أمريكا وبداية العد العكسي للنهاية المؤلمة
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
يمانيون – متابعات
بنت أمريكا إمبراطورتيها الحالية اعتماداً على ثلاثة مكونات أساسية جعلت منها قوة عظمى على مستوى العالم، وتمثلت في المكون الاقتصادي والمكون العسكري والمكون الاستخباراتي، وبواسطتها تفرض نفسها على العالم وتلوي أذرع الأنظمة في مختلف القارات.
في حقيقة الأمر هذه المكونات هي الأساس لبناء أي دولة في العالم لكن توجيهها هو الذي يفرق بين دولة كأمريكا وغيرها من الدول، فالأولى توجّه هذه المكونات لاستغلال واستعمار الدول وجعلها تدور في الفلك الأمريكي لخدمة مصالحها وأطماعها.
هذا الوضع مستمر منذ عقود لكن وكما يقول المثل دوام الحال من المحال فقد بدأت في الآونة الأخيرة عملية التراجع أو العد العكسي لزمن تسيّدت فيه أمريكا العالم وأصبحت المكونات الثلاثة التي استندت عليها في بناء حضارتها وتثبيت سيطرتها على العالم في الأفول.
ويتضح ذلك من خلال تراجع القوة الاقتصادية الأمريكية وبروز اقتصادات على مستوى العالم قوية وناهضة وسريعة التطور كالاقتصاد الصيني الذي اكتسح العالم وجعل أمريكا تتراجع إلى المركز الثاني اقتصادياً، وكذلك الحال بالنسبة للاقتصاد الروسي الذي يحقق معدلات نمو متسارعة وبشهادات البنك الدولي رغم العقوبات الأمريكية والغربية عليه، وكذا التطور السريع لنمور آسيا الاقتصادية الخمسة التي أذهلت العالم في تطورها الاقتصادي، إذاً فضربة قوية قد حصلت مؤخرا لاقتصاد أمريكا على مستوى العالم.
والحال ينطبق على المكون العسكري فمنذ عقود لم تستطع أمريكا أن تحقق أي نصر عسكري بمفردها أو حتى بمعية مجموعة دول الناتو والأمثلة على ذلك حية إلى الآن كان آخرها ماحصل في أفغانستان ويعد شاهداً على ذلك، ولايزال العالم يعيش تداعيات الانسحاب المذل للقوات الأمريكية وقوات دول الناتو من أفغانستان، وما حصل في العراق أيضا يؤكد التخبط العسكري الأمريكي وانتكاساته؛ إن أمريكا عسكرياً في حالة تراجع منذ فترة.
وقد حققت العديد من الدول قفزات مذهلة في مجال التقنية العسكرية القائمة على العلم والتكنلوجيا لم تستطع أمريكا تحقيقها مثال ذلك الصواريخ الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا والصين وأخيراً إيران، ويؤكد الخبراء العسكريين في هذا المجال أن أمريكا بحاجة إلى سنوات للوصول إلى تقنية الصواريخ الفرط صوتية.
الهزيمة التي مُنيت بها أمريكا في البحر الأحمر والعربي على يد القوات اليمنية مثال حي على التراجع العسكري الأمريكي وهذه المسالة يعيش العالم فصولها حالياً أولا بأول.
المكون الاستخباراتي الأمريكي تعتمد عليه أمريكا اعتماداً رئيسياً في تثبيت سياستها وسيادتها على العالم كتدبير الانقلابات وتنفيذ الاغتيالات بحق القادة الوطنيين والشخصيات المؤثرة، ولا غرابة أن تتواجد في كل سفارة أمريكية في العالم وحدة استخبارات متكاملة ومتطورة تدرس وتراقب الوضع السياسي والاقتصادي في هذه الدولة أو تلك.
لكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مُنيت مؤخراً بنكسات وهزائم كثيرة منها قضية أسلحة الدمار الشامل في العراق بناءً على معلومات استخباراتية مضللة، وكذلك ما حدث في الجمهورية اليمنية من كشف وضبط شبكة تجسس أمريكية كانت تتخذ من عمل المنظمات الدولية منطلقاً لعملها الاستخباراتي، وبذلك يعد هذا الانتصار الاستخباراتي اليمني بمثابة مسمار في نعش المخابرات الأمريكية التي بدأت تتراجع في عملها حول العالم بشكل ملحوظ.
مجمل هذه الأمور تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت مرحلة العد العكسي التي تعد الخطوات الأولية لانهيار وأفول حضارة أمريكية قامت على الغزو والدم واستغلال خيرات الشعوب ومواردها.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
سياسات أمريكا.. عسى أن تكرهوا شيئا!
رفعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة شعار “العولمة”، وجعلت من انفتاح السوق العالمية سياسة لها وأبرمت الكثير من الاتفاقيات والبروتوكولات مع كثير من دول العالم وأنشأت الهيئات والكيانات الدولية لضمان التجارة الحرة وكانت تشدد على تخفيض الرسوم الجمركية ومراجعة التشريعات المتعلقة بالتجارة بين البلدان بما يضمن تدفق السلع والمنتجات بسلاسة ويسر ودون عوائق وعراقيل.
-جاءت قرارات الرئيس دونالد ترامب في مستهل ولايته الرئاسية الثانية فيما يتعلق بفرض الرسوم الجمركية على معظم بلدان العالم صادمة ومزلزلة ومتناقضة كليا مع الشعارات والقيم التي عملت عليها أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأصابت الدول الحليفة قبل غيرها بصدمة كبرى جعلتها غير قادرة على استيعاب هول الصدمة والتعاطي مع تداعيات ذلك على اقتصادها وعلى حياة شعوبها.
-القرارات “الترامبية” – وفق كثير من المراقبين وخبراء السياسة والاقتصاد – كانت ارتجالية وعبثية وغير مدروسة وربما كانت ذات خلفيات ودوافع سياسية على علاقة بجهود إدارته المتصهينة للتغطية على جرائم الإبادة الشاملة والتطهير العرقي المستمر على قدم وساق في قطاع غزة على أيدي أصدقائه في تل أبيب وعلى ما يمارسه هو من جرائم بحق المدنيين والأعيان المدنية في اليمن على غرار الجريمة البشعة بحق منشأة ميناء رأس عيسى النفطية المدنية ومنتسبيها الأبرياء وما ستتركه من تداعيات كارثية على حياة ملايين اليمنيين.
-استطاع ترامب بجدارة وإلى حد كبير، أن يحرف أنظار العالم ويشغل بال شعوب الأرض برسومه وتعريفاته الجمركية عن أبشع جريمة في العصر الحديث وأتاح المجال أمام نتنياهو ليواصل مسلسل القتل والتهجير في غزة لكنه لم يسلم من تبعات سياسته، فلم تتوقف الانهيارات الحادة في أسواق البورصة في العالم فحسب بل شملت الولايات المتحدة انهيارات اقتصادية كبرى دفعته سريعا إلى تعليق الرسوم لتسعين يوما وما زالت دول العالم في حيص بيص تناقش وتبحث الإجراءات والخطوات المطلوبة للحفاظ على استقرار التجارة العالمية اذا أصر الرئيس المغرور على المضي قدما في قراراته بعد انقضاء الثلاثة أشهر (مدة التعليق).
-كيفما كانت حيثيات ودوافع قرارات ترامب ذي الشخصية المثيرة والنزعات الشريرة فإنها لا شك تضع البلد الأعظم في عالم اليوم في دائرة التقزم والانطواء والانكفاء على الذات وهي التي كانت تتباهى بقيادة العالم الحر وتوجيه دفة التجارة العالمية عبر إنشاء وتزعُّم منظمة التجارة العالمية منتصف عقد التسعينيات قبل أن تنسحب منها مؤخرا وتعلق مساهمتها المالية فيها إشباعا لغرور وغطرسة الرئيس، دون النظر الى مكانتها وما تزعمه من مبادئ وقيم.
-كل الشواهد والمعطيات تؤكد أن ترامب – الذي رفع شعار “لنعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى” خلال حملته الانتخابية – يسير بأمريكا إلى الانعزال ومن ثم الزوال المحتوم وقد بدأت معالم شيخوختها في الظهور مثل التجاعيد البارزة في وجه رئيسها الكهل، ورب ضارة نافعة “والله يعلم وأنتم لا تعلمون” صدق الله العظيم.