لجريدة عمان:
2025-01-31@00:21:41 GMT

صمت المعرفة

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

تساءل الكاتب المغربي عبد الكريم الخطيبي في كتابه (النقد المزدوج) عن صمت المثقفين الغربيين وعجزهم عن اتخاذ موقف من الصراع العربي الصهيوني بينما تفضح المقاومة وتشيطن ويشهر بها بل وتوسم بالإرهاب، وأرجع ذلك إلى أن ضمير المثقفين الغربيين مصاب بـ (مرض الغثيان الأبيض) وهو مرض الحمى البيضاء التي تلتهم كل شيء وتجمع بين العقاب والخطيئة وسم الشعور بالذنب.

عقدة الذنب والخزي التي تلازمهم جراء ما فعله النازيون بحق اليهود، لذلك فهم غير قادرين على الانفكاك من تلك العقدة ورفع رؤوسهم ونطق الحقيقة، إضافة إلى متلازمة معاداة السامية التي نجحت الصهيونية في ترويجها وابتزاز الغرب بها ووسم كل من يجرؤ على نقد إسرائيل وجرائمها بمعاداة السامية وتلك تهمة هي أم الكبائر وأم الموبقات وخطيئة لا تغتفر في الغرب، فمن يوسم بذلك يُخرج من جنة الغرب الدانية ثمارها ويسقطهم في جب من غياهب التجاهل والنسيان والنكران.

واليوم ونحن نقف أمام المجازر المتوالية التي ترتكبها إسرائيل أمام عيون العالم، لا يزال موقف المثقفين الغربيين مثار استغراب وجدل ونقاش وربما صادم وقد يستعصي على التفسير والتبرير. فقد لاحظ المؤرخ الفرنسي ران هليفي «انطلقت بموازاة مع انطلاق طوفان الأقصى حرب من نوع آخر، حرب إعلامية وحرب سرديات بموازاة الحرب الجارية في الميدان».

تلك الحرب أو السجال انطلق في اتجاهات مختلفة، اتجاه مثله بعض المثقفين الذين أدانوا سكوت وصمت المثقفين والأكاديميين الغربيين في عدم إدانتهم حماس والتضامن مع إسرائيل على خلاف ما حدث بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، فقد استهجنت الباحثة في المجال الفلسفي (جوليا كريست) ذلك الصمت الذي أسمته (صمت المعرفة) وكأن الأولى بهؤلاء المثقفين حسب هذا الرأي عدم الوقوف صامتين والتفرج على ما تفعله حماس بل إدانة ذلك والتضامن الصريح مع القتلة والمجرمين وهذا معيب في حق المثقفين والأكاديميين والفلاسفة. بالطبع هذه نظرة مدفوعة بغايات ومآلات وتبريرات لا يتسع المقام لذكرها والتي لا تخفى على أحد. نستذكر هنا موقف مثقفين غربيين لم يصمتوا بل جاهروا في تضامنهم مع القتلة مسوغين الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل والأسماء كثر في ذلك.

فقد لاحظ هؤلاء تراجع السردية الصهيونية والبروباغندا في الغرب بعد عقود من الهيمنة والسيطرة التامة. إلا أنهم وعوضًا عن دراسة تلك الظاهرة بشكل علمي حقيقي فقد استمروا في قفزهم على تلك الحقيقة والتحولات العميقة في مزاج شريحة كبيرة من الغربيين.

في الاتجاه نفسه دخل ذلك السجال منطقة أخرى في محاولة لتفسير تنامي الحركات المؤيدة والداعمة للفلسطينيين متمثلة بالمظاهرات التي انطلقت في بعض الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الغرب وملأت الساحات والميادين احتجاجًا على الإبادة الجماعية والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين العزل في غزة مدعومة ومدججة بالأسلحة الغربية بشكل لا نظير له (رغم أن ذلك ليست ظاهرة، على المستوى الغربي فقد كانت عبر التاريخ، حرب فيتنام، والعراق وأفغانستان وحروب أمريكا). المثير للاستغراب ذلك التفسير الذي أرجعها إلى تجليات انتشار ظاهرة ثقافة الووكيزم الثقافة التبسيطية أو السطحية (Le wookisme) التي تنطلق في نظرهم من معادلة بسيطة للغاية وتفسير مانوي للصراعات السياسية الداخلية أو الخارجية، يكمن هذا التفسير في اختزال بسيط وتقابل ثنائي بين قوي وضعيف، بين قوي مسيطر من جهة وبين ضعيف مُضطهد من جهة أخرى، وأن الحق دائمًا يكون بجانب الضعيف المضطهد الذي يتعين بالتالي مناصرته والوقوف معه ضد القوي المتجبر الذي يملك كل وسائل القوة والدمار (إن مساندة التقدميين للفلسطينيين لا تنبع من تحليل تاريخي ولا انتباه دقيق للوقائع، بل هي وجه من وجوه الووكيزم القائمة على مساندة لا مشروطة لمن يعتبر ضعيفا كما لو أن الأخلاق والعدل هي في جانب الضعفاء فقط المؤرخ الفرنسي ران هليفي Ran Halevi). فقد فسر بعض المؤرخين موقف الطلبة المتظاهرين والمؤيدين للفلسطينيين بأنهم أصحاب ثقافة بسيطة أو بالثقافة التبسيطية أو السطحية وعدم الإدراك والمعرفة لمجريات الأمور، وكأنهم (أي الطلبة المتظاهرون) لا يفقهون كيف تجري الأمور.

هذه النظرة من قبل بعض المثقفين الغربيين هي بلا شك نظرة فوقية متعالية وكأنهم الوحيدون الذين يملكون الحقيقة ويوزعونها على من يشتهون ويرون، أما الغير الذي لا يشاركهم نفس الأفكار ولا يتبنى نفس رؤاهم فلا يملك تلك النظرة التي تقيس الأشياء والأحداث بمقاسات علمية. هذه النظرات الفوقية المتعالية لا تخرج في الحقيقة من نظرات العالم الغربي تجاه العالم الثالث ليس إلا نظرات فوقية متعالية مقيتة وحسب بل حتى أولئك الذين من نفس جلدتهم.

لكن ما فات أولئك الباحثون هو النظر إلى ذلك التناقض الذي لاحظه الطلبة بين ما يدرسونه من نظريات في حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة وبين ما يشاهدونه على أرض الواقع من انحياز أعمى ودعم غير مشروط وتماد مع المؤسسة السياسية والعسكرية في انحيازها مع الصهيونية. وما لاحظه أولئك الطلبة الذين يدرسون النظريات والمثاليات التي ينادي بها الغرب، فجأة يكتشفون بأن الفرق الشاسع بين النظريات والتطبيقات التي تحدث على أرض الواقع، باتوا مصدومين بحالة النفاق والازدواجية التي يعاني منها الغرب، مدركين أن العالم لا تحكمه المثاليات والنظريات بل العكس تمامًا القوة ولا غيرها. لذلك مثل خروجهم ربما صرخة في وجه الغرب وساسته ومثقفيه وفلاسفته وربما يرغبون بتغير الأوضاع وإعادة توجيهها بشكل أكثر نقاوة ومثالية.

تلك الغطرسة والتعالي والفوقية التي تصف الآخر بعدم الفهم أو الفهم السطحي أو البسيط لا تقتصر على الغرب وحده وإنما هي في الحقيقة ثقافة ودرجة عالية من الأنا وحب الذات التي تطبع بعض البشر وخصوصًا أولئك الذين يملكون المعرفة أو أصحاب المناصب والسلطة وكم سمعنا بعض الأشخاص يصفون محاورهم بعدم الفهم أو سطحية في الفهم أو الفهم القاصر، هؤلاء لا يملكون بالتأكيد غير السلطة والعلو، لعلهم بتصرفهم هذا لا يدركون كم من فكرة جميلة ضاعت وكم من حل لمشكلة عويصة تبدد وكم من وجهة نظر إيجابية وجديرة بالمناقشة ضاعت.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

جامعة صحار تشارك في "حوار المعرفة العالمي مسقط"

 

 

مسقط- الرؤية

شاركت جامعة صحار في حوار المعرفة العالمي مسقط، والذي نظمته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالتعاون مع مجلس العلوم الدولي.

وتأتي مشاركة الجامعة في هذا الحدث العالمي الكبير في إطار جهودها الحثيثة لتعزيز شراكاتها المحلية والدولية، حيث يتيح هذا الحدث الفرصة للتواصل مع مؤسسات عالمية ومحلية مختلفة.

وسعت الجامعة من خلال هذه المشاركة إلى إبراز تطوراتها الأكاديمية والبحثية وتعزيز حضورها من خلال المشاركة في مختلف الأحداث والفعاليات، لا سيما هذا الحدث الهام الذي استقطب عددا كبيرا من المتحدثين والمختصين من مختلف دول العالم.

مقالات مشابهة

  • لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
  • الغرب وكأس الشرق الأوسط المقدسة
  • دبلوماسي روسي يلمح إلى توسيع الترسانة النووية لمواجهة الغرب
  • إيران تبدي استعدادا مشروطا لمحادثات نووية مع الغرب
  • "OpenAI" توجه اتهاما لشركات صينية بسبب "ديب سيك"
  • بوتين يؤكد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية إذا توقف دعم الغرب
  • بوتين يؤكد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية إذ توقف دعم الغرب
  • إصلاح النظام الدولي.. لماذا وكيف؟
  • روسيا: تسليح الغرب لأوكرانيا يعزز الفساد وينشر الفوضى خارج حدودها
  • جامعة صحار تشارك في "حوار المعرفة العالمي مسقط"