عربي21:
2025-04-30@17:42:17 GMT

غزة بين قاموسين.. قاموس المقاومة (40)

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

في سياق معالجة الموضوع الخطير "التطبيع بالكلمات"، كان من المهم أن نضع ذلك ضمن عمليات ومفاهيم عدة تحدد الوجه المهم في معركة المفاهيم والمصطلحات، ولعل متابعة هذا الموضوع أدى بي ودفعني إلى مواصلة الكتابة فيه لأمرين، أحدهما تعلقه المباشر بما أطلقت عليه "قاموس المقاومة"، والثاني تعلقه بأحد أهم العمليات التي يجب التنبه إليها ألا وهي "التطبيع" وأهمية الوعي به للقيام بكل ما من شأنه مقاومة التطبيع، وأهم أشكاله التطبيع بالكلمات.



إلا أنه وقد شرعت أكتب مقالي السابق صادفنني تقرير مدقق بإخراج محقق وبأرقام واستشهادات موثقة قد نشر في "الجزيرة"، ضمن إعداد موفق قام عليه فريق مؤهل لكتابة مثل هذه التقارير، وأهيب بالمؤسسة إن لم تفعل أن تترجم هذا التقارير إلى لغات عالمية بما يشير إليه من معلومات ونصوص وتصريحات، وخدع إعلامية، ومصطلحية، ومفاهيمية. في هذا السياق كان التقرير "إسرائيل.. غزة.. العالم.. وحرب المصطلحات".

مع استمرار الحرب على الأرض، شُنت معركة كلامية موازية على المسرح العالمي
ومع استمرار الحرب على الأرض، شُنت معركة كلامية موازية على المسرح العالمي. ولفهم الكيفية التي تُصوّر بها اللغة الحرب الحالية، فحصت الجزيرة جميع الخطب والبيانات التي ألقتها 118 دولة عضوا في الأمم المتحدة في جميع جلسات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر و15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. وبالإضافة إلى بيانات الأمم المتحدة، قام الفريق بتحليل مئات الخطب والبيانات التي ألقاها قادة إسرائيل وفلسطين، و5 أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا)، بالإضافة إلى 8 لاعبين إقليميين، هم مصر وإيران والأردن ولبنان وقطر والسعودية وسوريا وتركيا.

وفي ذات الوقت طالعت مقالا بديعا، أظنه كُتب باللغة الإنجليزية وقام على ترجمته المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تحت عنوان "توظيف اللغة في حرب المصطلحات الإسرائيلية على الفلسطينيين"، كتبته كل من سحر الهنيدي وإيزابيلا حمّاّد وترجمه إبراهيم فرغلي؛ وعنوان المقال بالإنجليزية دال في هذا المقام: " The Uses and Abuses of Language in Israel’s War on Palestinians".

في مطلع هذا المقال كانت تلك العبارة المفتاح في سياق ما نفكر فيه، إذ "دأبت المشروعات الاستعمارية كافة على تحريف اللغة. فقد سارت العبارات الملطّفة المقصودة جنبا إلى جنب مع الرغبة في السيطرة على السكان الأصليين، والاستيلاء على الأراضي والموارد، بداية من التوسع الأمريكي في "براري الغرب"، وصولا إلى الاستعمار الأوروبي للأفارقة "الهمج" استخدم الاستعمار الحديث والقوى الإمبريالية تلك اللغة لا لتبرير مشاريعهم فحسب، بل أيضا لإقناع دافعي الضرائب أيضا بحسن مبرراتهم الأخلاقية. وسمّى والتر ليبمان ومن بعده نعوم تشومسكي؛ ذلك "تصنيع القبول"، بينما أطلقت إدارة الدعاية الأمريكية عليها وصفا أكثر تهذيبا وهو "هندسة القبول".

ثم جاء التسلسل والتسلل "في حرب المصطلحات الإسرائيلية، ممثلا في تأطير المقاومة الفلسطينية للاحتلال العسكري على إنها "إرهاب". ولطالما صورت إسرائيل أشكال المقاومة الفلسطينية كافة بأنها أنشطة إرهابية؛ وينطبق هذا المصطلح على المواجهات غير المتكافئة بين المدنيين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، وحتى أشكال المقاومة السلمية، بما في ذلك الدعوات إلى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل. وقد اكتسبت كلمة "إرهاب" زخما بعد اتفاقيات أوسلو في عام 1993 التي أُسميت تضليلا "عملية السلام"؛ إذ جرى من خلالها توسيع نطاق المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة إلى الأراضي المخصصة لإنشاء دولة فلسطينية، ما أدى إلى استمرار أعمال المقاومة".

وفي هذا السياق، تذكرت مقالين أشرت لأحدهما ألا وهو مقال "وليد سيف" الذي نوهت عنه في المقال السابق، والذي كان عنوانه "غزة الفاضحة"، أما المقال الآخر فأشير إليه من الذاكرة وكان لأستاذنا "عبد الوهاب المسيري" في صحيفة الشعب، تحت عنوان "مصطلحات العدو"؛ وغاية أمر كل هذا أن نرصد ونسكن كل هذا الذي يقع ضمن اهتمامات علوم شتى، ينظم فيما بينها حروب الكلام واحتلال العقول وغزو النفوس والإرادات، ذلك يجعلنا نتوقف عند جملة من مجالات التأليفات والمفاهيم التي ترتبط بما نحن فيه: الحرب النفسية؛ الغزو الفكري والثقافي والمعنوي؛ الدعاية والدعاية الصهيونية؛ التسميم السياسي؛ الإمبريالية الثقافية والغزو الحضاري والهوياتي؛ الغزو الإعلامي في سياقات الحروب الحضارية والإعلاميةضمن توظيف استعيرت فيه كلمه الغزو للتعبير عن خطورته وقدرته على إحداث الهزيمة بدون حروب خشنة أو حتى مع الحروب الخشنة، والتي تحقق انتصارا سياسيا وهزيمة نفسية للخصم.

ولعل ذلك يجعلنا نتوقف عند جملة من مجالات التأليفات والمفاهيم التي ترتبط بما نحن فيه: الحرب النفسية؛ الغزو الفكري والثقافي والمعنوي؛ الدعاية والدعاية الصهيونية؛ التسميم السياسي؛ الإمبريالية الثقافية والغزو الحضاري والهوياتي؛ الغزو الإعلامي في سياقات الحروب الحضارية والإعلامية.. كل هذه الأشكال أو المفاهيم أو التأليفات يحب أن ننخرط فيها ضمن عمليات المقاومة الحضارية الشاملة.

إن غزة الكاشفة الفاضحة الفارقة الفرقانية تتطلب من كل هؤلاء من مثقفين ومفكرين أن يحملوا رسالتهم الكفاحية المقاومة في الأمة، فتدفع الكلمات العدوة، وتؤكد على معاني الكلمات الحرة المرتبطة بمقاومة الأمة.

إن أستاذنا الدكتور حامد ربيع الذي ما فتئ يخاطب أمته "أمتي والعالم"، "أمتي أمة القيم" ليحرك فيها كل الفاعليات الناهضة فيها من خلال كل من حمل الوظيفة الحضارية للأمة والوظيفة الكفاحية السياسية والمجتمعية للعالم؛ أصدر كتابه "الثقافة العربية بين الغزو الصهيوني وإرادة التكامل القومي"؛ يرفع فيه راية التحدي وينادي على أمته.

"هذا المؤلف هو دعوة إلى القتال.. وهو ليس رفعا لراية التحدي ضد أذناب الاستعمار من نفوس ضعيفة قد عقدتها وضاعة المنبت، فذهبت في قناعة مرضية تسعى لإرضاء القوى الأجنبية، معتقدة أنها وقد حملت رداء القناعة المزيفة قد استطاعت أن تخدع جماهير أمتها العريضة، كلا! فمثل هذه الديدان تعودنا أن نتجاهلها، وإن تعرضنا لها فبكلمة أو إشارة. الديدان تُسحَق ولا يُتعامل معها بالمنطق والفكر، ولكننا نرفع راية التحدي ضد الحكام والمسؤولين، لقد تعبنا من الصمت والانعكاف في صومعة الفكر".

نؤسس مرصدا للكلمات والمفاهيم والمصطلحات لمواجهة هذا الغزو المصطلحي؛ يفحص كلمات العدو وآثارها ليحذر وينبه الأمة بكل شرائحها وتكويناتها، ويفحص كلمات الأمة الدافعة والرافعة والجامعة للأمة وفي الأمة
"علينا أن نخرج إلى دائرة أولئك الذين هم على استعداد لأن يضحوا بحياتهم ودمهم في سبيل قيم أمتهم وتقاليد آبائهم. نحن نعلنها واضحة مدوية: لقد آن الأوان لوضع حد للخيانة، ولا يقلل من المسؤولية القول بأن الحاكم ليس واعيا بتصرفاته. هناك من الإهمال ما يقتل. نحن لن نستطيع -وأمامنا مصير أمة كاملة في الميزان- أن تأخذنا شفقة بدعوى عدم القدرة على فهم مخاطر الرعونة. إن مصادر التغير والتغيير في قناعتنا لا بُد من أن تتعامل وتتفاعل في إطار واحد من التأثير والتأثر والتكتل الإرادي بين: القيادة، والوعي الجماعي، والطبقة المثقفة..".

وحتى تكون الأمور واضحة وقد دخل العدوان على غزة قرابة العام، أن نفهم أن غزة التي انتدبت عن الأمة مقاومة وعزة، وجهادا واستشهادا، بين قاموسين: قاموس المقاومة والغزة والكرامة، وقاموس الهزيمة "التخذيل والهوان والمهانة"، واقتراحنا في هذا المقام أن نؤسس مرصدا للكلمات والمفاهيم والمصطلحات لمواجهة هذا الغزو المصطلحي؛ يفحص كلمات العدو وآثارها ليحذر وينبه الأمة بكل شرائحها وتكويناتها، ويفحص كلمات الأمة الدافعة والرافعة والجامعة للأمة وفي الأمة. ذلك يتطلب مشروعا ضمن مشاريع المقاومة الحضارية في الأمة "فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ" (التوبة :122) وعلى كل هؤلاء أن يدخلوا هذه المعركة مع مصطلحات وكلمات العدو وتحريف الكلم عن مواضعه والاتهامات الباطلة، مهما كان للكيان الصهيوني من داعمين وكذا ادعاءاتهم. الأمر إذن في غزة الفاضحة الكاشفة الفارقة ليميز الخبيث من الطيب، أمر أمة وحركة إصلاح ونهوض؛ "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" (الرعد: 17).

x.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة المصطلحات الحرب إسرائيل غزة الحرب مصطلحات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کلمات العدو فی الأمة فی هذا

إقرأ أيضاً:

السيد عبدالملك ومشروع استنهاض الأمّة في زمن الغفلة

محمد الجوهري

إنّ المشروع القرآني بقيادة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – حفظه الله – يمثل اليوم آخر فرصةٍ حقيقيةٍ للأمة العربية كي تنهض من كبوتها، وتكون في مستوى المسؤولية التي حمّلها الله إيّاها، وتستعيد مكانتها التي أرادها الله لها: ﴿كُنتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].

فمن يتأمل في خطابات السيد القائد ومواقفه، يلاحظ أنّها تصبّ في هذا الاتجاه: استنهاض الأمة لمعرفة مسؤوليتها أمام الله، وخروجها من حالة الغفلة والفرقة والشتات، التي لا يخدم استمرارها سوى أعداء هذه الأمة. فما نراه من إجرام صريح وعدوان مستمر في فلسطين، ولا سيما في غزة، هو نتيجة مباشرة لتفريط الأمة وتقصيرها في الاستجابة لنداء الحق. وقد صدق الله إذ قال: ﴿وَمَن أعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشةً ضَنكًا﴾ [طه: 124]. فما تعانيه الأمة اليوم من ذلّ وهوان، إنما هو من نتائج الإعراض عن الذكر، وعن المذكرين به.

إنّ السيد القائد، في تذكيره المتكرر، لم يدّخر جهدًا في دعوة الأمة إلى العودة لله، والجهاد في سبيله، والتوحد تحت راية القرآن. وهو على هذه الحال منذ أكثر من عقدين، حتى قبل العدوان السعودي-الإماراتي، وقبل الحروب الست الظالمة على صعدة. وقد كان دائم الدعوة للوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، لا سيما خلال العدوان على غزة في ديسمبر 2008، حيث شدد في خطاباته آنذاك على أن واجب الأمة نصرة المستضعفين لا يسقط بالتقادم أو الظروف.

ويكفي للتدليل على عمق هذه الرسالة وصدقها أن خطابات السيد لا تخلو أسبوعيًا من التذكير بهذه القضايا، كما قال تعالى في وصف الأنبياء: ﴿فَذَكِّر إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: 21]. وهذه الوظيفة النبوية سار عليها السيد عبدالملك، حيث يتخذ من التذكير منهجًا مستمرًا، في زمن عزَّ فيه صوت الحق.

لقد أقام السيد القائد الحجة على الأمة، حتى باتت دعوته تذكّر بما واجهه نبي الله نوح عليه السلام، الذي ظل في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعوهم إلى الله، ولم يؤمن معه إلا قليل. يقول الله: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا ﴾ [نوح: 5].
ومع هذا، فإن كثيرًا من الناس لم يروا في دعوة السيد إلا بحثًا عن سلطة أو حكم، تمامًا كما قال قوم الأنبياء من قبل: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: 24]، وكأنّ سنة الله في خلقه لا تتغير، سواء في حال المؤمنين أو المعاندين.

إن سنن الله تعالى في عباده لا تتبدل، فإن لم يستجيبوا للتذكير، فالبديل هو العقوبة. كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: 15]. وقد بُعث في هذه الأمة من يذكّر، ويُقيم الحجة، فلا عذر لأحد بعد ذلك.
بل إنّ كثيرًا من العرب اليوم قد تجاوزوا في طغيانهم ما كانت عليه بعض الأقوام السابقة، إذ ارتكبوا من الظلم والفساد ما لو قُورن بما ارتكبه قوم لوط أو عاد أو ثمود، لفاقهم في الجرأة والاستخفاف بدين الله وشرعه.

إن دعوة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي هي امتداد لخط الأنبياء، وهي من آخر المنارات التي تضيء في زمن الظلمات. وإنّ تجاهل هذه الدعوة لا يجلب إلا مزيدًا من الويلات، كما هو شأن من سبقنا من الأقوام الذين كذبوا المرسلين. فالعاقبة لمن استجاب، والهلاك لمن أعرض، وعلينا ألا ننسى أن العقوبات الإلهية أسوأ بكثير من أي نتائج قد تصيبنا إذا انطلقنا للجهاد في سبيل الله، وقد تأتي أيام على الأمة يتمنون فيها الموت على يد اليهود لا على يد بعضهم بعضاً، فالمخطط الصهيوني للأمة أن تدخل في موجة من الاقتتال الطائفي والمذهبي يذهب ضحيته الجميع، حتى أولئك الخونة من المطبعين، والواقع يشهد بخطورة التقصير والإعراض، وبعظمة الجهاد في سبيل الله، وكيف أن الشعب اليمني اليوم يسود على سائر الشعوب بفضل الاستجابة لله ولوليه، السيد عبدالملك حفظه الله.

مقالات مشابهة

  • أمة على هامش الزمن
  • علي جمعة: هذا مدخل التيارات المتشددة لتكفير الأمة
  • مصادر مصرية: سلاح المقاومة نقطة شائكة في المفاوضات
  • صمت حزب الله… بين الردع المتراكم والصبر الاستراتيجي
  • السيد عبدالملك ومشروع استنهاض الأمّة في زمن الغفلة
  • المقاومة تستهدف جنود الاحتلال شرقي حي التفاح بمدينة غزة
  • بين المقاومة والحل السلمي .. جمال عبد الناصر يثير الجدل بتسجيل عمره 55 عاماً
  • قناة الأمة
  • بدء العد التنازلي لنتنياهو
  • المقاومة تستهدف جنود الاحتلال وتتصدى بغارات مضادة شرق غزة