أطفال غزة.. صدمات نفسية طويلة الامد احدثها العدوان الإسرائيلي
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
في ليلة مظلمة من ليالي غزة الحزينة، كانت أسرة الطفل علاء زيد متجهة نحو المجهول، يدفعها الأمل في النجاة من ويلات الحرب.
مع أنفاس الفجر الأولى، وصل علاء وعائلته إلى حاجز نتساريم الإسرائيلي، حيث بدأت رحلتهم نحو الجنوب بحثًا عن الأمان.
وفي رفح، حيث ظنوا أنهم وجدوا ملاذًا، كانت السماء تخفي وابلًا من الرعب، صوت الانفجار الذي هز الأرض كان كفيلًا بتحويل الخيمة التي كانت تأويهم إلى كومة من الأنقاض، وتحتها، كان الطفل الصغير، يصارع الصمت الذي فرضه الخوف على لسانه.
مرت الأيام والأشهر، والطفل الذي كان يملأ الدنيا ضحكًا وحيويةً، أصبح أسير صرخات لا تنتهي وليالٍ لا يعرف فيها النوم طريقًا إلى عينيه.
يقف والده، عاجزًا أمام معاناة ابنه، يناشد العالم مساعدته ليجد لابنه علاجًا يعيد إليه صوته وبراءته، وبينما يتطلع سليمان إلى السماء، يحمل في قلبه أملًا بأن يجد في الغد ما يخفف من وطأة الألم الذي خلفته الحرب في نفس ابنه الصغير.
ويقول والد الطفل خلال حديثه لـ«عُمان» إنه نزح من غزة إلى الجنوب عبر حاجز نتساريم، وأثناء إقامتهم في رفح، تعرضت المنطقة لضربة جوية إسرائيلية أدت إلى سقوط الخيمة على ابنه الطفل الصغير، مما جعله يفقد النطق والتركيز معظم الوقت.
منذ خمسة أشهر، يعاني الطفل من صعوبات كبيرة في التحدث، ويطالب والده بمساعدته للسفر لتلقي العلاج اللازم. مشيرًا إلى أن الطفل دائم الصراخ ولا يستطيع النوم، ويحتاج إلى تدخل عاجل.
وتركت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة آثارًا نفسيةً عميقةً على الأطفال في المنطقة، حيث يعيش أطفال غزة وسط أجواء من العنف والخوف المستمر، مما يؤدي إلى تأثيرات نفسية طويلة الأمد، وتتراوح هذه التأثيرات بين اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق، والاكتئاب، والمشاكل السلوكية، لذا، فإن تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء الأطفال يصبح أمرًا بالغ الأهمية.
هذا القلق المستمر يمكن أن يتسبب في مشاكل صحية جسدية مثل: الصداع وآلام المعدة، ويؤثر على نموهم وتطورهم الطبيعي.
كما أن الصدمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال في غزة تتجاوز مجرد الأحداث العنيفة، فالنزوح المتكرر وفقدان المنازل والأصدقاء يضيف طبقة أخرى من المعاناة.
ويؤكد الأطباء أن الأطفال في غزة يعانون من مشاكل سلوكية نتيجة للحرب، فبعض الأطفال يصبحون عدوانيين ويظهرون سلوكيات عنيفة، بينما يعاني آخرون من الانسحاب الاجتماعي والعزلة، وهذه التغيرات السلوكية تعكس محاولاتهم للتكيف مع البيئة القاسية التي يعيشون فيها.
وعلى الرغم من أن الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في غزة يُعَدُّ أمرًا بالغ الأهمية، إلا أن ظروف الحرب صعبت على المنظمات الإنسانية عملية تقديم الدعم النفسي للأطفال من خلال جلسات العلاج النفسي والأنشطة الترفيهية التي تساعدهم على التعبير عن مشاعرهم والتعامل مع الصدمات.
ويجد المرضى أنفسهم في وضع مأسوي، يعانون من نزوح متكرر وقصف عشوائي مع أزمات صحية ونقص في الأدوية، مما يسبب صدمات نفسية كبيرة للأطفال وكبار السن.
يقول طبيب الصدمات النفسية يوسف عوض الله في غزة: إن نوع الصدمات التي تعرض لها الأطفال في القطاع لم يسبق لها مثيل في الحروب السابقة، تتضمن هذه الصدمات حمل الأطفال لأشلاء إخوتهم في حقائب المدرسة، ونجاة طفل آخر من تحت الأنقاض بعد وفاة كل أسرته، وطفل آخر كان في مدرسة دمرت ورأى أصدقاءه أشلاء.
وقال خلال حديثه لـ«عُمان»:«هذه الصدمات على الأطفال في غزة بشكل كبير، حيث أصبحت الأعراض النفسية شديدة وغير مسبوقة، مثل الإصابة بالسكتة الكلامية والكوابيس».
نوبات هلع وفزع ليلي
كما تأثرت الأطفال بشكل كبير، حيث أصيب البعض بنوبات هلع وفزع ليلي، وفقدان الأمان الاجتماعي بسبب النزوح المتكرر والذي وصل لأكثر من 10 مرات، وفضلا عن الإصابة بالتبول الليلي، وفقدان الشهية، مما أدى إلى انخفاض أداء الجهاز المناعي وانتشار الأمراض في غزة.
وتابع الطبيب حديثه قائلاً: «هذ الطفل الذي انتزع من بيئته الاجتماعية التي تتميز بالهدوء والاستقرار بجوار أهلة وأسرته وتعرض للقصف والنزوح المتكرر الأمر الذي أدى إلى فقد الأمان الاجتماعي وأصبح معظم الأطفال يعيشون بعيدًا عن أهليهم وأسرهم، على المدى القريب، قد تتحول هذه الصدمات إلى أمراض ما بعد الصدمة، وعلى المدى الطويل قد تتطور إلى أمراض عضوية ونفسية صعبة، مثل العدائية التي لا يمكن التنبؤ باتجاهاتها»
من ناحيه أخرى، يسرد أسامة عليان -من رفح- تجارب الرعب والصدمة التي يعيشها أهالي غزة نتيجة للقصف الذي لا يفرق بين هدف وآخر.
ويشير إلى أن الوضع الراهن يفرض على الكبار، الذين يجدون صعوبة في التكيف مع النزوح المتكرر، والأطفال، الذين يعانون بشكل خاص من الأوضاع القاسية، تحمل ظروفا قاهرة.
ويتحدث عن كيف أن الحروب قد خلفت لديه ولدى الكثير من السكان حالة من القلق المستمر، حتى أن الأصوات العادية باتت مصدر خوف، مما جعل الخوف يسود بين الناس ويتغلغل في نسيج حياتهم اليومية.
من جانبها، قالت تيس إنغرام المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن الفرصة ما زالت قائمة لدرء المجاعة في غزة في حالة التمكن من إغراق قطاع غزة بالمساعدات الإنسانية، وأضافت في بيان سابق لليونيسيف أن هناك فتى تعرفت عليه في المنطقة الوسطى في مستشفى الأقصى في دير البلح بقطاع غزة، اسمه عمر، يبلغ من العمر سبع سنوات، ولم أتمكن من التحدث معه لأنه كان في حالة صعبة للغاية ويعاني من ألم شديد.
وتابعت قائلة: تحدثت مع جدته، وأخبرتني أنهم وصلوا للتو من الشمال - قبل 48 ساعة- وأنهم في الشمال بالكاد كانوا يحصلون على القليل من الطعام.
وقالت: إن التدهور في الصحة النفسية له تعادل كبير على الصحة الجسدية ونموهم وأيضا صحتهم النفسية على المدى البعيد
وتابعت قائلة: كانوا يعتمدون بشكل كبير على العشب للبقاء على قيد الحياة، كان مدى مرض عمر واضحا، آمل حقاً أن يكون بخير الآن.
وأضافت: "أخبرني مدير طب الأطفال في المستشفى أنه يأمل أن يتعافى عمر تمامًا. لكن المثير للقلق، أنه قال: إن 90 بالمائة من الأطفال الذين يتم إدخالهم في الوقت الحالي إلى المستشفى يعانون من مستوى ما من سوء التغذية، وهو أمر صادم".
آثار حرب غزة على الصحة النفسية للأطفال هي آثار عميقة ومعقدة، والأطفال في غزة يحتاجون إلى دعم نفسي مستمر لمساعدتهم على التعافي والتكيف مع الحياة بعد الحرب، ومن الضروري أن تستمر الجهود الدولية والمحلية في تقديم الدعم اللازم لهؤلاء الأطفال لضمان مستقبل أفضل لهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأطفال فی غزة
إقرأ أيضاً:
سحر السنباطي: مصر تحقق تقدمًا ملموسًا في حماية الأطفال من العمل.. صور
أكدت الدكتورة سحر السنباطي، رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، أن حرمان الطفل من التعليم يسبب أضرارًا لا تؤثر عليه فقط؛ بل على الوطن، لذا كان لزامًا علينا جميعًا أن نتحد، وهو ما حدث، حيث أحدثنا تقدمًا ملحوظًا في حماية ودعم الطفل.
وقالت " السنباطي" إن مشروع الإسراع بالقضاء على عمل الأطفال في سلاسل التوريد في افريقيا كان يحمل في طياته هدف نبيل وهو الحد من استغلال الأطفال في العمل وحماية حقوقهم، فهو لم يكن مبادرة عابرة ولكن كان التزاما جماعيا بمسئوليتنا جميعا تجاه أطفالنا لضمان حقهم في العيش الكريم والتعليم والنمو في بيئة آمنة خالية من كافة أشكال الاستغلال التي قد تعيق مسيرتهم نحو مستقبل غد أفضل.
جاء ذلك خلال الحفل الذي نظّمه مكتب منظمة العمل الدولية في القاهرة، بحضور محمد جبران وزير العمل، للإعلان عن ختام أعمال مشروع «الإسراع بالقضاء على عمل الأطفل في سلاسل التوريد في إفريقيا (أكسيل إفريقيا)» (ACCEL Africa)، بالتنسيق والتعاون مع وزارة العمل، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، وممثلين عن وزارة التضامن الاجتماعي، ومينور اوجاسوارا، مدير المشروع، وممثل عن سفارة المملكة الهولندية في مصر.
وأوضحت "السنباطي" أنه خلال فترة عمل المشروع سعينا جاهدين بالتعاون مع كافة الشركاء المعنيين المحليين والدوليين من مؤسسات حكومية ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق أقصى استفادة للأطفال ومنحهم الفرصة ليصبحوا عناصر فاعلة في المجتمع، مؤكدة أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا تفاني الفرق العاملة في هذا المشروع ولولا وعي المجتمع ما تحققت الأهداف المرجوة، قائلة " أنه اليوم ومع إعلان انتهاء المشروع فإن هذا لا يعني أن المهمة قد انتهت ولكن النجاح الحقيقي يكمن في استثمار هذا النجاح والبناء على الجهود التي بذلت".
وأضافت "السنباطي " أنه في ظل توجيهات القيادة السياسية لدعم الطفولة في مصر والحد من التحديات التي تعيق نمو الطفل وتعليمه ورفاهيته فإن حماية حقوق الطفل لم تعد خيارا ، بل هي واجب وطني وإنساني وقانوني يتطلب إلتزام الجميع، فقد أقرت المواثيق الدولية وعلى رأسها إتفاقية حقوق الطفل بأن لكل طفل الحق في التعليم والرعاية الصحية والنمو في بيئة خالية من العنف والاستغلال .
وقالت "السنباطي" إنه اليوم ونحن نحتفل بإنتهاء هذا المشروع يمكننا القول بأننا قد أحرزنا تقدما ملموسا في مكافحة عمل الأطفال وعلينا جميعا أن نمضى قدما في ضمان استمرارية هذا النجاح ومراقبة أوضاع الأطفال وتقديم الدعم اللازم لهم ولأسرهم والعمل على تعزيز التشريعات والسياسات التي تحمي حقوق الطفل.
أهمية خاصة بالقضاء على ظاهرة عمل الأطفالوأكدت "السنباطي" أن المجلس القومي للطفولة والأمومة يولي أهمية خاصة بالقضاء على ظاهرة عمل الأطفال، فعمل الأطفال لا يهدد حقوق الأطفال فحسب وإنما يترتب عليه عواقب اجتماعية واقتصادية وصحية وخيمة فعلى المستوى الوطني يتسبب عمل الأطفال في خفض جودة ونوعية رأس المال البشري بشكل كبير كما يؤدي لتباطؤ معدلات التنمية الاقتصادية ويعرقل تحقيق الأهداف الوطنية الخاصة بالتعليم والحد من الفقر والقضاء على التهميش الاجتماعي وهو ما يعيق مصر عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لافتة إلى أنه بالرغم من كل الجهود المبذولة إلا انه لا تزال ظاهرة عمل الأطفال تشكل تحديًا كبيرا في العديد من المجتمعات حول العالم، حيث يقدر عدد الأطفال العاملين بحوالي 160 مليون طفل عامل حول العالم طبقا لتقارير منظمة العمل الدولية ومنظمة يونيسيف الذي صدر عام 2020 فالكثير من الأطفال بدلا من أن يكونوا في المدارس يتلقون تعليمهم يجد بعض هؤلاء الأطفال أنفسهم في بيئات عمل خطرة تسلبهم حقوقهم وتعوق نموهم واستقرارهم النفسي والجسدي.
وأضافت "السنباطي"، أنه في إطار توجيهات فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية يعمل المجلس القومي للطفولة والأمومة حاليا ضمن مبادرة " بداية" للتنمية البشرية وهي المبادرة التي تهتم بتنمية الإنسان المصري بهدف الإستثمار في رأس المال البشري من خلال برنامج عمل يستهدف تنمية الإنسان والعمل على ترسيخ الهوية المصرية من خلال تعزيز الجهود والتنسيق والتكامل بين جميع جهات الدولة في مختلف محافظات الجمهورية.
ولفتت "السنباطي"، إلى أن المجلس القومي للطفولة والأمومة يعمل مع كافة الشركاء من خلال آلية إحالة موحدة يمكن من خلالها استقبال الحالات والشكاوى الخاصة بعمل الأطفال، كما يشارك المجلس في تنفيذ الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال وتنمية الأسرة، وفى هذا الإطار قام المجلس مؤخرا بالتعاون مع منظمة العمل الدولية بإطلاق الدليل الإجرائي التشغيلي لمكافحة عمل الأطفال وهو الأداة الإجرائية لنظام رصد عمل الأطفال، ويشارك المجلس أيضا مع وزارتي العمل والتضامن الاجتماعي ومنظمة العمل الدولية في الجلسات الخاصة بتعديلات قانوني العمل والطفل، لافتة إلى أنه استكمالا للحماية القانونية للأطفال فإنه من الضروري المضي قدما في استكمال تلك التعديلات كما ورد بالقضية الثانية بالخطة الوطنية الخاصة بمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال والخاصة" بتعزيز التشريعات" مع ضرورة تنفيذ ندوات توعية خاصة بهذه التعديلات على تلك القوانين بعد الانتهاء من تعديلها.