بعد 75 عامًا ... اتفاقية جنيف: هل انتهت للأبد؟
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
نعيش هذه الأيام الذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد اتفاقية جنيف التي تمت في 12 أغسطس عام 1949، ومن الناحية النظرية، فإن كل الدول تتفق على الاتفاقية وقواعدها على مستوى العالم. أما من الناحية العملية، فإنه يتم بشكل متواصل انتهاك هذه الاتفاقية بشكل روتيني، بل وفي كل مكان.
يوجد إلى اليوم ما يقدر بـ120 صراعًا مسلحًا في جميع أنحاء العالم، إلى جانب أكثر من 450 جماعة مسلحة يعيش تحت وطأتها حوالي 195 مليون إنسان في المناطق التي تسيطر عليها تلك الجماعات.
وتذكرنا عناوين الأخبار بشكل يومي بالكثير من المآسي نتيجة الحروب والصراعات التي يروح ضحيتها الإنسان الضعيف، فأين تطبيق القانون الإنساني الدولي؟ قد يبدو تطبيقه أقل مما ينبغي بكثير، بل إن تطبيقه لا زال متأخرًا للغاية لصد المواجهات العسكرية و«اللامبالاة السياسية».
كما يمثل هذا العام مناسبة سنوية أخرى، لكنها لا تمثل أي تفاؤل، أولها مرور عشر سنوات على القتل الجماعي الذي ارتكبه تنظيم داعش في سوريا، وعشر سنوات من المناوشات في أوكرانيا التي وصلت إلى الحرب، كما لا تزال المناوشات والتوترات الجيوسياسية قائمة في الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي.
وفي ضوء كل ذلك، وإلى جانب وسائل الحرب الجديدة المتمثلة في الفضاء الإلكتروني، وتواصل انتهاكات أبسط أشكال حماية الإنسان، هل هناك الكثير من المآسي لنحتفل بها تزامنًا مع احتفالنا بالذكرى الـ75 لاتفاقية جنيف؟ الاتفاقية التي أتساءل: هل ما زالت صالحة للاستخدام في الحروب التي نشهدها اليوم، وهل ستصلح لحروب الغد؟
لدى كل المجتمعات في العالم قواعد ثقافية أو دينية أو قوانين تتصل أخلاقيًا بمسائل الحروب، وهي قواعد خاصة. وبعد الأهوال التي شهدها العالم والمآسي التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، جاء العالم ليتفق على مجموعة من القواعد المفصلة والمكتوبة لتكون قواعد عابرة للحدود وتشترك فيها عدد من الدول لتحكم مسألة الصراعات المسلحة.
وقد وافقت الكثير من الدول على تلك القواعد، وهي قواعد اتفاقية جنيف، وجاء الاتفاق رغم وجود اختلافات في وجهات النظر السياسية وتجارب الحرب في بعض الدول. ويرجع هذا الاتفاق إلى أن الاتفاقية تُوجد نوعًا من التوازن بين الاحتياجات العسكرية، وكذلك القيم الإنسانية، وأخلاقيات التعامل مع المدنيين والجنود والأسرى وجثامين القتلى.
لذلك، فمن الناحية النظرية، فإن اتفاقية جنيف، التي تكمل اليوم 75 عامًا، ما زالت تُشكل جوهر القانون الإنساني الدولي وقوانين النزاعات المسلحة. وخلال الأعوام الماضية زادت بنود الاتفاقية وتوسع نطاقها من خلال معاهدات جديدة وبروتوكولات وبنود ضمت الحروب الأهلية والأسلحة الكيميائية والألغام المخفية بالأرض، وكذلك مسألة التعذيب والاختفاء القسري. كل ذلك يهدف إلى الحد من فضائع الحروب التي ترتكبها بعض الدول أو بعض المنظمات أو الجماعات المسلحة. كما أن اتفاقية جنيف تحاول ضمان المنفعة المشتركة بين الأطراف المتحاربة. فهناك أشبه بقاعدة بين الأطراف المتقاتلة تقول: «عامل جنودنا بشكل جيد عندما تقوم بأسرهم، ونحن سنقوم بالشيء نفسه». إلى جانب ذلك، فإن الاتفاقية تطلب من الأطراف أن يتعاملوا بشكل إنساني مع الأشخاص المحاصرين في الحروب، حتى إن انتهك أحد الأطراف هذه القواعد تبقى مسألة الحماية هي الأولوية.
وتتضمن اتفاقيات جنيف أكثر من 400 مادة حول الحرب، وتحدد قواعد مفصلة بشأن معاملة الأسرى والمدنيين، وحماية المستشفيات والموظفين الطبيين، والسماح بالمساعدات الإنسانية لتصل إلى ضحايا الحروب، وحظر التعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي.
وفي الواقع، تم اعتماد أربع اتفاقيات في عام 1949، وبنيت أحكام الثلاثة الأولى على القوانين القائمة التي تحمي الجنود الجرحى في ساحة المعركة وفي البحر وعند احتجازهم كأسرى. وسعت الاتفاقية الرابعة الرئيسية إلى حماية المدنيين الذين يعيشون تحت سلطة العدو، مثل الأراضي المحتلة، وقدمت مادة واحدة قواعد أساسية بشأن المعاملة الإنسانية للناس خلال حرب أهلية، وهي المرة الأولى التي تجرأ فيها القانون الدولي على تنظيم العنف الذي يحدث داخل بلد ما بدلا من الحروب المعتادة بين دولتين أو أكثر.
في ستينيات القرن التاسع عشر، أثار البعض الكثير من الجدل حول القانون الإنساني الدولي، مشيرين إلى أن هذا القانون ارتكب خطأ فادحًا. فعندما تم اعتماد اتفاقية جنيف الأولى، كانت الفكرة الأبرز هي قبول «الحروب» بدلًا من الإصرار على إحلال السلام.
ومن بين من أثار الجدل الباحث «صموئيل موين» الذي أشار إلى أن الاتفاقية أجبرتهم على الاختيار بين فكرة معارضة الحرب نهائيًا، وفكرة معارضة الجرائم التي تحدث أثناء الحروب.
ومما أثار الجدل أن القانون يضع حدًا أدنى من الضرر الذي قد يمس المدنيين، باعتبار هذا الحد «ضررًا جانبيًا» لا بد من حدوثه أثناء الهجمات على الأهداف العسكرية. وبشكل آخر، تقول الاتفاقية ليس كل القتلى المدنيين أثناء الحروب يُقتلون جراء جرائم حرب.
كما يبدو واضحًا أن بنود الاتفاقية لا زالت قديمة، إذ تذكر الاتفاقية من ضمن الحاجات الأساسية التي يجب توفيرها للأسرى أثناء الحرب هي التبغ إلى جانب الطعام والماء، وذلك مثال واحد.
ومن خلال تجربتي الشخصية، إذ عملت مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لمست أثر القانون الدولي أثناء العمل. فإذا ما تم تطبيقه واحترامه فعلا، فإنه قادر على إنقاذ الأرواح وتحسين مستوى الحياة للناس.
لا تزال الأطراف المتحاربة في كل مكان تسمح لمنظمة الصليب الأحمر بزيارة الآلاف من المعتقلين والتفاوض بشأن تحسين معاملتهم، ويتفق المقاتلون على تبادل الأسرى وإطلاق سراح الرهائن وإعادة الجثث وتقديم الرعاية الطبية للجنود الأعداء الجرحى، وأحيانًا تحقق الدول في مزاعم جرائم الحرب، وتتيح الاتفاقيات للأطراف المتحاربة إمكانية عقد اتفاقيات أخرى للحصول على حماية أكبر.
وعلى الرغم من أن اتفاقيات جنيف والقانون الإنساني الدولي بشكل عام بعيد كل البعد عن الكمال، إلا أن هذه القواعد تسعى إلى وضع حد أدنى من أسوأ ما تقدمه الإنسانية، من خلال الإصرار على بعض الكرامة الإنسانية الأساسية.
ولضمان عدم خرقها على الأقل بشكل نشط، وبشكل مثالي توسيع نطاق حمايتها، فيجب على الدول القيام بثلاثة أمور رئيسية، أولها التركيز على المسؤولية الجماعية والامتثال للقانون بأنفسهم وضمان احترام الآخرين له، وثاني تلك الأمور التوقف عن استخدام الحجج القانونية التقنية لتبرير الدمار واسع النطاق بطرق تتجاهل الهدف الإنساني الأساسي للقواعد، وأخيرا مقاومة أي ادعاء من قبل دولة قومية بأن التهديدات الاستثنائية للأمن القومي، بما في ذلك الإرهاب أو التمرد أو التقنيات الجديدة، تبرر التخلي عن القواعد.
إنه في أشد المواقف خطورة، عندما تفشل السياسة والقوانين الأخرى في منع الحرب، تبرز الحاجة إلى هذه القواعد، وسيؤدي احترامها بشكل أكبر إلى إنقاذ العديد من الأرواح ومنع الفظائع التي نراها في حروب اليوم.
مارني لويد: محاضرة في القانون مديرة مشاركة في مركز نيوزيلندا للقانون العام.
نقلا عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القانون الإنسانی الدولی اتفاقیة جنیف إلى جانب
إقرأ أيضاً:
إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة .. تقرير
الجديد برس|
كشفت معطيات إحصائية جديدة حجم ما ألحقته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في القطاع غزة على مدار 470 يومًا من حرب الإبادة الجماعية التي طاولت كل مقومات الحياة الإنسانية.
وقدر المكتب الإعلامي الحكومي في تقرير إحصائي نشره اليوم الثلاثاء، الخسائر الأولية المباشرة للحرب بأكثر من 38 مليار دولار، فيما بلغت نسبة الدمار 88%.
وبين أن جيش الاحتلال ألقى طوال فترة الحرب على غزة 100 ألف طن من المتفجرات، استشهد على إثرها 46 ألفًا و960 مواطنا، بينهم 17 ألفًا و861 طفلًا منهم 214 رضيعًا و808 أطفال دون عمر السنة، بالإضافة لارتقاء 12 ألفًا و316 امرأة، مشيرا إلى نسبة الأطفال والنساء تشكل 70% من إجمالي عدد الضحايا.
وسجل الإعلام الحكومي 14 ألفًا و222 مفقودًا، ونحو 110 آلاف و725 إصابة، بينهم 15 ألفًا بحاجة لعمليات تأهيل طويلة الأمد، و4 آلاف و500 حالة بتر، موضحا أن 18% من إجمالي حالات البتر سجلت بين الأطفال، فيما يحتاج 12 ألفًا و700 جريح للعلاج في الخارج.
وأوضح الإعلام الحكومي أن 38495 طفلًا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، فيما فقدت 13901 من النساء أزواجهن خلال الحرب.
وفي تفاصيل ممارساته الإجرامية، ارتكب الاحتلال مجازر مروّعة ضد العائلات الفلسطينية طيلة أشهر الحرب، حيث أباد 2092 عائلة بمجموع عدد أفراد 5967 شهيدًا، في حين أنّ 4889 عائلة أخرى فقدت جميع أفرادها باستثناء فرد واحد (الناجي الوحيد)، ليصل عدد شهداء هذه العائلات إلى أكثر من 8980 شهيدًا.
النزوح والجوع
في حين أجبرت حرب الإبادة مليونين من مواطني قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء، حسب إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي. وأشار إلى أنّ 110 ألف خيمة اهترأت وأصبحت غير صالحة للنازحين، فيما أُصيب أكثر من مليونين و136 ألفًا بأمراض معدية نتيجة النزوح، فيما انتقلت عدوى التهابات الكبد الوبائي لنحو 71 ألفًا و338 نازحًا.
وفي غزة، شدد المكتب على أن “الناس ماتت جوعًا ومن البرد أيضًا”، إذ استشهد 8 فلسطينيين بينهن 7 أطفال من شدة البرد في الخيام، فيما استشهد 44 نتيجة سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال خلال أشهر الحرب ضد سكان القطاع تحديدًا محافظتي غزة وشمالها لحملهم على الهجرة القسرية، ولا يزال الموت يتهدد نحو 3 آلاف و500 طفل في القطاع بسبب سوء التغذية.
وعلى مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بغزة، لم يسلم القطاع الصحي من دائرة الاستهداف المباشر والحصار المشدد، حيث وصل عدد شهداء الطواقم الطبية ألف و155 شهيدًا ونحو 360 معتقلًا أعدم منهم 3 أطباء داخل السجون.
المستشفيات والدفاع المدني
ومنذ السابع من أكتوبر ألو 2023، طال العدوان 34 مستشفى في قطاع غزة من خلال حرقها أو الاعتداء عليها أو إخراجها من الخدمة، فيما تعمل بقية المستشفيات بقدرات محدودة للغاية.
وأدى العدوان، وفي معطيات الإعلام الحكومي، لإخراج 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، كما استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية أخرى، فضلًا عن استهداف وتدمير 136 سيارة إسعاف مما أدى إلى شلل كبير بقدرة الطواقم الطبية على الاستجابة لحالات الطوارئ.
أما طواقم الدفاع المدني فقد استشهد منهم 94 عاملًا، واعتُقل 26 آخرين من إجمالي 6 آلاف و600 حالة اعتقال نفذها الاحتلال في قطاع غزة منذ بادية الحرب، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
وخلال الحرب دمر الاحتلال 19 مقبرة بشكلٍ كلي وجزئي من أصل 60 مقبرة، وانتهك حرمة الأموات بسرقة ألفي و300 جثمان من المقابر. كما اكتشفت الطواقم المختصة 7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، جرى انتشال 520 شهيدًا منها.
كما لم تسلم بيوت العبادة من العدوان، حيث تعرض 823 مسجدًا للهدم الكلي بفعل الاستهداف المباشر، و158 مسجدا بشكلٍ بليغ بحاجة لإعادة ترميم، إلى جانب استهداف وتدمير 3 كناس في القطاع، و206 مواقع أثرية.
وشدد الإعلام الحكومي على تعمد جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، استهداف الصحفيين وملاحقتهم في محاولة لطمس الحقيقة التي أصروا على نقلها رغم المخاطر التي أحاطت بهم، إذ أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 205 صحفيين، إصابة 400 آخرين، واعتقال 48 صحفيًا معلومة هوياتهم.
البنية التحتية السكانية والخدماتية
ووفق الإحصاءات، تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصحبت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة.
وهدم جيش الاحتلال 216 مقرًا حكوميًا بشكل كلي، وارتكب 150 جريمة استهدف فهيا عناصر شرطة وتأمين مساعدات، خلّفت 736 شهيدًا. وطالت سياسة التدمير القطاع التعليمي في غزة، حيث هدم الاحتلال كليًا 137 مدرسة وجامعة، فيما تضررت 357 مدرسة وجامعة بشكلٍ جزئي.
أما ما عدد ما قتله الاحتلال من طلبة ومعلمين وأساتذة وباحثين، فقد أحصى “الإعلام الحكومي” استشهاد 12 ألفًا و800 طالب وطالبة، و760 معلمًا وموظفًا تربويًا في سلك التعليم، و150 عالمًا وأكاديميًا وأستاذًا جامعيًا وباحثًا.