لجريدة عمان:
2025-05-01@03:50:20 GMT

صمت المعرفة

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

تساءل الكاتب المغربي عبد الكريم الخطيبي في كتابه (النقد المزدوج) عن صمت المثقفين الغربيين وعجزهم عن اتخاذ موقف من الصراع العربي الصهيوني بينما تفضح المقاومة وتشيطن ويشهر بها بل وتوسم بالإرهاب، وأرجع ذلك إلى أن ضمير المثقفين الغربيين مصاب بـ (مرض الغثيان الأبيض) وهو مرض الحمى البيضاء التي تلتهم كل شيء وتجمع بين العقاب والخطيئة وسم الشعور بالذنب.

عقدة الذنب والخزي التي تلازمهم جراء ما فعله النازيون بحق اليهود، لذلك فهم غير قادرين على الانفكاك من تلك العقدة ورفع رؤوسهم ونطق الحقيقة، إضافة إلى متلازمة معاداة السامية التي نجحت الصهيونية في ترويجها وابتزاز الغرب بها ووسم كل من يجرؤ على نقد إسرائيل وجرائمها بمعاداة السامية وتلك تهمة هي أم الكبائر وأم الموبقات وخطيئة لا تغتفر في الغرب، فمن يوسم بذلك يُخرج من جنة الغرب الدانية ثمارها ويسقطهم في جب من غياهب التجاهل والنسيان والنكران.

واليوم ونحن نقف أمام المجازر المتوالية التي ترتكبها إسرائيل أمام عيون العالم، لا يزال موقف المثقفين الغربيين مثار استغراب وجدل ونقاش وربما صادم وقد يستعصي على التفسير والتبرير. فقد لاحظ المؤرخ الفرنسي ران هليفي «انطلقت بموازاة مع انطلاق طوفان الأقصى حرب من نوع آخر، حرب إعلامية وحرب سرديات بموازاة الحرب الجارية في الميدان».

تلك الحرب أو السجال انطلق في اتجاهات مختلفة، اتجاه مثله بعض المثقفين الذين أدانوا سكوت وصمت المثقفين والأكاديميين الغربيين في عدم إدانتهم حماس والتضامن مع إسرائيل على خلاف ما حدث بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، فقد استهجنت الباحثة في المجال الفلسفي (جوليا كريست) ذلك الصمت الذي أسمته (صمت المعرفة) وكأن الأولى بهؤلاء المثقفين حسب هذا الرأي عدم الوقوف صامتين والتفرج على ما تفعله حماس بل إدانة ذلك والتضامن الصريح مع القتلة والمجرمين وهذا معيب في حق المثقفين والأكاديميين والفلاسفة. بالطبع هذه نظرة مدفوعة بغايات ومآلات وتبريرات لا يتسع المقام لذكرها والتي لا تخفى على أحد. نستذكر هنا موقف مثقفين غربيين لم يصمتوا بل جاهروا في تضامنهم مع القتلة مسوغين الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل والأسماء كثر في ذلك.

فقد لاحظ هؤلاء تراجع السردية الصهيونية والبروباغندا في الغرب بعد عقود من الهيمنة والسيطرة التامة. إلا أنهم وعوضًا عن دراسة تلك الظاهرة بشكل علمي حقيقي فقد استمروا في قفزهم على تلك الحقيقة والتحولات العميقة في مزاج شريحة كبيرة من الغربيين.

في الاتجاه نفسه دخل ذلك السجال منطقة أخرى في محاولة لتفسير تنامي الحركات المؤيدة والداعمة للفلسطينيين متمثلة بالمظاهرات التي انطلقت في بعض الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الغرب وملأت الساحات والميادين احتجاجًا على الإبادة الجماعية والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين العزل في غزة مدعومة ومدججة بالأسلحة الغربية بشكل لا نظير له (رغم أن ذلك ليست ظاهرة، على المستوى الغربي فقد كانت عبر التاريخ، حرب فيتنام، والعراق وأفغانستان وحروب أمريكا). المثير للاستغراب ذلك التفسير الذي أرجعها إلى تجليات انتشار ظاهرة ثقافة الووكيزم الثقافة التبسيطية أو السطحية (Le wookisme) التي تنطلق في نظرهم من معادلة بسيطة للغاية وتفسير مانوي للصراعات السياسية الداخلية أو الخارجية، يكمن هذا التفسير في اختزال بسيط وتقابل ثنائي بين قوي وضعيف، بين قوي مسيطر من جهة وبين ضعيف مُضطهد من جهة أخرى، وأن الحق دائمًا يكون بجانب الضعيف المضطهد الذي يتعين بالتالي مناصرته والوقوف معه ضد القوي المتجبر الذي يملك كل وسائل القوة والدمار (إن مساندة التقدميين للفلسطينيين لا تنبع من تحليل تاريخي ولا انتباه دقيق للوقائع، بل هي وجه من وجوه الووكيزم القائمة على مساندة لا مشروطة لمن يعتبر ضعيفا كما لو أن الأخلاق والعدل هي في جانب الضعفاء فقط المؤرخ الفرنسي ران هليفي Ran Halevi). فقد فسر بعض المؤرخين موقف الطلبة المتظاهرين والمؤيدين للفلسطينيين بأنهم أصحاب ثقافة بسيطة أو بالثقافة التبسيطية أو السطحية وعدم الإدراك والمعرفة لمجريات الأمور، وكأنهم (أي الطلبة المتظاهرون) لا يفقهون كيف تجري الأمور.

هذه النظرة من قبل بعض المثقفين الغربيين هي بلا شك نظرة فوقية متعالية وكأنهم الوحيدون الذين يملكون الحقيقة ويوزعونها على من يشتهون ويرون، أما الغير الذي لا يشاركهم نفس الأفكار ولا يتبنى نفس رؤاهم فلا يملك تلك النظرة التي تقيس الأشياء والأحداث بمقاسات علمية. هذه النظرات الفوقية المتعالية لا تخرج في الحقيقة من نظرات العالم الغربي تجاه العالم الثالث ليس إلا نظرات فوقية متعالية مقيتة وحسب بل حتى أولئك الذين من نفس جلدتهم.

لكن ما فات أولئك الباحثون هو النظر إلى ذلك التناقض الذي لاحظه الطلبة بين ما يدرسونه من نظريات في حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة وبين ما يشاهدونه على أرض الواقع من انحياز أعمى ودعم غير مشروط وتماد مع المؤسسة السياسية والعسكرية في انحيازها مع الصهيونية. وما لاحظه أولئك الطلبة الذين يدرسون النظريات والمثاليات التي ينادي بها الغرب، فجأة يكتشفون بأن الفرق الشاسع بين النظريات والتطبيقات التي تحدث على أرض الواقع، باتوا مصدومين بحالة النفاق والازدواجية التي يعاني منها الغرب، مدركين أن العالم لا تحكمه المثاليات والنظريات بل العكس تمامًا القوة ولا غيرها. لذلك مثل خروجهم ربما صرخة في وجه الغرب وساسته ومثقفيه وفلاسفته وربما يرغبون بتغير الأوضاع وإعادة توجيهها بشكل أكثر نقاوة ومثالية.

تلك الغطرسة والتعالي والفوقية التي تصف الآخر بعدم الفهم أو الفهم السطحي أو البسيط لا تقتصر على الغرب وحده وإنما هي في الحقيقة ثقافة ودرجة عالية من الأنا وحب الذات التي تطبع بعض البشر وخصوصًا أولئك الذين يملكون المعرفة أو أصحاب المناصب والسلطة وكم سمعنا بعض الأشخاص يصفون محاورهم بعدم الفهم أو سطحية في الفهم أو الفهم القاصر، هؤلاء لا يملكون بالتأكيد غير السلطة والعلو، لعلهم بتصرفهم هذا لا يدركون كم من فكرة جميلة ضاعت وكم من حل لمشكلة عويصة تبدد وكم من وجهة نظر إيجابية وجديرة بالمناقشة ضاعت.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تحذير إسرائيلي من نشوء تيار عالمي يساوي الإبادة في غزة بـالمحرقة النازية

تتابع الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية الاسرائيلية معظم ما ينشر في دور النشر العالمية من كتب ودراسات حول العدوان الجاري على غزة منذ عام ونصف، ليس بدافع الثقافة والاطلاع، ولكن رغبة برصد تيار سياسي ثقافي فكري يسعى رويدا رويدا لحرمان دولة الاحتلال من احتكار "المحرقة النازية".

إيتاي مالاخ الباحث في المشروع المشترك بين معهد "فان- لير"، ومنتدى التفكير الإقليمي، وضع يده على عدد من المؤلفات الصادرة أخيرا حول هذا الموضوع، وآخرها كتاب جديد للمؤلف الهندي بانكاج ميشرا، بعنوان "العالم بعد غزة: بين لامبالاة الغرب في 1945 تجاه اليهود، ولامبالاته تجاه الفلسطينيين في غزة 2025"، فيما نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية المرموقة مقتطفاً من كتاب "كيف حطّمت غزة أسطورة الغرب"، وكأننا في هذا الربط أمام أيديولوجية منهجية تأخذ في التصاعد بصورة لافتة".


 العجز الدولي في مواجهة رعب الإبادة
وأضاف في مقال نشره موقع "الموقع الأكثر سخونة في العالم"، وترجمته "عربي21" أن "هناك تيار عالمي يسعى للربط بين المحرقة النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، وجريمة الإبادة الاسرائيلية ضد غزة بين 2023-2025، فيما يتكرر ذات الشعور الدولي بالعجز في مواجهة الرعب الذي يحدث على مسافة غير بعيدة عنه، مع أنه يُبقي الكثيرين في الغرب مستيقظين طوال الليل، وهم يشاهدون ويسمعون صراخ أم فلسطينية على ابنتها المحترقة حتى الموت بالقصف الإسرائيلي لمدرسة نازحين، وصورة مفجعة لأب يحمل جسد طفله مقطوع الرأس بقذيفة إسرائيلية".

وذكر أن "ردود الفعل العالمية الباهتة إزاء ما تشهده غزة لا تقل إثارة عن الصدمة والسخط، وتفسح المجال لطرح السؤال: كيف يمكن لعالم ما بعد الهولوكوست أن يسمح بحدوث مثل هذه القسوة ضد الفلسطينيين، بل إن الغربيين لا ينفكّون عن الزعم بأن الهولوكوست لا ينبغي مقارنته بأي حدث تاريخي آخر، أي أن من يسمحون بوقوع جرائم خطيرة في غزة على غرار الهولوكست لا يستوفون المعايير الأخلاقية للالتزام بمنع وقوع محرقة أخرى، إلا إذا كان المقصود هو نزع الصفة الإنسانية عن ضحايا غزة، والطريقة التي يقدمهم بها الإسرائيليون بأنهم يُجسّدون الشر المطلق".

وأوضح أن "هذا التوجه الاسرائيلي منذ بداية الحرب تجاه الضحايا الفلسطينيين كشف عن نوايا مبيّتة لتدمير كل شيء في غزة، خاصة إيذاء الأبرياء، الذين يشكلون الغالبية العظمى من الضحايا؛ وتصاعد مُعدّل القتل، ونطاقه، والأساليب المتطرفة المستخدمة؛ وحجب الأدوية والأغذية؛ وحجم الدمار الأكبر نسبيا من الدمار الذي أحدثه الحلفاء في قصفهم لألمانيا في الحرب العالمية الثانية".

وأشار إلى أن "القيادة الإسرائيلية الحالية الأكثر تعصباً في التاريخ سعت لاستغلال هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لتعزيز مخاوف اليهود من وقوع محرقة أخرى، وسارعت لاستغلال هذه المشاعر بإطلاق تهديدات تتجاوز الدفاع عن النفس، وصولا لجعل قطاع غزة بأكمله غير صالح للسكن، وإضعاف سكانه حتى يموتوا، أو يفعلوا كل شيء للهروب".


ترديد الأكاذيب الإسرائيلية
ونقل عن مؤرخين عالميين أنه "لا توجد كارثة تقارن بما تشهده غزة، وهنا باتت العلاقة بين الهولوكوست والحرب على غزة أكثر وضوحا، في ضوء سلبية الغرب في كلتيهما، بل إن الغرب هذه المرة اعتمد نهجا بتوجيه أصابع الاتهام للفلسطينيين، وبالتالي تطبيع الجرائم الإسرائيلية، ولذلك لم يتورّع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عن ذكر مقاطع فيديو رعب حصلت في مستوطنات غلاف غزة من قبل المسلحين الفلسطينيين، وثبت لاحقا أنها غير موجودة، لكنه ردد أكاذيب إسرائيلية حول ما زعمه الاحتلال بالفظائع".

ولفت إلى أن "رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لم يتردد في "منح الاحتلال الحق بحجب الكهرباء والمياه عن الفلسطينيين لحماية نفسه من حماس، بل انضم لهؤلاء الزعماء سلسلة طويلة من الصحفيين والمنظمات ووسائل الإعلام الغربية والمثقفين والرأسماليين والمؤسسات التعليمية، وكلهم متواطئون، بالفعل أو التقصير، في تطبيع العنف الإسرائيلي في غزة، وإخفاء ذنب الاحتلال، وإسكات منتقديه، وكل ذلك يعني تواطؤا غربيا تجاه جريمة الإبادة في غزة، من خلال الوقوف مكتوفي الأيدي، تماما كما فعل أثناء الهولوكوست".

وتساءل "لماذا يستبعد الغرب الفلسطينيين بشكل صارخ من بين من لديه واجب ومسؤولية إنسانية تجاههم، بينما يحمي الأوكرانيين، ويوفر لهم المأوى من الهجوم الروسي، مع أنه كان بإمكان الزعماء الغربيين بسهولة وقف الدعم غير المشروط للحكومة الاسرائيلية المتطرفة، مما يؤكد أن النظام العالمي الليبرالي المبني على حقوق الإنسان ليس سوى وهم، بدليل عدم التأثر من المشاهد الملحمية للبؤس والقلق والرعب والإرهاق الذي يعيشه أهل غزة، وبذلك فهي لا تختلف عن المحرقة التي سبقتها، وعن المآسي الأخرى التي سمح الغرب بوقوعها في القرن الماضي، واليوم يقف حكام الغرب بجانب الاحتلال بسبب سطحيّتهم الأخلاقية".


التطهير العرقي والهولوكوست
وأشار إلى أن "الغربيين الذين شاهدوا من بعيد، عاجزين، عشرات آلاف الفلسطينيين يقتلون ويدمرون على شريط ضيق من الساحل الساحلي في غزة، سيعيشون بجرح داخلي، ولن تتمكن السنوات من علاجه، لأن جريمة غزة حالة استثنائية في تاريخ النظام العالمي والأخلاق الغربية، لكنها لم تفرض على العالم  شيءٌ قطّ من الحزن والحرج ووخز الضمير، وهي ظاهرة غير مسبوقة للعجز عن إظهار التعاطف، والاحتجاج على الظلم، وعلى قصر النظر، وفشل الوعي".

واستدرك بالقول أنه "رغم كل ذلك، سيبقى للحرب على غزة، مثل الهولوكوست، تأثير تاريخي على الضمير الجماعي للبشرية، وربما تكون المسمار الأخير في نعش أسطورة الأخلاق التي زرعها الغرب منذ عصر التنوير في القرن الثامن عشر، بل إن بعض وسائله الإعلامية لم تستخدم مصطلحات "التطهير العرقي" أو "مخيمات اللاجئين" في تغطيتها للحرب، انصياعا للإملاءات الإسرائيلية الساعية لإخفاء الجريمة الاستعمارية التي لا يمكن إصلاحها، المسماة إسرائيل، وترتكب جرائم الإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني".

مقالات مشابهة

  • تحذير إسرائيلي من نشوء تيار عالمي يساوي الإبادة في غزة بـالمحرقة النازية
  • سلاح المدارس الصيفية يفسد مكائد العدو
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • كاتب أميركي: روسيا تتفوق على الغرب بالمعركة الإعلامية في أفريقيا
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • سوريا بين شبح العقوبات وترتيبات إعادة التموضع الإقليمي
  • محمد بن حمد: الاستثمار في المعرفة ركيزة بناء المستقبل
  • انطلاق تربص انتقائي للاعبي فئة أقل من 17 سنة لمنطقة الغرب
  • الإبادة العرقية.. وجه الغرب الخفي في تدمير الحضارات.. قراءة في كتاب
  • الغرب بدأ ينبذ إسرائيل وإسبانيا تُلغي صفقة أسلحة .. ثلاث دولٍ تُطالِب بمنع الكيان المشاركة بمُسابقة الأغنية الأوروبيّة