زيارة في توقيت غامض.. ماذا بحث بوتين مع نظيره الأذربيجاني في باكو؟
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
موسكو– أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة استمرت يومين إلى أذربيجان، بحث خلالها مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف التعاون الثنائي وملف الأمن في جنوب القوقاز.
وجاءت زيارة الرئيس الروسي إلى باكو في ذروة المعارك التي تخوضها قواته لاستعادة زمام المبادرة في الحرب مع أوكرانيا، بعد تمكّن الأخيرة من التوغل في مقاطعة كورسك الروسية والسيطرة على مناطق واسعة فيها.
ويشير هذا التوقيت إلى أهمية زيارة بوتين للجمهورية السوفياتية السابقة، والتي وإن لم تكن عضوا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الأوراسي، إلا أنها ترتبط مع روسيا بعلاقات سياسية واقتصادية مستقرة.
زيارة بوتين إلى باكو ولقاؤه بعلييف جاءت على وقع تدهور العلاقات بين موسكو ويريفان (رويترز) على وقع الأزمة مع أرمينياكما تأتي الزيارة في سياق تدهور غير مسبوق للعلاقات الروسية الأرمينية، أخذ منحى صريحا بعد بسط أذربيجان سيطرتها على إقليم ناغورني قره باغ في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث انتقدت يريفان تصرفات موسكو في القوقاز، واستدعت ممثلها من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وأرسلت مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، وقامت بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق فلاديمير بوتين.
وترافق ذلك مع "انجراف" أرميني قوي نحو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في حين لم تخفِ موسكو انزعاجها من تصرفات يريفان "غير الودية"، معتبرة أنها تحاول "طردها" من جنوب القوقاز.
على الرغم من ذلك، تشير تصريحات بوتين في باكو إلى أن روسيا معنية بلعب دور في التسوية الأذربيجانية الأرمينية، ولا تفضل خيار القطيعة مع يريفان.
فقد أكد الرئيس الروسي أن بلاده ستواصل المساهمة في تطبيع العلاقات بين باكو ويريفان، وإبرام معاهدة سلام على أساس الاتفاقيات الثلاثية التي توصل إليها رؤساء روسيا وأذربيجان وأرمينيا، إضافة إلى تسهيل ترسيم الحدود بينهما.
وقال "رغم أن روسيا تواجه أزمات على الخط الأوكراني، فإن دورها التاريخي في جنوب القوقاز يملي عليها ضرورة المشاركة في الأحداث هناك.. إذا تمكنا من فعل شيء للتوصل إلى اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا فسنكون سعداء للغاية بذلك".
كما أشار إلى أنه عند عودته إلى موسكو سيقوم بإبلاغ رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بنتائج الزيارة.
رأس جبل الجليد
وبحسب ما يقوله المختص في شؤون القوقاز أندريه أريشيف، للجزيرة نت، فقد بات من الواضح أن الغرب يعمل على فصل أرمينيا عن روسيا وتحويلها إلى "جورجيا ثانية"، ما يتطلب العمل على تسوية هذه التوترات، بما في ذلك من خلال البوابة الأذربيجانية ودفع الطرفين إلى توقيع اتفاق سلام نهائي بينهما.
ووفقا له، فإن "سلوك أرمينيا" يدفع أذربيجان نحو مواجهة علنية مع الغرب، مرجحا أن يحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التأثير على باكو لعدم الذهاب بعيدا في التقارب مع موسكو، حتى من خلال الضغوط على أقرب حلفاء باكو (تركيا) التي تصر على استقلالها السياسي، وهو ما يثير حفيظة الساسة الغربيين الذين يريدون "الولاء الكامل" منها.
كما لا يستبعد أريشيف أن تكون زيارة بوتين إلى باكو قد جاءت كذلك بسبب شعور موسكو بالقلق إزاء دعم أذربيجان الخفي لإسرائيل، حيث تريد روسيا "حماية ظهر" إيران في حالة التصعيد بين طهران وتل أبيب.
وحول توقيت الزيارة في ظروف التطورات في كورسك، أوضح المتحدث أنها تعكس ثقة بوتين بأن الجيش سيحافظ، على الأقل، على الوضع في المقاطعة وكافة المناطق الحدودية مع أوكرانيا، على ضوء التقارير التي تؤكد إحراز تقدم روسي داخل الأراضي الأوكرانية.
وخلص إلى أن المعاني والأهمية الحقيقية لزيارة بوتين إلى باكو يمكن الحكم عليها من خلال تحليل النتائج الرسمية للزيارة، رغم أنه من المؤكد أن يظل شيء ما خارج مجال المعلومات العامة، فالجغرافيا السياسية أصبحت أشبه بجبل جليدي، ثلاثة أرباعه في العمق وربعه على السطح، حسب تعبيره.
تعاون تحت سيف العقوبات
العلاقات الاقتصادية بين البلدين كانت حاضرة بقوة في مباحثات الزعيمين، لا سيما في سياق العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، حيث يسعى البلدان إلى تطوير التعاون على أساس المدفوعات بالعملتين الوطنيتين.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 4.1 مليار دولار عام 2023، وفي النصف الأول من العام الحالي ارتفع لأكثر من 7%، ليصل إلى ملياري دولار، وبلغت الاستثمارات الروسية المباشرة في أذربيجان 4.2 مليار دولار، ويعمل هناك ما يقرب من 1300 شركة برأس مال روسي.
وكانت إحدى المبادرات الرئيسية خلال لقاء بوتين وعلييف إدخال نظام الدفع "مير" (النسخة الروسية لماستر كارد) في أذربيجان، بهدف زيادة التدفقات المالية بين البلدين، وتبسيط التجارة على خلفية التغيرات الاقتصادية العالمية.
لكن الجانب الأهم للتعاون الثنائي بين البلدين بات يتمحور حول الخطط المشتركة لتنفيذ مشروع الشمال والجنوب، الذي ينبغي أن يربط البنية التحتية للنقل الروسية بالمحيط الهندي عبر أذربيجان وإيران، حسبما يقول للجزيرة نت محلل الشؤون الاقتصاية فيكتور لاشون.
ووفقا له، في حال تمت إقامة ممر العبور هذا بين الشمال والجنوب، فسيشكل إنجازا تاريخيا، يؤمن من جملة أمور أخرى نقل الغاز الروسي إلى المحيط الهندي عبر إيران والوصول إلى الموانئ الإيرانية على شواطئ الخليج العربي.
ويوضح أن أهمية مشروع "الشمال – الجنوب" باتت أكبر بكثير على ضوء إغلاق الطرق المعتادة عبر أوروبا أمام روسيا في العام 2022، وكذلك بالنسبة للتجارة مع الشركاء الجدد لروسيا في كل من أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تشكّل أذربيجان واحدا من أهم الممرات التي تربط موسكو معهما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات زیارة بوتین بین البلدین إلى باکو
إقرأ أيضاً:
زيارة عراقجي لأفغانستان.. ماذا تريد طهران من كابل؟
كابل ـ في زيارة هي الأولى منذ توليه منصبه، وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى العاصمة الأفغانية كابل حيث بحث مع رئيس الوزراء الأفغاني بالوكالة الملا محمد حسن آخوند ونظيره الأفغاني أمير خان متقي سبل وآلية توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الجانبين.
ووصف ذاكر جلالي المسؤول بالخارجية الأفغانية زيارة المسؤول الإيراني بالمهمة، وأنها تضع أساسا للدخول في حوار شامل حول القضايا العالقة بين كابل وطهران اللتين تشتركان في أكثر من ألف كيلومتر من الحدود، متوقعًا أن تفتح الزيارة صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
ويرى خبراء أن النظام الإيراني أهمل خلال السنوات الثلاث الماضية قضية التعاون والحوار مع طالبان، ولكن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط وانسحاب إيران من سوريا جعلت السلطات الإيرانية تعيد التفكير بشأن أفغانستان.
وزير الخارجية الأفغاني (يمين) يبحث مع نظيره الإيراني العلاقات بين البلدين (رويترز)من الأمني إلى السياسي
يقول مصدر بالخارجية الأفغانية -فضل عدم ذكر اسمه- في تصريح للجزيرة نت، "طيلة 3 عقود كان ملف العلاقات مع أفغانستان يدار من قبل الحرس الثوري الإيراني، وأخيرا سلم هذا الملف للمرة الأولى للخارجية الإيرانية".
إعلانوأضاف المصدر أن "الوزير الحالي قام بتغيير تشكيلة الوفد الدبلوماسي في السفارة الإيرانية في أفغانستان، ومحاولة الاستفادة من الأراضي الأفغانية في الوصول إلى دول آسيا الوسطى".
كانت آخر زيارة إلى أفغانستان على مستوى وزير الخارجية الإيراني، تلك التي قام بها وزير الخارجية السابق جواد ظريف في مايو/أيار2017، أثناء حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، وخلال السنوات الثلاث الماضية، زار وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي إيران عدة مرات.
ويقول الكاتب والباحث السياسي عبد الكريم نظر للجزيرة نت، إن "موقف إيران من حكومة طالبان الثانية يختلف عن الأولى حيث وقفت إيران آنذاك مع معارضي طالبان، ولكن هذه المرة اختارت التعامل مع طالبان لذا سلمت السفارة الأفغانية والبعثات الدبلوماسية لها وأرسلت سفيرا جديدا إلى كابل، هناك مصالح اقتصادية وسياسية متبادلة بين الطرفين".
التجارة مفتاح التعاونتلعب أفغانستان، باعتبارها إحدى الدول المجاورة لإيران، دورا رئيسيا في خريطة الطرق من وإلى إيران حيث يسمح الموقع الجغرافي لأفغانستان بوصول إيران بشكل أفضل إلى أسواق وسط وجنوب آسيا من خلال الطرق البرية والسكك الحديدية. من ناحية أخرى تعتمد أفغانستان على الموانئ الإيرانية في الوصول إلى المياه الإقليمية وتستخدم ميناء تشابهار الإيراني في التجارة مع الهند.
وعمل البلدان على تطوير شراكتهما التجارية والاقتصادية، حتى وصل حجم التبادل التجاري بينهما خلال العامين الماضيين إلى 5 مليارات دولار.
وبدوره، يقول المتحدث باسم وزارة التجارة والصناعة الأفغانية عبد السلام جواد إن صادرات أفغانستان ارتفعت بنسبة 116% خلال العام الماضي عن العام الأسبق لتصل إلى 54 مليون دولار أميركي، وأما صادرات إيران إلى أفغانستان فوصلت إلى أكثر من 3 مليارات و143 مليون دولار، بزيادة قدرها 83% مقارنة بالعام السابق.
إعلانوتوقع المتحدث باسم وزارة التجارة والصناعة الأفغانية في تصريح للجزيرة نت، أن تزداد حركة التجارة بين البلدين خلال الفترة المقبلة.
ويرى خبراء أفغان أنه بعد تراجع دور ونفوذ إيران في الشرق الأوسط، تتمثل مساعي عباس عراقجي في التنسيق واستدراج طالبان حتى لا يتم استغلالها من قبل الولايات المتحدة، وقد راقبت إيران الوضع في أفغانستان لمدة 3 سنوات وغيرت من سياستها تجاه البلاد.
صفحة جديدةويقول مصدر حكومي بالخارجية الأفغانية -فضّل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت "طلب الوزير الإيراني فتح صفحة جديدة في العلاقات مع أفغانستان، وأن هذه العلاقات ستدار عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية، وليس عبر قنوات أمنية، وقد راقبنا الوضع خلال 3 سنوات (وتبيّن) أن السلطات الجديدة في أفغانستان تمكنت من بسط الأمن في البلاد وهذا يؤثر على الأمن في إيران".
رغم العلاقات الودية بين أفغانستان وإيران، فإنهما لم تتمكنا حتى الآن من التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا اللاجئين، وتقاسم المياه، وقد ناقش الطرفان خلال السنوات الماضية مشكلة المياه أكثر من مرة ولم يتمكنا من حلها.
وفي الآونة الأخيرة، أثارت مساعي حركة طالبان لإكمال سد "باشدان" بولاية هرات اعتراض الجانب الإيراني ويعتقد أن أفغانستان تستخدم ملف المياه كأداة لممارسة الضغوط السياسية والجيوسياسية على إيران.
يقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية حمد الله فطرت للجزيرة نت: "إن الحكومة الأفغانية لا تنوي الاضرار بإيران في ملف المياه وتريد حل المشكلة وفق اتفاقية تقاسم المياه بين البلدين".