شيخوخة دول طردت شبابها
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
آخر تحديث: 20 غشت 2024 - 10:53 صبقلم: فاروق يوسف كان تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد انتقالة كبيرة في تاريخ الحكم بالمملكة العربية السعودية. ولقد أثبتت الوقائع أن تلك الخطوة كانت في محلها. من خلالها جددت المملكة شبابها وصارت تراهن على مستقبل يعد بدولة حديثة من طراز متقدم. ربما فوجئ الكثيرون بالحيوية التي بثها الأمير الشاب في روح المملكة وقد لا يتخيلون ما الذي حدث هناك.
غير أن مَن تتح له فرصة زيارة الرياض كما حدث معي لا بد أن يدرك معنى أن يحتل شباب متنور موقع الصدارة في قيادة شعوبهم. مقارنة بما جرى في المملكة أذكر هنا أن جميع الانقلابيين العرب كانوا شبابا حين اعتلوا المراكز الأولى في السلطة ببلدانهم. جمال عبدالناصر في مصر لم يكن قد تجاوز 39 من عمره. معمر القذافي في ليبيا كان في السابعة والعشرين من عمره. صدام حسين كان الرجل القوي في العراق وهو في عمر 31 سنة. أما حافظ الأسد في سوريا فقد كان في الأربعين من عمره. كلهم شباب وكانت دولهم منفتحة على العالم وشعوبهم تتوق للخروج من مضيق العالم الثالث وتقف عند منعطف الانتقال إلى العالم الحديث لما تزخر به من طاقات بشرية خلاقة. غير أنهم بدلا من أن يتعاملوا مع ذلك الواقع بروح إيجابية أغلقوا حدود بلادهم وصادروا حريات شعوبهم وحاربوا روح التنوير والحداثة. وكم خابت آمال السوريين بطبيب العيون الشاب بشار الأسد. ولكن هل حكم المذكورون بروح الشباب كما فعل محمد بن سلمان؟ هنا تكمن المشكلة. مثلما سجنوا أنفسهم في أقفاص خوفا من العالم الخارجي جعلوا من الأوطان سجونا. كانت عيونهم على السلطة. لم يروا غيرها. ولأن السلطة تشيخ بسرعة وهو ما يدفع بالشعوب الحية إلى تقييد البقاء فيها بزمن محدد فلم ينظروا بعيون شبابهم، بل عبروا الزمن إلى خلودهم. وكان ذلك كفيلا بمحو إمكانية أن تجدد دولهم شبابها. لقد شاخت تلك الدول قبل أوانها حين وضعت شبابها على الرف واعتبرتهم مجرد حشود تُستعمل في المسيرات الموالية والتظاهرات المنددة بالعدو الوهمي. ولا ننسى هنا أهمية الضغوط التي مارستها فكرة المؤامرة. أذكر هنا واقعتين لهما الدلالة نفسها. في غير مدينة عربية ذهبت إليها سائحا أو لحضور مؤتمر كنت أخرج صباحا متجولا بين أزقتها وأسواقها وحين أتعب أبحث عن مقهى لأجلس فيه. لا أكثر من المقاهي هناك وبالأخص في مركز المدينة. غير أنني بالرغم من كثرة المقاهي لا أجد طاولة فارغة. وحين أنظر إلى زبائن تلك المقاهي أجدهم كلهم في سن الشباب. أمر غريب فعلا. الوقت صباح وهو وقت العمل ومع ذلك فإن المقاهي مليئة بالشباب الذين يُفترض بهم أن يقفوا وراء الآلات في المصانع وينهمكوا في الزراعة في المزارع ويجلسوا وراء مكاتبهم لإدارة شؤون الدولة. البطالة صارت مهنة أما الجلوس في المقهى فهو علاجها. وما من حديث في تلك المقاهي يعلو على حديث الهجرة. وهنا أنتقل إلى الواقعة الثانية. لقد فوجئت الشرطية السويدية المكلفة بالتحقيق معي حين قدمت طلب لجوئي هناك قبل أكثر من ربع قرن أنني أيضا قد أكملت الدراسة الجامعية. قالت “هل يكمل كل الشباب في بلادكم الدراسة الجامعية؟” قلت لها “نعم. لأنها مجانية”. وهنا أخبرتني أن مئات الأطباء والمهندسين والصيادلة والمدرسين والموسيقيين والشعراء والمحامين والاقتصاديين العراقيين قد مروا بمكتبها. وهو ما يعني أن الدولة التي أنفقت أموالا طائلة على تعليم شبابها وهبتهم في لحظة زيف سياسي إلى دول صارت تستفيد من خبراتهم ونشاطهم لأنها تعرف أن تضعهم في المكان الصحيح. وليس صحيحا ما يقوله اليمين المتطرف من أن المليون سوري الذين استقبلتهم ألمانيا قد سطوا على أموال دافعي الضرائب. لقد امتلأت المستشفيات الألمانية بالأطباء السوريين. وربما كان عدد الأطباء العراقيين العاملين في بريطانيا فاجعا. كلهم شباب تعلموا في أوطانهم التي طردتهم منها دولها بأنظمتها الخائفة من التغيير والمنغلقة على شيخوخة حكامها التي لا تتصف بأيّ نوع من الحكمة. صرخة الشاب التونسي لا تزال تسكن ذاكرتي “لقد هرمنا”. أما حين حرق الشاب محمد بوعزيزي نفسه فإن حكايته تتجاوز الشرطية المسكينة التي رمت الخضروات والفواكه التي يبيعها على الأرض بعد أن صادرت عربته. إنها حكاية الشباب العربي الذي يعيش مهمشا. إمّا أن يذهب إلى المقاهي أو يخضع لسلطة رجال الدين.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
الضويني: الأزهر يجدد الدعوة لقادة العالم للاتفاق على مبادئ عظمى تضمن التصدي للتحديات التي تفرضها الأزمات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شارك فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، اليوم الثلاثاء في أعمال «القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ» ، التي انطلقت في مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان تحت عنوان: "الأديان العالمية من أجل كوكب أخضر" برعاية كريمة من إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان، وبحضور السيد علي أسدوف، رئيس وزراء دولة أذربيجان وبمشاركة أكثر من 300 شخصية بارزة من القيادات الدينية العالمية، وممثلي الأديان، وكبار المسئولين، والأكاديميين والخبراء في مجال البيئة.
وألقى وكيل الأزهر، كلمة خلال أعمال الجلسة الافتتاحية للقمة توجه فيها بالشكر لمجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وإدارة مسلمي القوقاز بدولة أذربيجان على تنظيمها لهذا اللقاء المهم؛ الذي يجيء كخطوة عملية نحو التخفيف من آثار التغيرات المناخية.
وأكد الضويني، خلال كلمته على أن التغيرات المناخية تمثل تحديًا مشتركًا يستوجب توحيد جهود البشرية بكل أطيافها، مشيرًا إلى أن الأديان تقدم رؤية متكاملة تحث على حماية الأرض التي ورثها الإنسان، ورعايتها لصالح الأجيال القادمة. وشبه فضيلته البشرية بمنظومة واحدة أو أسرة ممتدة، يتأثر كل فرد فيها بأفعال الآخر؛ فالمناخ ليس قضية تخص دولة أو شعبًا بعينه، بل هي مسألة تمس مصير العالم بأسره، ولا يمكن مواجهتها بفعالية إلا من خلال تعاون عالمي متكامل، يضع أسسًا مشتركة لتحقيق الأمان البيئي ويضمن استدامة الموارد.
وأوضح أن الواجب المتجدد يفرض على قادة الأديان أن يوجهوا أتباعهم إلى فهم أن البيئة نعمة تستوجب الشكر، وأن الشكر لا يكون بإفسادها، وأن من واجبات الخلافة والعمارة أن تكون البيئة صالحة للحياة، معززة لاستمرارها، وأن الإسلام وأحكامه جاء ليصون البيئة ويعمل على حمايتها من أي أذى: بدءًا بتغيير نظرة الإنسان إلى الكون باعتباره خلقًا حيًا مسبحًا لا باعتباره جمادات صماء، ومرورًا بأوامره باحترام مكونات الحياة والمحافظة عليها طاهرة من كل تلويث أو إفساد، سواء في الإنسان نفسه، أو في المكان والمحيط الذي يعيش فيه، أو في الماء الذي يشربه، أو الطعام الذي يأكله، أو في الهواء الذي يتنفسه، مع مراعاة أجيال المستقبل ونصيبهم من الموارد، ومرورًا بالواجب العلمي الذي يعانقه الدين ويدعو إليه ولا يعارضه أو يرفضه.
كما أكد وكيل الأزهر أن دور القادة الدينيين في تصحيح تصورات أتباعهم نحو الكون، وتوجيه سلوكهم في تعاملهم معه لا يُنكر، ولكن ما تزال البشرية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود نحو زيادة الوعي بمفهوم تغير المناخ وآثاره، فبعض الناس ما يزالون ينظرون إلى قضية المناخ على أنها من الرفاهية؛ ولذا فإن التثقيف والتوعية بالمخاطر الحقيقية الواقعية والمحتملة هي التي يمكن أن تقف بقوة في وجه هذه التغيرات، وهي التي تدفع البشرية إلى التعامل مع البيئة ومكوناتها بإحسان، وتبني نمط استهلاكي معتدل حتى يكون الناس أصدقاء حقيقيين للبيئة، وكذلك يجب أن تعزز القيادات الدينية تعاونها مع صناع القرار، وأن تتخذ من رمزيتها قوة مؤثرة موجهة لهم نحو ما فيه خير البشرية.
وشدد على أن قضية التغيرات المناخية ليست أقل خطورة من فيروس كورونا الذي انتفض له العالم بدوله وحكوماته ومنظماته وشعوبه، وليست أقل من الحروب التي نالت آثارها من الجميع رغم البعد الجغرافي عن محيطها؛ ولذا يجب تصعيد العمل حيال التهديد الصادر عن التغير المناخي بدءًا بالأفراد ومرورًا بالمؤسسات وانتهاء بالحكومات، وغني عن الذكر أن دولاً متعددة قامت بجهود كبيرة في هذا الشأن، والتي كان من آخرها مؤتمر (Cop27) الذي عقد بجمهورية مصر العربية، والذي سعى إلى تحويل تعهد الدول المتقدمة بتمويل أضرار التغيرات المناخية إلى حقيقة واقعية، وحث الدول المسببة للتغيرات على الوفاء بالتزاماتها المادية، ومؤتمر (Cop28) الذي عقد بالإمارات العربية المتحدة، والذي تمخض عن «بيان أبو ظبي المشترك من أجل المناخ ..نداء الضمير»، وإعلان جمهورية أذربيجان عام 2024 عام التضامن من أجل السلام الأخضر، إضافة إلى ما قبل هذا وما بعده من مؤتمرات وتوصيات وبيانات ووثائق وأبحاث ودراسات وحملات وغير ذلك.
وتساءل فضيلته: متى التزمت الدول الأكثر إضرارًا بالمناخ بتوصيات المؤتمرات؟ وهل هناك صفقة عادلة بين الدول المسببة للأضرار المناخية والدول المتضررة منها؟ وما هو العمل الحقيقي الذي يعقب المؤتمرات والاجتماعات؟، لذا، فإن حاجة العالم الآن إلى مد جسور التعاون والتلاقي بين الشعوب أكثر من أي وقت مضى، وإن الأزهر الشريف ليجدد الدعوة لقادة العالم وللحكماء إلى أن تتفق على مبادئ عظمى تضمن العمل المشترك للتصدي للتداعيات والتحديات التي تفرضها الأزمات.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأربع توصيات وهي:
أولا: ضرورة تنمية الوعي البيئي بتثقيف الجماهير بصفة عامة، من خلال المؤسسات التربوية والدينية والمنابر التوعوية والإعلامية، والمناهج والكتب الدراسية.
ثانيا: ضرورة التشارك الكوني وتبادل المعلومات والخبرات بين الشعوب والحكومات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية، من خلال برامج علمية تتكاتف فيها الجهود بصورة سريعة ومؤثرة، بعيدًا عن الجوانب الإجرائية والشكلية؛ لاستخدامها في مواجهة أي خطر يهدد الكرة الأرضية.
ثالثا: ضرورة سن القوانين والتشريعات التي تردع محتكري المعلومات والتجارب التي يؤثر حجبها على فاعلية التعامل مع الكوارث والأزمات، وملاحقة ملوثي البيئة.
رابعا: الضغط على الدول الغنية وصناع القرار العالمي لتحمل المسؤولية، والقيام بتغييرات جدية لحماية البيئة، كالطاقة النظيفة، والاستخدام المستدام للأراضي، وغير ذلك، واعتماد التمويل اللازم لدعم الدول الفقيرة للتأقلم مع تغير المناخ.