«الكتاب والأدباء» تقرأ مجموعة «وقت قصير للهلع» ليحيى سلام
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء جلسة حوارية قدمت فيها الدكتورة فوزية الفهدية قراءة في مجموعة الكاتب العماني يحيى سلام «وقت قصير للهلع» تناولت فيها شعرية الخوف وتمظهرات الآخر في المجموعة، وأدارت الحوار غنية الشبيبية بحضور كاتب المجموعة.
وعرّفت الفهدية الشعرية وأشارت إلى أنها ليست نقيضة النثرية، كما أنها ليست تمييزا لجنس أدبي كما قد يظن البعض، وقال عنها إنها «تلك الخصائص اللغوية والتداولية والفنية التي تميز الإبداع عن الكلام العادي، وإنها السمات التي تجعل من مجموعة ألفاظ منظومة نظما، عملا إبداعيا راقيا متميزا، إنها ببساطة مكونات المعجم والتركيب والصورة والأسلوب والإيقاع والرؤية.
أما المجموعة فتشير الفهدية إلى أنها الأدوات التي نقلت الشعور بالخوف والترقب والتوتر حتى وصلت لأن توصف بالهلع لدى الراوي من جهة والشخصيات من جهة أخرى.
وعرجت الفهدية على الخوف في الدراسات النفسية والذي يعدّ استجابة طبيعية لبعض المواقف وهي استجابة بيو كيميائية وعاطفية وفردية عالية تجاه الخطر سواء كان جسديا أو نفسيا، أما الخوف في الأدب فتشير الفهدية إلى موضوع شائع في الأدب وُظف لإثارة المشاعر وتوجيه القصص في الشعر والأدب الكلاسيكي ولفتت فيه إلى ملمحين، الأول عبر عنه الشعراء والكتاب في قصائدهم ورواياتهم كالخوف من الموت والفقد والظلم والأشباح والكائنات الخارقة. والثاني حسب الفهدية نجده لدى فيودور دوستويفسكي والذي استخدمه في روايته «الأبله».
واستعرضت الدكتورة فورزية الفهدية شعرية العتبات من حيث عنوان المجموعة واللون الأبيض في الغلاف والعنوان الذي أومأ إلى التقارب اللغوي بين الخوف والهلع، بالإضافة إلى ثلاثية غليان الشاي التي تضمنت «هدية أختي حسينة»، و«الكتاب الإسمنتي»، و«صياد العاملات»، وهي ثلاثية انتقل فيها الراوي إلى الآخر الذي يعيش حالة الاغتراب ممزوجة بالخوف. وانتقلت الفهدية إلى شعرية السرد في المجموعة وأشارت إلى أن شعرية الخوف والهلع في مجموعة قصصية متكاملة تقود إلى البنية المورفولوجية للقصة والتي تقود إلى مناقشة مستوى الوظائف في النصوص القصصية التي احتوتها المجموعة. وحسب الفهدية فإن المجموعة اهتمت بعرض شخصيات سردية تعيد طرح أسئلة حول قضية (المركز والهامش) وتساءلت متى نطلق على الشخص أنه يعيش على هامش الحياة ومتى يدخل مركزها؟
وخلصت الفهدية إلى أن شعرية الزمن تتجلى في مجموعة «وقت قصير للهلع» من خلال إبراز الزمن القصير والممتد في ملاحقة المخاوف، وتبرز هذه المخاوف على السطح مما يسمح بنسج عوالم متخيلة ممكنة تراوح فيها النفس مخاوفها، أما شعرية الآخر فقد تجلت من خلال لباس الذات فيه، وقالت: «الآخر مرآة الذات. ويطرح هذا السؤال عن الهوية، إذ قد يعبر الآخر وإن كان من غير عرقنا عن مخاوفنا». أما شعرية التراكيب الثنائية المعبرة عن وجود المتناقضات في نفوس البشر كالتعب والنوم والألم والقوة والمرض والصحة والقلق والبرود. وناقش الحضور وتساءلوا بعد الجلسة حول الإضافة المختلفة في «وقت قصير للهلع» عن المجاميع السابقة للكاتب يحيى سلام وما إذا كان هناك نوع من التناص الداخلي للتجربة وهاجس موضوع الالتزام الإنساني، مؤكدين على كونه واحدا من كتاب القصة المجيدين والذي يمكن أن تراهن عليه باطمئنان مع كل كتاب جديد بالإشارة إلى قدرته على التجريد داخل القصة القصيرة، مشيرين إلى أن هذه المجموعة كسرت النمط الذي يمشي عليه المنذري في كتابة النص القصصي، وكسرت الرتابة في كتابة النص القصصي والتي من خلالها يستعيد القارئ بيتا وحيدا في الصحراء عندما تقرأ وقتا قصيرا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيلها.. حكايات وأسرار من حياة زينات صدقي مع المثقفين والأدباء في جلسات المزاج
صاحبة حضور طاغٍ وروح دعابة جعلتها قريبة من المثقفين والأدباء الذين عشقوا بساطتها وخفة ظلها، زينات صدقي التي تحل اليوم ذكرى رحيلها، "أشهر عانس في السينما المصرية"، ليست مجرد ممثلة كوميدية موهوبة، بل كانت شخصية تحمل في طياتها ثقافة الحياة وتجاربها، مما جعلها مادة خصبة لحكايات لا تُنسى في مجالس الفن والأدب.
زينات ونجوم الفكر في "جلسات المزاج"
عُرفت زينات بعلاقتها الوطيدة ببعض رموز الفكر والأدب، مثل نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، وغيرهم من الكتّاب الذين كانوا يلتقون في المقاهي والمنتديات الثقافية، كان نجيب محفوظ من المعجبين بشخصيتها الفريدة، وغالبًا ما كان يلتقي بها في جلسات فنية يتصدرها الحديث عن السينما والمجتمع، ويقال إنها ذات مرة مازحته قائلة: ("يا أستاذ نجيب، إنت بتاخد جايزة نوبل في الأدب، وأنا واخدة نوبل في الضحك" فضحك محفوظ بشدة وردّ: "وأي جائزة أهم من الضحك؟").
أما توفيق الحكيم، الذي كان معروفًا بميوله الفلسفية وحبه للعزلة، فقد وجد في زينات نقيضًا له، لكنها كانت تستطيع إخراجه من جديته بتعليقاتها الساخرة، ويُحكى أنها قابلته ذات مرة وسألته عن أحد كتبه الجديدة، فردّ متحفظًا، فقالت له: "طبعًا كتاب مليان حكم وفلسفة، بس قول لي فيه ضحك شوية ولا كله كآبة؟" فضحك الحكيم وأخبرها أن روحها المرحة تسبقها إلى أي مكان.
مواقف طريفة مع الأدباء
تحكي بعض الروايات أن زينات حضرت إحدى الندوات الأدبية الكبرى التي كان فيها يوسف إدريس، والذي كان معروفًا بحبه للقصص الواقعية والشخصيات الشعبية، وبينما كان يتحدث عن المرأة في الأدب المصري، قاطعته زينات قائلة: "يعني أنا لو كنت بطلة في رواية عندك، كنت هتبقى حكايتي إيه؟" فأجابها ضاحكًا: “أكيد هتبقي رمز البهجة وسط المعاناة، وأنتِ أحق ببطولة أي رواية فيها حياة.”
خفة ظلها التي لا تُنسى
كانت زينات صدقي نموذجًا فريدًا للمرأة التي تحمل بداخلها ثقافة شعبية فطرية، جعلتها قريبة من الجميع، حتى من طبقة المثقفين التي ربما لم تكن في دائرتها المباشرة، لكنها بأسلوبها العفوي وروحها النقية، جعلت الجميع يشعرون بأنهم في حضرة شخصية استثنائية، تمتلك بساطة الناس وذكاءً يضاهي كبار المفكرين.
ورغم أن الأضواء خفتت عن زينات في أواخر حياتها، إلا أن ذكرياتها مع الأدباء والمثقفين بقيت حاضرة في الكواليس والمجالس، شاهدة على زمن كان فيه الضحك والثقافة يسيران جنبًا إلى جنب.
زينات صدقي والفكاهة كوسيلة للنقد الاجتماعي
لم تكن زينات مجرد "خفيفة ظل"، بل كانت تمتلك ذكاءً اجتماعياً جعلها قادرة على فهم قضايا عصرها وتقديمها بطريقة ساخرة، كانت تدرك تمامًا أن الكوميديا ليست مجرد ضحك، بل وسيلة لطرح قضايا الناس، وهو ما جعلها قريبة من الأدباء الذين رأوا فيها نموذجًا للمرأة الشعبية الواعية.
مثلاً، يُقال إنها حضرت ذات مرة ندوة أدبية حول "أزمة المرأة في المجتمع"، فجلست في الصفوف الأولى وهي تستمع بانتباه، وعندما سألها أحد الصحفيين عن رأيها، قالت: "أنا شايفة إن أزمة المرأة في الجواز، مش في المجتمع، الواحد لازم يلاقي عريس الأول وبعدين يفكر في القضايا الكبيرة" فضجت القاعة بالضحك، لكنها كانت في الحقيقة تشير إلى أزمة العنوسة التي كانت قضية اجتماعية بارزة آنذاك.
ذكرياتها في المقاهي الثقافية
كانت زينات من روّاد بعض المقاهي الشهيرة التي يجتمع فيها المثقفون، مثل مقهى ريش، والزيتونة، وكسّاب، هذه الأماكن لم تكن مقتصرة على الأدباء فقط، بل كانت ملتقى لكل من يحب الحوار والفن، في أحد اللقاءات، سألها صحفي عن رأيها في المسرح التجريبي، فردّت ممازحة: "يعني إيه تجريبي؟ إحنا جرّبنا كل حاجة ولسه بنجري ورى الجمهور" فتعالت الضحكات، لكنها في العمق كانت تشير إلى معاناة المسرح في جذب الجمهور أمام زحف السينما والتلفزيون.
رسائل نجيب محفوظ إليها
يُروى أن نجيب محفوظ كان يُكنّ احترامًا كبيرًا لزينات صدقي، لدرجة أنه أرسل لها رسالة في أواخر أيامها بعد أن تدهورت حالتها المادية، قائلاً: "لا يمكن أن ننسى من أضحك مصر ورسم الابتسامة على وجوهنا، أنتِ تاريخ لن يُمحى"، وكانت هذه الرسالة واحدة من لحظات التقدير القليلة التي أسعدتها في سنواتها الأخيرة.
تراثها الممتد في الذاكرة الثقافية
على الرغم من أن زينات لم تكن كاتبة أو مفكرة بالمعنى التقليدي، إلا أنها كانت "مثقفة بالفطرة"، تفهم المجتمع وتعبر عنه بلغة الناس، مما جعلها قريبة من الأدباء الذين وجدوا فيها "حكاية تمشي على قدمين"، تنبض بالحياة والمرح، وتختزن في داخلها تجارب تستحق أن تُروى.