جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-23@05:14:54 GMT

لنقف بحزم ضد التغريب في مهده

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

لنقف بحزم ضد التغريب في مهده

خالد بن سعد الشنفري

 

قد تتشكل مُمارسات تبدو بسيطة ومتفرقة ولكن إذا لم يتدارك المجتمع أمره وبتحرك ذوي الرأي والفكر والشيوخ لوقفها؛ فسرعان ما ستتسع وتنتشر انتشار النَّار في الهشيم، وتصبح بعد ذلك ظاهرة بكل ما تعنيه الكلمة ويتعود النَّاس على مُمارستها.

وواجب الجهات الرسمية بأنظمتها ولوائحها وقراراتها لا بُد منه، وللكُتَّاب أيضاً دور مهم بأقلامهم في رصد الحالات والكتابة عنها ليتحرك المجتمع والجهات الرسمية.

والمقولة التاريخية لعلماء سلف الأمة "الساكت عن الحق شيطان أخرس" التي يحسبها البعض حديثًا نبويًا شريفًا لأهميتها، تنطبق هنا تمامًا.

لقد برزت علينا بجلاء خلال موسم خريفنا الحالي فعاليات وأنشطة ومُسميات عديدة نشاز، ما أنزل الله بها من سلطان وفي عمق أنشطة موسم خريفنا وفعالياته الرئيسية التي نقدمها لزوارنا وأطفالنا وتعبر عنَّا وعن خصوصيتنا، قبل أي شيء آخر، حتى أصبح أطفالنا يرددونها كالببغاوات دون فهم حتى معناها. ولأهمية الأسماء والمسميات للبشر، قال الله تعالى في محكم كتابه "وعلم آدم الأسماء كلها"، وأسوق هنا بعض الأمثلة للتدليل على ما أقول.

والبداية من عوقد وريسوت في شرق صلالة، ولطالما كانت عوقد وريسوت ثغر ظفار إلى الخارج، وقد قال الشاعر الشيخ سالم عامر الرواس في قصيدته الرائعة التي وثق فيها رحلته من عوقد خير توثيق رغم أنَّه ضرير البصر:

من عوقد نويت غصبا ولو مابغيت

في ليلي سريت هذي حقوق السفر

الصبر جميل يهنا لكل من صبر.

وريسوت من أقدم مناطقنا التاريخية وضاربة في القدم وميناء هام قديما وحديثا. وهناك على شواطئ ريسوت وعوقد وبمقابل مينائها وفي أجمل بقعة على شواطئ بحر العرب منتجعين أصبح الجميع يعرفهما رغم حداثتهما؛ الأول أطلق عليه مسمى "اوسارا" والثاني أطلق عليه "افجينيا"، وأوسارا حسب المؤرخ اليوناني بطليموس تعد من المستوطنات القديمة جدًا التي تعود الى القرن الخامس قبل الميلاد وهي منطقة ريسوت الحالية، وبالتالي فهي قد سبقت سمهرم بالفين سنة وقد أكد على ذلك العديد من الباحثين. وأُعطي هذا الاسم اللاتيني "اوسارا" للمنتجع، وخرجت ريسوت واسمها من المعادلة تمامًا، هكذا ببساطة رغم أنَّ هذا المنتجع يقع وسطها.

وأُعطي للمنتجع الثاني بجواره مسمى "أفجينيا"، وكلمة "أفجينيا" لمن لا يعرفها هي اسم شجرة القرم أو المنجروف التي تتواجد هناك بكثرة في خوري القرم الكبير والقرم الصغير. الغريب في الأمر أن المنتجعين استثمار لشباب وشابات عمانيين، ومع ذلك اختاروا هذا التغريب في المسميات!

رغم أن جميع العائلات استمتعت أيما استمتاع بهذه المنتجعات، وأصبحت تعج بزائريها يوميًا ابتداءً من الساعة الخامسة مساءً وإلى منتصف الليل، وخففت ضغطًا كبيرًا وازدحامات على مواقع فعاليات الخريف الأخرى، إلّا أنني كنت أتمنى من شبابنا بدلًا من اختيار مسميات بهدف الشهرة أو الإعلان والترويج، أن تُسمّى مباشرة منتجع ريسوت ومنتجع القرم، ولا مانع من وضع مسمى أوسارا وأفجينيا تحتهما بخط أصغر، تقديرًا للأرض التي أقاموا عليها المشروعين، واعتزازًا وفخرًا بها.. ولعمري إنه سيكون للاسمين المحليين وقع على نفس زوارهما، فلماذا التغريب دون جدوى؟!

يا ليت اقتصر الأمر على ذلك، فلن نضطر لتخصيص مقال لذلك، ومن ريسوت سننتقل إلى عوقد جارة ريسوت، ومن حديقتها العامة بالذات، فقد تم إعطاء عقد استثمار لجزء كبير من الحديقة لشركة لإقامة ألعاب الأطفال ومتعلقاتها، وافتتح المشروع هذا الموسم، وإنه لتوجه سليم من البلدية، إلّا أن الاسم الذي عُلِّق على بوابة الحديقة وبخط كبير وعريض بالإنجليزي "كيدي تايم"، وترجمته "وقت الأطفال"، مع تغييب اسم حديقة عوقد العامة، ولن يعرف أطفالنا بعد اليوم إلّا حديقة "كيدي تايم"!

ما زالت القائمة تطول، وهذه المرة نتجه الى إتين وأول ما يقابلك فيها هناك اسم "أب تاون صلالة" وترجمتها "مرتفعات صلالة"، بينما لم تكن إتين يومًا مرتفعات صلالة، وتنحصر مرتفعات صلالة في جبالها الشامخة. ولماذا لا تسمى بمرتفعات صلالة وبالعربي مباشرة؟ لماذا نتحسس من أسمائنا وندغمها في لغة أجنبية؟!

بعد ذلك في إتين يقابلك مسمى "إتين سكوير"، لأهم الفعاليات هناك، كل هذا وقد غُيِّبت تمامًا أسامي مثل منطقة (اللوب) وعين جرزيز وواديها، ولم يعد لها ذكر في الخارطة، علمًا بأنَّ اللوب كان مهمًا جدًا لصلالة تاريخيًا، ولا يمكن تناسيه، وهو اسم محلي جميل، وكان تاجرًا مثلما يقول الأولين (اللوب تاجرًا)؛ فلقد كان اللوب ومرتفعاته مخزنًا للحطب في صلالة، يستعمله الناس في منازلهم ومناسباتهم من أفراح وأتراح للطبخ؛ حيث لا بديل له آنذاك، وأنا شخصيًا أتذكر في أواخر الستينيات من القرن الماضي، عندما كان ينفد الحطب من بيتنا، أتجه إلى سوق الحافة، وأجد هناك الجِمال واقفة صافة في منظر بديع مُحمَّلة بالحطب على ظهورها علي شكل هرم صغير، وهو مشهد لا يُنسى من الذاكرة، وذلك تحت بستاتين أشجار النارجيل، وكنتُ اشتري حمولة جمل ويوصلها لي صاحبه إلى حوش البيت، ويبرك الجمل ويفرغ الحمولة، وأنا مستمتع بذلك أيما استمتاع.

هذا بعض من أحداث تم رصدها من موسم خريف هذا العام، وقد تناسى الجميع حتى وضع لوحة للمسجد الجديد في إتين الذي افتُتح بداية الموسم، وأصبح يستقبل جموع المصلين الزائرين وصلوات الجمع.

كنَّا نحسبه سيُسمى مسجد إتين على الأقل، وهكذا فعلًا كُنّا نسميه أثناء فترة تشييده التي استغرقت وقتًا طويلًا، ولما سألت هذه المرة عن الاسم الذي أُعطي له لعدم وجود اللوحة عرفت أنه تمت تسميته "مسجد أم القرى"، ومع احترامنا للاسم إلّا أنه كان الأولى أن يُسمى مسجد اللوب أو مسجد جرزيز أو حتى إتين، إذ لا بُد من جعل إتين محورًا في خريف ظفار في كل شيء، وإذا ضاقت بنا رحاب ظفار بما وسعت ولو تقديرًا لأهمية هذه العين "جرزيز" وواديها، علينا تاريخيًا، فقد لا يعرف الكثيرون أن عين جرزيز كانت تنزل على شكل نهر صغير لا ينقطع طوال العام من العين مرورًا بالوادي وسهل جرزيز؛ ليصب في البحر عند البليد، وتعيش عليه مدينة البليد التاريخية.

لا أعرف بالضبط ما الذي دمر البليد، هل هو تسونامي أم فيضان؟ لكن أصبح لزامًا علينا أن نُعطيها حقها قبل أن تغضب وتثور من جديد فتُدمِّر إتيننا "أب وداون" (أي عاليهُ سافلهُ)!

هذا جرس إنذار وجب قرعه لتدارك هذا العدد الهائل من الأسماء الأجنبية التي بدأت تنهال علينا، رغم ثرائنا الثقافي في المُسمّيات.. نعلم أن كل مناشط وفعاليات الخريف مؤقتة ومرتبطة بالموسم، لكننا لا نعلم إلى متى سيستمر هذا التوقيت قبل أن يُنشئ لنا جيلا كاملا على هذه المسميات النشاز؛ فيسبق بذلك السيف العذل حينها، ونقول "يا ليت" حين لا ينفع الندم!

ظفار لك العليا ظفار لك الولاء

ظفار لك الزلفى لك العز مركب

سلام على الحصن المنيع وأهله، وحياهم عدنان والجد يعرب.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأفعال العمليّة المُجدّية التي تُوقِف الحرّب

نضال عبدالوهاب

أي تحرُّكات لوقف الحربّ الحالية في السُودان يلزمها أشياء مُحدّدة ومُباشرة مع إرادة و عمل مُخلِص داخلياً وخارجياً لوقفها ، وساتناول في هذا المقال أهمّ هذه الخُطوات والأشياء العمليّة والمُجدّية في رايي والتي تتوقف بها هذه الحرّب الحالية ، ووقف إبادة وتشرّيد و مُعاناة السُودانيين ، ومن ثمّ من بعدها الذهاب للخُطوات التي يستدّيم معها السّلام و ضمّانات عدم عودتها ، ومن الضرّوري والهام جداً هنا تفهُّم عدّم تخطِي تلك الخُطوات والمراحل أو القفز عليها ، مع العمّل الجمّاعي المُخلِص لأجل ذلك.
لن تتوقف الحرب طالما هنالك أجندة تخدّم إستمرار الحرّب ، أو محاولة الوصول لأهداف من ورائها وعلي رأسها الصرّاع علي السُلطة أو النفوذ ، ولن تتوقف طالما سيُحاول أي طرف فيها ربط توقفها بتحقيق إنتصار عسكري يحسم به الحرّب لصالحه ، و لن تتوقف كذلك طالما هُنالك أطراف وقوي خارجية تدّعم بالسلاح أطرافها وتقدّم لهما الدّعم السياسِي والفني كذلك لإستمرار الحرّب ، أو تغض الطرف عن جرائم الطرفين وإنتهاكاتهما ، ولن تتوقف الحرّب طالما هنالك تحشيّد لها وإصطفاف لطرفيها ، ولن تتوقف طالما هنالك بث متواصل وتغذيّة لخطابات الكراهيّة والتفريق بين السّودانين ولخدمة أجندة لاعلاقة لها بالوطن ومصالح جميّع شعبه ، ولن تتوقف طالما لم تتوحد إرادة جمّيع السُودانيين لوقفها والإنتقال لعهد جديد مع الإحتكام التام لصوت العقل والحِكمة في ذلك.
من جميّع ما ذكرت أُلخص الخطوات العمليّة والمُجدّية لوقفها في الآتي:

١/الضغط علي الأطراف الخارجية التي تمّد بالسلاح وتواصل إشعال الحرّب ، والتحدث مُباشرة مع تلك الأطراف ، وعلي رأسها الإمارات الداعمّة لمليشيا الدّعم السرّيع ، وعلي المجتمع الدولي تحدّيداً ومؤسساته أن يكونوا أكثر مباشرة في ذلك.
٢/اللجوء إلي العمل الدُبلوماسي أولاً في التعامل مع الأطراف الخارجيّة الدّاعمة لإستمرار الحرّب دولياً وإقليمياً ، سواء عن طريق الوساطة أو عن طريق مجموعة السّودانين العاملين لوقف الحرّب من القوي السياسية أو المدّنية أو من يمثلونها
٣/تفعيّل كافة أنواع الضغط الخارِجي والعُقوبات التي يُمكن أن توقف تدّفق السلاح ضد الدّاعمين الخارجيين للحرّب
٤/الضغط والتعامل المُباشر علي طرفي الحرّب لوقفها سواء عبر الحديث المُباشر أيضاً داخلياً وإقليمياً ودولياً عبر الوساطة ، أو عبر آليات الضغط المختلفة وسلاح العُقوبات “الخارجية”
٥/الحوار المُباشر مع الإسلاميين ورموزهم الذين يقفون وراء الحرّب ويدعمّون إستمرارها ، ليس وفق أجندة سُلطة أو تقاسمها ، وإنما من أجل مصالح البلاد وجمّيع السُودانيين و بناء علي الواقع الحالِي ، أساس هذا الحوار هو إعترافهم بالثورة التي كانت ضد نظامهم ، وبأهدافها المُعلنة وعلي رأسها إنهاء التمّكين والمحُاسبة علي كافة الجرائم وفق عدالة حقيقية ، علي أن لايكون هذا عائقاً في المُشاركة السياسِية لاحقاً وبعد توقف الحرب وحرية التعبير والتنظيم لمن لم يثبت تورطهم في أي جرائم أو إنتهاكات تحقيقاً لمبدأ العدالة ، وأي حديث عن مُصالحات أو عفو لايرتبط بمبادئ الحوار معهم أو تحقيق العدالة لن يكون له أساساً
٦/الإسلاميين أو أي فصيل سياسِي من المؤمنين بوقف الحرّب ، والعاملين لأجل ذلك تصبح مُشاركتهم في أي حوار يقود لوقفها والضغط في إتجاه ذلك ضرورية بإعتبارهم سُودانيون أصحاب مصلحة في البلاد والمُحافظة عليها وعلي إستقرارها و علي وحدتها
٧/التعامل مع الواقع الحالي للحرّب بإعتباره وضع شدّيد الخُطورة وكارثي علي حاضِر ومُستقبل السُودان والدولة والشعب نفسه ، وهذا يستلزِم تقديّم التنازلات الضرورية المطلوبة لأجل توقف الحرّب دون التمترُّس أو التخندّق في المواقف التي لاتتوقف بها الحرّب ، أو تُساهم في تمزيّق السُودان وإبادة شعبه وتهجيرّه وإطالة أمد مُعاناتهم ، وهذا يعني وبشكل مُباشر الإنفتاح علي حوار لايستثني أحداً من السّودانيّن من أجل الذهاب لمُستقبل لتأسيس سُودان خالي من أخطاء الماضي ، وعلي هدي ثورة ديسمبر وللإنتقال الديمّقراطي ومُعالجة مُشكلاته من جذورها.
الخُطوات العاجلة لوقف الحرّب:

١/مُشاركة الجميّع في الحوار السُوداني السُوداني ولكل المؤمنين بوقفها والمُمهد له العمّل الجماعي التحالُفي أو التنسِيقي وتوحيّد الرؤية المُشتركة لأجل أهداف وقف الحرّب و الوقف التام لإطلاق النار و ووقف الإبادة و كافة الإنتهاكات والتشرّيد وعودة الإستقرار
٢/العمّل الجمّاعي المُخلِص في الداخل والخارج لتقدّيم كافة أنواع العون الإنساني والإغاثة لكافة السُودانيين وتقليل أضرار الحرّب وإفرازاتها
٣/تهئية الأجواء التي تُساعد علي العمل المُشترك ، بوقف كافة أنواع العدائيات في الخطاب السياسِي والإعلامي وضبطها بين الجميع ، وعدم التصعيّد وتأجيج الخلافات ، مع النبذ التام للعُنف اللفظي والجسدّي ، و مُحاربة خِطابات التفرّيق والكراهيّة
٤/التوصُل لآلية تقود لحوار داخِلي جامّع للسُودانيين دون إقصاء يتم الإتفاق عليها سواء عبر “مائدة مُستديرة أو مؤتمر عام جامع” ، أو أي شكل يؤدي لنتيجة وقف الحرب والإنتقال لإستدامة السّلام والإتفاق السياسِي المؤدي للإنتقال الديمُّقراطي والحُكم الفدرالي المدّني ، وفق أهداف الثورة والتأسيس الجديد للدولة الذي يُحافظ عليها من التقسيّم والمؤامرات للسيطرة عليها وعلي ثرواتها.
٥/التركيز علي الحلول الوطنية السُودانية مع الإتفاق علي رؤية سياسِية مُشتركة في التعامل مع الخارج والمُجتمع الدولي وفق مصالح بلادنا العُليا وكامل سيادتها

ختاماً هذه هي الخُطوات اللازمة والعاجِلة والفاعِلة والمُجدّية من وجهة نظري ورايي التي تتوقف بها الحرّب وإبادة وتشرّيد السُودانيين ومُعاناتهم ، وتتحقق بها مصالِح أكبر مجمّوع منهم ، وتُحافظ علي الدولة نفسها وعلي وحدتها وأمنها وإستقرارها.

٢١ نوفمبر ٢٠٢٤

الوسومنضال عبدالوهاب

مقالات مشابهة

  • محافظة ظفار تضم بنية سياحية متكاملة مع ارتفاع الزوار لأكثر من مليون خلال موسم الخريف
  • الأفعال العمليّة المُجدّية التي تُوقِف الحرّب
  • إدارة التوحش من داعش إلیٰ مليشيا آل دقلو!!
  • التخطيط: فرق التعداد ستزور جميع الأسر التي لم تصلها في الساعات الماضية
  • من هي ”أم كيان” التي تقود الاستخبارات النسائية لدى الحوثيين؟
  • الداعري يشدد على التعامل بحزم وعدم التهاون مع أي مسببات لإقلاق الأمن والسكينة في حضرموت
  • اليوم .. ظفار يلاقي الوحدة بالدرجة الأولى
  • احتجاز 4 أشخاص في مجرى وادٍ بصلالة
  • "عائلة رفعت قضة على الأشباح".. أغرب الجرائم التي يَزعم ارتكابها من الأرواح
  • انخفاض انتشار «البارثنيوم» في محافظة ظفار .. وجهود المكافحة تثبت فعاليتها