لجريدة عمان:
2024-09-17@12:41:32 GMT

صمت المعرفة

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

تساءل الكاتب المغربي عبد الكريم الخطيبي في كتابه (النقد المزدوج) عن صمت المثقفين الغربيين وعجزهم عن اتخاذ موقف من الصراع العربي الصهيوني بينما تفضح المقاومة وتشيطن ويشهر بها بل وتوسم بالإرهاب، وأرجع ذلك إلى أن ضمير المثقفين الغربيين مصاب بـ (مرض الغثيان الأبيض) وهو مرض الحمى البيضاء التي تلتهم كل شيء وتجمع بين العقاب والخطيئة وسم الشعور بالذنب.

عقدة الذنب والخزي التي تلازمهم جراء ما فعله النازيون بحق اليهود، لذلك فهم غير قادرين على الانفكاك من تلك العقدة ورفع رؤوسهم ونطق الحقيقة، إضافة إلى متلازمة معاداة السامية التي نجحت الصهيونية في ترويجها وابتزاز الغرب بها ووسم كل من يجرؤ على نقد إسرائيل وجرائمها بمعاداة السامية وتلك تهمة هي أم الكبائر وأم الموبقات وخطيئة لا تغتفر في الغرب، فمن يوسم بذلك يُخرج من جنة الغرب الدانية ثمارها ويسقطهم في جب من غياهب التجاهل والنسيان والنكران.

واليوم ونحن نقف أمام المجازر المتوالية التي ترتكبها إسرائيل أمام عيون العالم، لا يزال موقف المثقفين الغربيين مثار استغراب وجدل ونقاش وربما صادم وقد يستعصي على التفسير والتبرير. فقد لاحظ المؤرخ الفرنسي ران هليفي «انطلقت بموازاة مع انطلاق طوفان الأقصى حرب من نوع آخر، حرب إعلامية وحرب سرديات بموازاة الحرب الجارية في الميدان».

تلك الحرب أو السجال انطلق في اتجاهات مختلفة، اتجاه مثله بعض المثقفين الذين أدانوا سكوت وصمت المثقفين والأكاديميين الغربيين في عدم إدانتهم حماس والتضامن مع إسرائيل على خلاف ما حدث بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، فقد استهجنت الباحثة في المجال الفلسفي (جوليا كريست) ذلك الصمت الذي أسمته (صمت المعرفة) وكأن الأولى بهؤلاء المثقفين حسب هذا الرأي عدم الوقوف صامتين والتفرج على ما تفعله حماس بل إدانة ذلك والتضامن الصريح مع القتلة والمجرمين وهذا معيب في حق المثقفين والأكاديميين والفلاسفة. بالطبع هذه نظرة مدفوعة بغايات ومآلات وتبريرات لا يتسع المقام لذكرها والتي لا تخفى على أحد. نستذكر هنا موقف مثقفين غربيين لم يصمتوا بل جاهروا في تضامنهم مع القتلة مسوغين الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل والأسماء كثر في ذلك.

فقد لاحظ هؤلاء تراجع السردية الصهيونية والبروباغندا في الغرب بعد عقود من الهيمنة والسيطرة التامة. إلا أنهم وعوضًا عن دراسة تلك الظاهرة بشكل علمي حقيقي فقد استمروا في قفزهم على تلك الحقيقة والتحولات العميقة في مزاج شريحة كبيرة من الغربيين.

في الاتجاه نفسه دخل ذلك السجال منطقة أخرى في محاولة لتفسير تنامي الحركات المؤيدة والداعمة للفلسطينيين متمثلة بالمظاهرات التي انطلقت في بعض الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الغرب وملأت الساحات والميادين احتجاجًا على الإبادة الجماعية والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين العزل في غزة مدعومة ومدججة بالأسلحة الغربية بشكل لا نظير له (رغم أن ذلك ليست ظاهرة، على المستوى الغربي فقد كانت عبر التاريخ، حرب فيتنام، والعراق وأفغانستان وحروب أمريكا). المثير للاستغراب ذلك التفسير الذي أرجعها إلى تجليات انتشار ظاهرة ثقافة الووكيزم الثقافة التبسيطية أو السطحية (Le wookisme) التي تنطلق في نظرهم من معادلة بسيطة للغاية وتفسير مانوي للصراعات السياسية الداخلية أو الخارجية، يكمن هذا التفسير في اختزال بسيط وتقابل ثنائي بين قوي وضعيف، بين قوي مسيطر من جهة وبين ضعيف مُضطهد من جهة أخرى، وأن الحق دائمًا يكون بجانب الضعيف المضطهد الذي يتعين بالتالي مناصرته والوقوف معه ضد القوي المتجبر الذي يملك كل وسائل القوة والدمار (إن مساندة التقدميين للفلسطينيين لا تنبع من تحليل تاريخي ولا انتباه دقيق للوقائع، بل هي وجه من وجوه الووكيزم القائمة على مساندة لا مشروطة لمن يعتبر ضعيفا كما لو أن الأخلاق والعدل هي في جانب الضعفاء فقط المؤرخ الفرنسي ران هليفي Ran Halevi). فقد فسر بعض المؤرخين موقف الطلبة المتظاهرين والمؤيدين للفلسطينيين بأنهم أصحاب ثقافة بسيطة أو بالثقافة التبسيطية أو السطحية وعدم الإدراك والمعرفة لمجريات الأمور، وكأنهم (أي الطلبة المتظاهرون) لا يفقهون كيف تجري الأمور.

هذه النظرة من قبل بعض المثقفين الغربيين هي بلا شك نظرة فوقية متعالية وكأنهم الوحيدون الذين يملكون الحقيقة ويوزعونها على من يشتهون ويرون، أما الغير الذي لا يشاركهم نفس الأفكار ولا يتبنى نفس رؤاهم فلا يملك تلك النظرة التي تقيس الأشياء والأحداث بمقاسات علمية. هذه النظرات الفوقية المتعالية لا تخرج في الحقيقة من نظرات العالم الغربي تجاه العالم الثالث ليس إلا نظرات فوقية متعالية مقيتة وحسب بل حتى أولئك الذين من نفس جلدتهم.

لكن ما فات أولئك الباحثون هو النظر إلى ذلك التناقض الذي لاحظه الطلبة بين ما يدرسونه من نظريات في حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة وبين ما يشاهدونه على أرض الواقع من انحياز أعمى ودعم غير مشروط وتماد مع المؤسسة السياسية والعسكرية في انحيازها مع الصهيونية. وما لاحظه أولئك الطلبة الذين يدرسون النظريات والمثاليات التي ينادي بها الغرب، فجأة يكتشفون بأن الفرق الشاسع بين النظريات والتطبيقات التي تحدث على أرض الواقع، باتوا مصدومين بحالة النفاق والازدواجية التي يعاني منها الغرب، مدركين أن العالم لا تحكمه المثاليات والنظريات بل العكس تمامًا القوة ولا غيرها. لذلك مثل خروجهم ربما صرخة في وجه الغرب وساسته ومثقفيه وفلاسفته وربما يرغبون بتغير الأوضاع وإعادة توجيهها بشكل أكثر نقاوة ومثالية.

تلك الغطرسة والتعالي والفوقية التي تصف الآخر بعدم الفهم أو الفهم السطحي أو البسيط لا تقتصر على الغرب وحده وإنما هي في الحقيقة ثقافة ودرجة عالية من الأنا وحب الذات التي تطبع بعض البشر وخصوصًا أولئك الذين يملكون المعرفة أو أصحاب المناصب والسلطة وكم سمعنا بعض الأشخاص يصفون محاورهم بعدم الفهم أو سطحية في الفهم أو الفهم القاصر، هؤلاء لا يملكون بالتأكيد غير السلطة والعلو، لعلهم بتصرفهم هذا لا يدركون كم من فكرة جميلة ضاعت وكم من حل لمشكلة عويصة تبدد وكم من وجهة نظر إيجابية وجديرة بالمناقشة ضاعت.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وسط تهديداته بالتصعيد.. الأسهم في جعبة بوتين تثير التساؤلات

خيارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرد إذا سمح الغرب لأوكرانيا باستخدام صواريخه بعيدة المدى في ضرب روسيا قد يكون من بينها ضرب الأصول العسكرية البريطانية بالقرب من روسيا أو في الحالات القصوى إجراء تجربة نووية للكشف عن نواياه، بحسب ما رجحه محللون تحدثوا لرويترز.

وقال بوتين، في أوضح تحذيراته حتى الآن، الخميس، إن الغرب سيكون قد دخل في القتال مباشرة مع روسيا إذا مضى قدما في مثل هذه الخطوة التي قال إنها ستغير طبيعة الصراع.

ووعد برد "مناسب" لكنه لم يذكر ما قد يقتضيه ذلك. لكنه تحدث في يونيو عن احتمال تسليح أعداء الغرب بأسلحة روسية لضرب أهداف غربية في الخارج، ونشر صواريخ تقليدية على مسافة قريبة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

رسالة نووية

قال أولريش كوهن، الخبير في الأسلحة في معهد أبحاث السلام والسياسات الأمنية في هامبورغ، إنه لا يستبعد أن يلجأ بوتين إلى بث رسالة نووية بطريقة ما، مثل إجراء تجربة نووية في محاولة لتخويف الغرب.

وأضاف "سيكون هذا تصعيدا كبيرا للصراع. والسؤال هو: ما هو السهم المتبقي في جعبة بوتين ليرمي به إذا ظل الغرب مستمرا في نهجه، غير الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية؟".

وذكر أن روسيا لم تجر أي اختبار لأسلحة نووية منذ عام 1990 الذي سبق انهيار الاتحاد السوفيتي، وأن أي تفجير نووي سيكون مؤشرا على بداية عصر أشد خطورة. 

وحذر كوهن من أن بوتين قد يشعر بأنه يُنظَر إليه على أنه ضعيف في ردود فعله على زيادة دعم حلف شمال الأطلسي لأوكرانيا.

وقال: "إجراء تجربة نووية سيكون أمرا جديدا. ولا أستبعد هذا، وسيتماشى مع تحطيم روسيا في العامين الماضيين لعدد من الترتيبات الأمنية الدولية التي وقعت عليها على مدى عقود".

احتمال غير مرجح

جيرهارد مانغوت، المتخصص في الأمن بجامعة إنسبروك في النمسا، قال من جانبه في مقابلة مع رويترز إنه يعتقد أن من الممكن أن يتضمن رد روسيا إشارة نووية بطريقة ما، وإن كان هذا الاحتمال غير مرجح في رأيه.

وأضاف مانغوت "الروس قد يجرون تجربة نووية. وقد اتخذوا كل الاستعدادات اللازمة. وقد يفجرون سلاحا نوويا تكتيكيا في مكان ما في شرق البلاد فقط لإظهار جديتهم حين يقولون إنهم سيلجأون في نهاية المطاف إلى الأسلحة النووية".

يذكر أن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، قال لمجلس الأمن الدولي، الجمعة، إن حلف شمال الأطلسي سيكون "طرفا مباشرا في أعمال قتالية ضد قوة نووية‭‭‬‬‬ إذا سمح‭‭‭ ‬‬‬لأوكرانيا باستخدام أسلحة ذات مدى أطول ضد روسيا.

‭‭‭ ‬‬‬وأضاف "أعتقد أن عليكم ألا تنسوا هذا وأن تفكروا في العواقب".

وتعكف روسيا، وهي أكبر قوة نووية في العالم، على مراجعة عقيدتها النووية؛ أي الظروف التي قد تستخدم فيها موسكو الأسلحة النووية.

ويتعرض بوتين لضغوط من أحد صقور السياسة الخارجية المؤثرين لجعل هذه العقيدة أكثر مرونة بحيث تسمح بضربة نووية محدودة على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي.

وفي حالة بريطانيا، من المرجح أن تعلن موسكو أن لندن انتقلت من حالة حرب هجينة بالوكالة مع روسيا إلى العدوان المسلح مباشرة، إذا سمحت لكييف بإطلاق صواريخ ستورم شادو على روسيا، وفقا لما ذكره مستشار الكرملين السابق سيرجي ماركوف على منصة التواصل الاجتماعي تيليجرام اليوم الجمعة.

"رسالة واضحة"

توقع ماركوف أن تغلق روسيا على الأرجح السفارة البريطانية لدى موسكو وسفارتها لدى لندن، وتضرب الطائرات المسيرة والطائرات الحربية البريطانية بالقرب من روسيا، على سبيل المثال فوق البحر الأسود، وربما تطلق صواريخ على طائرات حربية من طراز إف-16 تحمل صواريخ ستورم شادو في قواعدها في رومانيا وبولندا.

وحاول بوتين وفشل في رسم خطوط حمراء للغرب من قبل، مما دفع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي يحث الغرب على أن يكون أقل حذرا فيما يتعلق بمواجهة موسكو، إلى تجاهل أهميتها.

لكن تحذير بوتين الأخير بشأن الصواريخ بعيدة المدى يُنظر إليه في الداخل الروسي وفي الخارج على أنه شيء سيتعين عليه أن يتصرف بناء عليه، إذا سمحت لندن أو واشنطن باستخدام صواريخهما ضد روسيا.

وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين في مؤتمر صحفي، الجمعة، إن رسالة الرئيس الروسي "واضحة للغاية ولا لبس فيها".

والسبت، هدد مسؤولون روس، الغرب، بتصعيد بلا قيود للحرب يتم خلاله تدمير العاصمة الأوكرانية كييف تماما، وذلك بالتزامن مع بحث زعماء غربيين ما إذا كانوا سيسمحون لأوكرانيا باستخدام أسلحتهم لشن ضربات في عمق الأراضي الروسية.

وكان زيلينسكي قال في ساعة متأخرة من مساء الجمعة إن خطته لتحقيق النصر تعتمد على قرار واشنطن، في إشارة واضحة إلى التفويض بشن الضربات طويلة المدى الذي تسعى كييف منذ فترة طويلة للحصول عليه من دول حلف شمال الأطلسي.

وقال أندريه يرماك مدير مكتب زيلينسكي عبر تطبيق تيليغرام، السبت: "هناك حاجة إلى قرارات قوية. يمكن وقف الإرهاب من خلال تدمير المرافق العسكرية التي ينشأ فيها".

وتقول كييف إن الضربات بعيدة المدى لأزمة من أجل دعم جهودها الرامية للحد من قدرة موسكو على مهاجمة أوكرانيا، لكن أعضاء في حلف شمال الأطلسي ما زالوا مترددين في السماح بتلك الضربات ويشيرون إلى مخاوف من أن موسكو ستتعامل معها على أنها تصعيد كما يشككون في جدواها.

وبينما لم يتم بعد إعلان أي قرار رسمي بشأن هذه المسألة، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن القرار تم اتخاذه بالفعل وإبلاغ كييف به وإن موسكو سيتعين عليها الرد بإجراءات خاصة بها.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن ريابكوف قوله "تم اتخاذ القرار ومنح التفويض المطلق... (لكييف)، لذلك نحن مستعدون لكل شيء".

وأضاف "سنرد بطريقة لن تكون جميلة".

كتلة منصهرة

قال دميتري ميدفيديف الرئيس السابق للبلاد ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي حاليا إن الغرب يختبر صبر روسيا وإن له حدود.

وأضاف أن التوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، والذي وصفه زيلينسكي بأنه عملية ناجحة أبطأت التقدم الروسي، أعطى موسكو بالفعل أسبابا رسمية لاستخدام ترسانتها النووية.

وقال إن موسكو يمكنها إما أن تلجأ إلى الأسلحة النووية في النهاية أو تستخدم بعض أسلحتها الجديدة الفتاكة غير النووية لشن هجوم واسع النطاق.

وأضاف عبر تيليغرام "سيكون هذا هو الحال. بقعة عملاقة رمادية منصهرة وليس ’أم المدن الروسية’"، في إشارة إلى كييف.

وقال يرماك "التهديدات الصاخبة التي يصدرها نظام بوتين دليل على خوفه (بوتين) من أن الإرهاب قد ينتهي".

مقالات مشابهة

  • محمد الشرقي: القراءة تنمي العقول وتوسع آفاق المعرفة
  • عندما تتخلي الحركات عن انسانها..
  • الكرملين: بوتين دائما يتأنى بشكل كبير فيما يتعلق بالرد على تصرفات الغرب
  • باحث عربي: ستظل اليمن مُعضلة كبرى عند الغرب!
  • الكرملين: بوتين لا يتسرع في الرد على ممارسات الغرب
  • جرمين عامر تكتب: الإنفلونسر.. إسفنجة المعرفة
  • ضيافة خانقة.. كيف تُعامل ليبيا رجال الأعمال الروس؟
  • «الفضاء المداري» تطلق أول مهمة لدراسة تربة القمر
  • وسط تهديداته بالتصعيد.. السهام في جعبة بوتين تثير التساؤلات
  • وسط تهديداته بالتصعيد.. الأسهم في جعبة بوتين تثير التساؤلات