أثارت الأنباء حول تأسيس إيران قاعدة عسكرية بحرية لها في طرطوس الكثير من التساؤلات حول خلفياتها ومدلولاتها، كما أعادت خلط الأوراق بخصوص العلاقة بين موسكو وطهران في سورية، من خلال الإيحاء بمشاركة روسيا في تسهيل إقامة القاعدة الإيرانية، مما يتناقض مع الطبيعة التنافسية القائمة بين الدولتين بسبب اختلاف الاستراتيجيات بينهما وتغاير الأهداف.

واستبعد مركز بحثي سوري نجاح إيران في إقامة القاعدة البحرية بسبب عراقيل طبيعية وسياسية، مشيراً إلى أن النشاط البحري الإيراني في الساحل السوري ما زال متواضعاً ولا يشي بوجود احتمال لإقامة قاعدة عسكرية. ورغم أن نشاط إيران البحري في الساحل السوري يعود إلى سنوات غابرة سبقت اندلاع الأزمة عام 2011 بحكم علاقة التحالف القائمة بين دمشق وطهران، كذلك تجديد الأخيرة مساعيها لتقوية نفوذها في الساحل السوري عسكرياً منذ فترة وجيزة لا تتعدى العام، إلا أن بعض وسائل الإعلام السورية المعارضة تحدثت أخيراً عن انتهاء طهران من تأسيس القاعدة في طرطوس. وقال موقع «تلفزيون سورية» إن الحرس الثوري الإيراني انتهى من تأسيس أولى قواعده العسكرية البحرية على الساحل السوري، التي بدأ العمل عليها قبل أقل من سنة في إطار خطة إيرانية لتعزيز قواتها في سورية تضمنت زيادة أعداد الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة وإنشاء قاعدة دفاع ساحلية. وبحسب الموقع، كشفت مصادر أمنية وعسكرية خاصة أن إنشاء القاعدة الساحلية الإيرانية تمّ بمساعدة روسية وتحت غطاء عسكري يوفره الجيش السوري ومؤسساته لتحركات الحرس الثوري في المنطقة. وتقع القاعدة التي جرى الحديث عنها بين مدينتي جبلة وبانياس على الساحل السوري، بالقرب من شاطئ «عرب الملك» ضمن ثكنة دفاع جوي تابعة للجيش السوري، فيما تتولى الوحدة 840 التابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري، بالإضافة إلى الوحدة 102 في «حزب الله» عمليات تأمين الشحنات العسكرية والمباني الخاصة بتخزين معدات القاعدة. وأشار الموقع ذاته إلى أن التنافس بين روسيا وإيران في سورية لم يمنع الأولى من تقديم العون للثانية في إنشاء القاعدة عبر توفير الغطاء لتأمين نقل العديد من المعدات العسكرية والزوارق البحرية. وتقع القاعدة الإيرانية بين قاعدة حميميم التي تعتبر عاصمة النفوذ الروسي في سورية، ومدينة طرطوس حيث تسيطر روسيا على المرفأ الاستراتيجي. ويعود تدخل إيران في القوات البحرية السورية إلى العام 2007، وبعد تدخلها العسكري المباشر في سورية بعد العام 2011، بدأت العمل على توسيع قدرتها البحرية وتعزيزها، إذ أعلنت في 2017 حصولها على امتياز إنشاء مرفأ وإدارته وتشغيله في طرطوس في منطقة عين الزرقا شمال منطقة الحميدية المحاذية للحدود مع لبنان، لمدة زمنية تتراوح بين 30 و40 عاماً. ويتعدى إنشاء نفوذ عسكري على البحر المتوسط محاولات إيران لتحقيق مصالح اقتصادية، إذ تسعى لتعزيز قوتها العسكرية في سورية والمنطقة من خلال تمكين نفوذها على شواطئ البحر المتوسط، وتأمين مصالحها التي تسعى لتحقيقها مستقبلاً، كإعادة العمل بخط أنابيب النفط العراقي – السوري كركوك – بانياس، ولتأمين بديل لها من السواحل اللبنانية، بخاصة بعد تفجير مرفأ بيروت، ولمراقبة وتنسيق حركة السفن الحربية الإيرانية داخل المتوسط والسفن التجارية التي تقوم بنشاطات عسكرية، كأن تحمل قطع الصواريخ في خزاناتها، وللقيام بأعمال الاستطلاع والتنصت الإلكتروني، فضلاً عن تأمين مصالحها الاستراتيجية في سورية بشكل مستقل عن روسيا. وذكر «مركز جسور للدراسات»، وهو مركز بحثي معارض يعمل انطلاقاً من تركيا، العديد من العقبات والصعوبات التي تقف أمام مساعي إيران الرامية إلى تعزيز نفوذها العسكري على السواحل السورية، وأبرزها: – وجود نقطة إمداد لوجستية روسية في طرطوس قبل عام 2011، عملت على توسعتها لاحقاً لتتحول إلى قاعدة عسكرية من خلال سيطرتها على جزء من الرصيف العسكري الموجود في طرطوس، وزادت عدد السفن فيه، كما سيطرت على جزء من ميناء طرطوس لتركز مكاتب عناصرها ومستودعات معداتها فيه، وبالتالي لن تسمح روسيا لإيران بوجود عسكري بحري منافس لها في محيط قاعدتها. – غياب الطبيعة الجغرافية المساعدة على توسعة النقطة العسكرية وتحويلها إلى قاعدة حيث تتفاوت السواحل المطلة عليها بين أعماق كبيرة، وأخرى ضحلة، ومناطق رملية، فضلاً عن وجود مناطق صخرية عند الاقتراب من الشاطئ، مما يُشكّل خطورة تتسبب في جنوح المراكب البحرية تصل إلى إحداث أضرار جسيمة فيها أو تدميرها بالكامل. إضافة إلى صعوبة إدخال بعض القطع العسكرية البحرية فيها، كما هي الحال في ميناء البيضا في طرطوس (ثكنة الحارثي) التي كانت تدخل إليها زوارق صاروخية رباعية بصعوبة بالغة. – غياب الأسلحة البحرية التي تحتاجها القاعدة البحرية ويتحقق التكامل في ما بينها من طرادات ومدمرات وزوارق صاروخية وزوارق دورية وسفن حراسة وكاسحات ألغام بحرية وغواصات وطيران بحري، وبناء رصيف خاص ليس بمقدور إيران تحمل كلفته المالية المرتفعة جداً، وتأمين الوسائط العسكرية للقاعدة المذكورة. وشدد المركز على أن إيران لا تُجري أي تحرك لقواتها البحرية على الساحل السوري، بخلاف ما قامت به من تنفيذ العديد من المشاريع العسكرية البرية المشتركة بين ميليشياتها وقوات الجيش النظامي السوري، كان آخرها عام 2023 بمشاركة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني. وخلص تقرير المركز إلى أن ذلك يدل إلى الحجم المتواضع للقوة البحرية التي تسعى لإنشائها، إضافة إلى أن منطقة «عرب الملك» – مكان القاعدة المعلن عنها لإيران – هي منطقة صالحة للإنزالات البحرية، بمعنى أنّ تموضع إيران فيها قد يكون فقط لمجرد تخوفها من إنزالات بحرية ضدها في سورية، وبالتالي فإن وجودها دفاعي أكثر منه لغايات هجومية.

المصدر: جريدة الحقيقة

كلمات دلالية: الساحل السوری الحرس الثوری فی طرطوس فی سوریة إیران فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

تحذير إسرائيلي من الغرق في المستنقع السوري.. إيران أخطر من الجولاني

حذر الكاتب الإسرائيلي إيال زيسر، من الغرق في "المستنقع السوري" في محاولة لتحقيق أهداف هي في الأساس أكبر من قدرات "إسرائيل"، مضيفا أنه "من المبرر محاولة ضرب مخازن الأسلحة التي تركها الجيش السوري المتداعي، حتى لا تقع في الأيدي الخاطئة ويتم استخدامها ضدنا".

وقال زيسر في مقال نشرته صحيفة  "إسرائيل اليوم": إنه "على مدار العقود الأخيرة، كانت سوريا حجر الزاوية في بناء محور الشر الذي أنشأته إيران في الشرق الأوسط، وفي الحقيقة، لم تكن سوريا مجرد حلقة وصل بين طهران وبغداد وغزة وبيروت، والتي عبرها تدفق السلاح الإيراني إلى حماس وحزب الله، بل كانت هي المبادرة والدافعة لإنشاء هذا المحور الشرير".

وأضاف "هكذا كانت سوريا تحت حكم عائلة الأسد ترى دورها في منطقتنا وأنها بمثابة الحصن الأمامي في الصراع ضد إسرائيل، وكان هذا الحال في حرب الأيام الستة (نكسة 1967) وحرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973)، وكان هذا أيضًا بعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاق السلام، حين سعت دمشق إلى تشكيل جبهة رفض للسلام إلى جانب العراق تحت حكم صدام حسين".


وذكر أنه "مع ذلك، فضلت إسرائيل تجاهل الدور السلبي الذي لعبته سوريا في بناء حلقة النار حولنا، وبدلاً من ذلك استمتعت بالهدوء الذي ساد على طول الحدود في الجولان، وتمنت أن يبقى بشار في منصبه".

وأشار إلى أنه "الأسابيع الماضية كشفت نقطة تحول في سوريا، هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، التي كان ينظر إليها الجميع على أنها عصابات متمردة بكثير من الاستهزاء، أصبحت بفضل الدعم التركي وربما القطري جيشًا مسلحًا مدربًا ومنضبطًا يضم عشرات الآلاف من المقاتلين، وهو تمامًا كما أخطأنا في تقدير قوة حماس".

وأكد أن "هذا الجيش شن هجومًا مفاجئًا أدى إلى انهيار النظام السوري، الذي كان ضعيفًا وهشًا ويعتمد على دعم إيران وحزب الله، ولكن بعد أحداث العام الماضي، كانت يد هؤلاء (أي حلفاء الأسد) قصيرة عن إنقاذه".

وأضاف أن "الجولاني، الناشط في تنظيم داعش الذي أُرسل من قبل التنظيم لإنشاء فرع سوري عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا، انفصل بمرور الوقت عن مرشديه، واليوم أصبح يعلن تصريحات لحنها محبب للغرب، وحتى لإسرائيل: أنه لا يجب الحكم عليه بناءً على أفعاله عندما كان شابًا، وأن هدفه هو بناء سوريا جديدة وضمان العيش الكريم لشعبها".

وأوضح أن "الزمن سيثبت ما إذا كان هذا ذئبًا يرتدي جلد حمل، أم إذا كان قد مر بتغيير جذري، وفي الوقت نفسه تتضح رؤيته حول سوريا كدولة إسلامية تطبق الشريعة، ومن المثير للاهتمام كيف سيتقبل الشارع السوري هذا التحول، الذي كان يكره بشار لكنه لا يريد أن يحل محله جهادي إسلامي".

وقال إن "سقوط نظام الأسد وصعود الجولاني كقائد للدولة يضع إسرائيل أمام تحديات جديدة، وللأسف يبدو أننا نرتكب كل الخطأ الممكن، ومن المبرر أن تخشى إسرائيل من الفوضى التي قد تؤدي إلى تجدد الهجمات الإرهابية على طول الحدود في الجولان، وكذلك من نوايا الجولاني على المدى الطويل، فقد كان السنوار أيضا يتحدث بتواضع، وكان يبدو أن اهتمامه ينصب على تعزيز حكمه في غزة وليس على الصراع مع إسرائيل".

وأضاف "من المبرر أيضًا محاولة ضرب مخازن الأسلحة الكيميائية والمتقدمة التي تركها الجيش السوري المتداعي، حتى لا تقع في الأيدي الخاطئة ويُستخدم ضد إسرائيل، لكن من هنا إلى اندفاع العمل والنشاط الذي أصابنا في الأسبوع الماضي، هناك مسافة كبيرة".

وأكد أن على "إسرائيل حماية مصالحها، ولكن يجب أن تتجنب التورط العميق في سوريا، لأن ذلك سيزيد من تعقيد الوضع.. يمكننا الدفاع عن الجولان دون التوغل في عمقه، ويمكننا ضرب الأسلحة المتقدمة التي تركها بشار دون أن نهاجم بشكل عشوائي كل ما يتحرك في جميع أنحاء سوريا".


وأشار إلى أن "هذا الاندفاع في العمل والطاقة يتناقض بشكل صارخ ليس فقط مع حقيقة أننا لم نتحرك ضد الأسد وجيشه على مدار السنوات، بل بشكل أساسي مع حقيقة أنه ضد حزب الله، العدو الحقيقي الذي نواجهه وما زلنا نواجهه، اكتفينا بضربة جزئية وهرعنا للموافقة على وقف إطلاق النار الذي تركه مع الكثير من قدراته ومعظم قوته العسكرية التي سيحاول الآن إعادة بنائها".

وختم أن "إسرائيل لا تهم أحدًا في سوريا اليوم، كما أن العداء تجاهها اختفى، ويجب ألا نغرق في المستنقع السوري في محاولة لتحقيق أهداف هي في الأساس أكبر من قدراتنا، وبدلاً من ذلك، يجب علينا متابعة ما يحدث وراء الحدود بحذر، ولنتذكر أنه حتى إذا تبين أن الجولاني كان ولا يزال جهاديًا، فهو يشكل تهديدًا أقل من إيران وحزب الله، اللذين في صراعنا ضدهم توقفنا بشكل غريب قبل الحسم".

مقالات مشابهة

  • الكشف عن اجتماع سري بين روسيا وهيئة تحرير الشام
  • إصابة 36 مدنيا جراء غارات إسرائيلية قرب الساحل السوري
  • تقارير استخباراتية: روسيا تقلّص وجودها العسكري في سوريا
  • موقع إيطالي: هل تنقل روسيا قاعدتها من طرطوس إلى ليبيا؟
  • أول بيان للمخلوع بشار الأسد بعد هروبه الى روسيا.. ماذا قال؟
  • ننشر رسالة بشار الأسد إلى الشعب السوري “لم اتخلى عنكم”
  • العدو يستهدف مقدرات الجيش السوري في طرطوس وحماة وحمص
  • تحذير إسرائيلي من الغرق في المستنقع السوري.. إيران أخطر من الجولاني
  • قصف صاروخي إسرائيلي يستهدف موقعاً عسكرياً للجيش السوري في طرطوس
  • انقسامات بين روسيا وإيران.. ماهر الأسد يعيد ترتيب تحالفات العائلة