في خضم الأحداث التي يشهدها العالم، يوجد ملفان مرتبطان ببعضهما البعض سياسيا وعسكريا، وهو كيف سيكون الرد الروسي على أوكرانيا والغرب، وكذلك كيف سيكون الرد الإيراني على إسرائيل ومن ورائها الغرب؟

نحن في الواقع أمام مواجهة شاملة بين قطبين والدول التي تدور في فلكهما، وإن كانت النزاعات تبدو ذات طبيعة ثنائية.

كل هذا يبلور أكثر عالم تحالفات الغد ويرسم أبعادها.

من أخطر التطورات التي شهدها العالم، ليس فقط خلال الأسابيع الأخيرة أو هذه السنة، بل خلال السنوات الأخيرة، وربما ضمن الأحداث الرئيسية منذ بداية القرن الجاري إلى جانب أحداث 11 سبتمبر وحرب العراق وطوفان الأقصى هما: قيام إسرائيل نهاية الشهر الماضي باغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هينة في العاصمة طهران.



بينما تمثل الحدث الثاني في العملية الجريئة، التي قام بها الجيش الأوكراني يوم 6 أغسطس الجاري بغزو منطقة كورسك الروسية، واحتلال قرابة ألف كلم مربع. لا تعتبر هذه الأحداث عادية نهائيا رغم أنها تحدث في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية ثم الصراع المباشر بين إيران وإسرائيل.

بالنسبة لإيران، عملية اغتيال إسماعيل هنية، وإن تمت من خلال كوماندوس من داخل إيران، وقد يكون المنفذون إيرانيون، كما جرى في حوادث اغتيال علماء المشروع النووي، إلا أن هذه المرة يبقى الاغتيال ضربا مباشرا لهيبة إيران وشرفها.

كما يعتبر إعلان حرب حقيقيا من قبل إسرائيل، ولا يمكن لطهران هذه المرة الاكتفاء بتوظيف الحركات، التي تدور في فلكها مثل الحوثيين وحزب الله لشن ضربات ضد الكيان الصهيوني، بل تجد نفسها مجبرة أمام مواطنيها وباقي شعوب المنطقة على الرد المباشر، وبطريقة أكبر وأعنف مقارنة مع ردها ليلة 13 وفجر 14 أبريل الماضي، على ضرب الكيان للتمثيلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، واغتيال أعضاء من الحرس الثوري. تعاملت طهران مع اغتيالات علماء الذرة على أنها عمليات تصفية محدودة، لاسيما وأن إيرانيين تورطوا في العمليات، لكن هذه المرة، الأمر يتعلق بعمليات حربية تتطلب ردا حربيا.
لدى موسكو حساسية تاريخيا من حدودها الغربية فهي مصدر كل التحديات الكبرى
وفي علاقة بالهجوم الأوكراني على كورسك، اعتقدت موسكو عدم جرأة أوكرانيا على مهاجمة الأراضي الروسية، وهذا فشل استخباراتي خطير في تقييم الحرب، لأن الجديد هو أن أراضي روسيا تعرضت للغزو لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا الهجوم جاء من دولة تعتبرها موسكو أداة في يد الغرب، ومن الحدود الغربية. ولدى موسكو حساسية تاريخيا من حدودها الغربية، فهي مصدر كل التحديات الكبرى من نابليون إلى هتلر والآن أوكرانيا.

الاعتقاد السائد أنه لا يمكن لإسرائيل اغتيال إسماعيل هنية، دون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة، وإن لم يكن على مستوى البيت الأبيض، فعلى مستوى الاستخبارات، سواء سي أي إيه أو العسكرية دي أي أيه. لأن عملية الاغتيال هذه تمت في وقت رفعت فيه الدول الغربية من تعزيزاتها العسكرية في شرق المتوسط والبحر الأحمر بشكل كبير، مدركة لتطورات مقبلة.

في الوقت ذاته، لا يمكن لأوكرانيا الإقدام على غزو منطقة كورسك الروسية دون تنسيق مسبق مع الحلف الأطلسي. ذلك أن روسيا اتهمت مباشرة البنتاغون والحلف الأطلسي بالتخطيط للعملية وتزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة النوعية لتنفيذ هذه العملية.

هل سيحدث الرد الروسي والإيراني على كل من أوكرانيا وإسرائيل؟ نعم سيكون الرد، بل وسيكون ردا استراتيجيا وقويا، وقد يشكل مفاجأة نوعية، ولهذا تأخر حتى يتم التخطيط له بذكاء، ويكون له مفعول كبير.

في هذا الصدد، يبدو أن عملية اغتيال إسماعيل هنية وعملية غزو كورسك تدخلان في نطاق إذلال الغرب لما يسمى بالمحور الجديد المنافس للغرب، ذلك أن الغرب خبير جدا في توجيه الضربات ذات العمق الرمزي، في مواجهة العدو وإضعافه أمام مواطنيه والرأي العام الدولي.

وهنا يمكن استحضار كتاب «عودة التاريخ ونهاية الأحلام» للمفكر الأمريكي روبرت كاغان، الذي دعا في مؤلفه إلى ضرورة محاصرة دول مثل إيران وروسيا والصين وضرب صورتها أمام الرأي العام العالمي لتفقد مصداقيتها. وتتوافق العمليتان: اغتيال إسماعيل هنية وغزو كورسك مع هذا التصور. كما تذهب تحاليل المحافظين في قنوات مثل فوكس نيوز إلى دعم هذه الأطروحة.



قد يتم الرد الروسي والإيراني في توقيت قريب، ربما في اليوم نفسه أو بفارق أيام قليلة، لإرسال رسالة مفادها وحدة المحور المناهض للغرب.
يبقى المقلق هو رد روسيا وإيران على أوكرانيا وإسرائيل ومن ورائهما الغرب برمته
ويبقى المقلق هو رد روسيا وإيران على أوكرانيا وإسرائيل ومن ورائهما الغرب برمته قد يجر إلى ردود متتالية، وهنا قد تنزلق الأمور إلى حرب إقليمية لتصبح دولية، لاسيما وأن الأوضاع في بحر الصين متوترة، بسبب دعم البنتاغون لتايوان، وبدء الحصار العسكري الصامت لبكين للجزيرة، التي تعتبرها متمردة عليها.

وهناك مؤشرات على احتمال وقوع انزلاقات، إذ يكفي أن موسكو قد هددت بولندا إذا اعترضت أي صاروخ روسي سيستهدف أوكرانيا.

وقال وليغ تيابكين، مدير الإدارة الأوروبية الثالثة في وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو سترد بشكل ملموس وملائم ومناسب إذا حاولت بولندا اعتراض الصواريخ، مؤكدا أنه «إذا ما استسلمت وارسو الرسمية لاندفاع المغامرة، وقررت القيام بمحاولات لاعتراض وسائل التدمير بعيدة المدى، التي تستخدمها قواتنا المسلحة بشكل قانوني، من أجل تحييد التهديدات العسكرية المنطلقة من أراضي أوكرانيا إلى روسيا، فإن الرد عليها سيكون مناسبا ومحددا تماما». وإذا أخذنا بعين الاعتبار عضوية بولندا في الحلف الأطلسي، هنا يتم استحضار الأسوأ.

عموما، مثل هذه الأحداث تعمل على تسريع تشكيل خريطة جيوسياسية من التحالفات، التي ستتحكم في مجريات عالم الغد، إن لم تكن قد بدأت الآن، لأنه يجب رؤية الرد الإيراني والروسي على أساس أنه رد على الغرب أكثر منه رد على إسرائيل وأوكرانيا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيراني إسرائيل روسيا الولايات المتحدة إيران إسرائيل الولايات المتحدة روسيا اوكرانيا سياسة مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اغتیال إسماعیل هنیة

إقرأ أيضاً:

قصة ممرّ الشقاق بين روسيا وإيران

قال كامران بخاري، الأكاديمي المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في جامعة أوتاوا، إن حرب أوكرانيا قرّبت بين روسيا وإيران، لكن العلاقة المتطورة بينهما أكثر تعقيداً مما تبدو.

يتضح وجود تباعد استراتيجي بين روسيا وإيران

وأضاف الكاتب في تحليله بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز": كانت طهران الشريك الأضعف حتى العام الماضي، ولكن مع تزايد اعتماد موسكو على الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية في حربها ضد أوكرانيا، زاد نفوذ إيران. ومع ذلك، يتضح وجود تباعد استراتيجي، حيث تحتاج إيران إلى التفاوض مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تتعارض سياسة روسيا في جنوب القوقاز مع المصالح الإيرانية.

التباعد الاستراتيجي

عندما اتهمت الولايات المتحدة إيران هذا الأسبوع بإرسال صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا، غفلت عن تطور أكثر أهمية في العلاقات الروسية الإيرانية. وانتقد العديد من المسؤولين الإيرانيين روسيا علناً في الآونة الأخيرة لدعمها خطة أذربيجان لإقامة ممر في أرمينيا على الحدود مع إيران. 

⚠️ ???????????????????????????????? ???????????????? ⚠️

???????? | ???????????????? ???????????????????? ???????????????? ???????? ????????????????????????: ???????????????????????????????????? ???????????????????? ???????????????? ???????????????????????????????????????? ???????????????????????? ???????? ???????????????????????????? ????????????????

This move will Facilitate a new route of Trade from Asia towards Russia / Central Asia to… pic.twitter.com/qpSTeEznYr

— Iran Spectator (@IranSpec) June 20, 2024

ووصف وزير الخارجية الإيراني الجديد، عباس عراقجي، الممر المعروف باسم "ممر زانجيزور" بأنه "إعادة رسم للحدود" ووصفه بأنه "خط أحمر لإيران". كما قال أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني والرئيس الأسبق للحرس الثوري الإيراني اللواء محسن رضائي "إن سلوك روسيا يتناقض بوضوح مع صداقتها المعلنة مع إيران".

تزايد المخاوف الإيرانية

ولفت الكاتب النظر إلى تزايد مخاوف إيران بشأن حدودها الشمالية منذ انتصار أذربيجان على أرمينيا، حليف إيران، في الحرب الثانية على ناغورنو قره باغ في عام 2020. وكانت المنطقة تحت إدارة أرمينيا منذ الحرب الأولى في عام 1994، وسقوطها في يد أذربيجان أدى إلى توسيع الحدود الأذربيجانية الإيرانية بشكل كبير.
دفع مسعى أذربيجان لتأمين ممر زانجيزور، الذي يربطها بمنطقتها المستقلة ناخيتشيفان، إلى تهديد بخلق حزام تركي متصل على طول الحدود الشمالية الغربية لإيران، وهو ما يشكل تهديداً أمنياً كبيراً لطهران، خاصةً مع وجود أقلية أذرية كبيرة في إيران تمثل ربع سكانها تقريباً وتتركز في الشمال الغربي للبلاد، إضافة إلى التحولات السياسية الداخلية في إيران وحملتها عالية المخاطر لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط. 

Iran and Russia are going to invest about $38 billion in the development of Trans Caspian shipping lines as part of the International North-South Transport Corridor (INSTC)

This corridor is key infrastructure for Russia and allows it to circumvent Western sanctions pic.twitter.com/8VsMEVZXml

— Iran Observer (@IranObserver0) October 28, 2023

وشعرت إيران بالأمان لعدة سنوات لأن أرمينيا كانت تسيطر على الوضع أمام أذربيجان، وكانت منطقة جنوب القوقاز تحت النفوذ الروسي بشكل راسخ. ومع ذلك، شهدت المنطقة تحولاً استراتيجياً خلال السنوات الأربع الماضية. فقد أدى الدعم التركي الهائل إلى تمكين القوات الأذربيجانية من التغلب على خصومها الأرمن والسيطرة على ناغورنو قره باغ، مما قلب موازين القوة التي كانت موجودة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
ورغم تحالفها مع أرمينيا في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، لم تقدم موسكو أي مساعدة ليريفان، مما دفع أرمينيا إلى التهديد علناً بالانسحاب من التحالف والبحث عن شراكات جديدة مع دول مثل فرنسا والولايات المتحدة. وفي هذه الأثناء، استغلت تركيا انشغال روسيا في أوكرانيا لتعزيز نفوذها في المنطقة وزيادة روابطها مع آسيا الوسطى.

تركيا تتحدى النفوذ الروسي

وتابع الكاتب: مع تحدي تركيا للاحتكار الروسي حول بحر قزوين وصعود أذربيجان كقوة رئيسة في جنوب القوقاز، لم يكن أمام الكرملين خيار سوى مد يد التعاون إلى باكو، رغم أن علاقاتها مع الغرب ما زالت باردة. كانت روسيا بحاجة إلى تأييد ممر زانجيزور لضمان موقعها في المشهد الذي ترسمه تركيا وأذربيجان، وهو ما وضع موسكو في مواجهة مع طهران، التي تخشى أن تؤدي هذه التغييرات إلى قطع وصولها إلى طريقها البري نحو أوراسيا.

نقطة تحول

وسيطر الفرس على معظم جنوب القوقاز وأجزاء كبيرة من شمال القوقاز، بما في ذلك داغستان وأجزاء من الشيشان، منذ أوائل القرن السادس عشر. ولكن بدأت روسيا القيصرية في الاستيلاء على هذه الأراضي من الإمبراطورية القاجارية في عام 1801.
وبموجب معاهدة غوليستان لعام 1813، تنازل الفرس عن داغستان وجورجيا الشرقية ومعظم أذربيجان وأجزاء من أرمينيا الشمالية للروس. احتفظت إيران بأجزاء من أرمينيا وناخيتشيفان وجنوب أذربيجان حتى معاهدة تركمانشاي في عام 1828، التي رسمت الحدود الشمالية الغربية الحالية لإيران على طول نهر آراس.
وسيطرت موسكو على جنوب القوقاز حتى انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما استقلت جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، لكن الاتحاد الروسي استمر في التمتع بنفوذ قوي في المنطقة. وترى إيران أن الوضع لم يتغير كثيراً على مدى أكثر من قرن ونصف، باستثناء أن التاريخ والجغرافيا جعلا من أرمينيا المستقلة حليفاً طبيعياً لإيران.
وسيطرت أرمينيا حديثة الاستقلال على ناغورنو قره باغ، التي تبلغ مساحتها 4400 كيلومتر مربع داخل أذربيجان، لمدة تقارب الثلاثة عقود، وهو ما كان يناسب إيران تماماً. لكن حرب أذربيجان وأرمينيا في عام 2020 شكّلت نقطة تحول. فتركيا، التي لم تسيطر أبداً على معظم جنوب القوقاز حتى في ذروة الإمبراطورية العثمانية، أصبحت الآن قوية الحضور على الحدود الشمالية لإيران، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً لإيران. ومع انضمام روسيا إلى تركيا في التحالف مع أذربيجان، أصبحت إيران في موقف أكثر حرجاً.

مستقبل التحالفات

تعترف إيران بأن روسيا في حالة تراجع طويل الأمد، وأن تركيا في أفضل وضع لملء الفراغ. تتمتع تركيا بروابط عرقية مع أذربيجان ومع معظم دول آسيا الوسطى. وعلى الرغم من ذلك، ستظل إيران تحتفظ بعلاقاتها مع روسيا، لكنها تدرك تراجع النفوذ الجيوسياسي لموسكو. 

مقالات مشابهة

  • الدفاعات الروسية تُسقط 19 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي كورسك وبيلغورود
  • مدفيديف: هجوم كورسك شرط مسبق لاستخدام النووي ولكننا نتحلى بالصبر وله حدود
  • موسكو: نعرف أن الغرب قرر بالفعل ضرب روسيا في عمقها
  • سياسي بريطاني يحذر من التهديدات التي سيواجهها الغرب إن سمح لكييف بضرب الأراضي الروسية
  • أستاذ علوم سياسية: الغرب فتح مخازن أسلحته أمام أوكرانيا لاستنزاف روسيا
  • قصة ممرّ الشقاق بين روسيا وإيران
  • الخارجية الروسية: موسكو لن تتسامح مع أنشطة موظفي المخابرات البريطانية في روسيا
  • «الدفاع الروسية»: دمرنا 4 ألوية أوكرانية في مقاطعة كورسك
  • روسيا تتهم الغرب بالتحضير لحرب في آسيا على نمط أوكرانيا
  • كورسك الروسية تدمر صاروخا أوكرانيا