سودانايل:
2024-09-18@22:33:36 GMT

شيخ رفاعة رافع الطهطاوي في السودان (2 -2)

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

شيخ رفاعة رافع الطهطاوي في السودان (2 -2)

Shaykh Rifaa Rafi Al -Tahtawi in the Sudan (2 -2)
Tag Elsir Ahmed Harran تاج السر أحمد حران

ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم: هذه ترجمة للجزء الثاني والأخير من مقالة عن سنوات رفاعة رافع الطهطاوي (1801 – 1873م) في السودان، بقلم الدكتور المؤرخ تاج السر أحمد حران (1934- 2023م) نُشِرَت بالعدد الخامس والسبعين من مجلة "السودان في رسائل ومدونات"، الصادرة عام 1976م، صفحات 1 – 9.


وللمزيد عن سيرة الطهطاوي يمكن الرجوع إلى ما ورد عنه في موسوعتي الويكيبديا والمعرفة (https://shorturl.at/EHTPs و https://shorturl.at/sQm9U)، وإلى الكثير من الكتب التي أُلِّفَتْ عنه، مثل كتاب "رفاعة الطهطاوي بك" لأحمد أحمد بدوي، الذي صدر عام 1950م (وهو مبذول على شبكة الانترنيت: https://shorturl.at/SPVFu) وكتاب صالح مجدي "حلية الزمن بمناقب خادم الوطن (سيرة رفاعة رافع الطهطاوي" الذي صدر بالقاهرة عام 1958م. وقد أوردهما كاتب المقالة في ثبت مراجعه ضمن مراجع ووثائق أخرى عديدة.
وذكر البروفسور أحمد إبراهيم أبو شوك سيرة الأستاذ الدكتور حران في نعيه له (https://shorturl.at/rwxWc).
المترجم
*********** ********* **********
ذكر الرحالة الأمريكي ب. تايلور Bayard Taylor في كتابه المعنون "رحلة في أفريقيا الوسطى A journey to Central Africa " أن صديقه الحميم الطهطاوي سلمه رسالة ليعطيها للقنصل العام البريطاني في القاهرة. وعلى الرغم من عدم كشفه لمحتوى الرسالة، إلا أننا نرى أنها ربما كانت في الغالب رسالة استعطاف لذلك القنصل البريطاني كي يتوسط له عند عباس الأول ليعيده لمصر. ونظم شيخ رفاعة عدداً من القصائد لذات الغرض، كانت إحداها في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والرغبة في نيل بركته ليؤوب سالماً لأهله ووطنه. لذا يمكن أن نخلص إلى أن عقل وقلب الشيخ رفاعة لم يكونا مهيئين للتفكير في المهمة التي أُسْنِدَتْ له في السودان. وهذا ما أخر بدء العمل في تلك المدرسة لثلاث سنوات، إضافة إلى لامبالاة وتَقاعُس حكمدار الخرطوم وعدم حرصه على تأسيس المدرسة منذ البداية، والمصاعب الحقيقية التي واجهت قيام المشروع.
غير أن المراسلات المتبادلة بين السلطات المصرية وبين الحكمدار وشيخ رفاعة في الخرطوم توضح مدى إصرار القاهرة على إنشاء المدرسة، وعدم قبولها بكل ما بلغها من الخرطوم من حجج وأعذار لعدم انشائها. فعلى سبيل المثال كان الشيخ رفاعة قد أرسل للسلطات في القاهرة خطاباً اشتكى فيه من أن غالب التلاميذ المسجلين بالمدرسة قد فروا منها بمساعدة من أهاليهم. وأضاف أن أولئك التلاميذ يتصفون بالبلادة والخشونة والفظاظة في المعاملة؛ وأن ثلاثة من الأستاذة المصريين معه قد توفوا، وأن المدرسة قد غدت "مجرد اسم من دون محتوى". وإن كان قصد شيخ رفاعة أن يثني السلطات المصرية عن المضي قدماً في مشروع المدرسة، إذن فقد خابت آماله، إذ أن عباس كان قد أصدر أوامره للحكمدار المصري في السودان سليم باشا سايب (أبريل 1853 – مارس 1854م) لبدء الدراسة في تلك المدرسة، وبالإضافة لذلك بعث بأربعة أساتذة جدد وطبيب عمومي لتعويض النقص في العاملين بها، وأرسل أيضا مختلف أنواع الأدوات المكتبية والملابس والأدوات المعينة لإكمال مرافق المدرسة الجديدة وبدء الدراسة بها بأسرع ما يمكن. ولم يكن أمام الحكمدار سوى الامتثال لأوامر عباس والبدء في تسجيل التلاميذ. ونسبة لعزوف أولياء أمور التلاميذ السودانيين أو تأبيهم عن تسجيل أبنائهم في تلك المدرسة، اعتمدت السلطات على تسجيل أبناء العائلات المصرية في السودان. وفي شهر يونيو من عام 1853م اُفْتُتِحَتْ المدرسة التي طال انتظارها وبها 31 تلميذا فقط.
وغدا من الواضح أن المدرسة التي كان من المأمول في البداية أن تستقبل 200 من التلاميذ، تواجه بالفعل صعوبة كبيرة في العثور على ذلك العدد المقرر من التلاميذ. غير أنها بدأت بـ 31 تلميذا، وتزايد العدد في غضون شهورها الثمانية الأولى حتى بلغ 84 تلميذاً، ولم يزد على ذلك قط. وكانوا جميعا صبياناً أصحاء (بدنيا وذهنيا) تراوحت أعمارهم بين 7 – 12 سنة، وكان السودانيون بينهم يمثلون أقلية، إذ أن السودانيين كانوا يفضلون أن يتلقى أولادهم ما ألفوه هم من تعليم في الخلوة ويتحاشون ذلك التعليم الحديث الذي سيقود أولادهم للتوظيف في مهن حكومية في الخدمة المدنية أو الجيش. وظل مثل ذلك الموقف يمثل عائقاً أمام التعليم الحديث إلى وقت قريب. وأشتكى شيخ رفاعة من ذلك السلوك في عدد من رسائله للقاهرة التي ذكر فيها أن آباء التلاميذ كانوا يساعدون أبنائهم على الهروب للصحارى والأماكن القاصية، ويؤثرون ذلك على تسجيلهم للدراسة في مدرسته.
وبما أن مدرسة شيخ رفاعة هي مدرسة أولية مصرية، فقد كانت تتبع النظام التعليمي المصري، غير أنه ألحق بها خلوة لتدريس القرآن لصغار التلاميذ. وكان نظام تقدم التلاميذ في فصول المدرسة يتم من الفصل الثالث إلى الثاني ثم إلى الأول؛ وبعد ذلك ينتقل التلاميذ إلى المرحلة التالية في السلم التعليمي – وهي المرحلة الوسطى. غير أن هذا لم يحدث قط، لأن تلك المدرسة لم تستمر بعد عامها الدراسي الأول. وكانت مدرسة الخرطوم، مثل نظيراتها المصرية، تعمل بنظام "الداخليات" وفيها يُزَوَّد التلاميذ بالفراش وما إلى ذلك. وفي الفصول الدراسية كان الصبية يجلسون على حصائر من القش (بروش)، ويَبْدَأُونَ يومهم الدراسي في الصباح الباكر، وينتهي يومهم قبل غروب الشمس بساعة ونصف. وكان الجميع يُؤَدَّوْنَ جميع الصلوات في حرم المدرسة.
وشمل منهج الدراسة تدريس القرآن الكريم والقراءة والكتابة وقواعد اللغة العربية والحساب والجغرافيا والخط، وفي مرحلة لاحقة كانوا يتلقون دروساً في اللغة التركية والدين. وإضافة لذلك كانت هناك بعض الأنشطة غير الصفية (extramural activities) مثل التدريب العسكري. وكانت إدارة المدرسة شديدة الحرص على الحفاظ على انضباط سلوك التلاميذ، وعلى النظام والنظافة. وخلافاً لنظام الخلاوي، اُسْتُخْدِمَتْ في المدرسة الوسائل التعليمة الحديثة مثل السبورة، والكتب والكراسات التي يؤدي عليها التلاميذ ما يُعْطَوْنَه من واجبات. وكانت كل الاختبارات والامتحانات تُجْرَى شفاهةً، عدا مادة الخط.
وللغرابة، كانت الأحكام التي تضبط النظام والعقاب في تلك المدرسة مستنيرة. فكان عقاب التلاميذ يتدرج على مراحل، أولها التوبيخ، ثم الحبس لفترة قد تكون قصيرة أو طويلة في داخل المدرسة، أو الحبس مع قصر الطعام على الخبز والماء. أما آخر مراحل العقاب فهي الجلد بالسوط (الكرباج).
وبعد وفاة عباس، وبعد أسبوع واحد فقط من تسنم محمد سعيد للسلطة، أُصْدِرَ فرماناً في 23 يوليو من عام 1854م قضى بإغلاق مدرسة الطهطاوي بالخرطوم، بعد 13 شهراً من افتتاحها. ويبدو أن ظروف محمد سعيد المالية السيئة، ووضعه لخطة جديدة لإدارة السودان كانا من أهم العوامل التي اضطرته لإتخاذ مثل تلك الخطوة.
وعلى الرغم من قصر عمر تلك المدرسة، إلا أنها فيما يبدو أصابت قدراً معقولاً من النجاح. وكان أحد الرحالة الإنجليز (واسمه جي. هاملتون J. Hamilton) قد زار تلك المدرسة، وأعجب بمستوى تلاميذها. وزعم شيخ رفاعة (في كتابه "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية") أنه قد يعين بعض تلاميذه السودانيين مدرسين في تلك المدارس التي افتتحها الخديوي إسماعيل في السودان. وقِيلَ إن بسطاي بيه (Busati Bey)، سكرتير غوردون باشا إبان فترته الأولى كحكمدار (فبراير 1877 – يناير 1882م)، ربما كان أحد خريجي مدرسة شيخ رفاعة بالخرطوم (استشهد كاتب المقال هنا بكتاب جورج. بي. هل George B Hill المعنون Colonial Gordon in Central Africa ". المترجم). وبالإضافة لذلك خلق إنشاء تلك المدرسة جواً يدفع للتعلم والمعرفة في أوساط مجموعات معينة من "العلماء" في الخرطوم، خاصة عند الذين اتصلوا بالشيخ رفاعة ومن جاءوا معه من المدرسين. أما المدرسة التي ظلت مغلقة في عهد محمد سعيد، فقد أُعِيدَ فتحها في عهد الخديوي إسماعيل، واستمرت إلى جانب خمس مدارس أخرى، أُقِيمَتْ خدمةً للإدارة الحكومية، ولمسألة التعليم، إلى أن سقطت الخرطوم على أيدي قوات المهدية في يناير 1885م.
وعندما أغلقت المدرسة أبوابها كان شيخ رفاعة قد قضى في الخرطوم أربع سنوات كاملة. وعند تقويم إنجازات شيخ رفاعة في السودان، ينبغي الإقرار صراحةً بأن سنواته بالسودان لم تكن مثمرة جدا. فشيخ رفاعة في الخرطوم كان شديد الاختلاف عن شيخ رفاعة بباريس. ويصدق هذا القول أيضاً على سنواته في مصر. فقد كان الشيخ غزير الإنتاج في باريس (وكتب عنها مؤلفه الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريز")، ولكنه لم يؤلف أي كتاب في غضون سنواته بالخرطوم. وكان قد ألف وترجم الكثير من الكتب وهو بمصر، غير أن وجوده بالسودان لم يلهمه ليؤلف كتاباً جيداً واحدا. فقد صرفته الكآبة والتشتت الذهني وهو بالخرطوم عن تأليف كتاب من أي نوع، وكادت أن تقضي على قدراته الذهنية والفكرية. ولم يجد شيئاً في الخرطوم ليكتب عنه، باستثناء الاكتئاب والبؤس والهوس بالعودة لمصر الذي لازم حياته في تلك السنوات الأربع.
وفي غضون تلك السنوات الأربع بالسودان ترجم شيخ رفاعة كتاب القسيس الفرنسي فينيلون Fenelon (الذي كان معلماً لحفيد الملك لويس الرابع عشر) والذي صدر بباريس 1699م، بعنوان "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك" ((Les Aventures de Telemagne. والكتاب مستمد من الأساطير اليونانية، وكان المقصود منه أن يكون رسالة تعليمية للأمير الشاب. لذلك أُولِيَتْ له بعض الأهمية بحسبانه أحد أعمال الترجمة الرائدة في العصر الحديث التي عرفت القارئ العربي بالأدب الأسطوري اليوناني، الذي كان في حد ذاته مهماً لتطور أشكال فن الرواية والدراما في العالم العربي في القرن العشرين، إلا أنه كان مُجَرَّد ترجمة mere translation (هكذا! المترجم) ولم يكن تأليفاً لكتاب أو تعليقاً عليه.
وكان شيخ رفاعة قد أورد في كتابه الذي أصدره بعد عودته من السودان بعنوان: "مناهج الألباب في مباهج الآداب العصرية" العديد من الإشارات عن السودان، وعن أنه أُصِيبَ بالهم والغم والاكتئاب وهو بالسودان، وعن حنينه لأهله ووطنه مصر. وناقش في كتابه أيضاً دوافع رحلة محمد علي للسودان، التي كان من أهمها رغبته في التأكد من وجود كميات كبيرة من الذهب بالسودان، ومن إمكانية استخراجه. وتناول شيخ رفاعة أيضاً الجهود التي بذلها محمد على في ذلك الوقت لاكتشاف منابع النيل، وعن التجارة بين مصر والمناطق الداخلية في أفريقيا. وخلافاً لتلك الإشارات المتفرقة للسودان في كتابه المذكور، لم يأت شيخ رفاعة على أي ذكر للسودان. لقد كان الشيخ، من دون أدنى ريب، قانعاً بأن يقضي ما تبقى له من عمر في مصر، بعيداً عن السودان وحره وأتربته وسمومه.
******** ******* ******
تصحيح: نبهني قارئ فَطِن إلى أن ما ذكره كاتب المقال عن ذم شيخ رفاعة للدلكة (في السطر الثاني والعشرين من الصفحة الخامسة من مقاله) ربما كان يشير لـ "الودك" وليس لـ "الدلكة" في قصيدته التي جاء فيها:
ولطخ الدهن في بدن وشعر كدهن الإبل من جرب القراد
ومن باب "الاستدراك"، ذكر الطهطاوي في عجز بيته عبارة "جرب القراد"، والجرب mange مرض يصيب الحيوانات، تسببه - كما هو معلوم منذ عقود طويلة جدا – طفيليات خارجية تسمى العثة mites (وهي تصيب البشر أيضاً، وفي الأمر تفصيل).

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی الخرطوم فی السودان فی کتابه غیر أن

إقرأ أيضاً:

تحت شعار إلى المدرسة.. بيت الزكاة يطلق حملة لتوفير مستلزمات الدراسة للأيتام

كتب- محمود مصطفى:

أعلن بيت الزكاة والصدقات، انطلاق قطار حملة بيت الزكاة والصدقات تحت شعار "إلى المدرسة"؛ استعدادًا لبدء العام الدراسي الجديد 2024/2025 م.

يأتي ذلك، بحسب بيان بيت الزكاة والصدقات، الإثنين، تحت إشراف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس الأمناء.

وأكد بيت الزكاة والصدقات، أن المستلزمات الدراسية التي تُوزَّع على الطلبة الأيتام غير القادرين في محافظات المنوفية ودمياط والدقهلية تشمل: "حقيبة مدرسية، وأدوات كتابية، وحذاء ومعطف"، وذلك عن طريق قوائم مُعدَّة مسبقًا بالمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والتعليم والأزهري؛ في إطار حملة "إلى المدرسة" التي أطلقها "بيت الزكاة والصدقات" للعام الثاني على التوالي.

وأوضح البيان، أن حملة "إلى المدرسة" لتوفير المستلزمات الدراسية للطلاب الأيتام يندرج ضمن برنامج "رحمة" لكفالة الأيتام غير القادرين، وبرنامج "التعليم"؛ لمد يد العون للطلاب الذين يجدون صعوبة في تحمل نفقات التعليم، ومساعدتهم على استكمال دراستهم.

مقالات مشابهة

  • 5 أشياء يجب وجودها في شنطة المدرسة.. نصائح لأول يوم دراسة
  • »ﺑﺆﺳﺎء« ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻌﺎم اﻟﺪراﺳﻰ
  • السبلايز صداع اولياء الامور بالاسكندرية
  • مأرب.. افتتاح أول مدرسة حكومية مُتخصصة لتعليم المكفوفين
  • أفتتاح أول مدرسة متخصصة بتعليم المكفوفين في مأرب
  • داخل المدرسة.. صبي يطعن زملائه من التلاميذ في البرتغال
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • 3 حبات قبل المدرسة.. ثمرة مفيدة للمخ وتساعد طفلك على التركيز
  • دراسة: منع الهواتف ينعكس إيجابا على سلوك التلاميذ
  • تحت شعار إلى المدرسة.. بيت الزكاة يطلق حملة لتوفير مستلزمات الدراسة للأيتام