الطين.. على الطريق المفضي إلى أقدم عاصمة بالعالم الإسلامي، يرتفع بك الجسر الملتوي ليسلمك إلى قلب درة مصر القديمة، الفسطاط، تفتح بوابات قرية الفواخير على مصراعيها لتصطحبح في جولة عبر الزمن إلى عالم السحر والجمال، بقعة على مساحة 13 فدان تنتزعك عنوة من فوضى القاهرة وجلبتها إلى رحابة الفن وتمنحك جرعة مجزلة العطاء من الإبداع، تتراص على جانبي الطريق بإنتظام 152 فاخورة لـ "جواهرجية الطين"، يتوسطها حديقة غناء تتناثر بها القطع الفنية المبهرة والمقاعد الوثيرة في انتظار زوار القرية من شتى دول العالم.

 

مزيج من البساطة والأصالة يغلب على المكان

بوجه خضيته شمس المحروسة، وقسمات شق بينها الزمن خطوط الحنكة والرزانة، ومسحة من ملاحة بائدة لاتخطئها العين، يستقبلك علي درويش، الشهير بالحاج علي دقدق، رئيس مجلس إدارة القرية بجلبابه الصعيد البسيط يرافقنا في جولة بين فواخير القرية ليودعنا بين يدي عم إبراهيم صابر، على مدخل فاخورة صابر ومكمنه الخاص لصناعة الخزف، تطالعك أصيصات الزرع الخاوية جنبا إلى جنب مع أواني الطعام وغازات الزهور الموشاة بأجمل الزخارف والألوان بينما يرتفع جبل المقطم من خلفك كالوالي يشرف على سير العمر بالقرية من علياؤه، تصفعك رائحة غبار الطين الأسواني والبوكلا بينما تلح إلى ممر ضيق ترتفع على جانبيه ارفف الأواني الفخارية بلون الطين اللازب.

رقصة درويش من الطين على دولاب الفخار 

يجلس محمد عبد النبي، صانع وفنان في أوساط العشرينات، إلى دولاب الفخار؛ طاولة بسيطة من قوائم حديد تدثرها قطعة من الرخام الفاخر وأسطوانة من الصلب، مايلبث أن يجلس حتى يضغط على كابس صغير فينطلق زئير "الموتور" معلنا رفع الستار عن فقرة اللفيف، يدور كوب الخزف كدرويش يطلب المدد من السماء بينما ينفض عنه عبد النبي شوادر الخطايا، سيمفونية من التناغم تصل السحر الكامن بين أنامل الصانع الماهر، محمد، وبين الطين ينحت معزوفته الخاصة من الخزف ويهذب بروزها باستخدام السادف أوالفيبرا المخصصة للأواني، وبينما يتراقص الكوب بين أطراف أصابعه ينهي عبد النبي معزوفته بقطع الوصال بين القطعة الفنية حديثة العهد وبين أسطوانة الدولاب باستخدام خيط معقود الطرفين.

بينما تتسلل أولى خيوط شمس النهار عبر كوة فاخورة عم إبراهيم المزخرفة على الطراز النوبي، تدب الحياة في المكان فيتحول إلى خلية نحل تسري فيها الحركة والنشاط، يحمل محمد عبد النبي أكواب الخزف بعدما تأكد من اكتمال مرحلة جفافها إلى دولاب الفخار من جديد ليختم عمله بوصلة أخيرة من الدورات على الإسطوانة يصقل خلالها سطحها ويضيف إليها حتفتي الشفة والقعر.

 

روح التعاون والألفة تطغى على الفاخورة 

وكحبات السبحة تتناقل القطع بين أصابع فناني الورشة في جو صاف من التعاون ، حيث لامكان لمناوشات تهدر وقت العمل أو رتابة تؤد رهافة الحس الفني لفريق من الصناع لاتتخطى أعمارهم العقد الثالث، أياديهم "تتلف في حرير"، يتحرى إبراهيم صابر في اختيارهم البحث عن صاحب الخلق السوي، "الشغل ممكن يتعلمه لكن التربية صعبة .. تخليت عن عامل شاطر جدا من فترة عشان كان بيعمل مشاكل كتيرة كل يوم خناقة وبيعطل زمايله"، على حد وصف صابر.

عن جنب، ترتكز مايبدو كخزانة ضخمة تقوم على ركائز من الصلب يحكم غلق بابها مفاتيح ضخمة، دقائق وتنطلق صافرة معلنة انتهاء مرحلة "الحرق"، يعمل أحد الشباب يده على فتح مقابض الفرن ينفتح الباب عن حمو كاللهب يلفح الوجوه، يتناوب العمال على حمل القطع من داخل، الفرن البسكوت، كما يطلقون عليه إلى صيجان تتراص على الجانبين، فيما يباشر فريق آخر على متابعة الخطوات التالية من خط الإنتاج، درجة بعد درجة في عملية شاقة تستغرق 10 إلى 20 يوم لإتمامها وصولاً إلى مرحلة الجليز، أي التلوين والرش.

 

كرامي أوليمبي عتيد يحكم محمد أحمد، عامل رش بفاخورة إبراهيم صابر، ضبط مسدس الجليز، وبخبرة كيميائي محترف يضع في حاوية المسدس بنسب لاتخطئ من ألوان تلوين الخزف المستوردة ويلف قبضته على المسدس بإحكام قبل أن يسدد رميته الناجحة.

وعلى اسطوانة دائرية تتحرك بحرية حول محورها، يقبع كوب الخزف في انتظار الحصول على وجه لامع مصقول ومزيج من ألوان شتى تعيظ بهجة الحياة من جديد إلى الحمأ المطفي، كاللفيف يتراقص الكوب حول نفسه فيما يلبسه محمد تنورة من أبهى الألوان.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الطين قرية الفواخير الفن الصعيد العالم الإسلامي عبد النبی

إقرأ أيضاً:

غزة تحب الحياة.. أطفال يلعبون على أرجوحة بينما تغيب الشمس فوق الخيام (شاهد)

عرضت وكالة “وفا” الفلسطينية، مساء الاثنين، مقطع فيديو لأطفال فلسطينيين يلعبون على أرجوحة أثناء غروب الشمس فوق خيام النازحين في مخيم خان يونس للاجئين، جنوب قطاع غزة.

وقالت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن مقاتليها قنصوا 5 جنود إسرائيليين في منطقة الجواني وسط مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فيما استشهد 46 فلسطينيا في قصف إسرائيلي منذ فجر اليوم الاثنين، 30 منهم شمالي القطاع، بالتزامن مع استمرار الاحتلال بعمليات نسف وتدمير للمباني السكنية وحصار مشدد.

نتنياهو: حماس هي العائق أمام إتمام صفقة التبادل لإعادة المحتجزين من غزة احتجاج لعائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة أثناء إلقاء نتنياهو كلمة أمام الكنيست

وقال مراسل الجزيرة 17 شهيدا سقطوا في غارة إسرائيلية على منزل قرب مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة، كما ارتفع إلى 29 عدد الشهداء الذين سقطوا في غارات إسرائيلية على مناطق عدة في قطاع غزة منذ فجر اليوم.

فقد أفاد مراسل الجزيرة بسقوط 7 شهداء وعدد من المصابين في قصف إسرائيلي على منزل في محيط شارع الجلاء غرب مدينة غزة.

كما أفاد جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، في بيان، باستشهاد 4 فلسطينيين، بينهم طفلان، وإصابة آخرين، جراء استهداف طائرة إسرائيلية خيمة تؤوي نازحين في منطقة العطار بمواصي خان يونس جنوبي قطاع غزة، التي تزعم إسرائيل أنها منطقة "إنسانية آمنة".

وقال شهود عيان لوكالة الأناضول إن الطائرات الإسرائيلية قصفت خيمة في منطقة المواصي الساحلية غربي مدينة خان يونس، مما أدى إلى احتراقها وعدد من الخيام المحيطة بها.

وأفادت وسائل إعلام فلسطينية بأن مدفعية الاحتلال قصفت أيضا حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة وسط القطاع، كما استهدف الاحتلال بالقصف المدفعي المكثف المناطق الشمالية والغربية لمدينة رفح جنوبي القطاع، إلى جانب استهداف وسط المدينة بالغارات الجوية.

كما أفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين أغلبهم أطفال، في قصف استهدف منزلا في محيط شارع الجلاء غرب مدينة غزة.

يأتي ذلك فيما قالت زارة الصحة بغزة إن الاحتلال ارتكب 4 مجازر في القطاع وصل منها للمستشفيات 76 شهيدا و158 مصابا خلال 24 ساعة، ليرتفع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 43,922 شهيدا و103,898 مصابا منذ ٧ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023.

واستشهد أمس الأحد أكثر من 111 فلسطينيا جراء سلسلة من المجازر ارتكبها جيش الاحتلال، معظمها في شمال القطاع.

فقد ارتكب الاحتلال أمس 4 مجازر في بيت لاهيا وحدها، حيث قصف عمارات سكنية ومنازل مدنية، استشهد على إثرها أكثر من 72 شهيدا من عائلات غباين وغنيم وصافي وعيادة وعبد العاطي والتلولي، حسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وأضاف المكتب -في بيان- أن الاحتلال "ارتكب مجزرتين في مخيمي النصيرات والبريج بقصف منازل مدنية، واستشهد على إثر المجزرتين 24 شخصا من عائلات أبو عرمانة وصيدم وعقل والمصري والحملاوي وأمُّوم".

وأكد البيان أن جيش الاحتلال "كان يعلم أن هذه المنازل والعمارات السكنية فيها عشرات من المدنيين النازحين، وأن أغلبهم من الأطفال والنساء الذين شردهم من أحيائهم المدنية السكنية، ولاحقتهم الطائرات بأطنان من الصواريخ".

 

مقالات مشابهة

  • بالصور .. سعود السنعوسي في حوار مفتوح مع جمهور معرض الكويت عن "أسفار مدينة الطين"
  • اليوم.. محاكمة 13 تاجر ملابس بتهمة القتل واستعراض القوة ببولاق الدكرور
  • خبير دولي: الأسد يتشبث بالكرسي بينما سوريا تحترق
  • وفاة شاب بطنجة تعرض لصعقة رعدية بينما كان تحت شجرة
  • مستقبل وطن المنيا.. الكشف الطبي على 1635 مواطناً في قافلة طبية مجانية بقرية القايات
  • خريطة الفراعنة تقود إلى كنز "الفواخير": رحلة عبر الزمن لاستكشاف أقدم منجم للذهب بمصر
  • هل يوجد عدد معين للصلاة على النبي حتى يستجاب دعائي؟.. الإفتاء ترد
  • غزة بين أفران الطين ورفوف الكتب.. قصة الروائي محمد عساف
  • غزة تحب الحياة.. أطفال يلعبون على أرجوحة بينما تغيب الشمس فوق الخيام (شاهد)
  • عباس صابر يلتقي العاملين بالأمن الصناعي بشركة إسكندرية للبترول