« نْيُوتَمَغْرِبِيتْ ..ملاحظات حول المجتمع الافتراضي المغربي » عنوان الكتاب الجديد الذي يصدر لي قريبا، أقارب فيه بالخصوص ما تطرحه  التحولات المجتمعية المرتبطة بالطفرة الافتراضية وتطور وسائل الاتصال من أسئلة كثيرة حول قصور البنيات الأساسية للمجتمع عن مواكبة المصفوفة القيمية التي يتفاعل معها الشباب بشكل كبير، بل ويصبح فاعلا فيها.

كل هذه الأسئلة تمكن من فهم هذه الوضعية الناتجة عن انتقال من فرد متواصل إلى فرد متصل. كما أن سؤال المواطنة الافتراضية في علاقتها براهنية القيم الديجيتالية أفضت إلى المرور من المجتمع الواقعي إلى المجتمع الافتراضي، « من مجتمع تَمَغْرِبِيتْ » إلى « مجتمع نْيُوتَمَغْرِبِيتْ »  .  في هذا السياق، من الضروري التأكيد على أن هذا المرور تم من خلال التحول من العلة التواصلية إلى العلة الاتصالية ومن البراديغمات إلى الخواريزمات أو بإيجاز من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال. هذا الأخير الذي أظهر سطوة الديجيتالي الفردي على الافتراضي الجمعي والرقمي التقني.

كيف يمكن إذن في هذا الخضم للمصفوفة القيمية التي أفرزها الفضاء الافتراضي أن تأثر في الممارسات المجتمعية للفرد؟ للإجابة على هذا السؤال يتوجب أولا التمييز بين ماهو افتراضي وما هو رقمي وما هو ديجيتالي. فالحديث عن التأثير هو حديث ليس على العالم الافتراضي الذي يقابل عامة العالم الواقعي وليس كذلك حقلا للعالم الرقمي الذي يحيل على أساليب تقنية لتدبير الحياة العامة المجتمعية، بل مرده أساسا الطبيعة الديجيتالية التي تعتبر الجانب الناعم للرقمي والافتراضي، لا سيما أن في طياتها يتمكن الفرد من أن يؤثر ويتأثر ومن تم أن يغير من سلوكاته وممارساته الشخصية ويبدع قيما جديدة تتماشى وتحاكي مجتمعه الافتراضي. لهذا فالاستنتاج العام هو أنه مع تراجع محاضن التنشئة التقليدية بل واستقالتها تولدت تنشئة مجتمعية عفوية ومشخصنة تمت عبر جسر الشق الديجيتالي لوسائط التواصل الاجتماعي. ما نتج عنه تسونامي قيم افتراضية متموجة تتماهي وتحاكي وتعاكس وتعارض في نفس الآن القيم الواقعية كأننا أمام عالمين متوازيين وأن الفرد فردين وله هويتين هوية واقعية وهوية افتراضية. كما أن مفارقات واقع الفضاء الافتراضي يجعل منه عالما تختلط فيه عدة هوامش منها المتنفس، الحرية، المواطنة، التضامن، التداول، التعبئة، الإدمان، التعويض، العنف، الكراهية، العنصرية، الانعزالية، التفاهة، القذارة، العمى القيمي، …

من هذا المنظور، يبدو أساسيا الإلمام بمحددات البيئة الافتراضية من خلال التمييز بين الافتراضي والرقمي والديجيتالي وتبيان ممارسات الأفراد المتصلون والمجموعات الافتراضية و »المؤثرون الافتراضيون » وهيمنة الخواريزميات وأفول البراديغمات. كما تعدو في هذا السياق المقاربة البحثية للمجتمع الافتراضي رهينة بمداخل الأنثروبولوجيا الديجيتالية وطبيعة المتن الديجيتالي واستراتيجيات وتقنيات الاتصال، مع مراعاة المعايير والضوابط المنهجية. كما تمكن هذه المقاربة من فهم وتوصيف الانتقال من المجتمع الواقعي (مجتمع التواصل) إلى المجتمع الافتراضي (مجتمع الاتصال) والإمساك بتمظهرات الرباط الديجيتالي في علاقته بتداعيات العلة الاتصالية وتأثيراتها على التمثلات الهوياتية وتفعيل سيولة أفق الاتصال والتحكم في مستقبل حرية التواصل. في هذا السياق، يمكن ربط التنشئة الديجيتالية بالتحولات القيمية التي أفضت إلى مواطنة جديدة مكنت في الحالة المغربية من الانتقال من مقولة تَمَغْرِبِيتْ إلى مقولة « نْيْوتَمَغْرِبِيتْ » تتخللها بالتوازي قيم سالبة وانزلاقات ديجيتالية تفرض نوعا جديدا من الضبط الديجيتالي في أفق تبيئة الفضاء الافتراضي المغربي.

 

فالانتقال من تَمَغْرِبِيتْ كوعاء هوياتي يحتضن جميع عناصر الشخصية المغربية بما فيها العناصر الثقافية والتاريخية والحضارية والإنسانية إلى « نْيُوتَمَغْرِبِيتْ » أفضى إلى مواطنة افتراضية جديدة بتمظهرات وتجليات مغايرة لمثيلتها في الحياة المجتمعية حيث صارت هذه المواطنة منقسمة بين قيم إيجابية مُمَكِّنَة تنحو منحى ترسيخ ممارسات التضامن والتعايش والانسجام والاسهام في بناء فضاء موازي للتداول المتنوع والمتكامل حول قضايا الشأن العام المغربي إلى قيم سلبية وسالبة غايتها خلق بيئة هجينة وغرائبية تنتج عنها حالة من الاحتباس والتشنج القيمي يمكن أن يؤدي إلى تقويض ركائز العيش المشترك والرابط الاجتماعي بل تكاد كذلك أن تكون خطرا على السلم المجتمعي واستمرارية مكونات التعايش. وتباعا لا تعدو أن تكون القيم السالبة الصاعدة من الفضاء الافتراضي المغربي سوى انزلاقات ديجيتالية قد تهيمن تداعياتها على مستقبل الأجيال الصاعدة ليصير المجتمع الافتراضي المغربي مجتمعا يعج بغرائبية هوياتية وقيم وممارسات عمياء تضرب في عمق مقولة المواطنة وحيث يصبح الريع الديجيتالي هو أسمى مراتب الحظوة المجتمعية.

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: اليوم 24

إقرأ أيضاً:

ثقافة وسياحة أبوظبي تفوز بالجائزة الذهبية للمسؤولية المجتمعية 2024

حصلت دائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي على الجائزة الذهبية ضمن الجوائز العالمية للتميز في مجال المسؤولية المجتمعية 2024 تقديراً لنجاحها في تنفيذ مشروعها لمبادرات المسؤولية المجتمعية الذي يُعتبر نموذجاً رائداً في هذا المجال على المستويين المحلي والدولي.

وتصدرت الدائرة ما يزيد على 500 جهة مرشحة لنيل الجائزة من خلال مبادراتها للمسؤولية المجتمعية التي استقطبت أكثر من 2200 متطوّع ساهموا بـ 23,534 ساعة تطوّع، استفاد منها 150 ألف شخص في الإمارة.
وقال سعيد علي عبيد الفزاري، المدير التنفيذي لقطاع الشؤون الاستراتيجية في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي إن حصولنا على الجائزة الذهبية للتميز في المسؤولية المجتمعية يعكس مدى نجاح مبادراتنا في هذا المجال، و التزامنا بتحقيق رسالتنا الرامية إلى إثراء الحياة عبر تمكين أبوظبي وصون مقوماتها السياحية والثقافية، والارتقاء بها، والمشاركة الفعّالة في دعم مجتمعنا وجهود المحافظة على بيئتنا الطبيعية، ما يجعل إمارتنا الوجهة الأفضل للعيش والعمل والزيارة، ونطمح إلى تقديم نموذج إيجابي للمسؤولية المجتمعية سواء للجمهور أو الشركاء عبر صياغة معايير عالمية جديدة للتميز، والمضي قدماً في ترك بصمة ملموسة ومستدامة تمهد الطريق لتعزيز جودة حياة مجتمعنا وزوارنا في أبوظبي.

مقالات مشابهة

  • هدايا نظارات الواقع الافتراضي للأطفال في متحف التحرير
  • شرطة أبوظبي تعرض تقنية الواقع الافتراضي في ملتقى الذكاء الاصطناعي
  • ولاية صلالة ل”عازمون” المشروع الفائز بالمركز الأول في المسابقة المجتمعية للحد من انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية في نسختها الثالثة
  • اختتام ورشة تدريبية عن الاتصال والتواصل الاستراتيجي بمأرب
  • محافظ بني سويف يبحث جهود المشاركة المجتمعية لدعم منظومة المخلفات
  • تحديات بالفكر والتمويل.. السيناريست أيمن سلامة يرصد عدة ملاحظات تواجه صناعة السينما
  • كريم السادات: فتح مجلس النواب المناقشة حول الإجراءات الجنائية يعزز الشفافية والمشاركة المجتمعية
  • ثقافة وسياحة أبوظبي تفوز بالجائزة الذهبية للمسؤولية المجتمعية 2024
  • لـ 20 نوفمبر.. تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية «رشوة وزارة الري»
  • بدء الدورة التدريبية الخاصة بالمشاركة المجتمعية واستراتيجية تطوير القطاع الصحي