لماذا حرم الله على الرجال لبس الذهب .. ومتى يرخص لهم؟
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
لماذا حرم الله على الرجال لبس الذهب؟ سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية، حيث قالت إن الشرع نهى عن لبس الذهب للرجال، مشيرة إلى الحديث النبوي: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهِا».
لماذا حرم الله على الرجال لبس الذهب؟وأوضحت الإفتاء أن السنة الشريفة أجازت الترخيصُ في لبس الذهب اليسير للرجال إذا كان تابعًا لغيره؛ كفص ذهب في خاتم فضة أو الساعة ذات العقارب الذهبية، مشيرة إلى الحديث النبوي: روى الإمام أحمد في «المسند»، وأبوداود في «السنن»، والنسائي في «المجتبى»، عن معاوية بنِ أبي سُفيان رضي الله عنهما: «أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم نَهَى عن لُبْسِ الذَّهَبِ إلا مُقطَّعًا».
وأشارت في فتوى عبر موقعها الرسمي إلى أن الحكمة في الترخيص في يسير الذهب إذا كان تابعًا لغيره هو أنه مقاوم للبِلَى ولا يصدأ كغيره من المعادن.
أحاديث النهي عن لبس الذهب للرجالفيما بينت أن الإمام البخاري ذكر في باب (خواتيم الذهب) ثلاثة أحاديث؛ كل واحد منها يدل على النهي عن لبس خاتم الذهب:
أولها: عن البراء بن عازب. ثانيها: عن أبي هريرة. ثالثها: عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهم.
وكتب على ذلك الإمام ابن حجر العسقلاني في شرحه "فتح الباري" -(10/ 317-318، ط. دار المعرفة، بيروت)- في هذا الموضوع ما نصه:
[قال ابن دقيق العيد: وظاهر النهي التحريم، وهو قول الأئمة واستقر الأمر عليه، قال عياض: وما نقل عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم من تختمه بالذهب فشذوذ، والأشبه أنه لم تبلغه السنة فيه، فالناس بعده مجمعون على خلافه. وكذا ما روي فيه عن خباب، وقد قال له ابن مسعود: أما آن لهذا الخاتم أن يُلقى. فقال: إنك لن تراه عليّ بعد اليوم. فكأنه ما كان بلغه النهي، فلما بلغه رجع.
قال: وقد ذهب بعضهم إلى أن لبسه للرجال مكروه كراهة تنزيه لا تحريم كما قال مثل ذلك في الحرير، قال ابن دقيق العيد: هذا يقتضى إثبات الخلاف في التحريم، وهو يناقض القول بالإجماع على التحريم، ولا بد من اعتبار وصف كونه خاتمًا. قلت: التوفيق بين الكلامين ممكن بأن يكون القائل بكراهة التنزيه انقرض واستقر الإجماع بعده على التحريم.
وفيه: جاء عن جماعة من الصحابة لبس خاتم الذهب، من ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن إسماعيل أنه رأى ذلك على سعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وصهيب وذكر ستة أو سبعة، وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا عن حذيفة، وعن جابر بن سمرة، وعن عبد الله بن يزيد الخطمي نحوه، ومن طريق حمزة بن أبي أسيد: نزعنا من يدي أبي أسيد خاتمًا من ذهب.
وأغرب ما ورد من ذلك: ما جاء عن البراء الذي روى النهي؛ فأخرج ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح، عن أبي السفر قال: "رأيت على البراء خاتمًا من ذهب"، وعن شيبة عن أبي إسحاق نحوه؛ أخرجه البغوي في "الجعديات".
وأخرج أحمد من طريق محمد بن مالك قال: رأيت على البراء خاتمًا من ذهب، فقال: قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسمًا فألبسنيه، فقال: «الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللهُ وَرَسُولُهُ». قال الحازمي: إسناده ليس بذاك، ولو صح فهو منسوخ.
قلت: لو ثبت النسخ عند البراء ما لبسه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد روي حديث النهي المتفق على صحته عنه، فالجمع بين روايته وفعله إما بأن يكون حمله على التنزيه أو فهم الخصوصية له من قوله: «الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللهُ وَرَسُولُهُ» وهذا أوْلى من قول الحازمي: لعلّ البراء لم يبلغه النهي، ويؤيد الاحتمال الثاني أنه وقع في رواية أحمد: كان الناس يقولون للبراء: لم تتختم بالذهب وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيذكر لهم هذا الحديث، ثم يقول: كيف تأمرونني أن أضع ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللهُ وَرَسُولُهُ».
ومن أدلة النهي أيضًا ما رواه يونس، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن رجل له صحبة قال: جلس رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فقرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده بقضيب فقال: «أَلْقِ هَذَا».
وعموم الأحاديث المقدم ذكرها في (باب لُبْسِ الحرير)؛ حيث قال في الذهب والحرير: «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى رِجَالِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهَا».
وحديث عبد الله بن عمرو رفعه: «مَنْ مَاتَ مِنَ أُمَّتِي وَهُوَ يَلْبَسُ الذَّهَبَ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ ذَهَبَ الْجَنَّةِ» الحديث أخرجه أحمد والطبراني.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما ثالث أحاديث الباب ما يستدل به على نسخ جواز لبس الخاتم إذا كان من ذهب، واستدل به على تحريم الذهب على الرجال قليله وكثيره؛ للنهي عن التختم وهو قليل. وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التحريم يتناول ما هو في قدر الخاتم وما فوقه كَالدُّمْلُجِ وَالْمِعْضَدِ وغيرهما، فأما ما هو دونه فلا دلالة من الحديث عليه.
وتناول النهي جميع الأحوال؛ فلا يجوز لبس خاتم الذهب لمن فاجأه الحرب؛ لأنه لا تعلق له بالحرب، بخلاف ما تقدم في الحرير من الرخصة في لبسه بسبب الحرب، وبخلاف ما على السيف أو الترس أو المنطقة من حلية الذهب؛ فإنه لو فاجأه الحرب جاز له الضرب بذلك السيف، فإذا انقضت الحرب (فلينتقض)؛ لأنه كله من متعلقات الحرب، بخلاف الخاتم] اهـ.
وقال العلامة العيني في شرحه "عمدة القاري على صحيح البخاري" -(22/ 30، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت)- في هذا الموضوع ما نصه: [وهذا الحديث والذي قبله يدلان على تحريم خاتم الذهب على الرجال، قال النووي: وأجمعوا على تحريمه على الرجال، إلا ما حُكي عن ابن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم: فإنه أباحه، وعن بعضهم: أنه مكروه لا حرام. قلت: روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم لبسوه؛ فمن الصحابة: أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وزيد بن حارثة، وسعد بن أبي وقاص، وصهيب بن سنان، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن يزيد، وأبو أسيد، ومن التابعين عكرمة مولى ابن عباس، وأبو بكر محمد بن عمرو بن حزم وآخرون.
وأجيب عن فعل الصحابة رضي الله عنهم بجوابين:
أحدهما: أنه لعلهم لم يبلغهم النهي.
والثاني: لعلهم حملوا النهي على التنزيه، وأن طرحه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بخاتم الذهب للتنزه عن الدنيا، كما كان ينهى أهله عن الحلية مع أنها كانت مباحة للنساء، فإن قلت: أحد من روى النهي فيه البراء بن عازب كما مر حديثه الآن؟ قلت: قال شيخنا رحمه الله: الجواب عنه أن هذا ليس عملًا للبراء محضًا؛ فإما أنه كان البراء صغيرًا حين الإذن، ونحن نقول بجواز اللباس لغير البالغ على الخلاف المعروف فيه عندنا، وإما أن نجعلهما حديثين متعارضين فيحتمل أن يكون الإذن متقدمًا على المنع، فإن عرف التاريخ بذلك كان الحكم للنهي، وإلا فيرجع إلى الترجيح، ولا شك أن حديث النهي أصح؛ لأنه متفق عليه في "الصحيحين"، والحديث الذي يستند إليه البراء في تختمه بالذهب هو ما رواه أحمد في "مسنده" من رواته محمد بن مالك، وقال: رأيت على البراء خاتمًا من ذهب، وكان الناس يقولون: لم تتختم بالذهب وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال البراء: بينما نحن عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وبين يديه غنيمة يقسمها سبي وحربي، فقال: فقسمها حتى بقي هذا الخاتم، فرفع طرفه إلى أصحابه، ثم خفض، ثم رفع طرفه فنظر إليهم، ثم خفض، ثم رفع طرفه فنظر إليهم، ثم قال: «أي براء»، فجئته حتى قعدت بين يديه، فأخذ الخاتم، ثم قبض على كرسوعي، ثم قال: «خُذ، إلبس مَا كساك الله وَرَسُوله» الحديث، وقال شيخنا محمد بن مالك: راويه عن البراء تفرد به عنه، وقد ذكره ابن حبان في "الضعفاء"، وقال: وكان يخطئ كثيرًا؛ لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، ومع هذا فقد ذكره ابن حبان أيضًا في "الثقات"، إلا أنه قال: لم يسمع من البراء شيئًا.
قال شيخنا: لكن ظاهر هذا الحديث سماعه منه، وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: لا بأس به. وقال: أو لعلّ البراء فهم التخصيص بإذنه له في لبسه، ومع ذلك فالصحيح الذي عليه الجمهور: أن العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه. انتهى. قلت: العبرة عندنا بما رآه على ما عرف في موضعه. والله أعلم] اهـ.
وأقول: قد عُلِم مما تقدم عن ابن حجر أن ابن دقيق العيد قال أولًا: وظاهر النهي التحريم. وهو قول الأئمة واستقر الأمر عليه، كما أن العيني قال فيما تقدم عنه: وهذا الحديث والذي قبله يدلان على تحريم خاتم الذهب على الرجال.
وقال النووي -في "شرحه على صحيح مسلم" (14/ 65 ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت)-: [وأجمعوا على تحريمه على الرجال إلا ما حُكي عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم فإنه أباحه، وعن بعضهم أنه مكروه لا حرام].
وشددت أن من ذلك يعلم أن ما روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم لبسوا خاتم الذهب وإن كان صحيحًا، لكنه كان سابقًا على ما استقر عليه الأمر وأجمعوا عليه من التحريم، وأن ما نقل مما يخالف ذلك فهو شأنه -بدليل قول ابن حجر فيما نقل عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم- أنه شذوذ، والأشبه أنه لم تبلغه السنة فيه، فالناس بعده مجمعون على خلافه.. إلخ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
لماذا جعل الله نصيب الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث؟.. الإفتاء تحسم الجدل
أكد الدكتور علي فخر، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن الميراث في الشريعة الإسلامية ليس قائمًا على مبدأ المساواة بين الذكر والأنثى، بل على مبدأ العدالة التي تأخذ في اعتبارها المسئوليات والواجبات الشرعية، جاء ذلك في رده على تساؤل حول الفروقات في الميراث بين الولد والبنت، وهل يكون ذلك ظلمًا للبنت.
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، أن المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث تتحقق فقط في أربع مسائل شرعية فقط، وهي حالات معينة تتعلق بالأبناء والبنات، والأنساب من الأجداد والجدات، أما في باقي الحالات، فقد تكون الأنثى قد ترث مثل الرجل أو أكثر من الرجل، أو لا ترث أحيانًا حسب الحالة.
وقال: "الشرع الشريف عندما قسم الميراث، راعى مسئوليات الذكر والأنثى، فعلى سبيل المثال، الرجل عليه مسئوليات مالية أكبر، مثل نفقته على الزوجة والأبناء، بينما لا تُطالَب الأنثى بهذه المسئوليات، ولهذا كانت حصته في الميراث أكبر في بعض الحالات".
واستشهد بمثال توضيحي: "إذا كان لديَّ ولد وبنت، وأعطيت البنت 50 جنيهًا لتصرف على نفسها، بينما أعطيت الولد 100 جنيه لأنه مسئول عن أخته وينبغي أن ينفق عليها، فإن ذلك لا يعد ظلمًا، بل هو عدالة، لأن الشرع أوجب على الولد مسئوليات مالية أكبر".
وأكد الدكتور علي فخر أن العدالة الشرعية تقتضي أن يحصل الذكر على نصيب أكبر من الميراث في بعض الحالات، بسبب تكاليف الحياة التي يتوجب عليه تحملها، بينما تظل الأنثى غير مكلفة بهذه الأعباء، وهذا هو الفرق بين المساواة والعدالة في النظر إلى الميراث في الإسلام.
جدل بسبب المطالبة بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأةيذكر أن الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أثار جدلاً فقهياً بفتواه التي رأى فيها أنه لا يوجد نص قرآني يمنع المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
وقال سعد الدين الهلالي، خلال حوار تلفزيوني، إن وظيفته هي البيان والتوضيح، مُستشهدًا بقول الله تعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، موضحًا أن الآية القرآنية التي تأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتبين للناس ما نزل إليهم.
واعتبر سعد الدين الهلالي، أن القرار في نهاية المطاف هو قرار شعبي وليس قراره أو قرار أي فرد آخر، مشيرًا إلى أن المطالبة بالمساواة في الميراث ليست ممنوعة بنص صريح في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة، خاصة بين المتساوين في درجة القرابة كالأخ والأخت.
وتابع: إن هذه المساواة قد تحققت بالفعل في تركيا منذ عام 1937، كما أنها موجودة جزئيًا في مصر في توريث المعاش بموجب القانون 148 لسنة 2019، حيث يتم توريثه للذكور والإناث على حد سواء، مشيرًا إلى الممارسات الواقعية في بعض الأسر المتراحمة التي تتقاسم التركة بالتساوي بالتراضي.
وفي تفسيره للآية القرآنية «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ»، طرح الدكتور سعد الدين الهلالي، معنيين مُحتملين: الأول هو وصية الله بتمييز الذكر، والثاني هو وصية الله بعدم حرمان الأنثى من نصيبها ولو كان سهمًا واحدًا من سهمين.
وطالب الدكتور سعد الدين الهلالي، بفهم النص القرآني على أنه قد يوصي بالضعيف (المرأة) لضمان عدم حرمانها من الميراث.
وأفاد الدكتور سعد الدين الهلالي، بأن ظاهر الآية لم يتم العمل به بشكل كامل حتى نهايتها، مُستشهدًا بسياق الآية حول نصيب النساء فوق اثنتين ونصيب الأم في حالة عدم وجود ولد للمتوفى، وكيف أن الفقهاء اختلفوا في تفسيرها وتطبيقها، بما في ذلك اختلاف الصحابة في عصر عمر بن الخطاب حول نصيب الأم.