التنوع الاقتصادي ضرورة وطنية واستراتيجية
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
التجارب التنموية على الأقل في الدول النامية والتي حققت طفرات اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية جاءت بسبب التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على مصدر وحيد وهذا يعطي مؤشرا بأن التنويع الاقتصادي هو الخيار الأمثل نحو الوقوف أمام هزات أو صدمات نفطية كما هو الحال مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحتى الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط.
إن خطة التوازن المالي حققت نتائج جيدة في سلطنة عمان وهي تقترب من السنة الرابعة وهي مجمل الفترة الزمنية ولعل الأرقام الأخيرة حول انخفاض الدين العام للدولة إلى ١٤ مليارا و٤٠٠ مليون ريال عماني من مجموع الدين العام للدولة خلال عام ٢٠٢١ والذي تجاوز ٢١ مليار ريال عماني يعد إنجازا كبيرا يعزز من الخطة المالية ويتجه بالدين العام إلى أقل مستوى ممكن خلال السنوات القادمة. كما أن تحقيق فائض مالي على مدى سنوات خطة التوازن المالي يعطي مؤشرا للوضع الاقتصادي في سلطنة عمان، وعلى ضوء المؤشرات المالية حقق نتائج مرضية وهذا التطور الإيجابي يقودنا إلى سؤال مركزي مهم حول ضرورة التنوع الاقتصادي والاستفادة من دروس الماضي خاصة على صعيد الصدمات النفطية المتتالية خاصة في عقدي الثمانينات والتسعينات وأيضا صدمة السبع السنوات والتي رفعت نسبة الدين العام للدولة إلى مستوى صعب منذ ٢٠١٤ وحتى عام ٢٠٢٠.
إن تجربة النرويج قد أتاحت لها الاستقرار المالي المتواصل والاستدامة من خلال وضع نسبة كبيرة من دخل النفط في الصندوق السيادي وأيضا في مجال الاستثمار في الشركات الكبرى ذات العائد المضمون ومن ناحية أخرى الاستغلال الأمثل للقطاعات غير النفطية كالصناعة والموانئ والسياحة بحيث يعتمد الاقتصاد على التنوع وليس على قطاع وحيد كالنفط الذي أصبح سلعة تتداخل فيها المتغيرات السياسية والضغوط.
إن تنوع الاقتصاد الوطني أصبح ضرورة إستراتيجية وليس خيارا وعلى الوزارات المعنية خاصة وزارة الاقتصاد ووزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة العمل ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة السياحة والتراث أن تعمل بشكل منظم ولهدف وطني يحقق الأهداف الإستراتيجية نحو الاتجاه إلى اقتصاد ديناميكي متنوع كما أكد على ذلك جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، في خطاباته. والوصول إلى اقتصاد متنوع في سلطنة عمان مرتبط بحل عدد من القضايا الوطنية المجتمعية، حيث إن الاستدامة المالية تؤدي إلى حل قضية الباحثين عن عمل وهو الملف الوطني الأكثر إلحاحا في ظل تزايد الأرقام. كما أن التنوع الاقتصادي يحقق للدولة تنفيذ الكثير من الخطط التي تتماشى مع الأهداف الوطنية التي تتمحور حولها رؤية عمان ٢٠٤٠.
إن الاعتماد شبه الكلي على النفط والغاز هو سياسة غير موضوعية في ظل وجود قطاعات محفزة وهامة ويمكن من خلال استغلال تلك القطاعات غير النفطية تحقيق توازن مالي وخلق اقتصاد ديناميكي متنوع وتحويل جزء من مبيعات النفط والغاز إلى الصندوق السيادي.
إن أصول الصندوق السيادي العماني والتي بلغت ٥٠ مليار دولار، هي مؤشر جيد يبنى عليه لأن وجود الصندوق السيادي مع أصول مليارية هو الضمان نحو الاستقرار المجتمعي حيث إن الاقتصاد المستقر يعني استقرار الأمن الوطني. ومن هنا فإن وجود الاقتصاد القوي هو ضمانة كبيرة لحل أي إشكاليات اجتماعية، و الدفع بالخطط التنموية إلى الأمام.
على مدى العقد الماضي مثل النفط والغاز حوالي ٧٠ في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل ٣٠ في المائة من القطاعات غير النفطية وهذه نسبة متدنية وثابتة على مدى عشر سنوات، وعلى ضوء ذلك لابد من تعديل المعادلة خلال العقد القادم.
إن اعتماد أي اقتصاد على قطاع وحيد به مخاطرة غير محسوبة في ظل سلعة تتلاعب بمسارها السعري تطورات ومتغيرات سياسية من قبل الدول الكبرى، ومن هنا فإن الاقتصاد الوطني بحاجة ماسة إلى خطة تنويع اقتصادي وتحسين المؤشرات خلال الخمس سنوات القادمة وعلى ضوء خطة التوازن المالي التي حققت مؤشرات إيجابية حتى على صعيد التصنيف الدولي لسلطنة عمان علاوة على زيادة أرقام الناتج المحلي الإجمالي والذي شهد ارتفاعا ملحوظا خلال الأربع سنوات الماضية.
لقد بذل جلالة السلطان هيثم بن طارق، حفظه الله ورعاه، جهودا كبيرة ومضنية منذ تسلمه مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير ٢٠٢٠ خاصة على صعيد معالجة الملف الاقتصادي وحقق نتائج هامة وحيوية نتجت عنها تلك الأرقام المحققة والمؤشرات الإيجابية وعلى المسؤولين خاصة في القطاعات الاقتصادية التي تمت الإشارة إليها أن يقوموا بجهود كبيرة لتحسين المؤشرات فيما يخص الدفع بالقطاعات غير النفطية إلى دائرة الاهتمام، وإيجاد التنوع الاقتصادي بما يحقق رؤية عمان ٢٠٤٠ وهي الخطة الطموحة لسلطنة عمان والتي تدخل قريبا ربعها الأول عام ٢٠٢٥، والسؤال المهم هل تحققت مؤشرات الربع الأول لرؤية سلطنة عمان أو حتى اقتربت تلك المؤشرات منها وما هي التحديات الكبيرة وهي قطعا موجودة وتواجه عددا من دول المنطقة.
إن اقتصاديات عدد من دول جنوب شرق آسيا ذات التنوع الصناعي والتكنولوجي وفي مجال اللوجستيات والموانئ تحقق نموا بفضل التنفيذ الصارم للخطط لديهم وهذا يفرض على مسؤولي القطاعات الاقتصادية إيجاد الآليات والتفكير خارج الصندوق بخطط مبتكرة وليس من خلال العمل التقليدي الذي لا يحدث أي نقلة نوعية للاقتصاد الوطني، كما أن العمل بشكل جاد وحثيث لتحريك القطاعات غير النفطية أصبح ضرورة وطنية فهناك قطاعات على سبيل المثال يمكن أن تنهي قضية الباحثين عن عمل خلال خمس سنوات وهي قطاعات السياحة والثروة السمكية والقطاع اللوجستي واستغلال موقع سلطنة عمان الإستراتيجي والفريد على البحار المفتوحة، وهناك مميزات نسبية للمحافظات يمكن أن تساهم في خلق وظائف للشباب من خلال خلق صناعات، ولعل موضوع الجبس في ولاية شليم وجزر الحلانيات وبكميات كبيرة يمكّن من بناء صناعات تكون قيمة مضافة وليس ببيع تلك المادة خاما فيكون مردودها المادي ضعيفا، وهناك مشروع صيد الأسماك للشباب من خلال تزويدهم بالقوارب والتدريب والتسويق وسوف تكون هناك مهن تدر دخلا وتكون خيارا أفضل من الوظائف الإدارية التقليدية.
هناك خيارات حقيقية يمكن البناء عليها وتحقيق ممكنات تستهدف تحقيق الاقتصاد الوطني المتنوع والديناميكي الذي يولد آلافا من فرص العمل للشباب الباحثين عن عمل ومهما حاولت أي دولة في العالم توفير فرص العمل لأبنائها في الأجهزة الحكومية والعسكرية فإنها لا تستطيع أن تحقق ذلك، وهنا لابد من إيجاد خيارات وهي موجودة على صعيد بلادنا سلطنة عمان وهذا سوف يعزز الاقتصاد الوطني وأيضا يجعله أكثر حركة ولا يعتمد على خيار وحيد كالنفط الذي يعد سلعة استراتيجية متقلبة على هوى وتقلبات السياسة الدولية ومتغيراتها التي لا يمكن التنبؤ بها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القطاعات غیر النفطیة التنوع الاقتصادی الاقتصاد الوطنی الصندوق السیادی سلطنة عمان على صعید من خلال
إقرأ أيضاً:
«المقريف» يبدأ زيارة رسمية إلى سلطنة عُمان
في إطار تعزيز التّعاون، وتبادل الخبرات التّربوية بين البلدين، بدأ وزير التّربية والتّعليم بحكومة الوحدة الوطنية الدّكتور موسى المقريف، زيارته الرّسمية إلى سلطنة عُمان، وذلك بدعوة من وزيرة التّربية والتّعليم بسلطنة عمان الدّكتورة “مديحة بنت أحمد الشيبانية”.
واستهلَّ الوزير زيارته “بجولة في مدرسة موسى بن نصير لِتعليم البنين، حيث لاقى اِستقبالاً حافلاً من إدارة المدرسة والمُعلّمين والطلاب، واطّلع على عددٍ من الأنشطة العلمية والتّربوية في المدرسة، ومشاريع الطلاب في مركز الاِبتكار بالمدرسة، وحضر جانباً من الحصص الدّراسية لمواد الجغرافيا، والكيمياء، واللغة العربية، واختُتمت الزيارة بعروض فنّية قدّمها الطلاب تُمثل تراث عمان العريق”.
كما شملتْ جولة الوزير “زيارة إلى المُتحف الوطني العُماني، حيث اِستعرض أبْرز معالم التُّراث الحضاري العُماني في المجالات البحرية، والبرية، واطّلع على معروضات تُجسِّد مسيرة التّطور الذي تشهده عُمان”.
هذا “وتأتي الزيارة لِتُجسِّد عُمق العلاقات الأخوية بين ليبيا وسلطنة عُمان، وحِرص الجانبين على دعم أواصِر التّعاون المشترك في مجالات التّربية والتّعليم، بما يُسهم في تحقيق الأهداف التنموية لِكلَا البلدين”.
ويرافق الوزير في الزيارة، مستشار وزيرة التّربية والتّعليم بسلطنة عُمان الدّكتور “علي الجابر”.