إنَّ من أعظم عقوق الوالدين أكل الحقوق والظلم في الميراث وخاصة حقوق الأخوة والأخوات والأيتام، بل أن البعض يصل به الحال والعياذ بالله لأكل حقوق الأمهات أيضاً وذلك بالتحايل والاستيلاء على أنصابهم إمَّا بالحلف الكاذب أو التزوير والغش أو شهود الزور أو التآمر أو بأي طريقة غير شرعية تتيح لهم الحصول على الميراث أو حِصَّة غير عادلة من تركة الوالدين أو أحدهما، والتي يدخل فيها الظلم والتعدِّي على حقوق الآخرين، غير مبالين لقدرة الله على الظالم أولاً ثم لصلة الرحم التي أوجبها الله أو بِرَّ الوالدين بعد وفاتهما، أو آثار عقوبتها في الدنيا والآخرة التي غفل عنها الكثير وأحببت التذكير بها والتي من أهمها:
* التعدِّي على حُدود الله: أن أكل حقوق الورثة أو جزءاً منها يعتبر تعدي على حقوق الله، وأن الميراث حَدٌّ من حُدود الله كما ذكره الله تحديداً بعد آيات الميراث في سورة النساء في قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء-13/14).
* أكل حق الضَّعِيفَيْن: والضعيفين هما اليتيم والمرأة كما ورد في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام والذي قال فيه ” اللَّهمَّ إنِّي أحَرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ: اليتيمِ، والمرأَةِ” (أخرجه ابن ماجه وأحمد)، وفي رِواية الحاكِم: «أُحَرِّجُ حَقَّ» أي: أُضَيِّقُ على النَّاسِ في تَضييعِ حَقِّهم، وأشَدِّدُ عليهم في ذلك، وأحَذِّرُهم من الوُقوعِ في ظُلمِهم.
* سبب لقطع صلة الرحم ولعنة الله: حيث يقول الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ} (محمد-22/23) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن “إنَّ اللّهُ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إذَا فَرغ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالتْ: هَذَا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى، قالَ: فَذلكِ لَكِ” (صحيح مسلم).
* عدم دخول الجنة: وهو ما يلحق قاطع الرحم والعياذ بالله بسبب أكل الحقوق، لأن الجنة هي صلة الله لأهل كرامته وطاعته، وقد أكد ذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي قال فيه “لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعٌ”، وقَالَ سفيان في روايته: يَعْني: قاطِع رحِمْ. (متفقٌ عَلَيهِ).
* الإفلاس يوم الحساب: أما عن يوم القيامة فيقول الله تعالى {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء-88/89)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه “أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ” (صحيح مسلم).
* عِظَمَ الإثم وكبره: إن أكل مال الورثة والأيتام جُرم عظيم عند الله حيث قال تعالى فيه {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (النساء-2)، وقال ابن عباس أنَّ معنى “حوبا كبيراً” أي إثما كبيراً عظيماً.
* أكلة الميراث ظلماً يأكلون النار وسيصلون سعيرا: وصف الله من يأكلون أموال الورثة والأيتام في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء-10)، وقال السدي: يُبعَث آكل مال اليتيم ظلما يوم القيامة ولهب النار يخرج من فِيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه من رآه بآكل مال اليتيم.
* أكل المال بغير حق ليس له كفارة: وهو ما أكَّدَهُ النبي عليه الصلاة والسلام في قوله “خَمْس لَيسَ لَهُنَّ كَفَّارَة: الشِّرْكُ باللهِ عَزَّ وجَلَّ، وقَتلُ النَّفْسِ بِغَيرِ حَقِّ، أو نَهْبُ مُؤمِنٍ، أو الفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْف، أو يَمِينٌ صَابِرةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيرِ حَقّ” (أخرجه أحمد وحسَّنه الألباني).
* سَبَبٌ للدخول في السبع الموبقات: وهي الذنوب المُهلكات التي حَذَّرنا منها المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ ومَا هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ” (صحيح البخاري).
وأختم بمعلومة قد يجهلها الكثير والتي قامت بها وزارة العدل مشكورة وستكون سبباً بإذن الله في عدم وجود خلاف أو أكل الحقوق بين الورثة ألا وهي خدمة “توثيق وصية” إلكترونياً عبر بوابة ناجز بخطوات سهلة ومُيسرة وهي تستهدف مقدم الوصية بالأصالة عن نفسه أو بالوكالة، بالإضافة إلى إقرار ورثة المتوفي من خلال بياناتها، ويمكن للموصي طلب إلغاء الوصية متى ما شاء طالما أنه على قيد الحياة من خلال النظام نفسه، فإذا توفى الموصي استقرت الوصية، مع العلم بأن الوصية ليست واجبة وإنما هي مُستحبة، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام عنها “مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شيءٌ يُرِيدُ أنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ” (رواه البخااري ومسلم-الوصايا)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام محذراً من أكل الحقوق ولو كانت يسيره “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَليْهِ الجَنَّةَ فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: وإنْ كانَ شَيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ” (صحيح مسلم).
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: علیه الصلاة والسلام أ م و ال
إقرأ أيضاً:
كيف يفتح الاستغفار والصلاة على النبي أبواب البركة والرزق؟.. الإفتاء توضح
الصلاة على النبي و الاستغفار لكل ذكرٍ فضل في وقته الذي دل عليه الشرع، وأرشد إليه، ولم يرد ما يبين أفضلية أحدِ الذكرين على الآخر مطلقًا، ولو كان في الاقتصار على أحدهما مطلقًا خيرٌ للعبد لدل عليه الشارع؛ ولهذا اختلفت فضائل الأذكار باختلاف ألفاظها واختلاف أوقاتها.
كيف يفتح الاستغفار والصلاة على النبي أبواب البركة؟
قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن الاستغفار يوسع الأرزاق، كما أن الصلاة على النبي مفتاح من مفاتيح الأرزاق.
وأضاف “عثمان”، في لقائه على فضائية "الحياة"، أن الاستغفار يوسع الرزق ويقضي الحوائج ويزيد الرزق ويبارك في المال والأولاد.
واستشهد بقوله تعالى : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).
وأشار إلى أن الاستغفار يفتح الأبواب المغلقة ، كما أن في الاستغفار تكفير الذنوب والسيئات والخطايا والآثام، حيث قال الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ).
وذكر أن الاستغفار مشروع للمسلم في كلّ وقت وحين، ولا يتمّ تحديد وقت لعبادةٍ ما إلا ما نزل فيها الأمر بذلك، مثل وقت السّحر، أو أدبار الصّلوات، أو الصّباح والمساء، وذلك للحذر من الوقوع في البدع، ويجب على المسلم أن يستحضر قلبه عند الاستغفار والدّعاء، وذلك لما في حديث الترمذي عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (إنّ الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه).
وكشف أمين الفتوى عن دعاء سيد الاستغفار، فهو كما ورد عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ"، قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ".
جاء في الحديث الذي رواه الترمذي في "السنن"،: أن أُبيَّ بن كعبٍ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إني أُكثِر الصلاةَ عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت. قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تُكفى همك، ويغفر لك ذنبك. حسنه الترمذي. فكانت عاقبة جعل كل الدعاءِ صلاةً على النبي صلى الله عليه وسلم مغفرة الذنب، مع كفاية الهمِّ.
ودار الإفتاء المصرية، أفتت بأن كلاهما ثوابه عظيم ولكن يجب المواظبة على كليهما معا فلا يمكن ان ننشغل بالاستغفار على طول الخط ونترك الصلاة على النبي والعكس كذلك .
أحب الصلاة على النبي أكثر من الاستغفار فهل أكون آثمة ؟
وقال الدكتور عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء، ان الصلاة على النبي فيها إزالة الهم ورفع الكرب ومغفرة للذنوب ، أما الاستغفار فيمحو الذنوب ويوسع الرزق وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاء سيد الاستغفار ، " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ".
قال الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن الاستغفار والصلاة على النبي والدعاء وصلاة ركعتين كل هذا لفك الكرب، فمن أصابه كرب وهم وغم عليه أن يردد بدعاء: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت».
وتابع أمين الفتوى بدار الإفتاء: "هناك الكثير من الأدعية لفك الكرب والهم وهى "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد".