لجريدة عمان:
2025-01-13@08:05:08 GMT

دفتر مذيع :مطرح

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

الحديث عن مطرح لا تكفيه هذه المساحة من الكتابة، لذلك سأتجاوز كثيرا من التفاصيل، وأرحّل بعضها لموضع آخر.. والحديث هنا يقع بين أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات.. فمطرح الولاية، يتطلب تناولها حديثا عن مدينة مطرح، إلى ريام وإلى دارسيت وروي والوادي الكبير وغيرها في ما عرف بـ (مطرح الكبرى). أما عن مطرح العتيقة فلعل سوقها التاريخي بحد ذاته حكاية عميقة، لذلك سأفرد له مساحة خاصة.

قربتني مطرح من البحر، وخلعت على لساني مفردات غير مفردات الصحراء والواحات، لأتعلم منها أن العالم أرحب مما كنت أتوقع، وأن ثقافته أغزر وأعقد مما استوعبه عقلي ومداركي، ولأتعلم منها أننا يمكن أن نعشق مدينتين، ونعدل بينهما، ويمكن أن تشكل هاتان المدينتان حالة عشقية لوطن واحد.

عشقتها رغم أنها لم تكن حبي الأول.. (زمنيا على الأقل) فقد سبقتها المضيبي، قريتي ومدينتي، التي كانت أول مكان حفظته ذاكرتي، وعرفت منها معنى الانتماء لوطن داخل الوطن.. أحب ذاكرة المدن.. تفاصيلها وأجزاءها، أحبها بكبائرها وصغائرها.. فهي أجمل النساء وأشد الرجال. ولأن المدن حالة جمعية، فهي كائن يستحق، بل وينبغي أن نحبه بشكل جمعي، فهذا جزء من حقها علينا.. المدن هي المحبوب الذي نهوى رؤيته بوجهين. فللمدن وجهان كقطعة القماش، وخاصة تلك العريقة، التي تملك ذاكرة عظيمة، وهوية يندر أن تشابه غيرها.. وفي قطعة القماش تلك نُظهر للآخرين الوجه الخارجي، وسيبقى الوجه الآخر ملاصقا لأجسادنا.. تلك هي الحالة الطبيعة.. أما الاستثناء أن نحب كذلك الوجه الآخر له، لدرجة التفضيل أحيانا، وقد نرى فيه أيضا وجها يستحق أن يراه الآخرون.. نعم، نحب دفء الأشياء التي تلتصق بأجسادنا.

مطرح هي تلك المدينة التي أحبها أهلها وعابروها بوجهيها.. وفي طفولتي المطرحية احتجت إلى إجابات على أسئلة كثيرة فأتاني بعضها بعد عشرات السنين، فالسؤال الذي يلح عليك لا تلغيه ذاكرتك حتى تجد إجابته مهما طال الوقت.

ليس لهذه المدينة بداية ونهاية. فهي ليست من المدن المستحدثة، التي تُرسم بخطوط مستقيمة على طاولة مكاتب الاستشارات الهندسية.. أحب المدن التراكمية، التي لا يعرف أحد متى ولدت وتكونت وكبرت ككائن حي، حتى فرضت شخصيتها بهويتها، وثقافتها، وألوانها، وروائحها.. مطرح تبسط يدا للبحر وأخرى لما وراء جبالها، ورغم ضيق جغرافيتها إلا أنها تملك استعدادا مذهلا لاستيعاب كل الناس، وكل اللغات، والقوميات والثقافات، والأديان، والمذاهب.. إنها تتركب من كل ذلك.. (مطرح) على وزن (مسرح)، وعلى وزن توأمها وشقيقتها التي تشبهها كثيرا (مسقط).. إنه ليس وزنا لغويا فحسب، بل هو وزن حياة. هي مسرح كبير، كواليسه بين فراغات جبالها وفضاءات شعابها، التي لطالما شكلت ستارا عملاقا لا يتزحزح، لا يسدل ولا يرفع إلا بهزات كبيرة. ذلك المسرح الذي إذا أردت متابعة عروضه يجب أن تتخذ كراسي من خيال على صفحة بحرها، فمنها تستطيع مشاهدة المكونات العامة من الديكور والإضاءة والسينوغرافيا المتقنة.. ولكن ولمزيد من المتعة فلا بد أن تكون مشاركا في العرض، وأحد شخوصه لتكتمل لديك قصة ليست من نسج الخيال وإنما تقاربه. فأجمل القصص هي تلك التي تتأرجح بنا بين الحقيقة والخيال، ونخشى الوقوع في أحدهما.

البحر لصيق بها، إلا أنها تكاد لا تعرف السواحل والشواطئ الرملية لأنها لا تعرف الفواصل، إنها تجيد الخطاب المباشر. مدينة كبيرة نسبيا، تفرعاتها كثيرة. حاراتها التي تحيط بالسوق، تعيش في كنف تلك الجبال السود، التي تكاد تنطق من شدة صمتها! وكأنها كائنات خرافية أسطورية عملاقة تتوج رؤوسها أبراج تناغم قلعتها، تحكي قلق أو أمجاد الحقب التي مرت بها.. تنظر للبحر وخلف ظهرها صحارٍ ومجاهل ووديان وواحات، يأتي بأخبارها الركبان الذين تصل قوافلهم وقد نال منهم التعب والنصب.

هي البندر الذي يحلم الناس بالعيش فيه، وهي مقصد التجار، وأولئك الذين يبحثون عن فرصة للعمل، مثل والدي الذي انتقل إليها عندما كنت لا أزال وحيده الذي لا ينافسني على حبه إخوة ولا أخوات، بعدما جرب الغربة كغيره، فأخذته السفن الشراعية ثم البخارية إلى بلاد قصية، في سبيل امتلاك القليل من قروش ماريا تريزا والبيسة السودا أو البرغشية أو الروبيات الهندية.

على مشارف سبعينيات القرن العشرين، مطرح تئن من وطأة العزلة التي طال أمدها...فالمدن أيضا تصيبها الشيخوخة، فتبدو على وجهها التجاعيد، وتصاب مفاصلها بالروماتيزم ويبدأ شعرها في التساقط، ولا تقوى ركبها على حملها. ولكن وإن فقدت شيئا من حواسها، تظل حاسة البصر متوقدة، فعينها كعين الإنسان الذي تزداد حدقته اتساعا كلما دخل في الظلام أكثر. والبلاد لا زالت تسمى سلطنة (مسقط) و(عُمان). وبما أن بوادر التغيير تلوح في الأفق فقريبا ستصبح كلها (عُمان).

وعندما يحدث انفراج السبعين سيتغير كل شيء، كل شيء، ستصبح الوجوه أكثر بشاشة، وسنتعلم الأناقة من الرمز والمعلم الذي يقود الأمة ويستنهضنا للنهضة، لتزيد الشوارع طولا وجمالا، وتكثر المدارس والطلبة، وتتنوع تخصصات المستشفيات، وتكبر الأسواق وتكثر الأعمال والوظائف، وسيملك الناس سيارات تملأ الشوارع، ومساكن خاصة بها كهرباء وماء وهواتف، وستصبح لدينا ملاعب وبطولات رياضية، وسنسمع الإذاعة ونشاهد التلفزيون ونقرأ الصحافة، وسنجرب السفر فوق السحاب. وعلى ربوة في مطرح الكبرى سيظهر مبنى أبيض كبير اسمه (مجمع الوزارات) تُدار منه معظم الخدمات. وغير ذلك الكثير مما نعرفه جميعا.

أما بحرها فسوف يطرز بالكورنيش، ويقابله الميناء، ومشهد الرافعات والصوامع، وسترسو سفن وبوارج أكبر، وسنسمع صافراتها القادمة والمودعة أكثر وأكثر.. ما زلت أتذكر السفينة المكتبة، التي رست في ميناء قابوس بمطرح، وكم كنت محظوظا بزيارتها، ومدى الدهشة التي اجتاحتني. الدهشة من الكم الهائل للكتب وأحجامها وألوانها وهي تملأ عدة طوابق داخل السفينة. وقتها ذهب خيالي الطفولي إلى عوالم أفترضها لعالم السفن والبحار، وكيف لبناء بهذه الضخامة أن يعوم في الماء! قد لا تكون من السفن العملاقة، ولكن هكذا رأيتها، على الأقل مقارنة بالسفن الخشبية التقليدية. وربما تخيلت أن هذه الكتب يتم إنتاجها داخل السفينة، وأن مؤلفيها هم بعض هؤلاء القوم الذين يبيعون لنا الكتب. معظمها باللغة الإنجليزية وربما لغات أخرى لا أعرفها، وندرة منها بالعربية، لذلك يبدو أنني اكتفيت ببعض كراسات الرسم، أو القصص المصورة.. هل كانت سفينة تهدف إلى نشر الوعي والثقافة؟ أم تحمل أجندات تبشيرية أو سياسية؟ لست أدري، فمداركي متواضعة جدا بحكم سني. ولكن لا أستبعد شيئا من ذلك. فقد أنشأوا في بلادنا مستشفيات تبشيرية بزعم مكافحة الأمراض كمستشفى طومس، الذي توقفت مراوحه عن الدوران، واختفت تدريجيا رغم جمالها الذي كانت تضفيه على معالم المدينة.. والتهم الحريق الكبير خيام (الشجيعية) ليحل محله مبنى كبير لمواقف السيارات والمحلات الحديثة، ولكن أخفقت الجهة المسؤولة عنه لاحقا في إدارته.. ولن يعود التانكي (خزان ماء كبير عالي الارتفاع) عند لولوّة والزبادية وجيدان العلامة الأبرز التي يُستدل بها على مفارق الطرق. بينما ستبقى مطاحن الرحبيين مكانها، تعبق منها روائح البن والحبوب والبهارات.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

في الكونغو لايغتصبون النساء لرغبة جنسية ولكن لسبب آخر

12 يناير، 2025

بغداد/المسلة:

محمد توفيق علاوي

– أستاذ أكاديمي ليبي يكتب عن الكونغو في إفريقيا ..

يقول الأكاديمي الليبي:

أتيت في صباح أحد الأيام بعامل أفريقي لينظف لي سطح بيتي فاتضح لي فيما بعد إنه

أستاذ مساعد في الجامعة بالعاصمة الكونغولية “كينشاسا” ..!

أكمل شغله معي وفي طريق عودتي به إلى جزيرة الدوران التي يجلس فيها العمالة الوافدة بدأنا نتحدث وسألته عن الاغتصاب في الكونغو فقال :

بلادي الكونغو كانت ولازالت مستعمرة بلجيكية في وسط إفريقيا ، وبلادي تمتلك هبات السماء من غابات وذهب وماس ومعادن وثروات تدخل في كل شيء من الصناعات من شاشات هاتفك المحمول إلى أسلاك الطائرات في القوات الجوية التي تضرب الآن في بلادكم ليبيا ثم سألني:

هل تعرف أن تسعة ملايين إنسان قتلوا في بلادي في الأربعين سنة الأخيرة؟ وحين أجبته بالنفي ..

قال : مَن يملك الإعلام العالمي هو مَن يقتل البشر هناك ولهذا لن تسمع عن وطني الكونغو !

– ثم سألته عن دور بلجيكا في بلاده ..

فقال لي:

ليست هناك دولة واحدة تسيطر على وطني الكونغو .. العالم كله يسيطر علينا ، وكلٌ دولة حسب إمكانياتها ، أمريكا بالطبع لها حصة الأسد لأنها دولة عظمى ..

كذلك فرنسا وبريطانيا والصين وبلجيكا كلهم يستثمرون في نهب ثرواتنا وقتلنا واذلانا ..!!

لأنه لم يعد لدينا حكومة مركزية !!

ولهذا لن يأتي إلينا دعاة السلام

ولا حقوق الإنسان رغم اغتصاب نصف مليون امرأة !!

أصبح عندنا الرجل الذي تغتصب زوجته لن يستطيع أن ينظر في وجهها خجلاً من عدم قدرته على حمايتها وهي لن تنظر إليه خجلاً من وعدها له بالوفاء ..

وقال لي :

صدقني إنهم لا يغتصبون النساء بسبب رغبة جنسية بل لأن الإغتصاب أفضل سلاح لإحداث شرخ بين الأهل ..!

والوسيلة الأنجح للتشتت الأسري ..

سألته:

ماذا جاء به إلى ليبيا ..؟

فقال: ميليشياتهم اغتصبوا زوجتي أمامي ، ثم قتلوا أبي وبعدها رموا أطفالي في بئر مزرعتي وربطوني عند حافة هذا البئر لأيام حتى يجبروني على سماع صراخهم وأنا أحاول أن أطمئنهم ولكنهم سكتوا عن الحياة واحداً تلو الآخر ، كم تمنيت أن أستمر في سماع هذا الصراخ لسنوات حتى يأتي مَن يُنقذهم ، ولكن كلهم سكتوا ..!

– سكتُّ أنا أيضاً ، فقال:

حين يكون هناك عدد كبير من المليشيات والشركات والدول والسياسيين الذين يريدون حصة منك ومن أرضك وثرواتك

(كما يحدث في بلادكم ليبيا الآن) ..

لن تستطيع أبداً أن تبقى دولة واحدة بقانون واحد ومؤسسات قضائية واحدة ،

هناك مئات الجهات التي تريد بعض الذهب أو الماس من الكونغو ، وكل واحدة من هذه الدول تملك عصابة وميليشيات ، والسبب نحن الذين نُحدث الكابوس المُعتم في بلادنا التي تشبه الجنة ..!!

ودعته وشكرته بعد أن أوصلته .. عاد للجلوس مع رفاقه في انتظار لقمة عيش جديدة مع زبون آخر ..!!

فكرت ببلادنا العربية ليبيا وسوريا والعراق واليمن وكيف أنها تتشظى وتتشرذم ،

لأن كل جهة تريد حصة من ثرواتها ، ولأن مَن يصنع المال

في مكان ما ، يصنع معه تشرّداً ودماراً وجموداً ومشاكل مستقبليّة في مكان آخر …!!

تذكرت شيئاً كنت أفكر به منذ أسابيع .. تذكرت كيف أننا انقسمنا إلى أحزاب وطوائف ومذاهب ولم يكن الوطن همنا الأول …

بكيت من الألم على ذلك الإنسان الكونغولي الجميل بأن يسمع صراخ أطفاله من جديد !

وضحكت بسخرية لأنني عرفت كم نحن ضحايا .. ضحايا وحمقى ..!!

هذا العامل الأفريقي جعلني أُعيد ترتيب مفاهيم حياتي الإسلامية والفكرية والعقائدية وأنا أقول :

هذا مايحدث في بلدي ، فهل أهل بلدي يعوا ذلك .

“لا رحم الله من يضحي ببلده وعرضه لأجل حفنة مال أو جاه أو منصب”.. (انتهى)

الوضع في المنطقة خطير بشكل عام وفي العراق خطير بشكل خاص، المخطط الإسرائيلي يهدف الى تعميق الطائفية وتقسيم المنطقة الى دوليات قائمة على أسس طائفية وعرقية ومتصارعة فيما بينها، وللأسف فإننا في العراق بسبب جهل الكثير من الناس اخذنا بتعميق الطائفية فانقسمنا إلى أحزاب وطوائف ومذاهب ولم يكن همنا الأول العراق بل همنا الأول مصالحنا الشخصية والكثير من الأحزاب الشيعية والسنية من الفاسدين لا تتحقق مصالحهم إلا بتحشيد المواطنين من طائفتهم على حساب الطوائف الاخرى، يجب اغلاق كافة الملفات التي تعمق الانفاس الطائفية، كملف جرف الصخر، او ملف المسائلة والعدالة، او ملف الاتهامات الباطلة للمخبر السري، او تشكيل تجمعات سياسية قائمة على أسس طائفية كما هو حاصل الآن؛ يجب انهاء أي تعامل بين أبناء الشعب على أسس طائفية او دينية او عرقية، وبخلافه ان اتبع الكثير من المواطنين العراقيين السياسيين الفاسدين فقد اعنا نحن كشعب عراقي الفاسدين على فسادهم وطائفيتهم وذلك سيؤدي بشكل طبيعي الى تحقيق المخطط الإسرائيلي للمنطقة وحدوث صراعات وقتال ودمار ومعاناة وتشرذم وفقر وجوع لأغلب أبناء بلدنا .

فهل يعي المواطنون هذه الحقيقة، وهل يستمر بعض أبناء بلدنا في اتباعهم للفاسدين من السياسيين من دون وعي، هذا الاتباع سيجعلكم شركاء فيما يعانيه بلدنا، وستدفعوا وسيدفع اخوتكم من أبناء وطنكم كما سيدفع ابناؤكم ضريبة مواقفكم المخزية تلك ….

نسأل الله ان يمكن الاشراف من أبناء بلدنا لإدارة شؤونه لتحقيق الرفاه والتقدم والسعادة لأغلب أبناء البلد فليس ذلك على الله وعلى الطيبين ببعيد ….

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • دراسة: الأطعمة المعالجة تزيد الوفاة المبكرة 25% .. ولكن ما هي؟
  • في الكونغو لايغتصبون النساء لرغبة جنسية ولكن لسبب آخر
  • الحكومةُ الموازيةُ هي بدايةُ المخرج.. ولكن لمن؟!
  • عادل حمودة: ترامب فاجأ الدنيا كلها باختيار مذيع وزيرا للدفاع
  • والي مطرح لـ"الرؤية": جلالة السلطان يقود عُمان إلى آفاق رحبة ومستويات متقدمة من الازدهار
  • دفتر أحوال وطن "٣٠٥"
  • برافو وزير التعليم، ولكن!‏
  • WP: ترامب يكره العولمة ولكن يبدو محبا للإمبريالية
  • البيت الأبيض: التوصل لاتفاق في غزة ممكن - ولكن !!
  • الثنائي: خطاب القسم .. إصلاحي ولكن