زيارات بلينكن لإسرائيل.. أحاديث العشيات على ضفاف نهر الدماء بغزة
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
يكمل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارته الحالية للمنطقة، الدورة التاسعة من الطواف حول تل أبيب، وفي كل دورة يبدو وزير خارجية أكبر دولة في العالم، أكثر حرصا على صلة الرحم الدينية والسياسية التي تربطه بإسرائيل تصريحا لا تلميحا.
في زيارته الأولى لإسرائيل أياما قليلة بعد طوفان الأقصى، قال بلينكن إنه لم يأتِ لإسرائيل بوصفه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط؛ ولكن بصفته "يهوديا فرّ جده من القتل".
وفي جولته الأحدث والتي اختتمها اليوم، كان بلينكن منحازا أيضا للرؤية الإسرائيلية، متماهيا مع مواقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مؤكدا أنه قبل المقترح المعروض، وأن الكرة الآن في مرمى حركة حماس "إن كانت تكترث لحياة الفلسطينيين في قطاع غزة"، وفق تعبيره.
التصريحات الجديدة لبلينكن -خلال مؤتمره الصحفي مساء اليوم- بدت محبطة ومخيبة لآمال كثيرين، توقعوا -وفقا لحسابات اللحظة وسياقات الزيارة- أن يضغط على نتنياهو لقبول مقترح رئيسيه (جو بايدن) الذي وافقت عليه حماس ورفضه نتنياهو.
وقبيل تصريحات بلينكن كان مكتب نتنياهو يكيل الثناء ويغدق المديح على نتائج اللقاء الذي جمع بين بلينكن ونتنياهو في القدس والذي استمر نحو 3 ساعات وقد يكون هو الأطول خلال زيارات بلينكن المتتالية لإسرائيل منذ بدء عدوانها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي.
9 جولات في 10 أشهر
ومع ختام زيارته الحالية، يكون بلينكن قد زار إسرائيل 9 مرات، خلال 10 أشهر، أي بمعدل زيارة واحدة كل شهر تقريبا.
وفي ما يلي عرض بالجولات التي قام بها بلينكن خلال الشهور العشرة الماضية لإسرائيل والمنطقة، وأهم ما يتصل بها من معلومات وسياقات:
الزيارة الأولى.. ضوء أخضر للحرب المفتوحةجاءت أولى زيارات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لإسرائيل بعد 6 أيام من طوفان الأقصى، حيث زارها يوم الخميس 12 من أكتوبر/تشرين أول.
وقال في تصريح له خلال تلك الزيارة أنه لم يأتِ لإسرائيل كونه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط؛ ولكن بصفته "يهوديا فرّ جده من القتل".
وكانت تلك الزيارة ذات طابع تضامني مع إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" المباغتة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، ولكنها أيضا كانت بمثابة ضوء أخضر للحرب الإسرائيلية الشاملة على القطاع.
وعلى هامشها قال بلينكن إن زيارته تحمل رسالة مفادها، أنهم سيكونون دائما موجودين إلى جانب الإسرائيليين، وليسوا مضطرين للدفاع عن أنفسهم بمفردهم، على حد قوله.
ومن الأنشطة البارزة ذات الدلالة اللافتة في تلك الزيارة مشاركة بلينكن في اجتماع لمجلس "الحرب" الإسرائيلي، الذي تشكل عقب السابع من أكتوبر.
الزيارة الثانية.. حشد التأييد والتلاعب بالزمنأخذت الزيارة الثانية للوزير الأمريكي طابع المخاتلة، حيث شملت إسرائيل ودولا عربية أخرى، وحملت نفسا إنسانيا خافتا يعبر عن استعداد واشنطن لبحث ممرات للمساعدات الإنسانية، وتأتي هذه المهمة في الرتبة الثانية بعد المهمة الأولى وهي حشد التأييد لتل أبيب في العواصم العربية المزورة، ومحاصرة أي ميل أو دعم مرتقب لحماس.
وقال بلينكن خلال وجوده في إسرائيل (16 أكتوبر/تشرين أول) -والتي استبق زيارتها بزيارة دول عربية- إنه سمع في تلك الدول "الكثير من الأفكار الجيدة" خصوصا فيما يتعلق بتقديم المساعدات لسكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، نافيا إمكانية طرد الفلسطينيين من القطاع.
الزيارة الثالثة.. من أجل مفاوضات لا سقف لهاصباح يوم الجمعة 3 نوفمبر/تشرين الأول، عاد بلنيكن إلى إسرائيل، في ثالث زيارة لها منذ عملية طوفان الأقصى، ورغم الإعلان عن نية الرجل الضغط على حلفائه في تل أبيب فإن تصريحاته جاءت بخلاف ذلك حيث قال مؤتمر صحفي مع الرئيس الإسرائيلي "مصممون على دعم إسرائيل ولن نتوانى في ذلك أبدا، يحق لإسرائيل أن تدافع عن نفسها ونحرص على عدم تكرار تلك الهجمات".
وبعد انتهاء جدول زيارته لإسرائيل، توجه بلينكن إلى الأردن، وبدأ بعدها جولة في دول آسيوية شملت اليابان وكوريا الجنوبية والهند.
الزيارة الرابعة.. تهدئة لمحاصرة الانتقام بعد اغتيال العاروريفي التاسع من يناير/كانون الثاني 2024 كانت الزيارة الرابعة منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد شملت تركيا والأردن وقطر والإمارات والسعودية إلى جانب إسرائيل.
وما ميز هذه الزيارة أنها تأجلت عن وقتها المعلن سابقا، بسبب عملية الاغتيال الذي نفذتها إسرائيل بحق القيادي في حماس الشهيد صالح العاروري في العاصمة اللبنانية بيروت.
وبدا واضحا أن المسؤول الأميركي يبذل جهده من أجل تخفيف ما يمكن أن يقع من انتقام جراء اغتيال العاروري في لبنان.
الزيارة الخامسة.. من أجل المحتجزين لا السلامفي الخامس من فبراير/شباط 2024، بدأ بلينكن جولته الخامسة في المنطقة افتتحها بالسعودية، وشملت مصر، وقطر، وإسرائيل، والضفة الغربية. وكانت قضية الأسرى الإسرائيليين في غزة العنصر الأهم بالنسبة لكبير الدبلوماسيين الأميركيين، ضمن حدب غربي على محتجزين يلقون أحسن المعاملة باعتراف من أفرج عنهم، مقابل آلة دمار طحنت لحد الآن أكثر من 40 ألف شهيد دون أن تستفز الروح الإنسانية في قلوب معظم قادة الغرب.
الزيارة السادسة.. حضور الضفة ومواصلة الحرب
في 22 مارس/آذار 2024 وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، بعد أن أنهى جولة أخرى في الرياض والقاهرة كانت المساعدات الإنسانية التي لا تدخل إلا بشق الأنفس موضوع نقاش مع القادة العرب.
أما في إسرائيل، فقد طال النقاش -بالإضافة إلى الملفات التقليدية- وضعية الضفة الغربية، وسبل التعاطي مع السلطة الفلسطينية، وطبعا كان وقف وإنهاء الإبادة خارج أجندة التوافق مع الإسرائيليين.
وبعد انتهاء اجتماعاته مع السياسيين الإسرائيليين، التقى بلينكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقال إنه ناقش معه التدابير الرامية إلى تحسين الأمن والحرية للفلسطينيين في الضفة الغربية.
الزيارة السابعة.. لمواجهة حماس مجددافي الثلاثين من أبريل/نيسان الماضي، بدأ بلينكن زيارة إلى تل أبيب قادما من الأردن والسعودية، في سابع جولة بالمنطقة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة.
ناقش الوزير الأمريكي مع القادة الإسرائيليين سبل التعامل العسكري مع حماس، وقدم لهم النصائح بشأن خطر التهور في اجتياح بري لمدينة رفح.
وفي ختام هذه الزيارة، قال وزير بلينكن إنه أبلغ القادة الإسرائيليين بوضوح معارضة الولايات المتحدة هجوما بريا واسعا على مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، مشيرا إلى أنه اقترح "حلولا أفضل" للتعامل مع حركة (حماس).
وأضاف بلينكن للصحفيين بعد محادثات مع نتنياهو ومسؤولين آخرين في إسرائيل "موقفنا واضح، لم يتغير ولن يتغير".
في الأسابيع التالية كانت الدبابات الإسرائيلية تجتاح معظم مساحات رفح رغم المعارضة العلينة لواشنطن ولاءات بلينكن التي كررها في أكثر من زيارة وأكثر من تصريح.
الزيارة الثامنة.. ترميم البيت الصهيوني المتآكلفي العاشر من يونيو/حزيران بدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولته الثامنة في المنطقة، حيث بدأها من مصر قبل أن ينتقل إلى قطر والأردن، وكالعادة مع الإفاضة من تل أبيب، ويأتي هذه الزيارة -من بين أمور أخرى- لترميم البيت الصهيوني المتآكل، مع إعلان الوزير الإسرائيلي بيني غانتس استقالته من حكومة الطوارئ التي يترأسها بنيامين نتنياهو.
الزيارة التاسعة.. الفرصة الأخيرة للتوافقبدأت الزيارة التاسعة أمس الأحد 18 أغسطس/آب، إلى إسرائيل ضمن جهود أميركية للدفع قدما نحو إبرام صفقة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد وصل شهداء وجرحى العدوان إلى نحو 140 ألفا، وبعد أن طال الدمار معظم بيوت ومساكن غزة.
كما تأتي الزيارة وما سبقها من جولة مفاوضات ومقترح أميركي تحفظت عليه حماس، وقال بلينكن إن نتنياهو قبله، والحال أن الحرب أصبحت في الجانب الإسرائيلي أكثر إنهاكا لتل أبيب واستنزافا لواشنطن.
واعتبر بلينكن أن الفرصة الأخيرة قد تضيع إذا لم يتم التوصل لاتفاق تهدئة وهدنة بين الطرفين، ومع ذلك فإن بلينكن لا يخفي أنه بالفعل أحد الطرفين، باعتباره انحيازه المستمر لإسرائيل التي يتفهم مواقفها باستمرار، وجاهز على الدوام لتحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية فشل أي جولة مفاوضات.
مؤشرات ودلالات
ودون أن تجدي الزيارات التسع أي أثر على الأرض، فلم تتوقف الحرب ولم تنتصر إسرائيل، ولم ترفع المقاومة الراية البيضاء، فإنها أظهرت:
علامات الوهن ومستوى التراجع الكبير للثقل الأميركي في المنطقة، حيث حلت الجولات المكوكية محل المكالمات الهاتفية التي كانت لعقود قاطعة للنزاع، وحاسمة للجدل، إلا أنها اليوم تواجه العجز التام عن إيقاف لهب يوشك أن يتمدد ليتحول إلى حرب إقليمية. الفشل في إيقاف الإبادة الجماعية، فمع أن تصريحات بلينكن في جولاته الأولى ركزت على حق إسرائيل في أخذ وقتها وجهدها للدفاع عن نفسها، وعلى الوقوف الأميركي التام معها في إخذها الثأر لنفسها؛ إلا أن تصريحاته المصاحبة لجولاته الأخيرة أضافت لتلك المضامين تأكيدا على أهمية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وتجنب إيذاء المدنيين والتخفيف ما أمكن من الأضرار الواقعة عليهم. الهمَ الأميركي الأساسي في حشد مزيد من الحماية والدعم الإقليمي لإسرائيل، ففي كل زيارة لإسرائيل، كان بلينكن يقدم رسائل لجهات إقليمية في مقدمتها إيران مفادها أن الولايات المتحدة لن تسمح بالاعتداء على إسرائيل، وأنها ستحشد كافة إمكانياتها للحيلولة دون ذلك، وللدفاع عن إسرائيل، وتثبيت قوة الردع الأميركية. الضعف الأميركي تجاه الصقور الصهيونية المتحكمة في القرار الأمني والسياسي في تل أبيب، فلم تعد الضغوط الأميركية تجدي نفعا في حملها على موقف أو رؤية معينة، حتى لو كانت تمثل رغبة لدى أطياف واسعة من الإسرائيلية وفي مقدمتهم مسؤولون بارزون وعائلات الأسرى. ارتهان القرار الأميركي لمواقف نتنياهو، حيث أظهرت الأحداث استعداد الرئيس الأميركي جو بايدن، وكبير دبلوماسييه لخسارة كل شيء مقابل مجاراة نتنياهو في تلاعبه بالمقترحات المقدمة لوقف إطلاق النار، ورغم الإحباط المتواصل وفق التسريبات لإدارة بايدن، فقد تجنبت القيام بضغوط حقيقة ومؤثرة على نتنياهو، وبدا مع الوقت أنها تمتلك القليل من وسائل التأثير على سير الحرب أو نهايتها.وبين الزيارات التسع، لم يتغير من خطاب بلينكن أي شيء، فما زال بلينكن -الذي جاء في مستهل الحرب معتزا بيهوديته- الخادم الأكثر جولانا في المنطقة دعما لتل أبيب في سياستها وحربها وعدوانها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات وزیر الخارجیة الأمیرکی الولایات المتحدة أنتونی بلینکن طوفان الأقصى أکتوبر تشرین فی المنطقة قال بلینکن من أکتوبر قطاع غزة تل أبیب
إقرأ أيضاً:
رئيس الغرفة التجارية بغزة: إسرائيل تُغذي الفوضى والفساد وتحاربنا اقتصاديا
غزة- كشف رئيس غرفة تجارة وصناعة قطاع غزة، عائد أبو رمضان، عن ملامح الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الاحتلال يشن حربا اقتصادية ونفسية ممنهجة تهدف إلى نشر الفساد والفوضى.
وتناول أبو رمضان في حديثه مع الجزيرة نت تفاصيل صادمة عن نظام أذون الاستيراد المعروف باسم "التنسيقات" الذي استحدثه الاحتلال، موضحا أن التكلفة الإجمالية للتنسيقات التي تمت في فترة وقف إطلاق النار بلغت حوالي 330 مليون دولار، دون احتساب أسعار البضائع نفسها أو تكاليف النقل.
وقدّر أبو رمضان الخسائر المباشرة للقطاع الخاص بما لا يقل عن 40 مليار دولار، معرجا في حديثه على ظاهرة "ندرة السيولة النقدية"، والسوق السوداء التي نجمت عنها.
ورغم قتامة الواقع، سلط أبو رمضان الضوء على قصص نجاح لرجال أعمال تحدّوا الحصار بإنتاج محلي، موجها رسالة للعالم: "نحن باقون في غزة ولن نرحل، ونحتاج دعمكم لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال".
إسرائيل تغلق المعابر منذ بداية مارس/آذار الماضي بشكل كامل، هل تعتقد أن غزة حاليا على حافة المجاعة؟إذا نظرنا إلى نوعية الطعام، فغزة في مجاعة منذ اليوم الأول للحرب.
اليوم، على سبيل المثال، جميع المخابز مغلقة، ولا يوجد خبز.
وخلال الحرب كان اعتماد السكان على الأطعمة المُعلبة وهي لا تؤدي إلى المجاعة فقط، بل إلى أضرار صحية.
إعلانوحتى مياه الشرب غير صالحة بسبب عدم توفر قطع غيار لمحطات التحلية، ولا وقود، ولا مواد تعقيم. وبالتالي، فإن عملية فلترة وتعقيم المياه غير مكتملة وليست حسب المواصفات العالمية.
كم تبلغ نسبة خسائر القطاع الخاص جراء سياسة الاحتلال؟الأرقام مهولة وما زلنا في طور إحصائها. لكن التقديرات الأولية تشير إلى أن خسائر القطاع الخاص تتراوح ما بين 40 إلى 60 مليار دولار كخسائر مباشرة، ولا تشمل الخسائر غير المباشرة كالتوقف عن العمل والفرص البديلة.
غادر الكثير من رجال الأعمال والتجار قطاع غزة بسبب الحرب، ما تأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية؟التأثير سلبي بصورة كبيرة، وسيؤدي إلى تأخير التعافي وإعادة الإعمار، خاصة أن الكثير من التجار والصناعيين ورواد الزراعة أعادوا إنشاء أعمالهم في الخارج.
وعند انتهاء الحرب، لن يستطيعوا تصفيتها والعودة بشكل فوري، مما يعني أننا سنفقد عددا من رجال الأعمال المغادرين الذين لن يعودوا بالسرعة المطلوبة للمساهمة في إعادة الإعمار.
قبل إغلاق المعابر، كان هناك لغط كبير حول نظام استيراد البضائع أو ما يُعرف بـ "التنسيقات". نود منك توضيح الأمر؟قبل الحرب، كان استيراد البضائع يتم عبر هيئة المعابر التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفق نظام واضح وشفاف. وخلال الحرب، أوقف الاحتلال إدخال جميع أنواع البضائع من خلال القطاع الخاص.
وبعد ضغط دولي، اختار الاحتلال 5 تجار وسمح لهم بإدخال البضائع إلى غزة، ورافق هذا النظام مساوئ كثيرة مثل رفع الأسعار وإدخال بضائع غير مهمة ومجهولة المصدر. ثم توقف هذا النظام.
ثم استحدث الاحتلال أنظمة أخرى كانت تسمح لعدد محدود (من التجار) وبآلية غير معروفة بالاستيراد، كانت آلية سرية والمعلومات سرية، فلا نعلم من هو المستورد، فلا هو من الجهات المانحة ولا من القطاع الخاص.
خسائر القطاع الخاص تتراوح ما بين 40 إلى 60 مليار دولار كخسائر مباشرة، ولا تشمل الخسائر غير المباشرة كالتوقف عن العمل والفرص البديلة
ونشأت ظاهرة بيع وشراء إذن الاستيراد (التنسيق)، حيث بدأ التجار الحاصلون على "تنسيقات" في بيعها لتجار آخرين بأسعار باهظة.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2024، منعت إسرائيل إدخال البضائع بشكل كامل، فلجأ القطاع الخاص لبعض المؤسسات الإنسانية الدولية لشراء أذونات الاستيراد منها.
إعلانوكانت أسعار "التنسيقات" للشاحنة الواحدة تبدأ من 20 ألف دولار وتصل إلى أكثر من 100 ألف دولار بحسب نوع البضائع.
الأغذية مثلا تبدأ بـ 30 ألف دولار، أما الكماليات مثل الشوكولاتة والملابس والمشروبات الغازية فتصل إلى 100 ألف وأكثر، وهو ما يتحمله المستهلك في النهاية من خلال رفع كبير للأسعار.
وإسرائيل كانت ولا تزال ترفض التعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية والأجسام التي لها علاقة بها كالغرفة التجارية أو الاتحادات أو النقابات، حول أي شيء يتعلق بغزة، وتتعامل مع التجار مباشرة.
هل استمرت ظاهرة التنسيقات خلال فترة وقف إطلاق النار الأخيرة التي سمح الاحتلال فيها بإدخال الكثير من البضائع؟نعم، في فترة وقف إطلاق النار (من 20 يناير/كانون الثاني إلى نهاية فبراير/شباط 2025)، التي سمح خلالها بدخول نحو 600 شاحنة يوميا، كشفت دراسة أجريناها بحسب معرفتنا بقيمة التنسيقات تبعا لنوعية البضائع، أن القيمة التقديرية لأذونات الاستيراد (التنسيقات) بلغت حوالي 330 مليون دولار، وهو مبلغ لا يشمل سعر البضائع أو النقل، بل فقط أذون الاستيراد.
الأمران معا. الاحتلال يشن حربا اقتصادية ونفسية، ويهدف إلى نشر الفوضى والفساد داخل المجتمع الفلسطيني، وذلك من خلال السماح لقلة بالاحتكار ورفع الأسعار. كما أن الاحتلال يهاجم أي جهة تنفيذية تحاول تنظيم السوق.
وبالتأكيد الحكومة الإسرائيلية التي تحسب ما يدخل لغزة بالسُعر الحراري، على علم كيف تدخل هذه البضائع.
بالإضافة إلى أن أي موضوع غير مسيطر عليه، ينشأ فيه الفساد وتدخل فيه أعمال المافيات وتجار الحروب.
تعاني الأسواق من ارتفاع كبير في الأسعار، ما السبب؟السبب الرئيس هو الاحتلال، بسبب الفوضى وغياب جهة ناظمة، وعدم الشفافية في الاستيراد، والسماح بإدخال سلع غير أساسية ومنع الضرورية منها، بالإضافة إلى تكرار فترات المنع والسماح، وكذلك عامل "النُدرة"، وعدم تمكين الجهات التنفيذية من مراقبة الأسواق ومتابعتها كل ذلك أدى لارتفاع الأسعار.
إعلان ما دور الغرفة التجارية في ضبط الأسعار؟ضبط الأسعار ليس من مهامنا، بل مهمتنا هي رصد الأسعار وتوثيق المخالفات، وإبلاغ الجهات التنفيذية بأي مشاكل للعمل على حلها.
هناك احتكار واضح من بعض التجار، كيف واجهتم هذه الظاهرة؟الاحتكار موجود في كل مكان، لكنه يتفاقم في ظل الفوضى وغياب المحاسبة. يكفي أن يكون هناك 3 تجار محتكرين ليتحكموا بأسعار السلع الأساسية.
مثلا، الدقيق يباع أحيانا بسعر منخفض أقل من تكلفته، ثم يقفز لأكثر من 10 أضعاف سعره. هذا نتيجة العرض والطلب، وغياب نظام استيراد شفاف.
وضبط هذا الاحتكار، في ظل الفوضى الحالية التي خلقها الاحتلال، ليس أمرا سهلا.
رغم الأوضاع الصعبة، هل هناك قصص نجاح لرجال أعمال؟بكل تأكيد. هناك قصص نجاح، وخاصة في صناعة الملابس، والزراعة، وحتى في مجال إيجاد حلول بديلة للوقود والغاز.
على سبيل المثال، رغم عدم وجود ثروة حيوانية، تمكّن البعض من إنتاج لبن رائب طازج، وهذا إنجاز.
كما توجد ملابس محلية، وخضروات رغم غياب البذور والأسمدة والمبيدات.
لكن التكلفة عالية جدا، لأن مُدخلات الإنتاج مكلفة، وهناك مخاطر كبيرة جراء اعتداءات الاحتلال المباشرة، أو أوامره بإخلاء المناطق، فيكفي أن ينزح المزارع مضطرا 3 أيام عن حقله حتى يفسد كل شيء.
أطلقنا حملة "كاش ما بيلزمناش" كخطوة إستراتيجية نحو التحول الرقمي والتحرر من العملة الورقية التي يتحكم الاحتلال في إدخالها
تنتشر السوق السوداء المرتبطة بعمليات سحب الأموال من البنوك مقابل عمولات تصل إلى أكثر من 30% من قيمة المبلغ الأصلي، ما سبب نقص السيولة النقدية في الأسواق؟هناك عدة أسباب:
تلف العملات بسبب الاستخدام المستمر. استهداف الاحتلال للبنوك ومصادرة الأموال من خزائنها. انتشار شائعات (محلية) عن عدم صلاحية بعض أنواع العملات. خروج الدولار عبر تنسيقات السفر للخارج. رفض الاحتلال إدخال النقد أو استبدال التالف منه. من المسؤول عن استمرار المشكلة وعدم حلها؟الاحتلال الإسرائيلي مسؤول بالكامل عن نقص السيولة النقدية، لأنه يرفض التعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية وسلطة النقد في أي شأن يخص غزة. ويرفض إدخال عملات جديدة أو استبدال التالف منها.
أثرت بشكل كبير على الحياة المعيشية والصحية للناس، لأن البعض يمتلك المال لكن لا يستطيع سحبه لشراء الطعام أو العلاج.
إعلانكما أدت إلى انخفاض القوة الشرائية المنخفضة أصلا وبالتالي زيادة الركود.
وتؤدي المشكلة أيضا إلى تآكل مدخرات الناس حينما يضطرون لدفع عمولة كبيرة لسحبه من البنوك (عبر السوق السوداء)، وبالتالي يؤدي إلى زيادة التضخم.
كما أن المساعدات النقدية الواردة من الخارج كالمساعدات العائلية أو القادمة لمؤسسات إغاثية تتآكل بشكل كبير بسبب العمولات المرتفعة.
ما دور الغرفة التجارية في التخفيف من آثار هذه الأزمة؟أطلقنا حملة "كاش ما بيلزمناش" كخطوة إستراتيجية نحو التحول الرقمي والتحرر من العملة الورقية التي يتحكم الاحتلال في إدخالها، ما ينعكس سلبا على الاقتصاد الفلسطيني.
ونظّمنا حملات توعوية وميدانية لتشجيع الدفع الإلكتروني، وفعّلنا منصة شكاوى لرصد أي مخالفات، إلى جانب توزيع منشورات توعوية في إطار جهود مستمرة لتعزيز هذه الثقافة بين التجار والمواطنين.
كلمة أخيرة ورسالة للعالم؟نقول للمجتمع الدولي: "نحن في غزة باقون، ولن نرحل مهما كلفنا الأمر. نريد فقط معابر حرة لحركة البضائع والأفراد، وتعويض السكان المتضررين عن خسائرهم، ودعم إعادة إعمار ممتلكاتهم المدمّرة".