طريق الحرية طويل.. مزيد من النساء يهربن من أفغانستان رغم مخاطر الاحتجاز والقتل
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت فاطمة تجلس على أرضية غرفة استأجرتها في مدينة كويتا، القريبة من الحدود الباكستانية مع أفغانستان، وتستخدم دفتر ملاحظات كمروحة يد، ملاذها الوحيد للتهوئة من حرارة يوليو/ تموز.
وأطلعت فاطمة CNN، عبر مقابلة فيديو، عن المرات الثلاث التي حاولت فيها الفرار من وطنها، أفغانستان، وكيف أنّ المحاولة الثانية كانت أشدّ عنفًا من الأولى.
وقالت فاطمة، وهو ليس اسمها الحقيقي، لأنّها لا تملك حاليًا وثائق، ولم يتمّ ترحيلها بأمان بعد، إنها كانت ضابطة في الجيش الوطني الأفغاني عندما سقطت كابول بتاريخ 15 أغسطس/ آب عام 2021.
وفي خضم الفوضى التي أعقبت ذلك، لم تتمكّن من مغادرة أفغانستان، لكن بعد أشهر، في يناير/ كانون الثاني عام 2022، سافرت الشابة العشرينية إلى إيران من مدينة في شمال أفغانستان، في رحلة قالت إنها استغرقت ثلاثة أيام سيرًا على الأقدام.
لكن، عندما اقتربت والمجموعة التي كانت تسافر معها من الحدود، رصدهم حرس الحدود الإيراني وأطلقوا النار عليهم، فلاذوا بالفرار.
وبعد شهر، أعادت فاطمة المحاولة.
هذه المرة، أوضحت فاطمة لـCNN أنها سافرت جواً إلى العاصمة الإيرانية طهران، ودخلت بتأشيرة كلّفتها مبلغًا قدره 45 ألف "أفغاني" (640 دولاراً) إلى وسيط للحصول عليها.
وبعد بضعة أشهر، وجدت مهرّبين قالوا إنهم يستطيعون إدخالها إلى تركيا. لكن عوض تسهيل رحيلها، تزعم فاطمة أنّهم قاموا باحتجازها ومهاجرين آخرين، وطالبوا أحباءهم بفدية من أجل إطلاق سراحهم.
صورة لفاطمة التقطت أثناء محاولتها الأولى لدخول إيران في أوائل عام 2022. وقد قامت CNN بتعتيم الصورة لحماية هويتهاCredit: Obtained by CNNوقالت وهي ترفع معصمها إلى كاميرا هاتفها المحمول لإظهار نتوء مرئي: "لقد تعرّضنا لاعتداءات جسدية بانتظام".
ولفتت إلى أنّ جرحها "لم يلتئم بعد".
وبعد حوالي 20 يومًا من بدء محنتها، أشارت فاطمة إلى أنّ الشرطة الإيرانية عثرت عليها وعلى مهاجرين آخرين، ونُقلوا إلى مركز احتجاز. ومن هناك، ورغم محاولتها إقناع المسؤولين بأن حياتها ستكون في خطر، وُضعت في حافلة أعادتها إلى أفغانستان.
والأسوأ لم يأتِ بعد، إذ قالت فاطمة إنّ طالبان أوقفت الحافلة التي كانت تقلّها، وتم احتجازها. وقاموا بضربها لمدة ثلاثة أيام واستجوبوها حول دورها في الجيش. وفي النهاية وصلت الأخبار إلى عائلتها التي اقترضت المال لدفع رشوة قدرها 3 آلاف دولار لطالبان من أجل إطلاق سراحها، بحسب ما روت لـCNN.
وقالت فاطمة وهي تتحدّث بسرعة، كأنها تخشى أن تنسى بعض التفاصيل إذا لم تشاركها فورًا: "لقد هدّدوني وأخبروني أنه يجب أن أُقتل. توسّلت إليهم (بالقول) إنني معيلة الأسرة، وأنا الابنة الكبرى".
مجموعة من الأفغان يسيرون نحو الحدود بين أفغانستان وإيران عند ميناء إسلام قلعة بعد ترحيلهم قسراً من إيران بتاريخ 19 أكتوبر 2021Credit: Hoshang Hashimi/AFP/ Getty Imagesوقالت شقيقتها المراهقة، عَذرا، التي تحدثت إليها CNN بشكل منفصل، إنها كانت موجودة في الصباح الذي عادت فيه فاطمة أخيرًا إلى المنزل. وتتذكر: "كانت مضرّجة بالدماء. عندما رأيتها، كانت تبكي. قامت والدتنا بتحميمها، بينما قمت بإعداد بعض الطعام لها".
ورغم الحديث لساعات، فإنّ رواية فاطمة لما حدث لها في إيران غير مكتملة. وأوضحت لـCNN إنها تعاني من فقدان الذاكرة نتيجة الضرب الذي تلقته على رأسها. وقامت CNN بحذف بعض تفاصيل رحلتها حتى لا تكشف عن هذه المسارات.
مواطنون أفغان يعبرون الحدود إلى باكستان في مدينة شمن في 18 أغسطس/ آب عام 2021.Credit: AFP/Getty Imagesومع ذلك، فإن تقريرًا صادرًا عن منظمة العفو الدولية في عام 2022، يفصّل تجارب اللاجئين الأفغان التي تعكس بعض ما وصفته فاطمة، أي استخدام المهرّبين، وإطلاق النار عليهم على الحدود، والاحتجاز والترحيل.
وفي بداية عام 2023، حاولت فاطمة مجددًا مغادرة أفغانستان. هذه المرة استعانت بأحد المهرّبين ونجحت في العبور إلى باكستان. وبحلول الوقت الذي تحدثت فيه CNN معها، من تلك الغرفة الصغيرة في كويتا، كانت تعاني من صدمة واضحة بسبب محاولتيها السابقتين، وأعربت عن غضبها من الوكالات الدولية لأنها تشعر بأنها خذلتها، وما زالت يائسة للوصول إلى بر الأمان.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: العنف ضد المرأة انفوجرافيك حركة طالبان
إقرأ أيضاً:
لا مكان للصور بمناهج التعليم.. هل بدأت أفغانستان العودة لفترة التسعينيات؟
تغيرت أفغانستان كثيرا بعد عودة طالبان إلى مقاليد الحكم قبل أكثر من ثلاث سنوات، ولم تعد البلاد تعج بالحياة والألوان إذ أزيلت اللافتات من الأماكن العامة وأصبح مجرد التقاط صورة ونشرها أمرا محظورا في البلاد ولو كان ذلك لأغراض تربوية حيث أن قطاع التعليم في البلاد شهد في الآونة تغييرات جذرية أثارت جدلا واسعاً.
من أبرز هذه التغييرات قرار وزاري جديد يقضي بإزالة صور الكائنات الحية من المناهج الدراسية، ضمن جهود طالبان لملاءمة التعليم مع التفسير الصارم للشريعة الإسلامية.
ويشمل ذلك الحظر الرسومات التي تصور الأطفال أثناء الأنشطة، والرسوم التشريحية في كتب الإحياء، والصور التي تعكس تاريخ أفغانستان وثقافتها.
وترى طالبان أن هذه الصور تتعارض مع مبادئ الشريعة، وذلك تنفيذا لقرار صادر عن زعيم الحركة هبة الله آخوند زاده المتعلق بحظر نشر صور الكائنات الحية في البلاد، في حين يرى المنتقدون أن هذه السياسات تشكل هجوما جديدا على جودة التعليم في البلاد.
إزالة الصور وإعادة التصور
وترفض السلطات التعليمية في حكومة طالبان التعليق على التقارير المتعلقة بشأن حذف صور الكائنات الحية من الكتب الدراسية، لكن خبراء في مجال التعليم يرون بأن حظر الصور في مناهج التعليم سيزيد أوضاع التعليم سوءا وأن التلاميذ قد يعانون أكثر من الغموض والفوضي الناشئة عن القرار.
ويقول وزير التعليم الأفغاني الأسبق محمد آصف ننك في حديث لـ"الحرة" إن "الصورة في التعليم هي كل التعليم و خاصة بالنسبة للأطفال في مراحل التعليم الأولي و مع إزالة الصور عن كتب الأطفال يعني جلوس الطفل أمام لوحة فارغة وهو لا يجيد القراءة والكتابة".
وأضاف الوزير السابق أن قرار حذف الصور سيخلق معاناة جديدة أمام أطفال المدارس في مراحل التعليم الأولي، وتوقع أن تكون النتائج كارثية على قطاعات معينة في مراحل التعليم المتقدمة أيضا.
ويرى معارضون للحركة أن هذا التغيير جزء من استراتيجية الحركة لإعادة صياغة المناهج الدراسية وفق رؤيتها بحيث تركز بشكل أساسي على التعليم الديني، و تقليص المواد العلمية والعصرية مثل التربية المدنية والفنون.
ويؤكد الناشطون في مجال التعليم أن هذه التعديلات تهدد بإعاقة التعليم والإبداع لدى الطلاب مما سيؤثر سلباً على تطور المجتمع الأفغاني على المدى البعيد وعلى حجم المساعدات الأجنبية لقطاع التعليم، في وقت تعتمد البلاد على دعم المنظمات الدولية في مجال التعليم.
"صور ذوات الأرواح"
تقول طالبان بان صور ذوات الأرواح محرمة شرعا وإن تعليمات صدرت لجميع إدارات الحكومة بمراعاة القانون الجديد الذي يتضمن بندا يحظر نشر كل ما يوحي لكائن حي سواء بشرا وغيره.
ورغم أن السلطات التعليمية لم تتحدث بشكل رسمي حتى الآن عن الطريقة التي قد تختارها لتنفيذ ذلك في قطاع التعليم وازالة الصور من الكتب الدراسية، لكن توجيهات صدرت للمدارس العامة والخاصة بضرورة مراعاة التوجيه الجديد بشأن احتواء الكتب الدراسية صورا للبشر والحيوانات.
ويشار إلى أن صور الكائنات الحية كانت محظورة في جميع أنحاء افغانستان خلال تولي حركة طالبان مقاليد الحكم في الفترة بين عامي 1996 و2001.
وبمجرد عودتها للحكم في صيف عام 2021 أمرت شرطة الأخلاق في حكومتها أصحاب المحلات التجارية بازالة صور معلقة علي الجدران وإزالة أو تغطية تماثيل عرض للأزياء في أسواق العاصمة كابل ومدن أخرى.
كما أصدرت في أغسطس من العام الجاري قواعد جديدة تنظم الحياة اليومية للأفغان من النقل العام والحلاقة وحظر الاحتفالات وحظر الموسيقي في أول مرسوم تشريعي للحركة.
وتحظر المادة السابعة عشر من القانون نشر صور الكائنات الحية وقد طلب من وسائل أعلام انذاك عدم بث أو عرض أي شي له روح - أي البشر والحيونات وهو ما أدى لتوقف بث بعض وسائل الإعلام المرئية في بعض محافظات جنوب البلاد وأثار مخاوف في كابل العاصمة التي تقاوم حتي الآن الضغوط لتنفيذ الأمر نفسه.
انقسام بين كابل وقندهار
سياسات التعليم الخاصة بطالبان تجسد رؤيتها الأوسع لأفغانستان وفق تفسيرها الخاص للشريعة، دون أي تسامح مع التنوع الثقافي أو الممارسات التربوية الحديثة.
وبينما تصف طالبان هذه الإجراءات بأنها جهود من أجل تصحيح المسار وتوحيد التعليم، يرى آخرون أن تيارا معينا داخل طالبان يحاول بالأساس ترسيخ سيطرته وقمع أي أصوات معارضة سواء داخل صفوف الحركة أو خارجها.
ويبدو ذلك من خلال تسريبات حول وجود تيار قوي داخل الحركة يرى ضرورة الحذر عند اتخاذ قرارات تخص الحياة العامة للمواطن ومنه نشر الصور الكائنات ويرى هذا التيار أن القرارات التي صدرت مؤخرا تزيد من حالة الانقسام داخل طالبان وتزيد من عزلة افغانستان الدولية.
ويظهر هذا التوجه من خلال نشاط المواقع المحسوبة على الوزارات في كابل والتي لا تزال تقوم بنشر صور الفعاليات الحكومية وتستخدم الصور لأغراض الدعاية في تناقض واضح مع الأوامر الصادرة من قندهار جنوب البلاد حيث يقيم زعيم الحركة.
وفي حديثه لـ"الحرة"، يري الصحفي الأفغاني سلطان فيضي بأن ما يقوم به تيار طالبان الموجود في قندهار يندرج ضمن مسار إعادة افغانستان إلى فترة التسعينات من القرن الماضي حيث كانت الحركة تتحكم في مظاهر الحياة الخاصة للأفراد.
ومن شأن تلك السياسة أن تخلق مزيدا من المخاطر لاستمرار حكم طالبا، وهو أمر ترفضه قيادات طالبان الموجودة في كابل في خط معارض يبدو هادئا ومنضبطا حتى الآن.
مخاوف العودة للتسعينات
محاولات طالبان في فرض نمط معين من الحياة وتقييد الحريات العامة في أفغانستان تناقض الوعود التي قطعتها الحركة مع الشعب الأفغاني ودول العالم قبل أن تسيطر على الحكم بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
وأكدت الحركة أكثر من مرة بأنها لن تعيد ممارسات حكمها الأول في التسعينات من القرن الماضي لكنها في الوقت نفسه أصدرت خلال الصيف المنصرم قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " الذي ينظم الحياة العامة وفقا لفهما المتشدد للشريعة الإسلامية.
وأكد متحدث باسم وزارة المعروف في حكومة طالبان سيف الاسلام بأن الحركة ستقوم بتنفيذ القانون ضمن قاعدة التدرج لإقناع المواطن بقبول القواعد الجديدة، وأضاف بأن الحركة لا تريد استخدام القوة لتطبيقه، رغم الأوامر الصارمة من قبل زعيم الحركة بهذا الشأن.
المصدر: الحرة