامة حول اجراءاتها والمكاتبات التي تمت حولها ، واستدرك بقوله :” لا أعتقد بوجود مستندات بوزارة المالية حول الموضوع”.

“كل ما أعلن عنه أن وزارة المالية سلمت شركة الجنيد 50 مليون دولار أمريكى مقابل تنازلها عن جبل عامر الذى يعد من المواقع الغنية بالمعادن، ومنها الذهب”. وينبغى الإشارة إلى أن ذلك تم بعد تولى د. هبة لوزارة المالية التي خلفت د. البدوي في الوزارة ، وهو نهج اتبعه كلاهما، بالإشارة إلى احتكار توريد المشتقات البترولية لشركة الفاخر الذى عقده د. البدوى ، فى ظل دفاع مستميت من الوزير ورئيس الوزراء ، حول سياسات التحرير الاقتصادى ، ودون اتباع الاجراءات الطبيعية المتبعة للتعاقدات الحكومية والمشتروات. أو الاتفاق الذى تم مع صندوق النقد الدولي والمعروف ب Smp ، وهى إحدى الموضوعات الخلافية بين اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير والسياسات الاقتصادية التى اتبعتها وزارة المالية ورئيس مجلس الوزراء ، والحديث ما زال لخلف الله.

و يختم قائلا :” اتضح لاحقاُ أن شركة الفاخر، كشركة الجنيد ، كلاهما تتبعان لقوات الدعم السريع “.

كمال كرار: الصفقة كلها فساد في فساد ولا يوجد في قانون الثروات المعدنية أي فقرة تتحدث عن التعويض في حال التنازل عن مربع للتعدين

‌أما عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير كمال كرار فيؤكد لـ(المحقق) أن إعلان تنازل شركة الجنيد عن مربع جبل عامر جاء بدون تفاصيل في مارس 2020 والذي كانت وكالة الأنباء الرسمية قد نقلته ، إلا أن التفاصيل تكشفت في اكتوبر من نفس العام ، ويقول : “الصفقة كلها فساد في فساد ولا يوجد في قانون الثروات المعدنية أي فقرة تتحدث عن التعويض في حال التنازل عن مربع للتعدين “حيث خاطب وكيل وزارة الطاقة والتعدين الوزير المكلف بخطاب يخبره فيه بمطالبة شركة الجنيد للوزارة بتعويض في حدود (8) أطنان من الذهب، وبناء على الطلب دعا الوكيل إلى تقييم الأعمال الفنية و المنفذة في المربع عبر بيت خبرة محايد، وكان رأيه أن قبول الحكومة مبدأ التعويض فيه فوائد ومكاسب للطرفين. وتقدم وكيل وزارة الطاقة والتعدين وقتها يحى محمد عبد الجليل باقتراحين ضمنهما في خطابه للوزير تمثل أحدهما في تأسيس شراكة بين الوزارة وشركة الجنيد وعلل مقترحه بالظروف الأمنية والحراسة التي تصعب من عمل الشركات ، وجاء مقترحه الثاني بأن يتم التعويض بتخصيص مربعات تعدين مساوية لمساحة مربع الجنيد وعوائد الإنتاج في جبل عامر إلى جانب أصول تساوي الأصول المتنازل عنها في جبل عامر أو مساهمات في رؤوس أموال شركات حكومية منتجة ، داعياً الوزير إلى اتخاذ القرار المناسب وتحويل الأمر إلى وزارة المالية لاستكمال الإجراءات ، و تسلمت شركة الجنيد التعويض المالي وآل المربع نفسه إلى شركة الفاخر المملوكة لقوات الدعم السريع – على حد تعبير كرار..

وحصل موقع (المحقق) الإخباري على معلومات مؤكدة حول تعرض بعض أعضاء اللجنة التي كونت لتقييم الأصول إلى تهديد بالقتل من قبل قائد ثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو لكل من اعترض أو احتج على مسألة التعويض من الجانب الحكومي مقابل تنازل شركة الجنيد عن جبل عامر ، والجدير بالذكر أن عدداً من أعضاء لجنة التقييم رفضوا الصفقة لعدم مطابقتها للقانون وتم إبعادهم.

طالبت شركة الجنيد بتاريخ 3-9-2020 وزيرة المالية د.هبة بخطاب معنون ب: تخصيص أسهم لشركة الجنيد للأنشطة المتعددة في شركة سودامين وجاء في الخطاب :
تمت موافقة وزارة المالية على اعتماد مبلغ 200 مليون دولار لصالح شركة الجنيد للأنشطة المتعددة لتنازلها عن مربع الامتياز ( N15 ) جبل عامر ، على أن يتم استغلال جزء من المبلغ لشراء أسهم في شركة سودامين وتخصيص مربعات تعدين مجزية، وبتاريخ 8-9-2020 خاطبت وزيرة المالية د.هبة محمد علي ، المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك اردول بأنه وفقا لخطابي من وزارة الطاقة من الوزير ثم الوكيل واللجنة المختصة بوزارة المالية ،فانه تقرر أن تسدد الشركة السودانية للموارد المعدنية مبلغ (50) مليون دولار لصالح شركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة وذلك خصماً من العوائد الجليلة المقررة على مشروعات الجنيد.

أما تشكيل لجنة تقييم شركة سودامين فقد تم بالقرار رقم (69) والصادر من وزيرة المالية المكلف د. هبة محمد علي بتاريخ 27-9-2020 وتكونت اللجنة من وكيل وزارة الطاقة والتعدين ومدير عام الشركة السودانية للموارد المعدنية والمدير المكلف لشركة سودامين وعضو من وزارة المالية واثنين من موظفي الشركة السودانية للموارد المعدنية ، وفي اجتماع واحد قررت اللجنة مجتمعة الموافقة على أن تكون شركة الجنيد شريكة بأسهم مقدارها 34% من إجمالي أسهم شركة سودامين وذلك في إطار التسوية التي تم الاتفاق عليها بين حكومة السودان وشركة الجنيد للتنازل عن المربع N15 (جبل عامر) ، وتؤكد مصادرنا بأن الشيطان كان يكمن في التفاصيل وأنه فقط أعلن عن نسبة المشاركة هذه فيما تم إخفاء الباقي .

صدمة الأرقام
شكلت الأرقام التي أوردتها تقارير شبه رسمية من أن إنتاج السودان من الذهب يتجاوز الــ 250 طناً في العام نوعاً من الصدمة وسط تقارير رسمية أكدت أن إجمالي انتاج الذهب في العام الذي سبق 2018 لم يتجاوز الـ 93 طناً ما يجعل الشقة بين الأرقام الرسمية وشبه الرسمية واسعة جدا تبلغ حوالى الــ 157 طنا مايعادل ( 6.647.380.000) دولار في وقتها وهو قيمة الذهب الذي يتم تهريبه خارج قنوات الدولة الرسمية . ففي العام 2017 أقر وزير المعادن آنذاك أحمد محمد صادق الكاروري أن انتاج جبل عامر من الذهب لم يصل خزينة الدولة مطلقاً.

ورغم غياب المعلومات الرسمية عن حجم إنتاج واحتياطي الذهب في جبل عامر، فإن إفادات لمن زاروا المنطقة تؤكد أن هناك ما يزيد على ثلاثمائة منجم للذهب، لكن الأهم هو ما ذكرته «لجنة العقوبات» الأممية، حينما قالت إنه خلال الأعوام 2010- 2014 تم تهريب وتصدير ما قيمته (5.4) مليار دولار من الذهب. ويشار إلى أن (37،7٪) من صادرات السودان لعام 2018 كانت من الذهب، الذي بلغت إنتاجيته وفق أرقام الحكومة (93،4) أطنان وفّرت للبلاد من العملة الصعبة (1،156) مليار دولار. فيما بلغت في النصف الاول من العام 2019 حوالي 280,150 كليو جرام بعائد يقدر ب 6,695 مليون دولار حسب إحصائيات بنك السودان المركزي.

وذكر تقرير لموقع قلوبال ويتنس أنه وفي نقاط مختلفة بين عامي 2012 و2019، اشترى البنك المركزي السوداني ذهباً مرتبطاً بجماعات مسلحة متورطة في القتال من أجل السيطرة على مناجم دارفور. وشمل ذلك شراء الذهب من شركة مرتبطة بقوات الدعم السريع ، وأنه من المرجح أن تكون شركة كالوتي (الإماراتية) قد حصلت على ما لا يقل عن 20 طنًا من الذهب المرتبط بجماعات مسلحة في دارفور بالسودان، مسرح الصراع طويل الأمد والإبادة الجماعية المزعومة – على حد تعبير تقرير قلوبال ويتنس.

جبل عامر .. أصل الحكاية
تعود تسمية جبل عامر إلى أحد أبناء قبيلة المحاميد الذي كان يرعى إبله متنقلا، وعند حلول فصل الصيف يستقر في وادي الجبل الذي انتشرت حوله بين أهالي المنطقة عدة أساطير تصفه بغير العادي بسبب البريق الذي يصدر منه مع غروب وشروق الشمس.

وفي أبريل 2012، اكتشف فريق صغير من عمال المناجم المتجولين الذهب في تلال جبل عامر، وكان أحد المناجم غنيًا جدًا، وجلب ملايين الدولارات لأصحابه لدرجة أنه أطلق عليه اسم “سويسرا”، بحسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية، الذي لفت إلى أن حفارين اندفعوا إلى جبل عامر من جميع أنحاء السودان، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا بعد زيارة قام بها وزير التعدين السوداني وقتها كمال عبد اللطيف وحاكم ولاية شمال دارفور، حينها، عثمان محمد يوسف كبر.

وتم اكتشاف الذهب في جبل عامر مع حُمَّى البحث عن بديل للنفط بعد انفصال الجنوب عن السودان في 2011. وهناك أكثر من 60 ألفاً من المعدنين ينقبون عن الذهب في جبل عامر، وكانت الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية قد أعلنت عن تخريط مساحة (1800) كيلو متر مربع من مساحة المربع الكلية وأخذ عينات جيولوجية منها بجانب دراسة الرسوبيات.
و يبعد الجبل 100 كلم شمالي مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور غربي السودان، و 70 كلم عن اقرب مدينة مأهولة بالسكان.

الطريق الى جبل الذهب
لم يكن الحصول على معلومات من داخل الجبل سهلاً ، ولربما سبقت الجبل قصص أشبه بالأساطير من حيث الخطورة في الوصول إليه، بالاضافة إلى مزاعم امكانية ان يقتل المرء أو يتعرض للاختطاف بأفضل الاحوال، قبل الوصول إلى جبل الذهب هذا.
ويصف عدد من السكان المحليين الذين كانوا يعملون بجبل الذهب بأن الجبل إبان سيطرة شركة الجنيد على بعض المناجم عبارة عن هضبة ومرتفعات يتخللها عدد مهول من آبار التنقيب تتجاوز السبعة ألف بئر، وحول المربعات التي كان يسيطر عليها شددت فيها الحراسة والتحوطات الأمنية بصورة عالية و قدر عدد القوات التي تقوم بحراسة الجبل بحوالي (3300) جندي من الدعم السريع (جنجويد) إضافة إلى عربات (التاتشر) المحملة بأسلحة (الدوشكا) والراجمات التي تجوب حول الجبل بكثافة ملحوظة، إضافة الى الدبابات التي تتجاوز العشر دبابات وطائرات الأباتشي .
المنطقة ومن الوهلة الأولي تبدو للناظر وكأنها سوق ضخم في ممر ضيق ملتو، وعلى جانبيه تصطف متاجر بدائية لبيع الخردوات ، وأخري لبيع الملابس ، ووسط هذا الممر تقبع محلات تتصدرها صناديق زجاجية وهي محال لتجار الذهب والصاغة الذين يشترون الذهب المستخلص من المعدنين التقليديين في الجبل ، وحدثنا أحد هؤلا التجار أنهم كانوا يشترون في اليوم أكثر من (35) كيلو جرام من الذهب، مضيفاً أن التعامل التجاري في هذا السوق كان يتم نقداً على الرغم من ارتفاع القيمة أحياناً إذ يضطرون لشراء مابين 3 إلى 7 كيلوجرامات من الذهب من شخص واحد ومبلغ الشراء هنا يتجاوز الثلاثة ونصف المليار جنيه لثلاث كيلو جرام في العام 2018، مما يشير إلى إرتفاع حجم السيولة المتدوالة في جبل عامر.

شرط عدم الاقتراب
عمليات التنقيب في جبل عامر تقليدية وتتميز بنوعين من الذهب ؛ رسوبي وأولي ، بحسب إفادة مصدر رفيع بالشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة (الذراع الرقابي لوزارة المعادن) ، فإن قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على الجبل تركت مساحات خارجه للتعدين الأهلي على شرط أن لا يقترب المعدنون التقليدون من آبار شركة الجنيد وكانت الحكومة في حينها قد أعلنت أن شركة الجنيد تقوم بعمليات استكشاف رغم أنها لم تتجاوز في الحفر أكثر من عمق (2000) متر وتوقفت عن الحفر واتجهت إلى شراء مخلفات التعدين (الكرتة) من المعدنيين التقليديين.
وأكد المصدر عدم وجود أي من المنافذ الحكومية سواء بنك السودان أو وزارة المعادن ممثلة في جهازها الرقابي (الشركة السودانية للمعادن) بمنطقة جبل عامر .

أكثر من 7 ألف بئر للتعدين
تُقدِّر لجنة إدارة المنجم عدد الآبار بنحو (7000) بئر، إن كانت مُنتجة أو مَحجوزة، وتُقدّر تقارير أهلية إنتاج الجبل من الذهب بــحوالى 35 كيلوجراماً يومياً، وتفيد ذات التقارير إلى إنحسار لافت في كميات الذهب المُستخلصة من الجبل، والتي كانت في السابق تصل كميتها إلى (50) كيلوجراماً في اليوم الواحد في العام 2018 .

ذهب جبل عامر .. حاضنة حكومية
يقع جبل عامر في حاكورة قبيلة البني حسين التي يتبع لها عدد من عمد القبائل الأخرى التي تقيم معها في المنطقة منها التاما وأولاد مانا وأعداد من الزغاوة وقليل من الفور، وتوجد عموديات الرزيقات بشمال دارفور داخل دار بني حسين. هذا الواقع يجعل جبل عامر تحت سطوة قبيلة البني حسين ، ولكن قوة وسطوة السلاح ورغبة الحكومة المركزية في الخرطوم منحت الجبل إلى الأبالة وحرس الحدود بقيادة الشيخ موسي هلال أولاً ثم لقوات الدعم السريع (الجنجويد) بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ويتفق العديد من الباحثين في الشأن الدافوري على أن حكومة البشير ممثلة في نائب الرئيس وقتها وفرت حاضنة وحماية حقيقية لقوات الدعم السريع عبر توجيه الحكومة السابقة بجمع السلاح وإشراف نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن على انفاذ التوجيه في ولايات دارفور ما أدى الى القبض على موسى هلال زعيم الأبالة المحاميد، ثاني قبيلة تسيطر على الذهب بالمنطقة، وأصبح جبل عامر ضمن الحيازات غير المعلنة لقوات الدعم السريع”. لكن القبيلتين عادتا وتحالفتا لإبعاد أي غُرباء يدخلون للمنطقة.
ويذهبون إلى أن هذه الخطوات، أعطت قبيلة بني حسين نسبة في عائد رسوم انتاج جبل عامر ولكنها قادت لأن يصفو الجبل بكامله لقوات الدعم السريع (الجنجويد) التي فرضت سطوتها بالكامل على جبل الذهب في العام 2012 .

المحقق – هبة عبد العظيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المحقق يكشف تفاصيل الصفقة التي يلفها الغموض: الدعم السريع باع سراب جبل عامر لحكومة حمدوك
  • محادثات القاهرة: مصر وأميركا تتفقان على إنهاء الأزمة السودانية
  • قوات الدعم السريع ترحب بتمديد مهمة لجنة تقصي الحقائق الأممية وتدعو اللجنة لزيارة المناطق التي تسيطر عليها
  • السودان يكشف وثائق جديدة بشأن دعم الإمارات لمليشيا الدعم السريع (صورة)
  • السودان يكشف وثائق جديدة بشأن دعم الإمارات لميليشا الدعم السريع (صورة)
  • الدعم السريع ترحب بتقرير لجنة تقصي الحقائق بشأن السودان وتدعو لزيارة مناطق سيطرتها
  • الحكومة السودانية راضية عن تمديد عقوبات دارفور والدعم السريع مستاء
  • الجيش والدعم السريع يتبادلان القصف وقرار أممي ضد السودان
  • الحكم بالإعدام شنقا لاحد معاوني قوات الدعم السريع
  • الغارديان: الدعم السريع ينشر مقاطع فيديو تدينه بجرائم حرب