نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات دراسة علمية ضمن سلسلة "إضاءات سياسية" بعنوان: "موقف الهند من طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة"، وهي من إعداد الدكتور محمد مكرم بلعاوي.

و"إضاءات سياسية" هي سلسلة دورية مختصة بتقديم تحليلات وتقديرات موقف سياسية مختصرة ومكثفة، تصدر عن المركز.

الورقة الحالية التي يقدم لها الدكتور محمد مكرم بلعاوي، وهو رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط، ومتخصص في شؤون القارة الهندية والشرق الأقصى، تسلط الضوء على طبيعة العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية تاريخيا، وأهم المواقف الرسمية الهندية حيال الحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول / أكتوبر الماضي.



ساد اعتقاد بين السياسيين الهنود عقب انهيار الاتحاد السوفييتي أنّ خير وسيلة للتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية هي البوابة الإسرائيلية، لذا سارعت الهند إلى إقامة علاقات ديبلوماسية مع "إسرائيل"، وتطوّرت العلاقات بين الطرفين في كلّ المجالات، وخصوصاً في المجالَيْن الأمني والعسكري، ممّا حوّل القضية الفلسطينية فعلياً إلى قضية هامشيّة على سلّم الاهتمامات الهندية. لكن هذه العلاقة أظهرت جوانب أثارت كثيراً من الانتباه في العالم العربي مع بداية "طوفان الأقصى"، ستحاول هذه الورقة تسليط بعض الضوء عليها.

أولاً ـ ملامح الموقف الهندي من طوفان الأقصى:

منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى، في 2023/10/7، غرّد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، مُديناً الطرف الفلسطيني بشدة، متماهياً مع خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دون مجرد التشاور مع وزارة الخارجية، كما تبين لاحقاً، والتي أصدرت بياناً أقل حدّة في اليوم الذي يليه، الأمر الذي تبعه مجموعة من الإجراءات الهندية التي تنسجم مع سياسات حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) اليميني الحاكم.

اعتمدت السياسة الهندية على توثيق الصلات مع دولة الاحتلال على كلّ المستويات، والاحتفاظ بعلاقات شكليّة ومحدودة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وجعلت مدخلها إلى القضية الفلسطينية عبر بوابة منظمة التحرير الفلسطينية.فقد كان من اللافت للانتباه أنّ السلطات الهندية خصوصاً في أكبر الولايات الهندية أتارا براديش، وضعت قيوداً بما في ذلك الاعتقال، على المتظاهرين المتعاطفين مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة في قطاع غزة، وتكرّر ذلك في ولايات متعددة من الهند بما في ذلك العاصمة دلهي، مما يشي بأنّ هذه السياسة هي سياسة رسمية تتبعها السلطات في الهند. في المقابل تمّ السماح لمتطرِّفي اليمين الهندوسي بالتعبير عن تأييدهم لحرب الإبادة الإسرائيلية، واتِّهام المتعاطفين مع فلسطين بأنّهم جهاديين وغير وطنيين، على الرغم من أنّ التعاطف مع الفلسطينيين كان هو الغالب على منصات التواصل الاجتماعي.

أمّا على الصعيد الإعلامي، فعلى الرغم من تحفّظ السلطات الرسمية وخصوصاً وزارة الخارجية وميلها نحو مواقف غير حاسمة بهذا الخصوص، ساد في وسائل الإعلام الرئيسية عموماً خطاب يميل إلى المهنية، ومتعاطف إلى حدٍّ ما مع الفلسطينيين.

ثانياً ـ تعاون دون قيود:

كان من اللافت أنّ الموقف الهندي تجاه الشراكة مع "إسرائيل" لم يتأثر سلباً، على الرغم من كلّ الجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبتها "إسرائيل" ضدّ الفلسطينيين، بل تبين أنّ هذه الشراكة، خصوصاً في مجال التصنيع العسكري، لها تأثير فعلي في حرب "إسرائيل" الإجرامية، إذ أنّ بعض المُسيَّرات التي استخدمتها القوات الإسرائيلية كانت صناعة مشتركة من قبل شركة أداني الهندية؛ بالإضافة إلى أنه تمّ اكتشاف أنواع معينة من الذخائر في الميدان القادمة من الهند بالإضافة إلى تلك التي تمّ اكتشافها عندما أوقفت السلطات الإسبانية سفينة هندية كانت تحاول الالتفاف على الحظر الذي فرضه الحوثيون في البحر الأحمر. ومن المعلوم أنّ الهند لها تعاون عسكري معلن مع "إسرائيل"، فقد سبق وشاركت بمناورات النجم الأزرق الإسرائيلية.

بالطبع لم يقتصر التعاون الهندي على المجال العسكري والأمني، بل هو حاضر بقوة في المجال الاقتصادي كذلك، ففي الوقت الذي سحبت تايلاند عمّالها الذين كان يعملون في قطاع الزراعة الإسرائيلي عقب 2023/10/7، ممّا تسبّب بضرر كبير للاقتصاد الإسرائيلي، وأصبح هناك حاجة إسرائيلية لتعويض النقص في هذا المجال، فتقدمت الهند لملء هذا الفراغ بإرسال مئة ألف من العمّال الهنود، حيث يجري العمل على ذلك حتى الآن، في بيئة أقل ما يقال عنها بأنّها خطرة.

ثالثاً ـ ازدواجية المواقف:

فيما يتصل بأداء الهند في المنظمات الدولية، فإنّه جاء منسجماً مع موقف غالبية دول العالم، والتّمسك بما يسمى بـ"حلّ الدولتين"، مع غياب العبارة التي تشير إلى أنّ شرقي القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وهو تراجع مهم في الموقف الهندي، لكنه على المستوى الثنائي يسعى إلى تطوير علاقاته في كلّ المجالات باطِّراد، وهو يُفَسِّر ذلك كردٍّ للجميل لـ"إسرائيل" التي كانت "الدولة" الوحيدة التي زوَّدت الهند بالسلاح في أثناء معركة كارجيل مع باكستان، وعدم رغبته بإغضاب الإدارة الأمريكية بتبني الهند لسياسة مضادة للموقف الأمريكي في كلّ من أوكرانيا وفلسطين، علماً بأنّ جانباً من الموقف العربي وخصوصاً الإماراتي والسعودي يتماشيان مع الموقف الهندي.

رابعاً ـ تأثير الانتخابات العامة الأخيرة على موقف الحكومة الهندية من القضية الفلسطينية:

يبدو أنّ تراجع أداء الحزب الحاكم في الانتخابات الهندية العامة التي جرت في شهر أيار/ مايو 2024، لم يؤثّر على موقفه تجاه القضية الفلسطينية، ويمكن تفسير ذلك بعدم حدوث أي تغيير يُذكر في المحدّدات التي حكمت هذا الموقف منذ البداية، وأهمها رغبة الهند بتطوير علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً فيما يتصل بدورها الإقليمي في مواجهة الصين ضمن تجمع كواد، وتطوير أدائها الاقتصادي من خلال اجتذاب رؤوس المال الأجنبية، والانسجام الأيديولوجي بين الحزب الحاكم والحركة الصهيونية، وأهم من ذلك كله التهافت العربي على التطبيع مع "إسرائيل" وإقامة علاقات معها، إذ لم تعد الهند تشعر بأي ضغط عربي يدفعها إلى مراجعة سياساتها تجاه علاقاتها مع "إسرائيل"، بل وجدت نفسها في بيئة مواتية تشاركها الموقف نفسه.

خلاصة:

اعتمدت السياسة الهندية على توثيق الصلات مع دولة الاحتلال على كلّ المستويات، والاحتفاظ بعلاقات شكليّة ومحدودة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وجعلت مدخلها إلى القضية الفلسطينية عبر بوابة منظمة التحرير الفلسطينية. فلم تحذُ الهند حذو كلّ من روسيا والصين اللتين أقامتا علاقات مع حركة حماس، واستضافتا وفوداً فلسطينية تحت عنوان المصالحة، بل هناك خلط متعمد في الصحافة الهندية بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب، مع أنّ الهند لم تصنِّف أيّ من الحركات الفلسطينية كمنظمات إرهابية.

لا شكّ أنّ وقف إطلاق النار وفق شروط ومعايير ترضاها "إسرائيل"، وترى الهند أنه قد ينجم عنها التخلص من "الصداع الفلسطيني"، سوف ينسجم مع سياسة الحكومة الهندية الحالية، ولا يبدو أنّ لديها أي مانع من الوصول إلى أيّ حلٍّ تُقرّه الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وبذلك يمكن للهند أن تتابع شراكتها مع "إسرائيل" ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية المؤيِّدة لها دون مُكَدِّرات أخلاقية أو أدبية قد يفرضها إيمان بعض النخب الهندية بموقف الهند التاريخي من الاستعمار، ودورها في دعم القضية الفلسطينية.

أمّا ما يتصل بإمكانية أن تحذو الهند حذو كلّ من روسيا والصين بإقامة علاقات معلنة مع حركات المقاومة الفلسطينية، فلا يبدو سهل التحقق، لأنّ الهند جعلت مدخلها إلى العالم العربي عن طريق تلك الدول العربية التي تقف موقفاً سلبياً من حركات المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى أن الهند قد لا تريد إغضاب الأمريكيين وحكام العرب المطبِّعين في الوقت نفسه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب دراسة الهند الإسرائيلي العلاقات دراسة إسرائيل الهند علاقات عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأمریکیة القضیة الفلسطینیة طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

بيان مدريد المشترك حول القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين

نحن، ممثلو مجموعة الاتصال الوزارية المشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، من مملكة البحرين، وجمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة فلسطين، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية تركيا، وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؛ ووزراء خارجية وممثلو كل من أيرلندا، والنرويج، وسلوفينيا، وإسبانيا؛ اجتمعنا اليوم في مدريد، في خضم أسوأ أزمة شهدها الشرق الأوسط منذ عقود، للتأكيد على التزامنا المشترك بتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن الدائمين.

خلال سنوات عملية السلام، حددت الأطراف والمجتمع الدولي مرجعيات ومعايير لتنفيذ حل الدولتين، استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وقواعد ومبادئ القانون الدولي، ومبادرة السلام العربية. وبدلاً من ذلك، تسببت الإجراءات الأحادية غير القانونية، والمستوطنات، والتهجير القسري، والتطرف في إحباط آمال الشعبين في تحقيق السلام. 

منذ السابع من أكتوبر، تتكشف أمام أعيننا مأساة غير مسبوقة من المعاناة الإنسانية والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، مما يقوض السلم والأمن الدوليين.

ندين جميع أشكال العنف والإرهاب. وندعو إلى التنفيذ الموثوق وغير القابل للتراجع لحل الدولتين وفقاً للقانون الدولي والمعايير المتفق عليها، بما في ذلك مبادرة السلام العربية، لتحقيق سلام عادل ودائم يلبي حقوق الشعب الفلسطيني، ويضمن أمن إسرائيل، ويحقق علاقات طبيعية في منطقة تسودها الاستقرار والأمن والسلام والتعاون.

بعد مرور ثلاث وثلاثين عامًا على مؤتمر السلام الذي عقد في هذه المدينة، لم تتمكن الأطراف والمجتمع الدولي من تحقيق هدفنا المشترك، والذي لا يزال قائماً، وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، الذي بدأ في عام 1967، وتحقيق واقع تعيش فيه دولتان مستقلتان وذات سيادة، إسرائيل وفلسطين، جنبًا إلى جنب بسلام وأمان، ومندمجتان في المنطقة، على أساس الاعتراف المتبادل والتعاون الفعّال لتحقيق الاستقرار والازدهار المشترك.

نرحب بالرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024. 

ونكرر التأكيد علي ضرورة تمكين الحكومة الفلسطينية من أداء جميع واجباتها في كافة أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

نؤكد دعمنا الكامل لجهود الوساطة الجارية التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة، ونرفض جميع الإجراءات التي تهدف إلى عرقلة عملية الوساطة هذه.

 نكرر دعوتنا لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن والمعتقلين. 

كما ندعو إلى إعادة السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية على معبر رفح وبقية الحدود، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية المحتلة من غزة، بما في ذلك من ممر فيلادلفيا.

توجد حاجة ملحة لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري ودون شروط وبدون عوائق وبكميات كبيرة من خلال فتح جميع المعابر الإسرائيلية، ودعم عمل وكالة الأونروا وغيرها من الوكالات الأممية. 

ونحث جميع الأطراف على تنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وتنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية.

نحذر من التصعيد الخطير في الضفة الغربية ونحث على وقف فوري للهجمات العسكرية ضد الفلسطينيين، وكذلك جميع الإجراءات غير القانونية التي تقوض آفاق السلام، بما في ذلك أنشطة الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وتهجير الفلسطينيين. 

ونؤكد على ضرورة الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي في المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، ونعترف بالدور الرئيسي للوصاية الهاشمية في هذا الصدد. 

وندعو إلى وقف جميع الإجراءات التي تؤدي إلى التصعيد الإقليمي.

يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات نشطة لتنفيذ حل الدولتين، بما في ذلك الاعتراف العالمي بدولة فلسطين، وضمها كعضو كامل في الأمم المتحدة. 

ونؤكد أن مسألة الاعتراف هي عنصر أساسي في هذه الأجندة الجديدة للسلام، مما يؤدي إلى الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وفلسطين.

اليوم، نؤكد من جديد التزامنا المشترك بجهود السلام لتعزيز تنفيذ حل الدولتين. ونذكر أن دولنا قد اتفقت على ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في أقرب وقت ممكن.

مع وضع هذه الأهداف في الاعتبار، ندعو الأطراف وجميع أعضاء الأمم المتحدة للانضمام إلى الاجتماع الموسع حول "الوضع في غزة وتنفيذ حل الدولتين كمسار لتحقيق السلام العادل والشامل"، وذلك على هامش الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 سبتمبر 2024.

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ346 من طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • تطورات اليوم الـ346 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • صواريخ ومسيرات الحوثيين ضد إسرائيل منذ طوفان الأقصى
  • أداني الهندية تزوّد ولاية ماهاراشترا بالكهرباء النظيفة 25 عامًا
  • تطورات اليوم الـ345 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • تطورات اليوم الـ344 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • طوفان الأقصى.. هل وضع إسرائيل على حافة الهاوية؟
  • عدن.. اختطاف امام جامع في المنصورة لتضامنة مع القضية الفلسطينية
  • بيان مدريد المشترك حول القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين
  • اختطاف امام جامع في عدن لتضامنة مع القضية الفلسطينية