الاقتصاد التركي.. التحديات والفرص
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
عمان (زمان التركية)- يواجه الاقتصاد التركي منعطفًا حرجًا حيث يدخل مرحلة جديدة في ظل القيادة الحديثة للبنك المركزي حفيظ غاي إركان، ووزير الخزانة والمالية الجديد، محمد شيمشك وكلاهما لديه مهمة شاقة تتمثل في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وثقة المستثمرين، وآفاق النمو في بلد يعاني من ارتفاع في معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة، والاختلالات الخارجية، والمخاطر الجيوسياسية، وكيف سيتعاملون مع هذه التحديات وما هي الفرص التي تنتظر تركيا؟
الإرث الاقتصادي لأردوغان
شهد الاقتصاد التركي تحولًا وتطورًا ملحوظين في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يتولى السلطة منذ عام 2003 وحققت تركيا متوسط معدل نمو سنوي بلغ 5.
علاوة على ذلك، ترافقت سياسات أردوغان الاقتصادية مع تدهور في جودة المؤسسات والحوكمة وسيادة القانون، حيث عزز أردوغان سلطته من خلال تقويض ضوابط وتوازنات النظام السياسي، وقمع المعارضة وحرية الإعلام، وتطهير آلاف المسؤولين والأكاديميين، كما فقد القضاء استقلاليته، كما انتهج سياسة خارجية عدوانية أدت إلى زيادة التوترات مع الدول المجاورة .
وقد أدت هذه العوامل إلى فقدان ثقة المستثمرين،وهروب رأس المال الأجنبي والمحلي، وعدم استقرار العملة المحلية، ونتج عن ذلك هشاشه في النظام المالي والاقتصادي. الجدير بالذكر هنا أنه ومنذ عام 2018 شهدت تركيا حلقتين من أزمة العملة أدت إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة التركية وارتفاع أسعار الفائدة، أضف إلى ذلك جائحة COVID-19 مزيدًا من الضغط على الاقتصاد الذي تقلص بنسبة 9.9٪ في الربع الثاني من عام 2020.
الفريق الاقتصادي الجديد
واستجابة لهذه التحديات، قام أردوغان بإعادة تشكيل فريقه الاقتصادي في نوفمبر 2020 حيث استبدل صهره بيرات البيرق، الذي شغل منصب وزير الخزانة والمالية منذ 2018 بلطفي إلفان نائب رئيس الوزراء السابق، كما قام بتعيين ناجي اجبال، وزير المالية السابق والتكنوقراط المرموق محافظا للبنك المركزي. وتحت قيادتهم تبنت تركيا موقفًا أكثر حصافة وحكمة في السياسة الاقتصادية. حيث رفع البنك المركزي سعر الفائدة بمقدار 875 نقطة أساس إلى 17 بالمئة بين نوفمبر 2020 ويناير 2021 في إشارة إلى التزامه بمحاربة التضخم ودعم العملة، وفي الوقت ذاته أعلنت الحكومة عن برنامج اقتصادي متوسط المدى يهدف إلى خفض الإنفاق العام وزيادة الإيرادات وتحسين الشفافية وجذب الاستثمار الأجنبي.
وكان لهذه السياسة النقدية صدا جيد حيث رحبت الأسواق العالمية والمحللون الدوليون بهذه التغييرات في السياسة،النقدية واعتبروها خطوات إيجابية نحو استعادة استقرار الاقتصاد الكلي والمصداقية، وأدت أيضا إلى ارتفاع قيمة الليرة التركية بنحو 20 بالمئة مقابل الدولار الأمريكي بين نوفمبر 2020 ومارس 2021 بينما تراجع التضخم بشكل طفيف من 14.6 بالمئة إلى 14.2 بالمئة خلال نفس الفترة، كما انتعش النشاط الاقتصادي بقوة في الربع الأخير من عام 2020 حيث نما بنسبة 5.9 في المائة على أساس سنوي.
ومع ذلك، كانت هذه التغييرات في السياسة النقدية قصيرة الأجل ففي مارس 2021 أقال أردوغان أغبال فجأة بعد أن رفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس أخرى إلى 19 في المائة، مشيرًا إلى مخاوف بشأن النمو والتوظيف، واستبدله بصاحب كافجي أوغلو، وهو مصرفي سابق ونائب من حزب أردوغان يشاركه آرائه حول أسعار الفائدة والتضخم، وأثارت هذه الخطوة موجة أخرى من الاضطراب في السوق وانخفاض قيمة العملة، و فقدت الليرة التركية نحو 10 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في يوم واحد، بينما ارتفعت عوائد السندات ومقايضات التخلف عن السداد، وبالطبع خشي المستثمرون من أن تعود تركيا إلى سياساتها السابقة غير التقليدية التي يمكن أن تقوض استقرار الاقتصاد الكلي ومصداقيته.
إلا أنه وبعد ما تعرض له الاقتصاد من اضطراب أجرى أردوغان تغييرًا آخر في فريقه الاقتصادي في يونيو 2021 بتعيين حفيظ غاي إركان محافظًا جديدًا للبنك المركزي،و إركان هي أول امرأة ترأس البنك المركزي كما أنها مصرفية سابقة في وول ستريت حاصلة على درجة الدكتوراه في المالية من جامعة ستانفورد، ومن المتوقع أن تلعب دورًا رئيسيًا في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي والمصداقية في تركيا.
التحديات والفرص القادمة
يواجه الفريق الاقتصادي الجديد عددًا من التحديات والفرص في الأشهر والسنوات القادمة. بعض هذه التحديات تشمل:
أول تلك التحديات هي استعادة مصداقية واستقرار الاقتصاد الكلي: حيث تحتاج تركيا إلى معالجة التضخم المرتفع، وانخفاض قيمة العملة، والاختلالات الخارجية، والهشاشة المالية، وهذا يتطلب سياسة نقدية متسقة وذات مصداقية يمكن أن تثبت توقعات التضخم وتدعم العملة، كما يتطلب ذلك سياسة مالية حكيمة يمكن أن تضمن القدرة على تحمل الديون وخلق حيز مالي لمواجهة الصدمات المستقبلية. علاوة على ذلك، فهي تتطلب إطارًا سياسيًا شفافًا ويمكن التنبؤ به يمكن أن يعزز ثقة المستثمرين ويقلل من عدم اليقين بشأن السياسات.
وثاني تلك التحديات تتمثل في تحسين الجودة والحوكمة المؤسسية: حيث تحتاج تركيا إلى تقوية مؤسساتها الاقتصادية، مثل البنك المركزي والوكالة الإحصائية والهيئات التنظيمية والقضاء، كما تحتاج إلى تحسين مؤسساتها السياسية، مثل البرلمان والإعلام والمجتمع المدني والمعارضة، و هذه المؤسسات ضرورية لضمان المساءلة والشفافية وسيادة القانون وحقوق الملكية والضوابط والتوازنات في نظام الحكم، كما أنها ضرورية لتعزيز المشاركة العامة والحوار الاجتماعي وحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية.
أما عن ثالث تلك التحديات فهي زيادة الإنتاجية والقدرة التنافسية: حيث تحتاج تركيا إلى الاستثمار في تنمية رأس المال البشري، لا سيما في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، كما تحتاج إلى دعم الابتكار والتحول الرقمي،لا سيما في قطاعي الصناعة والخدمات. كما تحتاج إلى تحديث بنيتها التحتية ولوجستياتها،لا سيما في مجالات النقل والطاقة والاتصالات. أضف إلى ذلك تعزيز نموذج نمو شامل مستدام يمكنه مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية، هذه الإجراءات ستساعد تركيا على تعزيز إنتاجيتها وقدرتها التنافسية في السوق العالمية.
أما آخر هذه التحديات فتتمثل في تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي والدولي: حيث تحتاج تركيا إلى حل نزاعاتها الجيوسياسية والتوترات مع الدول المجاورة لها وحلفائها، وتحتاج إلى تعميق روابطها الاقتصادية وتكاملها مع شركائها التجاريين والأسواق المحتملة، كما تحتاج إلى زيادة دورها ومساهمتها في القضايا والمبادرات الإقليمية والعالمية، من خلال معالجة هذه التحديات واغتنام هذه الفرص، يمكن لتركيا التغلب على الصعوبات الحالية وتحقيق مستقبل أكثر استدامة وشمولية اقتصاديا وهو ما سينعكس بدوره على الازدهار والرفاهية على المستوى المحلي التركي.
Tags: اردوغانالاقتصاد التركيوزير الاقتصاد السابق محمد شيمشكالمصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: اردوغان الاقتصاد التركي الاقتصاد الترکی البنک المرکزی فی المائة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
سفير مصر الأسبق بدمشق: سوريا تحتاج توحيد الفصائل لتحقيق الاستقرار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال السفير حازم خيرت، سفير مصر الأسبق بدمشق، خلال ندوة نظمتها لجنة الشؤون الخارجية بنقابة الصحفيين برئاسة الكاتب الصحفي حسين الزناتي، إن الشعب السوري العظيم مر بمحنة كبيرة خلال حكم حافظ الأسد ونجله بشار، معربًا عن أمله ألا تتكرر هذه المعاناة مرة أخرى، ومؤكدًا أن سوريا ستظل "قلب العروبة النابض".
وأضاف خيرت أن عمله الدبلوماسي في سوريا، الذي بدأ بعد استئناف العلاقات بين البلدين عام 1977 إثر زيارة الرئيس السادات للقدس، أتاح له فرصة التعرف على تركيبة المجتمع السوري بكل أطيافه وطبيعته الطائفية، مشيرًا إلى دوره في تعزيز العلاقات الثنائية خلال الفترة الأولى سنة 2003 من خدمته بالسفارة، ثم عودته مجددًا إلى دمشق عام من 2007.
وأشار إلى أن حكم الأسد الأب والابن كان ديكتاتوريًا واستبداديًا، حيث فرض النظام قبضة حديدية على الطائفة السنية، وقمع بشدة كل من خرج عن سياقه، سواء بالاعتقال أو القتل. ورغم هذه القبضة الأمنية، كانت هناك أجواء من المحبة بين مكونات الشعب السوري المختلفة.
وفي حديثه عن سقوط نظام بشار الأسد، قال خيرت إنه لم يكن يتوقع انهياره بتلك السهولة على يد الفصائل المسلحة بقيادة أحمد الشرع ، الذي قدم خطابًا جديدًا ونهجًا مختلفًا عن الفكر الجهادي التقليدي، مما مكّنه من التفاوض مع الأطياف العلوية وتقريب وجهات النظر بينها.
ورغم ذلك، أبدى قلقه من مرحلة ما بعد الأسد، متسائلًا عن قدرة الشرع على توحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة واحدة وتطبيق نظام مدني دون التعرض لانقلاب داخلي.
كما أعرب عن تخوفاته من صعود الإسلام السياسي المرتبط بتنظيمات مثل القاعدة وداعش، وهو ما يثير قلق الشارع المصري من تداعيات الوضع في سوريا.
وأوضح السفير أن هناك استياء لدى بعض السوريين من موقف مصر الذي لم يعكس حماسة كبيرة تجاه سقوط نظام بشار الأسد، رغم فرحة الشعب السوري العارمة بهذا الحدث. لكنه أشار إلى أن أبعاد المرحلة القادمة لا تزال غير واضحة، متسائلًا عن الدور التركي والروسي المتوقع، وما إذا كانت روسيا ستحتفظ بوجودها العسكري في سوريا أو ستفقد نفوذها، وكذلك مدى استمرار الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
وأكد خيرت أن فرحة الشعب السوري بسقوط النظام مبررة، لكنها تفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مستقبل البلاد واستقرارها السياسي.