جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-26@18:11:02 GMT

الأسرة والمراهقة.. تحديات وحلول

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

الأسرة والمراهقة.. تحديات وحلول

سلطان بن ناصر القاسمي

الجو الأسري هو أحد العوامل الأساسية التي تُسهم بشكل كبير في تنشئة الأبناء؛ حيث يلعب دورًا محوريًا في بناء شخصيتهم وتوجيههم نحو النجاح، لكنَّ هذا الدور يتأثر بمجموعة من الجوانب المتعلقة بالبيئة التي ينشأ فيها الطفل، ومنها البيت نفسه، العلاقة بين أفراد الأسرة، والظروف المُحيطة.

وبالرغم من التفاوت الكبير بين الأسر من حيث الإمكانيات المادية والثقافية، نجد أنَّ بعض الأسر، رغم قلة الموارد، تحقق نجاحًا ملحوظًا في تربية أبنائها، سواءً على المستوى الأدبي، الأخلاقي، أو التعليمي.

في المقابل، هناك أسر أخرى تتمتع بإمكانيات مادية جيدة، ولكن مخرجاتها في تربية الأبناء قد تكون أقل كفاءة.

ومن هنا يبرز التساؤل: هل البيئة الأسرية هي العامل الأساسي في نجاح الأبناء؟ أم أنَّ البيئة المجتمعية المحيطة هي العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد مسارهم ومستقبلهم؟

من وجهة نظري، أن البيئة الأسرية تظل العامل الأساسي والأهم في تحديد الناتج النهائي للتربية. فالعلاقة الأسرية وطريقة التوجيه داخل المنزل هي التي تحدد بشكل كبير كيفية تكوين شخصية الأبناء وتوجهاتهم.

على سبيل المثال، عندما يتم توجيه الأبناء بأسلوب يعتمد على الشدة والحزم المفرطين، خاصة في فترة المراهقة، قد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية؛ فالمراهقة مرحلة حساسة يمر فيها الأبناء بتغيُّرات جسدية ونفسية واجتماعية كبيرة، تجعلهم أكثر عرضة للعناد والتَّمرد. ولهذا السبب، يجب أن تكون الأسرة على دراية كاملة بكيفية التعامل مع هذه المتغيرات بطريقة تضمن تحقيق التوازن بين التوجيه والانضباط، وبين تفهم احتياجات الأبناء في هذه المرحلة الصعبة.

لا شك أنَّ الظروف الأسرية مثل الترابط بين أفراد الأسرة أو وجود مشاكل متكررة بين الوالدين تسهم بدور كبير في تحديد أنماط الحياة لدى المراهقين، وبالتالي، تؤثر بشكل مباشر على قدرتهم على تحديد أهدافهم والعمل على تحقيقها؛ سواءً كان ذلك في الجانب المجتمعي أو الأخلاقي أو التعليمي. لكن، لا يُمكن تجاهل تأثير البيئة المجتمعية والعادات والتقاليد الاجتماعية التي تحيط بالمراهقين، والتي تمارس دورًا محوريًا في تشكيل سلوكياتهم.

من ناحية أخرى، نجد أنَّ دور الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح ذا تأثير كبير على الأبناء، وبالتالي، يتعين على الأسرة أن تتعامل بذكاء مع هذا التأثير الخارجي. لهذا، أرى أن الحل الأمثل للتغلب على تحديات مرحلة المُراهقة يتطلب عدة خطوات مهمة:

يجب إيجاد بيئة حوار مفتوحة بين أفراد الأسرة؛ فالحوار هو الأساس في حل المشكلات وتوجيه الأبناء بطريقة تجعلهم يشعرون بالانتماء والفهم. وينبغي تقليل استخدام أساليب الشدة والحزم إلا في المواقف التي تتطلب ذلك. من الضروري أن تكون للأسرة دراية كاملة بأصدقاء أبنائها؛ فمعرفة أخلاقيات هؤلاء الأصدقاء وتوجيه الأبناء بشكل مرن يمكن أن يساعد في تجنب التأثيرات السلبية دون اللجوء إلى منع التواصل بشكل قاطع، الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية. يجب على الوالدين محاولة تجنب المشاكل بينهما أمام الأبناء؛ فالاستقرار الأسري وخلق بيئة تفاهمية بين الوالدين يسهم بشكل كبير في تكوين شخصية الأبناء بشكل سليم. من المهم عدم توجيه النصح أو اللوم للأبناء أمام أصدقائهم أو حتى إخوتهم؛ لأنَّ مثل هذه التصرفات قد تؤدي إلى شعور الأبناء بالإحراج، مما قد يؤثر سلبًا على علاقتهم بوالديهم. ينبغي على الأب أن يتقرب من أبنائه، مستخدمًا لغة الحوار بدلًا من لغة العتاب واللوم؛ فالتقارب بين الأب وأبنائه يُعزز من قدرتهم على استيعاب التوجيهات الأبوية بشكل أفضل. يجب على الأسرة خلق روح تنافسية إيجابية بين أفرادها؛ فالتنافس داخل الأسرة يمكن أن يكون دافعًا قويًا لتحقيق النجاح والتفوق. من الضروري عدم منح أحد الأبناء الأكبر سنًا السلطة التامة داخل الأسرة؛ فالسلطة المطلقة قد تؤدي إلى خلق توترات بين الإخوة، مما يُضعف من ترابطهم ويؤثر سلبًا على الجو الأسري.

ويمكن القول إنَّ الأساليب التربوية متنوعة وكثيرة، لكن نحن كأولياء أمور يجب علينا تحديد الأسلوب الأمثل لتربية أبنائنا بناءً على فهم عميق للظروف المحيطة بهم، وكذلك معرفة طبيعة كل ابن من حيث رغباته وهواياته. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد الأبناء يعاني من العناد والتمرد، خصوصًا في مرحلة المراهقة، يجب التعامل معه بحكمة، من خلال منحه مساحة من الحرية مع المراقبة غير المباشرة، والتوجيه المبني على الحوار.

وعليه.. فإني أوجه رسالتين مهمتين جدًا؛ الأولى للوالدين، وهي أن مرحلة المراهقة هي تحدٍ كبير يجب التعامل معه بصبر وحكمة؛ فالمناشط المتنوعة، سواء في المنزل أو في المجتمع، مثل الحلقات التعليمية والبرامج الترفيهية، يمكن أن تسهم في تحقيق النجاح في هذه المرحلة.

أما الرسالة الثانية، فهي للأبناء؛ إذ أدعوهم إلى مواجهة هذه المرحلة بعقلانية، بعيدًا عن العاطفة التي قد تجرهم إلى مستقبل مظلم، ويجب عليهم أن يدركوا أن توجيهات والديهم صادقة وتهدف إلى إيصالهم إلى مستقبل أفضل، وأن يتذكروا دائمًا أن أعظم محبيهم هم والديهم.

وأختم بالقول.. علينا جميعًا أن نعمل بقول الله تعالى "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا". (الإسراء:23).. فتقدير الوالدين واحترام توجيهاتهم هو الطريق الأكيد للنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

مقارنة الأبناء بالآخرين.. طريق للإحباط وحساسية مفرطة وعدوانية غير مبررة

مقارنة الأبناء بالآخرين تُشعرهم بأنهم غير كافيين وأن ذويهم يفضلون غيرهم عليهم، إذ يحاول الابن أحيانا تحقيق إنجاز ما فيأتي الرد بالمقارنة مع آخرين، لتكون النتيجة شعورًا بالإحباط، وهذا ما كشف عنه الدكتور هشام رامي، استشاري الطب النفسي، الذي أكد أن الحل الأمثل لتحفيز الأبناء هو الاعتماد على التشجيع الإيجابي، من خلال مدح إنجازاتهم ومقارنتهم بأنفسهم في محاولاتهم السابقة، ليصبحوا أفضل نسخة من أنفسهم.     

أعراض نفسية خطيرة نتيجة مقارنة الابن بالغير

استشاري الطب النفسي، كشف خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية آية جمال الدين، ببرنامج «8الصبح»، المذاع على قناة «dmc»، أنّ هناك بعض الأعراض التي تدل على وجود مشكلات نفسية لدى الابن نتيجة مقارنته بالآخرين، مثل الحساسية المفرطة وردود الفعل المبالغ فيها تجاه مواقف بسيطة والعدوانية غير المبررة، فضلا عن الاكتئاب، أو «جلد الذات» بشدة غير منطقية.

طرق التغلب على المشكلات النفسية لدى الابن

وتابع: «المعرفة والإدراك للمشكلات النفسية التي يتعرض لها الابن نتيجة مقارنته بالغير هي أول خطوة للتغلب عليها، من ثم يجب الفضفضة مع الابن وبناء علاقات ودية، أو اللجوء إلى متخصص للمساعدة في حل هذه المشكلات».

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: رعاية الأبناء واجب شرعي ولا يجوز التكاسل في التطعيمات
  • دراسة علمية تكشف مخاطر السيول على عدن وحلول للتخفيف منها
  • طارق يحيى: غياب ناصر ليس مؤثرا بشكل كبير أمام بلاك بولز
  • المغربي اليامق: الدوري السعودي تطور بشكل كبير
  • وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء
  • «كورالاين» وأزرارُ العين!
  • الجديد يقترح عقوبات وحلول لتقليل الاحتفاظ بالسيولة في المنازل
  • مقارنة الأبناء بالآخرين.. طريق للإحباط وحساسية مفرطة وعدوانية غير مبررة
  • فضل دعاء الوالدين للأبناء والأدعية المستحبة
  • في المحافظات المحتلة: حوادث احتراق باصات النقل الجماعي .. ظاهرة مريبة وحلول غائبة