لجريدة عمان:
2024-09-16@17:57:49 GMT

التداخل بين المعارف والتخصصات العلمية - 1

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

نشرت جريدة «المصري اليوم» مؤخرًا مقالًا مهمًّا للدكتور عصام عبد الفتاح عن «وحدة المعرفة» التي تتجلى في «الدراسات البينية»، أي في تداخل المعارف والتخصصات، الذي بات أمرًا مسلَّمًا به في البحث والتعليم الجامعي في كل الجامعات الكُبرى حول العالم. وهذا ما سبق أن نوهت إليه باعتباره إحدى مشكلات التعليم في واقعنا العربي عمومًا وليس في مصر وحدها، وهي مشكلة حقيقية ورئيسة تعكس عوارًا وضعفًا في التعليم والبحث العلمي في كثير من الجامعات العربية.

يتبدى هذا على أنحاء عديدة، ولكنه يتبدى ابتداءً بشكل فج في تصوراتنا الزائفة والساذجة عن طبيعة المعرفة ذاتها، والتمييز الطبقي بينها على نحو يجعل المعرفة المتعلقة بالعلوم الطبيعية والرياضية في مرتبة أسمى من غيرها، ومن ثم يجعلها المعرفة الجديرة بالتعلم، أما غير ذلك من أشكال المعرفة، فهي معرفة لا يعتد بها ما دامت لا تحتذي هذه العلوم؛ لأنها ستكون عندئذ أقرب إلى التأملات الفلسفية، وستكون غير موثوقة في أفضل الأحوال، بحيث لا يمكن مقارنتها بالعلوم الطبيعية والرياضية التي تُسمى بالعلوم الدقيقة exact sciences. وربما يفسر لنا هذا سبب استعلاء المتخصصين في العلوم الدقيقة على غيرهم من المتخصصين في العلوم الإنسانية، بل نلمسه حتى في استعلاء المتخصصين في الطب الذي لا يعد من العلوم الدقيقة، وإنما يقع على حدودها أو في ذيلها. يحدث هذا بدرجات متفاوتة في عالمنا العربي وأشباهه من العوالم التي لا يزال التعليم فيها متخلفًا، وهي العوالم التي يسود فيها ما يُسمى بالنزعة التعالمية scientism، وهي النزعة التي لا تزال تنظر إلى العلم- كما تأسس منذ قرون على يد فرانسيس بيكون Bacon- كمنطق في البحث التجريبي؛ ومن بعد على يد الوضعيين المناطقة باعتباره المنطق المشروع في بلوغ الحقيقة واليقين!

إن المشكلات التي ترتبت على تطبيقات العلم في مجال البيئة تعد مثالًا بارزًا هنا قد فرض نفسه على التأمل والبحث بحكم الحاجة والضرورة، فلم تعد البيئة مجرد مجال من البحث في العلوم الطبيعية المستقل بذاته عن العلوم الإنسانية. كما أن هذه الضرورة قد فرضت علينا أيضًا النظر في الصلة بين التكنولوجيا وفلسفة الأخلاق (أي في أخلاقيات التكنولوجيا)، وفي المشكلات الأخلاقية للطب medical ethics، وذلك من قبيل: الإجهاض، والقتل الرحيم، وغير ذلك من المشكلات الفلسفية التي تقع في نطاق فلسفة الأخلاق، والتي تناولتها من قبل في مقالات عديدة في هذه الجريدة الرصينة. وهذا يعني أن المعرفة في عصرنا الآن أصبحت متداخلة ومتكاملة؛ وبالتالي لم يعد من الممكن دراسة ظاهرة ما، بما في ذلك الظواهر الطبيعية الخالصة، بمنأى عن الظواهر الإنسانية المصاحبة لها؛ ولعل ظواهر التغير المناخي تكون مثالًا بارزًا هنا. وعلى نحو مشابه، لا يمكننا أن نتصور الهندسة المعمارية من دون ما يرتبط بها من دراسات في علم الجمال الفلسفي الخاص بجماليات فن المعمار، ومن دون الدراسات الاجتماعية التي تتعلق بعلم اجتماع العمران، أي بحاجات الناس وميولهم وإرثهم التاريخي وأساليب حياتهم. ويحضرني هنا مثال بارز يتعلق بعلم الطب وما يتعلق بالصحة العامة: فقد تبين للعلماء في الطب أن صحة البدن وأمراضه هي مسألة وثيقة الصلة بنمط الحياة الاجتماعية، وأن هناك أمراضًا خطيرة تتعلق بأسلوب الحياة، وهذا ما أظهرته دراسات عديدة موثوقة تَبين من خلالها أن القبائل التي تعيش في الأمازون بمنأى عن ضغوط الحياة التي يعيشها الناس في المدن، يكون أفرادها أقل قابلية إلى حد كبير لأمراض القلب: فأمراض القلب وضغط الدم وما شابهها قد تكون مرتبطة إلى حد كبير بنمط وأسلوب الحياة. ومن النادر أن تجد طبيبًا في واقعنا يسألك عن شيء من نمط وأسلوب حياتك قبل أن يصف لك الدواء. هذا مجرد مثال تبسيطي على ما أود أن أقوله عن تكامل وتداخل المعرفة العلمية.

والواقع أن المعرفة في الأصل لم تكن تعرف هذا الانفصال بين مجالات المعرفة؛ ومن هنا فإننا يمكن أن نرى أن الإبداع في العلم ينبع دائمًا من هذا الفهم ومن تلك الحقيقة، فحتى النظريات العلمية الكبرى كانت تنبع دائمًا من رؤى فلسفية ومتخيلة للعالم. وبطبيعة الحال، فإنني لا أهدف من وراء هذا كله إلى القول بإسقاط الحدود بين التخصصات العلمية الدقيقة أو عدم الاعتراف بأهميتها، فذلك أبعد ما يكون عن غايتنا: فما أود التأكيد عليه هو أن كل تخصص علمي لا بد أن يتقاطع أو يتداخل مع تخصصات أخرى متشابكة معه على نحو لا فكاك منه، وأنا أرى في ذلك معيارًا للتمييز بين العلماء وأشباه العلماء أو ما أسميهم «بالمتعالمين»! ولهذا أرى أن الصغار من أساتذة الجامعات والباحثين هم أولئك الغارقون في تخصصهم الأكاديمي الضيق، وتراهم ينظرون إلى العالم وإلى الحياة من خلال هذا المنظور الضيق، فلا يعرفون أن يوسعوا من أفق نظرتهم الضيقة التي لا تستطيع أن تحيط بشيء من العالم الفسيح. العالِم حقًّا هو ذلك الذي كلما تعمق في تخصصه وجد أن جذور تخصصه تمتد إلى مجالات أخرى تتقاطع معه.

ولكن ما أود قوله في النهاية إن الحاجة إلى وحدة المعرفة أو تكاملها ليست مجرد مسألة تخص التعليم العالي والبحث العلمي، وإنما هي مسألة تتعلق برؤيتنا للمعرفة؛ ومن ثم للتعليم في عمومه، بما في ذلك التعليم قبل الجامعي، وذلك أمر لا يتسع هذا المقام لتفصيل القول فيه. وللحديث بقية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الحد الأدنى للالتحاق بالأقسام العلمية بـ«التربية النوعية» في جامعة كفر الشيخ

أعلنت كلية التربية النوعية جامعة كفر الشيخ الحد الأدنى للالتحاق بالأقسام العلمية بكلية التربية النوعية للعام الدراسي 2024 - 2025، وذلك بتوجيهات الدكتور عبد الرازق دسوقي، رئيس الجامعة، وإشراف الدكتورة نجلاء الأشرف، عميد الكلية.

الحد الأدنى للالتحاق بالأقسام العلمية بكلية التربية النوعية جامعة كفر الشيخ

وبحسب ما حدّدته الكلية، فإنّ الحد الأدنى للالتحاق بالأقسام العلمية بكلية التربية النوعية جامعة كفر الشيخ، كالتالي:

- قسم تكنولوجيا التعليم والحاسب الآلي: الحد الأدنى 268 درجة لشُعبة علمي علوم، و271.5 درجة لشُعبة أدبي.

- قسم الاقتصاد المنزلي: الحد الأدنى 265 درجة لشُعبة علمي علوم، و261.5 درجة لشُعبة أدبي.

- قسم الإعلام التربوي: الحد الأدنى 245.5 درجة لشُعبة أدبي.

- قسم التربية الموسيقية: الحد الأدنى 243.5 درجة لشُعبة أدبي.

- قسم التربية الفنية: الحد الأدنى 230.5 درجة لشُعبة أدبي.

تقديم الأوراق للالتحاق بأقسام كلية التربية النوعية

وعقب إعلان الحد الأدنى للالتحاق بالأقسام العلمية بكلية التربية النوعية جامعة كفر الشيخ، يبدأ الطلاب في تقديم أوراقهم للالتحاق بأقسام الكلية المختلفة، وذلك عقب الإعلان عن موعد تلقي الأوراق على الموقع الإلكتروني للكلية.

معلومات عن كلية التربية النوعية جامعة كفر الشيخ

وأُنشئت كلية التربية النوعية جامعة كفر الشيخ في عام 1991 بالقرار الوزاري رقم 1187 لسنة 1991، وضُمت إلى جامعة طنطا بالقرار الجمهوري رقم 329 لسنة 1998، واستمرت تبعيتها لجامعة طنطا حتى إنشاء جامعة كفر الشيخ كجامعة مستقلة عام 2006.

أقسام الكلية

تضم الكلية 5 أقسام هي كالتالي:

1- قسم تكنولوجيا التعليم والحاسب الآلي.

2- قسم التربية الفنية.

3- قسم التربية الموسيقية.

4- قسم الاقتصاد المنزلي.

5- قسم الإعلام التربوي.

مقالات مشابهة

  • محمد الشرقي: القراءة تنمي العقول وتوسع آفاق المعرفة
  • استشاري: المملكة لديها أفضل الأدوات والابتكارات العلمية في مستشفياتها
  • حقيقة ضم مادة العلوم المتكاملة أبوابا منفصلة للفيزياء والكيمياء والأحياء.. متحدث التعليم يوضح
  • التعليم تفاجئ الجميع وتدمج الجيولوجيا في العلوم المتكاملة والأحياء بالمرحلة الثانوية
  • جرمين عامر تكتب: الإنفلونسر.. إسفنجة المعرفة
  • التعليم تعلن عن منهج العلوم المتكاملة لطلاب الصف الأول الثانوي
  • «الفضاء المداري» تطلق أول مهمة لدراسة تربة القمر
  • أين وصلت مراجعة ساعات العمل بقطاع التعليم التي وعدت بها الوزارة كجزء من الاتفاق؟
  • الحد الأدنى للالتحاق بالأقسام العلمية بـ«التربية النوعية» في جامعة كفر الشيخ
  • تعاون مصري - كويتي لتبادل الخبرات الجامعية وتطوير مستقبل التعليم العربي