روادع استراتيجية في جعبة المقاومة!
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
رغم جرأة العدو الصهيوني على ارتكاب جرائم كبرى، فإن هذا المسلك لا يعد مؤشرًا على غياب توازن الردع مع جبهات المقاومة، وهناك دلائل متعددة على ذلك، ولكن أهم دليلين يمكن حصرهما بشكل مباشر هما:
1 – مسارعة العدو للاستغاثة بالولايات المتحدة والغرب وإعلانهم التحرك وإرسال حاملات الطائرات والغواصات تحت عنوان حماية أمن الكيان.
2 – الالتزام بقواعد محدودة للاشتباك مع جبهات المقاومة لا تشكل إعلانًا للحرب الشاملة ولا تستدعي سوى ردود متناسبة.
ورغم التفوق التكنولوجي والجوي للعدو وانعدام أخلاقيات الحرب وتحرره من القيود القانونية والأعراف، فإن جبهات المقاومة تمتلك من أوراق القوة ما يكفل لها خلق توازن للردع وللرعب معًا، وهي تنجز ذلك مع تمسكها بالأعراف والقوانين الدولية وأخلاقيات الحرب وحرصها الدائم على استيفاء شرعية مقاومتها ومواجهتها للكيان ورعاته.
وأوراق قوة المقاومة هي روادع استراتيجية ليست للعدو الصهيوني فقط، ولكن لأميركا أيضًا والتي سقط ردعها بمجرد انخراط جبهات المقاومة في حرب الإسناد رغم التهديدات الأمريكية وحملات التخويف ورسائل الترهيب، وما وجدناه في لبنان والعراق وسوريا واليمن (تحالف حارس الازدهار)، خير دليل على سقوط الردع الأمريكي.
ويعتمد الرادع الاستراتيجي لجبهات المقاومة على عاملين رئيسيين:
أولهما: العامل الجغرافي الذي يشكل نقطة ضعف كبرى للكيان المحاط والمحاصر بجبهات المقاومة في سوريا ولبنان والداخل الفلسطيني، وكذلك عبر دخول سلاح المسيرات والصواريخ والأسلحة البحرية، وهو ما أبرزته ساحة اليمن وتأثيرها في الملاحة والممرات البحرية، وهو ما يجعل هناك منظومة «جيواستراتيجية» تهدد الكيان برًا وبحرًا وجوًا، ناهيك عن مواجهة رعاته من أمريكا وبريطانيا والاشتباك مع حاملات طائراتهم كما حدث في البحر الأحمر.
ثانيهما: امتلاك وسائل القوة البرية والبحرية والجوية، وكذلك التكنولوجية، والتي تكفل للمقاومة استغلال الجغرافيا وتهديد العمق الصهيوني ومصالحه الحيوية والاستراتيجية.
وهناك اتفاق على أن حجم الكيان الغاصب الصغير يجْعله عرضةً للهجمات المركّزة، وتحديدًا من لبنان، حيث يمكن إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية المجاورة لتصل بسهولة وسرعة إلى المستوطنات والمدن والقواعد المعادية، كما أن الكثافة السكانية العالية وتركيز البنية التحتية خصوصاً في الشمال المحاذي للبنان، وَضَعَ كيان الاحتلال في موقع حَرِج.
والمفارقة، أن العدو لم يتحسب لوجود تهديد من لبنان وهو ينشئ كيانه، حيث حصر غالبية المصانع والثكنات العسكرية والقواعد الجوية والبحرية والمطارات ضمن مساحة قريبة جداً من الحدود اللبنانية، وهو الأمر الذي عرّضها لخطر كبير بعد امتلاك حزب الله للقدرات الصاروخية الدقيقة والمسيَّرات المتقدمة والقدرات الإلكترونية التي تستطيع إلحاق الأذى والدمار بالبنية التحتية المدنية والعسكرية.
وبالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تمثّل المسافة البالغة نحو 1700 كيلومتر إلى فلسطين المحتلة، تحدّياً لوجستياً قد يسمح بالكشف المبكر واعتراض الصواريخ من أنظمة دفاع جيش العدو، وكذلك من قبل حلفاء أمريكا بالمنطقة وفقًا لمظلة الدفاع الإقليمي بالتعاون مع بعض العرب، إلا أن نوعية الصواريخ الإيرانية المتطورة والمسيرات وتكتيكات الإطلاق تنجح إذا تزامن إطلاق الصواريخ وتوقيت وصولها مع إغراق المنظومة الدفاعية بصواريخ أصغر توجِد ممراً للصواريخ البالستية حين وصولها إلى هدفها بعد خروجها نحو الغلاف الجوي لتنقضّ على المواقع المستهدَفة، وهو ما حدث في نيسان/أبريل الماضي عندما نجحت إيران في الوصول لما أرادت الوصول إليه، رغم أنها كانت تهدف إلى إيصال رسائل سياسية بالأساس ولم يكن تركيزها على إحداث دمار كبير.
كما أن الجغرافيا تعمل لصالح فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث تصل صواريخ محلية الصنع إلى أقصى نقطة في كيان يتركز أغلب سكانه في شريط على البحر المتوسط. وكذلك الحال بالنسبة لليمن الذي استطاع الوصول لموانئ الكيان في أم الرشراش («إيلات») وسواحل المتوسط ووصلت مسيرتها «يافا» إلى «تل أبيب».. من هنا ومن منظور «الجغرافيا السياسية» يتبين أن العمق الاستراتيجي الجغرافي معدوم تمامًا في الكيان الصهيوني، وتستطيع صواريخ بكلفة محدودة تهديد هذا العمق المكشوف استراتيجيا.
صواريخ حزب الله رادع نووي
وبخصوص وسائل القوة، فإن إيران تمتلك ترسانة من المسيرات والصواريخ العابرة للقارات وبعيدة المدى، مما يمكنها من الوصول للعمق الصهيوني وباستهداف دقيق لجميع الأهداف الحيوية، كما تمتلك صواريخ «فرط صوتية» يمكنها الوصول للكيان في دقائق دون صد أو رد من الدفاعات الجوية، ناهيك عن إعلان إيران أن صواريخها الحديثة لا تعتمد على نظام «جي بي أس»، وبالتالي لا يجدي معها التشويش الصهيوني والأمريكي.
وفي اليمن، هناك إمكانات ضخمة وتطورات هائلة، وقد نشر «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» تقريراً ادعى فيه أن اليمنيين يمتلكون في الواقع ترسانة من الصواريخ الباليستية وصواريخ بحر بحر وأسطولاً للطائرات المسيرة الهجومية.
أما بالنسبة للقوة البحرية، فيمتلك اليمنيون ترسانة تضمّ نحو 10 أنظمة صاروخية مختلفة، بما في ذلك صواريخ باليستية مضادة للسفن يصل مداها إلى 500 كيلومتر، وصواريخ «كروز» يصل مداها إلى 800 كيلومتر، ويمتلكون زوارق انتحارية من نوع «ندير» و»عاصف». بالإضافة إلى ذلك، لديهم وحدات بحرية أثبتت براعتها في الماضي.
أما حزب الله، فهو كما وصفه «مركز الدراسات الاستراتيجية» «أكبر جماعة عسكرية غير حكومية تسليحًا في العالم»، وحسب تقرير نشرته «التايمز» لـ«مايكل كلارك»، وهو أستاذ في دراسات الدفاع في كلية «كينغز لندن»، بعنوان «كيف ستبدو الحرب بين إسرائيل وإيران؟»، قال كلارك، «لدى حزب الله الآن، في الواقع، نسخة من «رادع نووي» تتمثل بعدة آلاف من الصواريخ الطويلة المدى، وكلها تستهدف شمال «إسرائيل»، فإذا أطلقها جميعًا في عدد قليل من رشقات ضخمة، فإنها ستتغلب على الفور على الدفاعات الجوية لـ«إسرائيل» ويمكن أن تدمر المراكز السكانية والبنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك «تل أبيب» وحيفا».
كما قال الرئيس التنفيذي للشركة الحكومية المسؤولة عن إدارة شبكة الكهرباء في كيان الاحتلال «شاؤول غولدشتاين»، إن حزب الله يمكن أن يدمر بسهولة شبكة الكهرباء، قائلاً: «بعد 72 ساعة بدون كهرباء سيكون من المستحيل العيش في «إسرائيل».
وقد كشفت رسائل فيديوهات «الهدهد» الثلاث مدى القدرات الاستخباراتية للحزب، كما كشف فيديو «العماد 4» جانبًا من ترسانة حزب الله الصاروخية الدقيقة ووجودها بأنفاق لا يعلم العدو أين تبدأ وأين تنتهي وكابوس استراتيجي للعدو.
بنك أهداف المقاومة
أما بنك أهداف المقاومة فمتنوع وبإمكانه إعادة الكيان للعصر الحجري، كما قال سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، ومن نماذج بنك أهداف جبهات المقاومة، المطارات العسكرية والمدنية والقواعد العسكرية والموانئ البحرية ومحطات توليد الطاقة وحقول النفط والغاز والمرافق الاقتصادية بما فيها المصانع التي تحدث سيد المقاومة عن استمرار بنائها على مدى 34 عامًا وكلفت العدو عشرات مليارات الدولارات وتوعد بحال الحرب على لبنان بتدميرها في ساعة واحدة أو حتى نصف ساعة..
من هنا، فإن أي حرب شاملة في المنطقة وفي ضوء ما تمتلكه جبهة المقاومة من قدرات وروادع استراتيجية ومواقع «جيواستراتيجية»، سيكون لها تداعيات على العالم كله، لأن المقاومة بما وصلت إليه تستطيع شل حركة الممرات البحرية في البحر المتوسط والأحمر، وصولاً للمحيط الهندي، وكذلك حركة الطيران، ناهيك عن منشآت الطاقة وتأثير ذلك في أسعار الطاقة العالمية.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: جبهات المقاومة حزب الله
إقرأ أيضاً:
التهجير في زمن التهريج
إيهاب زكي
قد تبدو تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن تهجير الغزيين إلى مصر والأردن فعلاً تهريجياً، ولكن المعضلة الكبرى هي أنّ هذا المهرج هو رئيس أكبر إمبراطورية في التاريخ، كما ترافق وجوده على رأس هذه الإدارة مع زمن التهريج، حيث كانت شعوب عربية تُذبح على البث المباشر، فيما يتلّهى الحاكمون العرب بسخافاتهم، وتتلّهى الشعوب باستهلاك تلك السخافات والتفاهات.
ينطلق ترمب بتهريجاته تلك من كونه رجل عقار أولًا، وشخصية استعراضية ثانيًا، وعلاقته الوطيدة بمجرم الحرب بنيامين نتنياهو ثالثًا، فهو يتعامل مع الأمر باعتباره نزاعاً عقارياً، وبالتالي فهو قابل للحلّ بأسهل الطرق، حيث المال مقابل الأرض، أو الفرصة مقابل الأرض، وهو يعتقد كذلك بأنّ الزعماء العرب ليسوا أكثر من موظفين لديه، خصوصًا أنّه خبِرهم في فترته الرئاسية الأولى.
كذلك فهو يرى أنّ سهولة توقيع اتفاقات”أبراهام”، تنسحب على مشروع التهجير سهولةً ويسرًا، كما يرتكز إلى تجربته بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حين تم تحذيره من أنّ الأمر قد يفجر المنطقة برمّتها، ولكن بعد صمت دكّة غسل الموتى الذي مارسه العرب حكامًا ومحكومين، قال أرأيتم! لم يحدث شيء، فلماذا سيحدث الآن؟
وترمب لا يكتفي بالتهريج في منطقة الشرق الأوسط، بل يمارس التهريج أينما حلّ وارتحل. تصريحاته عن ضم كندا باعتبارها الولاية 51، والاستيلاء على قناة بنما وغرينلاند، هذا يعطينا قرينة على أنّ الرجل لا منطلقات أيديولوجية لديه، بل هي أفكارٌ مستوحاة من حياته الاستعراضية أولًا، ومن طبيعته التجارية ثانيًا.
ولكن، بما أننا نعيش زمن التهريج، فإنّ أفكاره تلك لن تكون حفلة مدفوعة الأجر تنتهي بانتهاء العرض، بل سيكون لها تداعيات خطرة على مستقبل المنطقة، لأنّ المستهدفين باستقبال الفلسطينيين، يعتبرهم ترمب أوهن من رفض أوامره أو حتى أمنياته بل وخيالاته، وكما ألمح للمعونات والحماية التي تقدمها لهم أميركا حين قال”سيفعلون ذلك، فنحن نفعل الكثير من أجلهم”، وطبعًا، هذا الكثير قد يتوقف في حال رفضهم.
المهرجون العرب تسقط من لغتهم حروف الرفض، إن كان ترمب هو الآمر الناهي، وتتلعثم ألسنتهم بحرفي اللام والألف”لا”، حين يكون لسان ترمب من يخاطبهم، لذلك فإنّ الاعتماد على مواقف أولئك المهرجين في إفشال تصورات ترمب، هو رهانٌ خاسر وبلا معنى، إنّما الاعتماد فقط على المقاومة والتمسك بها كسبيلٍ وحيد لمجابهة المهرجين وزمنهم.
فالوزير مجرم الحرب سموتريتش، يقول”إنّ المعتدلين في الإقليم، يطلبون منّا في الاجتماعات المغلقة سحق حماس”، وهو يدفع باتجاه العودة لحرب الإبادة، لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لسحق حماس، وبالتالي فهي الطريقة الوحيدة ليلبّي المهرجون العرب كل مطالب ترمب وأمنيات سموتريتش بإفراغ غزة من أهلها.
في ظلّ حرب الإبادة على مدار ستة عشر شهرًا، حاول الكيان العدو بكل ما أوتي من إجرامٍ وهمجية، تطبيق خطة التهجير، لكنه اصطدم بعدة وقائع قاسية وبعض الحقائق الصلبة، تتلخص جميعها في بندين، الأول هو صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على البقاء في أرضه، أمّا الثاني فهو عدم قدرة العدو على سحق المقاومة، بل على العكس، فإنّ ما سُحق هو أهداف العدوان، وقدرة جيش العدو على تحقيقها.
وبالتالي طالما هناك من يمتشق بندقيته، ويتنقل من شارعٍ إلى زقاق، لا يستطيع المهرجون العرب إعلان انصياعهم لأوامر ترمب بالتهجير، لأنّه حينها سيكون تهجيرًا لمقاومين لا للاجئين، وبالتالي سيكونون بمثابة قنابل موقوتة، ستنفجر في وجوه الجميع، خصوصًا وجوه المستقبلين، وهذا سبب طلبهم من الكيان سحق حماس وفصائل المقاومة، حتى يستقبلوا لاجئين معذبين، في صورة عملٍ أخويّ إنقاذيّ إنساني، يستحقون عليه شكر الاستضافة والحماية والإجارة.
لا يجب أن نطمئنّ لمجرد أنّ هذا كلامٌ تهريجيّ، بل يجب إعادة تقييم قدرة المقاومة على الديمومة والبقاء، بل وتطوير القدرات التسليحية، كذلك إعادة الروح لمحور المقاومة الذي شكّل ولا يزال النواة الصلبة لمواجهة كل مشاريع التصفية، لأنّ المستهدف هو الجميع دون استثناء، بمن فيهم المهرجين.