20 أغسطس، 2024
بغداد/المسلة: زكي الساعدي
الموضوع الذي نتناوله اليوم قد يبدو للبعض مصطلحًا غير متداول أو غير معروف. نحن نعرّف “تقنين الديمقراطية” بأنه وضع ضوابط على الديمقراطية المطلقة، وحصر الممارسة الديمقراطية ضمن نطاق الاختصاص فقط، وفق ضوابط تحد من تجاوزات الديمقراطية، مما يمكننا من الحد من سلبيات الحرية المفرطة وانفلاتها وتأثير الرأي الجمعي، الذي قد يكون خاطئًا.
ولتقريب الفكرة، تخيلوا لو أن 100 أعمى يجتمعون على أن الشمس غير موجودة، مقابل شخص مبصر واحد يؤكد وجودها ويشير إليها. في هذه الحالة، ستفضي نتائج الديمقراطية إلى انتصار رأي الـ100 أعمى. هذه الصورة تجسد ممارسة الديمقراطية في مجتمع يفتقر إلى الوعي أو الإدراك أو المعرفة، مما يجعل الأغلبية العشوائية تسحق الأقلية الذكية.
وتجدر الإشارة إلى أن المجتمعات، بشكل عام، تكون فيها نسبة غير المتعلمين أو غير الواعين أعلى بكثير من النخبة الواعية والمثقفة. لذلك، ويعرف هذا بالتصنيف الهرمي للمجتمع لذا فإن ممارسة الديمقراطية في مجتمع جاهل هي عملية قتل للفكر المنتج وإقصاء للنخبة والكفاءات. في هذه المجتمعات، قد تكون الدكتاتورية أحيانًا أفضل نسبيًا من الديمقراطية المطلقة العشوائية.
وعندما نواجه خيارًا بين الدكتاتورية والديمقراطية المطلقة في مجتمع يفتقر إلى الوعي، يجب أن نتأمل بعمق. الدكتاتورية خطر مدمر، والديمقراطية العشوائية أيضًا تؤدي إلى الانهيار بسبب رأي الأغلبية العشوائية. هنا يجب أن نضع بين هذين الخيارين مرحلة انتقالية نؤسس فيها لرفع الوعي والإدراك، وهي مرحلة “تقنين الديمقراطية”. هذه المرحلة تحمي المجتمع من سيطرة الأغلبية العشوائية على القرارات المصيرية التي تأخذنا إلى الهاوية. يتم ذلك من خلال تحييد جزء كبير من تلك الأغلبية ووضع حدود للممارسة الديمقراطية لمن تنطبق عليه شروط معينة، والتي ستكون مؤقتة حتى نتحقق من أن المجتمع قد أصبح أكثر وعيًا.
ولتقريب الفكرة أكثر، نعود إلى أول برلمان في العالم عند الإغريق، حيث وُضعت شروط لممارسة الديمقراطية. لم يكن يُسمح للعبيد بالتصويت، ولا للنساء، وكانوا محقين في منع العبيد من التصويت لأن العبد ينتخب سيده سواء كان صالحًا أم طالحًا، وكان السيد الأكثر عبيدًا هو من ينتصر في النهاية. أما فيما يخص النساء، فقد كانوا مخطئين بمنعهن من التصويت لأنهن لم يكنّ أقل شأنًا من الرجل.
في الوقت الحاضر، لدينا أيضًا أشكال من تقنين الديمقراطية فيما يتعلق بشروط الترشح للبرلمان، مثل إكمال الثلاثين من العمر، والزواج، والحصول على الشهادة الإعدادية على أقل تقدير، وعدم الحكم بجنحة أو جناية مخلة بالشرف. هذه الشروط تعتبر تقنينًا للديمقراطية، إذ تحد من استلام الشباب للسلطة أو من تمثيل من لا يملك الشهادة الإعدادية.
لو طبقنا هذه الشروط على الناخبين أيضًا، سنصل إلى نخبة أعلى نسبيًا من الوضع الحالي، وستكون الديمقراطية مقيدة بفئات معينة بدلاً من أن تشمل الجميع. هذه الخطوة الأولى في مشروع “تقنين الديمقراطية” الكبير.
إن مصطلح “تقنين الديمقراطية” يعني ممارسة الديمقراطية في محيط الاختصاص فقط، وضمن ضوابط محددة، مما يمكننا من استبعاد ذوي العقول المستعبدة، وبائعي الذمم، ومن يعانون من الاستعباد الطوعي، ومن يروجون لتسطيح العقول. وأولئك الذين لديهم جنح مخلة بالشرف ايضا ليسوا مؤهلين للإدلاء بأصواتهم لأن أصواتهم معرضة للبيع أو تخضع للاستغلال أو الأهواء الشخصية.
عند التفكير في الهجمة الكبيرة على الأخلاق والقيم والمبادئ التي تستهدف المجتمعات الشرقية، يتبادر إلى الذهن أن الأغلبية العشوائية، التي هي الأكثر عددًا، هي من يحدد المسار. عندها يكون الحل في *تقنين الديمقراطية*، لأن النخبة دائمًا أقلية، ولذلك سيكون صوتهم ضعيفًا ولن يصل. نحن في مرحلة خطرة جدًا، لأن ذوق وأخلاق وقيم العشوائية المشوهة هي السائدة.
أن الديمقراطية المطلقة كقطف الثمرة الغير ناضجة فلن يكون لها طعما وبامكانك الحفاظ عليها حتى تنضج وتستطيع أن تستمع بها ونضوج الديمقراطية يرتبط بتنامي الوعي المجتمعي لذلك نحتاج هذه المرحلة الانتقالية لممارسة الديموقراطية في المحيط المهيء لها بدلا من جعلها وبالا على المجتمع .
نحتاج إلى قوانين جديدة وحريات بقيم شرقية تتقيد بحدود العرف والأدب العام، وإلا فإن فرط الحرية وفرط الديمقراطية سيسلب سمة المجتمع الشرقي ويدمر ما تبقى من مبادئ.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الدیمقراطیة فی تقنین ا
إقرأ أيضاً:
وساطة أمريكية لحل أزمة قوات سوريا الديمقراطية وتركيا
كشفت عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري فوزة يوسف عن مفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والمسلحين الأكراد المدعومين من تركيا، وذلك بوساطة أمريكية.
وأوضحت يوسف في تصريحات لقناة "الحرة" الأمريكية، أن القادة الأتراك يشاركون في المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والفصائل الأخرى.
وأكدت يوسف أن الجانب التركي طرف فعال، ويقوم بكل المفاوضات، وأن الفصائل الموالية لأنقرة لا إرادة لها في التفاوض.
محاولة اعتقال وكمين قاتل.. ماذا حدث في طرطوس السورية؟ - موقع 24أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن 17 شخصاً قتلوا، أمس الأربعاء، في اشتباكات بريف طرطوس، بعد أن حاولت قوات أمنية اعتقال ضابط تولى مناصب بارزة في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، مرتبطة بسجن صيدنايا.ولم تسفر المفاوضات، التي تتم بوساطة أمريكية، عن النتائج المرجوة، وأشارت القيادية الكردية إلى أن التركيز في المفاوضات يتم على وقف إطلاق النار، قبل الانتقال إلى قضايا أخرى، مثل الحدود، ووضع قوات قسد والإدارة الذاتية.
وقالت فوزة يوسف إن تركيا سمحت بمرور القوات الأجنبية، التي قاتلت رفقة قوات قسد ضد تنظيم داعش الإرهابي عبر أراضيها، لكن الآن بعد هزيمة التنظيم لا يوجد حل تركي يسمح للمصابين والجرحى بالخروج.
فيما قال الباحث السياسي التركي، جواد غوك، إن تركيا تشجع الطرفين بشكل مباشر وغير مباشر على الاندماج بسرعة، إذ أن سوريا مقسمة هي "سم قاتل" لتركيا بحسب تعبيره، لذلك تركز على أن الأكراد يجب أن يكونوا جزءاً من الوطن السوري.
وأشار الباحث السياسي التركي إلى أن هناك أزمة ثقة بين تركيا والجانب الأمريكي.
بعد وساطة أمريكية..تمديد هدنة بين #الأكراد و الموالين لـ #تركيا في #سوريا https://t.co/XlcZAmLvR5
— 24.ae (@20fourMedia) December 17, 2024وشكلت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي ضد الإرهابيين بقيادة واشنطن، رأس حربة في قتال تنظيم داعش الإرهابي، وتمكنت من دحره من آخر مناطق سيطرته عام 2019.
ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) يواجه المقاتلون الأكراد هجوماً تشنه الفصائل الموالية لتركيا في شمال شرق سوريا، والتي سيطرت على منطقة تل رفعت الاستراتيجية في الشمال، ومدينة منبغ.