للروائى «باولو كويلو» البرازيلى.. العديد من الروايات المترجمة إلى العربية وأشهرها رواية «الخيميائى» وهى رواية فلسفية تُعطى الأمل لكل صاحب أمل، حيث تحكى الرواية عن راعى أندلسى أراد أن يحقق حلمه فى البحث عن كنز مدفون فى الأهرامات بمصر. وقد قابل صديق له إنجليزى يُقال عنه «خيميائى» أى العارف بالأسرار العظيمة الذى ربما لا يعرف أحد عنها شىء إلا هو، الذى يحثه بالمعنى فى رحلته إلى مصر للحصول على الكنز، ورافقه فى تلك الرحلة، فمصر فى الخيال الإنسانى دائماً مرتبطة بالكنوز أياً كان نوعها.
لم نقصد أحداً!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجاهل حسين حلمى الأهرامات بمصر
إقرأ أيضاً:
وزارة الزمن.. محاكمة رواية للتاريخ
ملاحظة المحرر: هذه القراءة في رواية "وزارة الزمن" هي نسخة مختصرة من الورقة الأصلية التي يمكن الاطلاع عليها كاملة على هذا الرابط.
يا تُرى، ما الذي قد يحدث إن وضعنا قرنين من الزمن مختلفين في كل شيء -عدا الإنسان بمفهومه العام- في مواجهة جدلية؟ أو إن استدعينا شخصًا من زمنٍ مختلفٍ جذريا إلى حاضرنا الآني بكل تطوره التكنولوجي الهائل ليشاركنا الحياة بتفاصيلها اليومية؟
قد يبدو هذا السؤال ضربًا من الفانتازيا الهوليودية، لكن هذا تحديدًا ما حاولت الكاتبة البريطانية كاليان برادلي أن تجيب عنه في أول رواية لها تحت عنوان "وزارة الزمن" (The Ministry of Time)، بعد تجربة ناجحة في مجال القصة القصيرة حققت لها العديد من الجوائز.
نشرت دار "آفيد ريدر" الرواية، التي تقع في حوالي 290 صفحة، في مايو/أيار 2024، ولاقت استحسانًا كبيرًا من النقاد والقراء في معظم الدول الناطقة بالإنجليزية؛ بل إن العديد من المواقع الإلكترونية المختصة بالأدب احتفت بالرواية باعتبارها واحدةً من أفضل الأعمال للعام الماضي.
لا شك أن الرواية تستحق هذا المديح لعدة أسباب، أهمها: رشاقة الأسلوب، وبساطة الحبكة السردية التي توافق أمزجة القراء المعتادين على السرد التقليدي، وحس الفكاهة الذي يكتسي بُعدًا فكريًّا عميقًا في إطار ما يمكن وصفه بـ"السهل الممتنع".
هذا الأسلوب يخفي بين سطوره قضايا تمس صميم الوجود الإنساني عبر مقاربة تلامس مقولات فلسفية في غاية الأهمية، مما يجعلها أكثر من مجرد رواية خيال علمي أو إثارة.
إعلان الشخصيات والحبكة.. رحلة عبر قرون من الصراعتحكي الرواية، بأسلوب فانتازي يمزج التشويق بالكوميديا السوداء، قصة دائرة حكومية بريطانية سرية تعمل على مشروع خاص أُطلق عليه اسم "وزارة الزمن"، حالها حال وزارة الداخلية والخارجية في الظاهر، لكنها في الحقيقة كيان غامض ذو أهداف بعيدة المدى.
تبدأ الرواية بتقديم الشخصية الرئيسة نفسها -وهي من تتولى السرد بصيغة المتكلم لكن من دون اسم صريح- بقولها إنها تقدمت لعمل جديد لا تعرف عنه شيئًا سوى أنه يوفر دخلًا شهريًّا مرتفعًا.
يُطلب منها مرافقة شخص محدد بصفتها "جسرًا (Bridge)" يساعده على الانتقال إلى حياة جديدة والتأقلم معها. لكنها سرعان ما تكتشف أن العمل الجديد ليس سوى جزء من مشروع حكومي سري للسفر عبر الزمن بوساطة آلة تم الاستيلاء عليها من المستقبل، وأن هذه الوزارة ليست سوى واجهة لمشروع أكبر يهدف للسيطرة على العالم في ظل حرب كونية مستقبلية على الموارد الطبيعية تهدد بتحويل الأرض إلى خراب.
يقوم المشروع السري على فكرة العودة إلى الماضي وإحضار "مغتربين (Expats)" -وهو مصطلح تستخدمه الرواية للإشارة إلى أشخاص من حِقَب تاريخية مختلفة- بهدف تغيير المستقبل أو الاستفادة منهم في صراعاته.
تُكلَّف الفتاة -وهي مترجمة محترفة وذات خلفية ثقافية مركبة (أم كمبودية وأب بريطاني) مما يضعها في موقع تأملي نقدي للهوية والتصنيفات- بمهمة أن تكون جسرًا للقبطان غراهام غور.
غور شخصية تاريخية حقيقية، كان ضابطًا في البحرية الملكية البريطانية وشارك في حملة السير جون فرانكلين المشؤومة لاستكشاف المنطقة القطبية الشمالية عام 1845، والتي حُوصِرت في الجليد ولم ينجُ منها أحد تقريبًا. تم استجلاب غور من لحظة قريبة من موته المحقق في الجليد.
كان القبطان غور واحدًا من 5 "مغتربين" جِيء بهم من الماضي في هذه المرحلة من المشروع. الآخرون هم:
إعلان 1654: الملازم توماس كاردينغام، من معركة نيسبي إبان الحرب الأهلية الإنجليزية. 1665: مارغريت كيمبل، امرأة عاشت في لندن أثناء وباء الطاعون العظيم. 1793: آن سبنسر، شاهدة على عصر الثورة الفرنسية. 1916: النقيب آرثر ريجنولد سميث، جندي من معركة السوم الدموية في الحرب العالمية الأولى.تتطور العلاقة بين غور، الرجل الفيكتوري الذي يمثل قيم عصره بتقاليده الصارمة وشرفه العسكري، وبين "جسره" -الفتاة العصرية التي تكافح لفهم ماضيها ومستقبلها- لتتحول إلى علاقة حب معقدة ومليئة بالتحديات الثقافية والزمنية. مهمتها الرسمية كانت إدماجه في القرن الـ21، لكنها تجد نفسها متورطة عاطفيًا معه ومع الأسرار الخطيرة التي تحيط بالوزارة.
من الشخصيات المحورية الأخرى من الحاضر: الراوية نفسها (التي سنكتشف أنها النسخة الماضوية لشخصية مستقبلية)، وسِميليا (امرأة سوداء متخصصة في علم النفس تعمل كـ"جسر" للنقيب آرثر، وتخفي أجندة خاصة)، والوزير (رئيس المشروع الغامض). من المستقبل: أديلا (نائبة الوزير القادمة من عام 2044، وهي النسخة المستقبلية والأكثر قسوة للراوية/الجسر)، والعميد وساليسي (قادمان من عام 2200، يمثلان فصيلا مستقبليا له أهدافه الخاصة في الصراع على آلة الزمن).يتضح أن استدعاء "المغتربين" لم يكن لأسباب إنسانية أو تاريخية بحتة، بل لتوظيفهم "عملاء ميدانيين" في عمليات سرية، تحديدًا لأن أجهزة المراقبة والتعرف البيومترية في المستقبل لا تستطيع "قراءة أجسادهم" القديمة، مما يمنحهم ميزة تكتيكية في عالم متشبع بالتكنولوجيا الأمنية.
لكن هذا المحور السردي يتفرع إلى خطوط زمنية متعددة؛ حيث ينتقل "المغتربون" والشخصيات الأخرى في الزمن لتنفيذ مهام لصالح الوزارة أو ضدها، ويصبح الصراع بين الماضي والمستقبل صراعًا يدور رحاه في أزمنة مختلفة، ويتكرر في دورات عنف وخيانة.
إعلانوفي كل مرحلة زمنية من هذا الصراع، تقع أحداث معينة يُقتل فيها أحد "المغتربين" أو أكثر، لكن الثابت الوحيد يبدو هو نجاة غراهام غور الذي، كما يتضح لاحقًا، يتبوأ منصبًا قياديًّا كبيرًا في الوزارة في المستقبل إلى جانب أديلا (نسخة الرواية المستقبلية).
تصل الأحداث إلى مرحلة الصراع المفتوح عندما يُقتل كوينتن، المشرف المباشر على عمل الفتاة الجسر مع غراهام، والذي أقالته الوزارة وكانت تلاحقه للاشتباه بكونه جاسوسًا.
تكتشف الفتاة، بصدمة، أنها (أو بالأحرى نسختها المستقبلية، أديلا) هي من عطلت كاميرات المراقبة أثناء الاغتيال. يحاول العميد وساليسي اختطاف غور وقتل "جسره". تتطور العلاقة بين غور والفتاة إلى حالة حميمية، رغم الأسرار التي تخفيها عنه، وأهمها أن الوزارة زرعت في أجساد "المغتربين" رقاقات إلكترونية لتعقبهم.
يكتشف غور، أثناء زيارته لمنزل "المغتربة" مارغريت، مقتل "جسرها" وهروب مارغريت. يتوجه غور و"جسره" إلى منزل النقيب آرثر فيجدونه مقتولًا بالسم، ويكتشفون غياب "جسره" سِميليا التي يتضح أنها جاسوسة تعمل لصالح العميد وساليسي.
يلتقي باقي "المغتربين" الناجين مع غور و"جسره" في سرداب تحت الأرض استعدادًا للهرب. تطلب الفتاة الجسر مساعدة أديلا (نسختها المستقبلية) التي تتدخل مع قوة خاصة من الوزارة. هنا، تجري المواجهة الحاسمة بين العميد وساليسي من جهة، وبين أديلا والفتاة الجسر من جهة أخرى.
تطلب أديلا من الفتاة (نسختها الماضوية) أن تدمر آلة السفر عبر الزمن والمشروع برمته بعد أن تعطيها رموز الشيفرة الخاصة بالبرنامج، معترفةً بأن المشروع جلب الخراب أكثر من النفع.
وفي سرداب سري في مبنى الوزارة، تقع المواجهة النهائية بين الفتاة وسميليا والعميد. ينجح العميد في تشغيل آلة الزمن فيختفي، كما تختفي أديلا أيضًا. تتسلم الفتاة -بعد طردها من الوزارة- طردًا بريديًّا تكتشف فيه أن غور ومارغريت أرسلاه من مكان ما في أميركا الشمالية، فتقرر السفر واللحاق بهما، تاركةً القارئ أمام نهاية مفتوحة ومستقبل مجهول.
رغم اعتماد الرواية على التشويق والإثارة، تحقق معادلة صعبة بين الشكل والمضمون، وتتطلب قراءة معمقة لما بين السطور. إنها تقيم، من فضائها الدلالي الواسع، محكمةً أخلاقيةً لما بعد الحداثة؛ ليس بمعنى (postmodernism) الاصطلاحي، بل بمعنى محاكمة كل ماضٍ انقضى لكل مستقبلٍ قادمٍ. فالمستقبل صنيعة الماضي، مثلما كان هذا الماضي مستقبلًا لماضٍ سبقه، فالعلاقة تداخلية وليست مجرد تراتبية زمنية.
إعلانتقدم الرواية عالما ديستوبيا (Dystopia) تسوده الفوضى ويحكمه الشر والقوة والمصلحة، ومن أبرز ملامحه الخراب والقتل والقمع؛ إنه عالمٌ يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته، وتتحول فيه المبادئ إلى مجرد أدوات في صراع أبدي على الموارد والسلطة. تطلق الرواية صرخة تحذير تنبؤية لمصير الإنسان، تشبه تلك التي أطلقها فلاسفة كبار مثل نيتشه في تحليلاتهم لتدهور القيم.
تتجلى هذه المحاكمة الأخلاقية والفلسفية في عدة مستويات:
1- المحكمة الكافكوية:
تتلاقى "وزارة الزمن" مع رواية "المحاكمة" لفرانز كافكا. فكما يُعتقل جوزيف ك. لجريمة غامضة ويواجه بيروقراطية عبثية، يُستدعى "المغتربون" قسرًا من أزمنتهم -بل ومن موتهم المحقق- ليخضعوا للتدجين والمراقبة والمحاكمة باسم "النظام" و"القانون".
لكن أي قانون؟ إنه قانون القوة والمصلحة البحتة الذي يبرر استخدامهم كأدوات، بل وقتلهم إذا أصبحوا "عديمي النفع كعملاء ميدانيين"، كما يعلن الوزير ببرود عن مقتل مارغريت وآرثر:
"لماذا قتلتهما؟ لماذا قتلتِ ماغي وآرثر؟"
لوّح الوزير بيده بحركة استعراضية نحو النافذة…
"عزيزتي"، أجابني، "أنا على يقين أنكِ تعلمين ما هي قيمة ’المغتربين‘ بالنسبة إلينا، ولكن شريطة تدريبهم. للأسف، ’المغتربان‘ 1665 و1916 كانا مجرد معطيات ذات قيمة، لكنهما عديمَا النفع كعميلين ميدانيين" (ص 283)
هذه المحاكمة لا تقتصر على علاقة السلطة بالفرد، بل تمتد لتحاكم الأزمنة بعضها بعضًا:
الماضي يحاكم المستقبل (والحاضر): غور، القادم من العصر الفيكتوري، يصاب بالصدمة والخيبة من جوانب كثيرة في القرن الـ21. يصف لندن بأنها "مزدحمة بشكل كبير… العمران بات في كل مكان، لا أفق… شوارع رمادية ضخمة تغطيها حركة مرور معدنية. لا فضاء هنا. كيف باستطاعتكم أن تتنفسوا؟" (ص 29). كما يرى التلفزيون "اختراعًا لا طعم له"، ينتقد برامج مثل "إيست إندرز" (EastEnders) و"جرائم ميدسومر" (Midsomer Murders) لتقديمها "أمثلة مريعة عن السلوك الإجرامي"، وحتى "شارع سمسم" يراه "وحوشًا قزمة ممسوخة تعاكس مشيئة الله" (ص 32). افتتانه بالتكنولوجيا لا يمنعه من رؤية الانحطاط الأخلاقي المتصور في المستقبل. المستقبل (والحاضر) يحاكم الماضي: في المقابل، يجد غور نفسه في قفص الاتهام بسبب ماضي عصره الإمبراطوري. عندما يتفاخر بفضائل عصره، تُواجهه "جسره" بحقيقة العنف الاستعماري: "ويجب عليَّ أن أنبهك إلى أنه في هذه الأيام، لا يُنظر إلى نسف ميناء عربي بدعوى ضمه إلى الإمبراطورية بعين الرضا والاستحسان". (ص 31).تشير هنا إلى احتلال بريطانيا لعدن عام 1839، وتذكر برسائل غور نفسه التي عبّر فيها عن سروره بمقتل 150 عربيا دون خسائر بريطانية، واصفة إياها بـ"حمام دم". زهوه الأخلاقي يتهاوى أمام حقائق التاريخ. الحاضر يحاكم نفسه: الرواية لا تعفي الحاضر (القرن الـ21) من النقد. فعندما يناقش غور و"جسره" مسألة العنصرية بشأن سِميليا (التي تعمل جسرًا لآرثر وهي سوداء)، تعترف الفتاة الجسر باستمرار "الأسباب البنيوية" للتمييز: "… عندما نقبل أحدًا، لا يوجد سوى بضعة من المرشحين السود، كما تعرفين، لأسباب بنيوية، تبدأ من المدرسة… لقد أمضينا 50 عامًا من التفكير بهذه المشكلة، وكل جيل يرى أن من سبقه لم يفعل ما يكفي لحلها. ربما بعد قرن من الآن أو ما شابه، سينظرون إلينا على أننا مجرمون".
وتعكس الراوية هذا النقد على نفسها أيضًا، مشيرةً إلى كيف أن هويتها المختلطة (أم كمبودية وأب بريطاني) تضعها في مرتبة دنيا ضمن تصنيفات البيض غير المعلنة، وكيف أن المجتمع لا يزال يصنف الآخرين بناءً على العرق والأصل، حتى لو تغيرت المصطلحات ("مهمشون" بدلًا من "المنغوليين")، فالنظرة التصنيفية للسلطة تظل قائمة. "متى يحين دوري لكي أمسك بالعصا والجزرة؟" تتساءل (ص 96). محاكمة استشرافية للمستقبل البعيد: الصورة التي يرسمها القادمون من المستقبل (العميد وساليسي من 2200، وأديلا من 2044) قاتمة ومروعة. المستقبل عالم دمرته الحروب وتغير المناخ ونفاد الموارد. تشرح سميليا للفتاة الجسر ما ينتظر العالم: "بعد 200 عام من الآن، سينتهي كل شيء. سيختفي الجزء الأكبر من أميركا الجنوبية… المياه ستغمر نصف بريطانيا. أوروبا ستسقط القنابل على أي سفن في المتوسط قادمة من شمال أفريقيا. لا لاجئين… بلايين البشر سيموتون… وبعدئذٍ يأتي الرد ضد الجاليات المهاجرة عندما يبدأ الماء بالنفاد…" (ص 271).
ويؤكد العميد هذه الصورة عندما يتحدث عن زمنه، حيث كلمة (home) (بيت/وطن) لم تعد تعني سوى (bunker) (ملجأ)، وأن هذا الملجأ أفضل من "الهواء المشبع بالسموم" في الخارج (ص 275). المستقبل هو نتاج حتمي لأفعال الماضي والحاضر، تطبيق لمبدأ السبب والنتيجة، أو كما يقول المثل: "يداك أوكتا وفوك نفخ".
2- مقولات فلسفية متضمنة:
إعلانتتجاوز الرواية مجرد النقد الاجتماعي والسياسي لتلامس أبعادًا فلسفية أعمق، يمكن مقاربتها من خلال أعمال فلاسفة كبار مثل هيغل ونيتشه:
2.1- هيغل والبطل التاريخي وخديعة المنطق:يرى الفيلسوف الألماني هيغل أن التاريخ هو مسار تطور "الروح" أو "العقل" (Geist) نحو وعي ذاته وتحقيق الحرية، ويتجلى هذا التطور من خلال "روح العصر" (Zeitgeist) و"روح الأمة" (Volksgeist).
يلعب "أبطال العالم التاريخيون" (مثل الإسكندر ونابليون) دورًا محوريًّا في هذه العملية، فهم الذين يدركون ضرورات اللحظة ويدفعون التاريخ للأمام، لكنهم، دون علمهم، مجرد أدوات لـ"خديعة المنطق الصائب" (die List der Vernunft)، حيث تستغلهم "روح العالم" لتحقيق غاياتها الكلية.
القبطان غراهام غور يجسد هذا النموذج الهيغلي. إنه يرى نفسه جزءًا من "أكبر رحلة استكشاف في عصرنا"، ويعتقد أن أفعال الإمبراطورية البريطانية، بما فيها محاربة تجارة الرقيق أو التوسع الاستعماري، هي "خدمة أخلاقية للبشرية" (ص 182).
إنه يعبر عن "روح عصره" ويعتز بدوره في صناعة التاريخ. لكن الرواية تكشف أن هذا البطل مدفوع بطموحه الشخصي ("هاجس بأنني سأصل يومًا إلى قمة الشجرة"، ص 293)، وأن حملة فرانكلين كانت تهدف في المقام الأول لفتح طريق تجاري (الممر الشمالي الغربي)، وأن "الخدمة الأخلاقية" كانت غطاءً لعنف وقهر استعماريين.
يقع غور في "خديعة المنطق"؛ يظن أنه يخدم المجد والفضيلة، بينما هو في الحقيقة أداة لمصالح اقتصادية وسياسية كبرى، ومحكوم بغائية تاريخية تتجاوزه. وعندما تواجهه "جسره" بحقيقة أفعاله ("كنتم تتبعون ما رأيتموها أوامر خيرة")، فإنها تفكك هذا المنطق وتكشف الخديعة.
على النقيض من رؤية هيغل التقدمية للتاريخ (وإن كانت مليئة بالصراع)، تقدم الرواية رؤية أقرب إلى فلسفة نيتشه النكوصية والتكرارية للتاريخ. نيتشه دعا إلى "التاريخ النقدي"، أي محاكمة الماضي وإدانته ("كل ماضٍ، أيًّا يكن، يستحق أن يدان" (تأملات في غير أوانها، ترجمة هولينغديل، كمبردج، 2007، ص 76) للتحرر من سطوته وإرثه السلبي الذي يضعف الحاضر والمستقبل.
إعلانهذا يتجلى في الرواية عبر الشخصيات القادمة من المستقبل التي تحاكم الماضي والحاضر على الكوارث التي أدت إلى مستقبلهم المدمر. العميد الذي يتذكر لندن كمدينة حية قبل أن "تختفي" في زمنه (ص 276)، يمثل هذه الإدانة للمسار التاريخي.
الأهم من ذلك، تجسد الرواية فكرة نيتشه عن "العَوْد الأبدي" (Eternal Return). ليست بمعنى تكرار الأحداث ذاتها بالضبط، بل تكرار الأنماط والصراعات والدوافع البشرية الأساسية عبر الزمن.
التاريخ لا يسير في خط مستقيم نحو التقدم والحرية، بل يدور في حلقات مفرغة من العنف والطمع والخيانة. تقول سِميليا مبررةً خيانتها: "هذه الحرب لن تتوقف… التاريخ سيكرر نفسه، حرفيًّا. ما تعنيه بوابة الزمن هو أننا نعاود المجيء والذهاب مرات ومرات…" (ص 275).
تؤكد أديلا (النسخة المستقبلية) هذه الفكرة عندما تنتقد سذاجة نسختها الماضوية التي تعتقد بإمكانية "إصلاح" الماضي (مثل خنق هتلر وهو طفل): "إنكِ تخطئين في فهم الطريقة التي يعمل بها التاريخ… التاريخ ليس سلسلة من الأسباب والنتائج التي يمكن تغييرها… بل هو توافق سردي بين ما جرى وما يجري الآن… تتحدثين عن تغيير التاريخ، لكنكِ تسعين إلى تغيير المستقبل. وهذا فرق كبير في المعنى…" (ص 84).
التاريخ هنا ليس خطًّا يمكن تعديله، بل هو نسيج متكرر، كل لحظة فيه (الحاضر) هي نقطة التقاء للماضي والمستقبل في دورة أبدية. محاولة تغيير الماضي بعمق قد تؤدي إلى انهيار النسيج الزمني نفسه ("سيبتلعنا مثل ثقب أسود"، تقول أديلا، ص 266).
السفر عبر الزمن له آثار جانبية خطيرة، فالجسد والوعي يبدآن بالانفصال عن واقعهما الزمني ("وجودها ’هنا‘ لا يتوافق مع وجودها ’هناك‘"، يقول العميد عن آن سبنسر، ص 106)، مما يؤدي إلى الجنون أو التلاشي. الزمن يصبح هوية، والصراع على تعريفه والتحكم به هو صراع وجودي.
إعلانهذه الرؤية النيتشوية تلغي التعاقب الزمني التقليدي (ماض- حاضر- مستقبل) وتجعله متشابكًا ومتكررًا. الفتاة الجسر وأديلا هما شخص واحد في زمنين مختلفين، وكلتاهما مسؤولة عن أفعال الأخرى ("تقنيًّا، أنتِ وأنا معًا قتلناه"، تقول أديلا عن كوينتن).
تولي الرواية اهتمامًا خاصًّا لتغير اللغة كدليل على تغير الزمن وروح العصر. وتشير إلى كيف أن الكلمات تغير دلالاتها:
"مقارنةً بالقرن التاسع عشر، اختلفت اللغة كثيرًا. فكلمة ’معقول‘ (sensible) كانت تعني الـ’حساس‘ (sensitive)، وكانت كلمة (gay) تعني الـ’ظريف وفرحان‘ وليس ’مثلي الجنس‘. كما أن عبارتي ’مصحّة عقلية‘ (lunatic asylum) و’طالب اللجوء‘ (asylum seeker) تتشاركان المعنى الأساسي نفسه لكلمة ’ملجأ‘ أو ’ملاذ‘ (asylum): مكان مقدس للجوء وملاذ للطمأنينة والأمان". (ص 12).
هذا التغير الدلالي يعكس تغير القيم والمفاهيم، ويبرز الهوة الزمنية التي تفصل بين "المغتربين" والعالم الجديد، مما يجعل مهمة "الجسر" أكثر تعقيدًا.
خاتمة مفتوحة وتساؤل أخير:على نحو مفاجئ، وبعد كل هذه الديستوبيا والمحاكمات القاسية، تختتم المؤلفة الرواية بلهجة شبه رومانسية، متوجهةً إلى القارئ مباشرةً:
"هذه هي الطريقة التي بها يمكنكم تغيير التاريخ…. الغفران هو الذي يعيد كل واحد منكم إلى الشخص الذي كانه، ويتيح لكم أن تغيروه. والأمل هو الذي ينطوي في مستقبل تكون فيه أنت شخصًا جديدًا. الغفران والأمل معجزتان تساعدانك على تغيير حياتك؛ إنهما السفر عبر الزمن" (ص 290)
هل هذه دعوة حقيقية لإمكانية الخلاص الفردي عبر قيم إنسانية كالغفران والأمل، كشكل من أشكال "السفر عبر الزمن" لتجاوز الماضي وبناء مستقبل مختلف؟ أم أنها مفارقة ساخرة في وجه عالم أثبتت الرواية للتو أنه محكوم بحتمية التكرار والصراع؟ هل يمكن للغفران والأمل الفرديين أن يواجها "العَوْد الأبدي" للكوارث الجمعية؟ أم أن هذه الخاتمة هي أقرب لدعوة نيتشه للـ"نسيان النشط" كشرط ضروري للفعل والحياة، حتى في أحلك الظروف؟
إعلانتترك "وزارة الزمن" قارئها مع هذه الأسئلة المعلقة، بعد رحلة ممتعة فكريا ومشوقة سرديا عبر تعقيدات الزمن والتاريخ والطبيعة البشرية التي تبدو ثابتة بشكل مقلق عبر العصور.