المساءلة المفقودة: كيف فاقمت “المعلومات المضللة” الاضطرابات في بريطانيا؟
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
سلطت الاضطرابات العنيفة التي شهدتها بريطانيا منذ أواخر يوليو 2024، الضوء على التأثيرات السلبية الواسعة التي يمكن أن تسببها “المعلومات المضللة”؛ إذ اندلعت تظاهرات، تحولت إلى أعمال عنف، في مدن وبلدات في مختلف أنحاء بريطانيا عقب انتشار معلومات مضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، تزعم تورط مهاجر مسلم في مقتل ثلاث فتيات صغيرات في حفل رقص في مدينة ساوثبورت بمقاطعة ميرسيسايد يوم 29 يوليو الماضي.
وجاءت هذه الاحتجاجات بالرغم من أن الشرطة البريطانية ألقت القبض على المشتبه به في حادث القتل، وهو شخص يُدعى أكسل موغانوا روداكوبانا، يبلغ من العمر 17 عاماً، من مواليد مدينة كارديف عاصمة ويلز لأبوين روانديين، ووجهت له تهمة القتل ومحاولة القتل. واستمرت أعمال الشغب في بريطانيا لأكثر من أسبوع، غذتها بالأساس جماعات اليمين المتطرف؛ وهو ما يلقي الضوء على الدور الذي يمكن أن يؤديه المحتوى المضلل على شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية في إثارة الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
انتشار المعلومات المضللة:
بدايةً، من المهم التأكيد أن ثمة اختلافاً بين مصطلحي “المعلومات المضللة” (Misinformation) و”الأخبار الزائفة” (Fake news)، إذ إن الأولى هي معلومات خاطئة ينشرها الأشخاص على اعتقاد أنها صحيحة ولكن من دون وجود نية خبيثة وراءها. وهذه المعلومات الخاطئة قد تكون نتيجة لسوء فهم، أو تحريف غير مقصود للحقائق، أو نشر معلومات دون التحقق من صحتها من مصادر موثوقة. فعلى سبيل المثال، قد يحدث أن يُترجم تقرير علمي بشكل غير صحيح؛ مما يؤدي إلى نشر معلومة خاطئة حول نتيجة معينة تحدث سوء فهم بين الجمهور رغم عدم وجود نية للتضليل.
بينما تشير الأخبار الزائفة إلى محتوى تم إنشاؤه عمداً بقصد التضليل، وغالباً ما يكون الهدف منه التأثير في السلوك أو تغيير اتجاهات الرأي العام نحو قضية معينة من خلال تقديم معلومات خاطئة على أنها صحيحة. فعلى سبيل المثال، قد يتم تنظيم حملة موجهة لترويج أخبار كاذبة حول منتج جديد أو شخصية معينة؛ بهدف التلاعب بالرأي العام وتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.
وغالباً ما ترتبط الأخبار الزائفة بشكل وثيق بالسياسة، بينما تُعد المعلومات المضللة أعم وأشمل؛ إذ إنها تشير إلى مجموعة متنوعة من المعلومات الخاطئة التي تغطي موضوعات واسعة مثل: الصحة والبيئة والاقتصاد والاجتماع عبر جميع المنصات.
ويعزز الاستخدام الواسع لشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي انتشار المعلومات المضللة، فغالباً ما يتم إطلاق هذه المعلومات عبر المنصات الإلكترونية قبل أن تتناقلها وسائل الإعلام التقليدية ونشرات الأخبار. وأسهم الذكاء الاصطناعي في تسهيل نشر المعلومات المضللة على نطاق واسع إلى الآلاف إن لم يكن الملايين من الأشخاص في وقت واحد. فخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُخصص المحتوى وفقاً لتفضيلات المستخدمين، تجعل أي تفاعل، حتى ولو كان سلبياً، يساعد المحتوى -بغض النظر عن دقته- على الوصول إلى عدد أكبر من المستخدمين؛ لأن الخوارزمية تفهم فقط ما إذا كان الشيء شائعاً أم لا؛ ما يعزل المستخدمين عن رؤى ووجهات نظر متعددة يمكن أن تساعدهم على التحقق من صحة المعلومات والأخبار المتداولة.
حالة بريطانيا:
شهدت مدينة ساوثبورت في بريطانيا، يوم 29 يوليو الماضي، حادثاً مأساوياً، إذ أسفر هجوم بسكين على درس رقص للأطفال عن مقتل ثلاث فتيات صغيرات، تتراوح أعمارهن بين 6 و9 سنوات، إضافة إلى إصابة ثمانية أطفال آخرين واثنين من البالغين بجروح خطرة. وألقت الشرطة القبض على المشتبه به، بتهمتي القتل والشروع في القتل، قائلة إنه يبلغ من العمر 17 عاماً، ولم تعتبر الهجوم جريمة إرهابية، وذلك دون تقديم تفاصيل في البداية عن المشتبه به لأنه أقل من 18 سنة، ولا يمكن الكشف عن هويته بموجب القانون.
ولكن بعد الحادث، انتشرت معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول أن المشتبه به مهاجر مسلم غير مصرح له بالإقامة في بريطانيا، وهي المعلومة التي تلقفتها جماعات اليمين المتطرف لتأجيج الاحتجاجات ضد الحكومة، وإثارة مشاعر الكراهية ضد المهاجرين؛ مستغلة غياب معلومات تفصيلية عن المشتبه به. ففي اليوم التالي لحادث الطعن، نظم أنصار اليمين المتطرف احتجاجات مناهضة للمسلمين في ساوثبورت وحاولوا مهاجمة مسجد البلدة.
وأدت خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في انتشار هذه المعلومات المضللة على نطاق واسع في بريطانيا؛ ما أدى إلى اتساع نطاق الاحتجاجات وامتدادها إلى مدن أخرى في كافة أنحاء البلاد، مثل: هال وليفربول وبريستول ومانشستر وستوك أون ترينت وبلاكبول وبلفاست، وبما في ذلك العاصمة لندن. وتخللت هذه الاحتجاجات أعمال عنف مثل: إضرام النيران في المركبات، والاشتباك مع قوات الشرطة، وتخريب الممتلكات بما فيها المساجد وأماكن الإقامة لطالبي اللجوء.
وفي ظل انتشار المعلومات المضللة حول هوية المتهم وتحميل اليمين المتطرف سياسات الحكومة بشأن الهجرة مسؤولية الحادث؛ ومن ثم استمرار الاحتجاجات لقرابة أسبوع؛ رفعت المحكمة شرط عدم الكشف عن هوية المشتبه به بسبب صغر سنه، وأعلنت أنه يُدعى أكسل موغانوا روداكوبانا، وهو من مواليد كارديف لأبوين روانديين، وذلك في محاولة للتغلب على السردية الخاطئة المنتشرة حول الحادث.
إجراءات حكومية:
اتخذت الحكومة البريطانية مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز دقة المعلومات التي يتم تداولها وحماية المجتمع من التأثيرات السلبية للمعلومات المضللة. فقد شرعت السلطات في تحقيق شامل لتتبع مصدر المعلومات المضللة التي أسهمت في تأجيج الاضطرابات الأخيرة في البلاد، وشملت التحقيقات دور وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك وسائل الإعلام التقليدية في نشر وتضخيم المعلومات غير الدقيقة؛ ومن ثم تغذية الاضطرابات العنيفة، دون التحقق من هذه المعلومات ومعالجتها.
وأدان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بشدة العنف الذي نجم عن المعلومات المضللة، وأعلن عن نية حكومته تقديم تشريعات جديدة تهدف إلى تحسين الشفافية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز مساءلة الشركات التقنية بشأن محتوى المعلومات. وتشمل هذه التشريعات فرض غرامات على الشركات التي تفشل في إزالة المعلومات المضللة بسرعة.
علاوة على ذلك، تتعاون الحكومة البريطانية مع شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل: فيسبوك وإكس وجوجل، لتطوير أدوات وتقنيات جديدة لمراقبة وتحديد المعلومات غير الصحيحة بسرعة أكبر. وأطلقت وزارة الثقافة والإعلام حملات توعية تهدف إلى تعليم الجمهور كيفية التحقق من صحة المعلومات، والتعرف على المعلومات المضللة والأخبار الزائفة.
أزمات سابقة:
ما حدث في المملكة المتحدة بسبب انتشار المعلومات المضللة ليس حالة فريدة من نوعها، فهناك سلسلة طويلة من الحوادث والأزمات التي تفاقمت بسبب انتشار معلومات مضللة حول ظواهر طبيعية وأزمات صحية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الزلزال الذي ضرب بقوة مقاطعة سوريجاو ديل سور الفلبينية، في ديسمبر 2023؛ مما أدى إلى أضرار كبيرة في البنية التحتية والمنازل؛ لتنتشر بعدها معلومات مضللة غير مستندة إلى أدلة علمية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي تحذر من تسونامي ضخم وشيك. وتم تدعيم هذه المعلومات بمنشورات، تحتوي على صور ومقاطع فيديو معدلة ومفبركة، تزعم أن الزلزال قد أثار سلسلة من الانفجارات البركانية تحت الماء؛ مما سيؤدي إلى فيضانات ساحلية كارثية.
وأظهر تحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي أن تحذيرات التسونامي تلك المستندة لمعلومات مضللة، تمت مشاركتها أكثر من 150 ألف مرة خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى؛ مما أثار حالة من الذعر والارتباك العام وفاقم تداعيات الزلزال. وقام العديد من الفلبينيين، الذين كانوا بالفعل في حالة من القلق بسبب الزلزال، بإخلاء منازلهم بسرعة؛ مما أدى إلى مشاهد فوضوية؛ إذ هرب السكان إلى مناطق مرتفعة. ولم يؤد هذا الذعر المنتشر فقط إلى تعطيل سير الأنشطة اليومية، بل فرض أيضاً عبئاً إضافياً على فرق الطوارئ، التي كانت مشغولة بالفعل بتقييم الأضرار التي خلفها الزلزال، وعرقلت الفوضى والخوف الناتج عن تحذيرات التسونامي، عملها؛ إذ تم تحويل الموارد لإدارة تداعيات المعلومات المضللة.
وفي مثال آخر، سلطت جائحة “كورونا” الضوء على كيف يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى تفاقم الأزمات الصحية العالمية. فقد انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى نطاق واسع، معلومات مضللة حول هذا الفيروس وأصوله وعلاجاته، وغالباً ما تفوقت على المعلومات الدقيقة المقدمة من السلطات الصحية؛ مما أدى إلى حالة من الارتباك العام والمقاومة للتدابير الصحية المتخذة في كثير من الدول.
وكان لانتشار المعلومات المضللة أثناء الجائحة عواقب وخيمة، فقد أدت مثل هذه المعلومات غير المستندة إلى أدلة علمية عن العلاج إلى سلوكيات خطرة وأحياناً إلى وفيات. كما أسهمت المعلومات المضللة حول اللقاحات في زيادة التردد بشأن الحصول عليها ومقاومة ذلك؛ مما أعاق الجهود الرامية لتحقيق “مناعة القطيع”. كذلك أدت نظريات المؤامرة التي ربطت بين تقنية الجيل الخامس و”كورونا” إلى وقوع هجمات حرق عمد على أبراج الهاتف المحمول في المملكة المتحدة.
في المُجمل، أعادت الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها المملكة المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين، تسليط الضوء من جديد على العواقب الوخيمة التي يمكن أن تحدثها المعلومات المضللة؛ وهو ما يتطلب نهجاً شاملاً ومتكاملاً لمواجهتها؛ بحيث يشمل تحسين تقنيات الكشف عن ذلك المحتوى، وتعزيز شفافية الخوارزميات المستخدمة على منصات التواصل الاجتماعي لتحديد الأولويات ونشر المعلومات الصحيحة، وبذل مزيد من الجهود لمحو “الأمية الإعلامية” بين الأفراد ليصبحوا أكثر قدرة على تقييم المعلومات بدقة، بالإضافة إلى فرض قوانين صارمة تضمن المساءلة للمنصات الرقمية، وتعزز نشر المعلومات الدقيقة.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
“قبور للأحياء”: الحالة الصحية التي يخرج بها المعتقلون الفلسطينيون من سجون إسرائيل تعكس تعذيبًا وتجويعًا ممنهجًا
#سواليف
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار في قطاع غزة تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات المهينة التي استمرت حتى اللحظة الأخيرة قبل الإفراج عنهم.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي في بيان له أنه تابع إفراج السلطات الإسرائيلية عن أسرى ومعتقلين ضمن الدفعات الأربع التي كان آخرها اليوم السبت، حيث بدا على معظمهم تدهور صحي حاد، مع فقدان كل منهم عدة كيلوغرامات من وزنهم جراء ما يبدو وأنه تجويع متعمد.
وفور الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، احتاج العديد منهم إلى النقل الفوري للمستشفيات لإجراء فحوص طبية عاجلة، فيما بدا أحدهم على الأقل عاجزًا عن التعرف على مستقبليه، بعد أن عانى من الحرمان من العلاج خلال فترة اعتقاله.
مقالات ذات صلة إعلام عبري بعد استعراض حماس .. ماذا كان يفعل الجيش طوال 14 شهرًا؟ 2025/02/01وشدد الأورومتوسطي على أن هذه الأوضاع تعكس كيف حوّلت إسرائيل سجونها إلى مراكز تعذيب منهجي للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بمن فيهم المحكومون والمحتجزون قبل 7 أكتوبر 2023.
وأشار إلى أن غالبية المعتقلين المفرج عنهم تعرضوا لسوء المعاملة والضرب، وخضعوا للتعذيب النفسي حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت الإفراج عنهم.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثّق إجبار القوات الإسرائيلية العديد من المعتقلين على حلق رؤوسهم كإجراء مهين ومتعمد يستهدف إذلالهم وتحطيم معنوياتهم، إضافة إلى إجبارهم على ارتداء ملابس السجن، وتعريضهم للضرب والعنف قبل وأثناء تحميلهم في الباصات.
كما أشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أفرجت عن جميع الأسرى والمعتقلين في ظروف بالغة السوء، شملت الاعتداء على تجمعات ذويهم الذين كانوا في استقبالهم، وقمعهم بالرصاص وقنابل الغاز، ما أدى إلى إصابة بعضهم، بالإضافة إلى اقتحام منازلهم والأماكن التي خُصّصت لاستقبالهم والاحتفال بالإفراج عنهم.
وأوضح أن الشهادات التي وثّقها وتابعها من الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم تكشف أن انتهاكات إدارات السجون تجاوزت سوء ظروف الاحتجاز، لتتحول إلى سياسة انتقامية منهجية استهدفت جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. وأكد أن الأوضاع داخل السجون شهدت تدهورًا غير مسبوق منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تعرض المعتقلون لعمليات تعذيب قاسية، وتجويع متعمد، وعزل انفرادي طويل الأمد، في إطار إجراءات عقابية تصاعدت بشكل وحشي عقب الأحداث في قطاع غزة في محاولة لمعاقبتهم على أحداث لا صلة لهم بها سوى كونهم فلسطينيين.
كما كشفت الشهادات التي وثقها الأورومتوسطي أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أخضعت المعتقلين المفرج عنهم للتعذيب والضرب، واحتجزتهم لساعات طويلة في الباصات مكبلي الأيدي قبل الإفراج عنهم، إلى جانب تعريضهم للإهانات والشتائم التي استهدفت تقويض كرامتهم الإنسانية حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج.
وأفاد الأسير المفرج عنه “هيثم جابر” من بلدة حارس قضاء سلفيت، أن القوات الإسرائيلية اقتادتهم قبل يوم من موعد الإفراج عنهم وجرى حلق شعرهم بالقوة. وأضاف أن إدارة السجون أبلغته بضرورة حلق شعره فرفض، ليأخذوه بالقوة ويحلقوت شعره تمامًا. وأضاف “جابر”: “يعيش الأسرى في ظروف صعبة جدًا، وحتى اللحظات الأخيرة مورست ضدنا أشد أنواع التنكيل والتعذيب وامتهان الكرامة”.
وأشار إلى أن السجانين عاملوا المعتقلين كـ “الحيوانات”، حيث أجبروا على الوقوف في صف واحد بطريقة مهينة، وفي بعض الأحيان كان يُطلب منهم السير على أطرافهم الأربعة. علاوة على ذلك، حُرموا من حقوق أساسية مثل المياه، إذ كانت هناك قارورة مياه واحدة فقط مخصصة لكل غرفة على مدار 24 ساعة، بينما كانت دورات المياه خالية من المياه تمامًا، مما حال دون قدرتهم على قضاء حاجاتهم.
كما أفاد الأسير المحرر “وائل النتشة”، المعتقل منذ عام 2000 والمحكوم بالمؤبد: “لعبوا على أعصابنا، خرجنا للحافلات ثم أعادونا إلى السجن لمدة ثلاث ساعات دون أن نعرف أي معلومة وما السبب، وهذا تسبب بضغط وإرباك. اعتقدنا أنه سيقوم بتوزيعنا على أقسام السجن بعد إيهامنا بوقوع مشاكل كبيرة في التبادل يصعب حلها، ليتبين لاحقًا أنه لعب على الأعصاب فقط”.
وذكر أنه تم تجميع الأسرى المنوي الإفراج عنهم في سجن “عوفر”، وقد أبلغوا سابقًا بأن موعد الإفراج عنهم هو يوم السبت الماضي. لكن تم حجزهم في السجن لقرابة أسبوع. وأفاد أن الأشهر الـ16 الأخيرة شهدت شن إدارة السجون “هجمة شرسة” على الأسرى تخللها التجويع والضرب والتنكيل والنوم في البرد وسحب الملابس والأغطية”.
أحد الأطفال الذين التقاهم المرصد الأورومتوسطي وتم إطلاق سراحهم شمالي الضفة الغربية (يمتنع الأورومتوسطي عن ذكر اسمه للحفاظ على سلامته)، أفاد أن الأوضاع في السجون كانت سيئة للغاية، وأن المعاناة شملت الجميع، خاصةً الاعتداءات بالضرب وسوء التغذية. وأوضح أنه أُجبر على توقيع تعهد بعدم الحديث، مهددًا بإعادة اعتقاله في حال خالف ذلك.
وشدد الأورومتوسطي على أن هذه الممارسات، التي وثقتها شهادات المفرج عنهم، تمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية وحقوق الأسرى والمعتقلين المكفولة بموجب القانون الدولي، حيث تعكس “التنكيل والإذلال” و”التجويع والتعذيب المنهجي” الذي تعرضوا له خلال فترة اعتقالهم وعند الإفراج عنهم. كما نبه إلى أن الاعتداءات الممارسة لا تقتصر على الإيذاء الجسدي، بل تمتد لتشمل آثارًا نفسية مدمرة على الأسرى والمعتقلين، مما يزيد من معاناتهم ويؤدي إلى تدهور حالتهم النفسية على المدى الطويل. وأضاف أن ما تعرض له المعتقلون أثناء الإفراج عنهم، وما نقلوه من أوصاف بشأن ظروف اعتقالهم ووصف السجون بأنها “قبور للأحياء” هو تجسيد واضح لسياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تدمير إرادة الفلسطينيين، وإلحاق أقصى درجات الألم والمهانة بهم، بما يشكل انتهاكًا لمعايير حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي.
وطالب الأورومتوسطي جميع الدول والكيانات الدولية المعنية باتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لوقف الجرائم المنهجية والواسعة النطاق من القتل والتعذيب والانتهاكات الجسيمة الأخرى التي ترتكبها إسرائيل ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. كما شدد على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم تعسفيًا، ودعا إلى السماح الفوري للمنظمات الدولية والمحلية المختصة بزيارة المعتقلين، وتمكينهم من تعيين محامين. بالإضافة إلى ذلك، طالب بالضغط على إسرائيل لوقف جميع أشكال الاعتقال التعسفي، بما في ذلك الاعتقال الإداري، الذي يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية ويعكس سياسة قمعية تهدف إلى تدمير الإرادة الفلسطينية والنسيج المجتمعي وحرمانهم من حقوقهم القانونية.
وطالب المرصد الأورومتوسطي كافة الدول والجهات المعنية بإجراء تحقيق فوري ومستقل في هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لملاحقة ومحاكمة قادة الاحتلال المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم.
كما دعا المرصد الأورومتوسطي جميع الدول المعنية إلى دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في هذه الجرائم، وتقديم بلاغات متخصصة إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وبخاصة بعد السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، وإصدار مذكرات إلقاء قبض على جميع المسؤولين عنها، وملاحقتهم قضائيًا وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم عن ارتكابهم لهذه الجرائم.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وغيره من قوات الأمن الإسرائيلية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، كما تشكل أيضًا أفعالًا من أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، لا سيما وأنها تُمارَس بشكل وحشي ومنهجي ضد الفلسطينيين بهدف القضاء عليهم كمجموعة، بما في ذلك من خلال القتل وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي الجسيم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب.
وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم.