ربيع بنجلاديش .. يعصف بالمرأة الحديدية
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
بنجلاديش.. الإقليم الشرقي لباكستان المستقلة عن الهند عام 1947م؛ انفصلت عن باكستان عام 1971م بعملية راح ضحيتها مئات الآلاف. بعد الاستقلال اختارت بنجلاديش أن تكون دولة ديمقراطية برلمانية باسم جمهورية بنجلاديش الشعبية، ذات نهج علماني بين باكستان الإسلامية والهند الهندوسية. ومجيب الرحمن والد حسينة.. هو مَن قاد استقلال البلاد وأول رئيس لوزرائها، وحكمها العسكر منذ الاستقلال حتى عام 1991م.
ولدت حسينة في عام 1947م الذي أسس فيه والدها مجيب الرحمن رابطة عوامي، وقد راح هو وأسرته ضحية اغتيال قام به العسكر عام 1975م، ونجت هي وأختها ريحانة لوجودهما ببريطانيا، ثم لجأت إلى الهند مدة ست سنوات.
عام 1981م.. انتخبت الشيخة حسينة رئيسة للرابطة، فعادت إلى بنجلاديش. ثم تعرضت للاعتقال مرات خلال الثمانينات، لمعارضتها الرئيس حسين محمد إرشاد الذي حكم ما بين (1982-1990م)، والذي وُصِف بالاستبداد، وقد خرج من الحكم بمظاهرات عارمة أواخر عام 1990م. وفي انتخابات 1991م.. فاز الحزب الوطني البنجلاديشي لتصبح زعيمته خالدة ضياء أول رئيسة وزراء، وتتحول الرابطة إلى معارض للحزب، بعد أن كانا حليفين في الإطاحة بحسين إرشاد.
بعد صراع سياسي بين الحزبين.. فازت رابطة عوامي بانتخابات (1996-2001م)؛ فتولت حسينة حكم البلاد، وقامت بإصلاحات اقتصادية واجتماعية خففت من حدة الفقر، ووضعت نظاما للضمان الاجتماعي، وأعادت بناء الملف السياسي باتجاه التصالح مع القوى المعارضة. وفي عام 2001م خسرت الانتخابات لصالح الحزب الوطني برئاسة خالدة ضياء.
في المدة (2001-2008م) تحولت رابطة عوامي إلى معارضة قوية لحكومة خالدة ضياء، وخلالها تعرضت حسينة واجد عام 2004م لمحاولة اغتيال فاشلة. وشهدت أواخر هذه المدة احتجاجات كثيفة؛ سيطر خلالها الجيش على البلاد. واتهمت حسينة بالفساد المالي، فلجأت إلى السفارة الأمريكية، ومنها لجأت إلى بريطانيا، وبعد حوالي شهر رجعت لبنجلاديش، فكان في استقبالها حشد من أنصارها، إلا أنها لم تلبث كثيرا حتى ألقي القبض عليها؛ واعتبر هذا الإجراء محاولة لدفعها إلى مغادرة البلاد، مما أدى إلى أن يدين نوابٌ بالبرلماني البريطاني الاعتقال، وبعد إطلاق سراحها توجهت إلى أمريكا للعلاج.
بعد عودة حسينة من أمريكا قررت خوض انتخابات (2009-2014م)، ففازت فيها برئاسة الوزراء، إلا أنه مع بداية ولايتها اندلعت «ثورة بنادق بنجلاديش» بسبب النزاع على الأجور، وراح ضحيتها مئات المحتجين، عُد ذلك انتهاكا للحقوق، فرُفِع على حسينة وبعض أعضاء حكومتها دعوى في المحكمة الجنائية الدولية. عام 2012م.. دبّر لها ضباط إسلاميون بالجيش عملية اغتيال، لكن قيادة الجيش تمكنت من إحباطها لتلقّي بلاغ من المخابرات الهندية. في العام نفسه.. دخلت الشيخة حسينة في نزاع مع الاقتصادي محمد يونس الحائز على جائزة نوبل ومؤسس بنك جرامين الذي يعمل على دعم فقراء بنجلاديش. خلال هذه المدة عملت الحكومة على تقديم مرتكبي «جرائم الإبادة الجماعية» من الجيش والمتعاونين معهم عند استقلال البلاد عام 1971م؛ بما فيهم إسلاميون إلى محكمة الجرائم الدولية.
فازت المرأة الحديدية بانتخابات (2014-2019م)، التي وصفت بأنها مزورة فصحبتها أعمال عنف. وقد شهدت البلاد فيها صعود الإسلاميين، الذي تكلل بهجوم دكا عام 2016م، وراح ضحيته 12 شخصا معظمهم أجانب. وفي عام 2017م استقبلت حكومة حسينة مليون لاجئ من الروهينجا المضطهدين من ميانمار، فحمد البنجلادشيون لها هذا العمل الإنساني.
في ولايتها الرابعة (2019-2024م).. واصلت حسينة برنامج الضمان الاجتماعي الشامل، بصرف راتب شهري لجميع المواطنين ما بين (18-60) عاما. خلال هذه الولاية أصيبت الدولة بفساد في القطاع المصرفي، مما أدخلها في دَين بلغ حوالي مائة مليار دولار نهاية السنة المالية (2021-2022). عام 2022م.. حصلت الحكومة على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي، مما جعلها أسيرة شروطه المجحفة، فأدى إلى ارتفاع التكاليف على الشعب فخرج في احتجاجات. ومع بداية ولايتها الأخيرة اندلعت احتجاجات عارمة حين أعلنت الحكومة استعادة العمل بنظام الحصص من الوظائف لأبناء قدماء المحاربين، فأدى إلى استقالة المرأة الحديدية ومغادرتها البلاد.
لربيع بنجلاديش أسباب داخلية وعوامل خارجية:
أ. الأسباب الداخلية:
- الاحتجاجات الطلابية: بنجلاديش.. منذ استقلالها تشهد بين الفينة والأخرى احتجاجات طلابية حاسمة بسبب خوف الشباب على مستقبلهم، ولم تتمكن الحكومات من استثمار طاقتهم، وأخيرا؛ أدى إلى هذا الربيع الساخن. ولا يزال الطلبة مهيمنين على الشارع خوفا من اختطاف ثورتهم، بيد أن الوضع محفوف بخطر المواجهة مع الجيش إن لم تُلبَ مطالبهم.
- الفساد المالي: رغم أن ولايات الشيخة حسينة تحسّن فيها الاقتصاد، وأنشئت مشاريع استثمارية ضخمة وأسست مشاريع بُنية أساسية ضرورية، لكنها فشلت في توزيع الثروة، فأدى إلى بطالة واسعة وارتفاع معدل التضخم، ودخلت الحكومة في فساد مالي، ولذا؛ دعا الثوار بعد رحيلها؛ محمد يونس «صاحب بنك الفقراء» ليتولى رئاسة الحكومة الانتقالية؛ تعبيرا عن رفضهم للفساد.
- صراع الأحزاب السياسية: منذ الاستقلال والدولة تعاني من صراع بين الأحزاب، التي كانت تصفي خصومها بالاغتيالات والإعدامات، ومنها سياسة حسينة بمحاكمة العسكر الذين عارضوا الاستقلال عن باكستان. وحتى بعد أكثر من خمسين سنة لم تستطع الحكومة حل المشكلة، فظل الثأر هو سيد الموقف.
- صعود الإسلام السياسي: خلال النصف القرن المنصرم أصبح الإسلام السياسي ظاهرة عالمية، لم تتمكن حكومة رابطة عوامي من التعامل معه، ولم تجد سياسة إلا قمعه، ومحاكمة رموزه وإعدامهم، وسلك هو مسلك الإثارة التي تصاعدت إلى العنف.. بل إن بعض قيادات الجيش المعارضين تبنوا الإسلام السياسي.
- هيمنة السياسات القديمة: توقفت سياسات رابطة عوامي عند لحظة الاستقلال، ورغم النجاح الاقتصادي ونظام الضمان الاجتماعي؛ لكن إدارة المجتمع ظلت محكومة بسياسة الآباء المؤسسين. وتمخضت بمحاباة أنصار الرابطة وأسر قدماء العسكر الذين شاركوا في الانفصال عن باكستان. ولذا؛ عندما ثار الشعب وأجبر الشيخة حسينة على الاستقالة هرع إلى تحطيم نُصُب المؤسس والدها مجيب الرحمن، في تعبير غاضب عن رفض السياسات القديمة، وأنه لا حرمة لمن يقف دون العدالة الاجتماعية ولو كان مؤسس الدولة وأسرته التي ضحت لأجل بلادها.
ب. العوامل الخارجية:
- الصراع بين الهند وباكستان: لعدم خروج الحكومات البنجلاديشية المتعاقبة عن لحظة الاستقلال؛ انعكس الصراع بين هذين البلدين على الأوضاع داخل بنجلاديش عبر أنصار كل دولة؛ فرابطة عوامي موالية للهند، والحزب الوطني البنجلاديشي موالٍ لباكستان، وهي حالة ورثتها زعيمتا الحزبين من آبائهما.
- طموحات الصين: في ظل حكومة الشيخة حسينة تمتعت بنجلاديش بعلاقات وثيقة مع الصين، ولها وجود عسكري بها؛ منه قاعدة عسكرية أنشئت مؤخرا، مما قد يشكل تهديدا للحليف الهندي، وكذلك؛ يمر عبرها «طريق الحزام والحرير»، ولذا؛ فإن إعادة بناء بنجلاديش وفق سياسة جديدة تنسجم مع طموحات الصين لا يمكن استبعادها فيما حدث بالبلاد، مع عدم إغفال التنافس الصيني الأمريكي في المنطقة، لاسيما؛ أن بنجلاديش قريبة من الصين.
- الهيمنة الأمريكية: تحوّل بنجلاديش اقتصاديا باتجاه الرأسمالية، والتعاون العسكري مع أمريكا، والتنسيق الأمني بينهما لـ «مكافحة الإرهاب»؛ خاصة بعد هجوم عام 2016م، رسّخ الوجود الأمريكي ببنجلاديش. كما أن أمريكا تضغط عليها بضرورة التحول الديمقراطي. فالحضور الأمريكي لتطورات الأحداث الأخيرة أمر مفروغ منه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخة حسینة رابطة عوامی
إقرأ أيضاً:
احتفاء خاص بالمرأة المصرية.. كيف احتفل الرئيس السيسي والسيدة الأولى بيوم المرأة العالمي؟
توجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم السبت، بكل التحية والتقدير إلى المرأة المصرية؛ رمز العطاء والصبر والتدبير، بمناسبة يوم المرأة العالمي.
وقال الرئيس السيسي، على حسابه الرسمي بموقع "فيسبوك"، "في يوم المرأة العالمي، أتوجه بكل التحية والتقدير إلى المرأة المصرية؛ رمز العطاء والصبر والتدبير، الشريكة الفاعلة في مسيرة التنمية والبناء والتطوير، وسند وطنها في كلّ الظروف والأحوال".
المرأة المصرية شريكة فاعلة في التنمية وسند الوطنوأضاف: "في هذا اليوم نؤكد التزام الدولة بدعمها وتمكينها ورعايتها.. كل عام وكل امرأة مصرية ملهمة، قوية، ومعطاءة".
فيما عبرت السيدة انتصار السيسى، قرينة رئيس الجمهورية عن سعادتها البالغة بلقاء مجموعة من السيدات المصريات الملهمات، اللاتي قدّمن نماذج مشرفة في مختلف المجالات. كل واحدة منهن تعكس قوة الإرادة والعطاء، وتجسد روح المرأة المصرية القادرة على تحقيق النجاح والتأثير.
سأظل دائمًا داعمة لكل سيدة تسعى لتحقيق أحلامهاوقالت السيدة انتصار السيسى، علي صفحتها الرسمية بـ"فيسبوك":أؤمن بأن كل امرأة تحمل في داخلها طاقة عظيمة، وسأظل دائمًا داعمة لكل سيدة تسعى لتحقيق أحلامها وبناء مستقبل أكثر إشراقًا لوطننا.
السيدة انتصار السيسى عن نساء مصر في يوم المرأة العالمى: قدّمن نماذج مشرفة
اليوم العالمي للمرأة.. إدارة الحوار الوطني: مصدر العطاء والصمود والتفاني
اليوم العالمي للمرأة.. 5 نساء غيرن التاريخ ومهدن الطريق للأجيال القادمة
"التاء المربوطة... سر قوتك".. القومي للمرأة يحتفل بالسيدات في المطار| صور
وتحرص الدولة المصرية على تعزيز مكانة المرأة باعتبارها شريكًا أساسيًا في بناء المجتمع ونهضته، من خلال اتباع نهج متكامل على مدار أكثر من عشر سنوات يهدف إلى تمكينها على كافة الأصعدة، من خلال ترسيخ مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص، وحرصت الدولة على دعم المرأة سياسيًا، من خلال تعزيز تمثيلها في مراكز صنع القرار، وضمان دورها الفاعل في رسم السياسات، بجانب تمكينها من العمل بالسلك القضائي، بما يعكس إيمان الدولة بقدرة المرأة على الإسهام في تحقيق العدالة وترسيخ سيادة القانون.
علاوة على مواصلة جهود التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال توفير بيئة داعمة لريادة الأعمال، وتعزيز مشاركتها في سوق العمل بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة، أما على الصعيد الاجتماعي فقد عكفت الدولة على اتباع سياسات وبرامج تستهدف تأهيل المرأة وتعزيز دورها في المجتمع، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة التي تكفل لها حياة كريمة، مع الحرص على ترسيخ هذه المكتسبات من خلال إطار تشريعي ومؤسسي يضمن حقوقها ويعزز دورها في شتى المجالات، وهو ما انعكس إيجابًا على الرؤية الدولية لجهود مصر من أجل تدعيم وتمكين المرأة.
وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أن المرأة حصلت على 4 حقائب وزارية داخل مجلس الوزراء بنسبة 16% من الوزراء في الحكومة، كما مثلت المرأة 20% من منصب نائبة للوزير في الحكومة الجديدة لعام 2024، وشاركت المرأة بنسبة 33.3% في منصب نائبة المحافظ في آخر تجديد للمحافظين عام 2024.
وبلغت مساهمة المرأة في قوة العمل 16.9% من اجمالي قوة العمل (15 سنة فأكثر)، مقابل70.3% للذكور، موضحا أن معدل البطالة للإناث بلغ 17.1%، مقابل 4,2% للذكور. ووفق للإحصاء، بلغ معدل التشغيل للإناث المشتغلات (15 سنة فأكثر) 14,0% مقابل 67.4% للذكور، بلغت نسبة الإناث اللاتي يعملن عمل دائم 83.8% من إجمالي المشتغلات مقابل 61.4% للذكور.
جدير بالذكر أن مصر تقدمت 38 مركزًا في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين "الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة"، لتحتل المركز 93 عام 2022، مقابل المركز 131 عام 2014، الأمر الذي يشير إلى تحسن مستويات المساواة، في حين تقدمت مصر 44 مركزًا في مؤشر التمكين السياسي للمرأة "الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي"، لتحتل المركز 90 عام 2024، مقابل المركز 134 عام 2014.
بالإضافة إلى تقدم مصر 25 نقطة في مؤشر مدى فاعلية قوانين ريادة الأعمال الخاصة بالمرأة، "الصادر عن البنك الدولي" لتصبح 100 نقطة عام 2024(للعام الثالث على التوالي)، مقابل 75 نقطة عام 2014.