لجريدة عمان:
2024-09-18@23:21:47 GMT

العودة إلى الالتزام بالتأهب للجوائح الـمرضية

تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT

قبل أربع سنوات، وفي أوج جائحة كوفيد-19، كانت الحكومات تُـجاهِـد لحماية شعوبها ومنع الانهيار الاقتصادي. ولا أحد يستطيع أن يشكك في حقيقة مفادها أن معالجة هذا التهديد الوجودي كانت على رأس الأولويات السياسية آنذاك.

بصفتي رئيسة وزراء سابقة ومدير عام منظمة الصحة العالمية سابقا، تأثرت كثيرا بالاستجابة الدولية المنسقة لجائحة كوفيد-19.

من المؤكد أن الأمر لم يخل من تفاوتات ضخمة داخل البلدان وبينها، مما جعل الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع تتكبد ثمنا باهظا، وخاصة عندما ارتبط الأمر بالوصول إلى اللقاحات. لكنني رأيت سببا للأمل في أن يُـفضي الأثر المدمر الذي خلفته الجائحة إلى تغيير سياسي هائل ويقودنا إلى قدر أعظم من الالتزام بتدابير التأهب، والوقاية، والاستجابة، في المستقبل.

كنت مخطئة. فمن الواضح بشكل محبط أن دروس كوفيد-19 في طريقها إلى عالَـم النسيان. ولا يزال العالم عالقا في دورة الذعر والإهمال المألوفة التي ميزت هذه الجائحة الأخيرة. يتجاهل الزعماء السياسيون إلى حد كبير التهديدات الحالية، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 (التي لا تزال حاضرة ولم تصبح بعد فصلا في كتب التاريخ، وإن لم تَـعُـد تشكل حالة طوارئ صحية عامة)، وإنفلونزا الطيور H5N1، وحمى الضنك. يكاد يكون من المؤكد أن جوائح مَـرَضية جديدة تنطوي على نتائج كارثية ستندلع حتما، وخاصة مع تفاقم تغير المناخ والتدهور البيئي.

هذه ليست مخاطر ظَـنّـية. في يوم الأربعاء الماضي، أعلن مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس أحدث فاشية لمرض جدري القرود (mpox) في شرق إفريقيا باعتبارها «حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا». الآن بات لزاما على المجتمع الدولي ألا يكتفي بحشد الصفوف خلف البلدان الإفريقية المتضررة وتلك الأكثر عُرضة للخطر؛ بل يتعين عليه أيضا أن يستعد لانتشار محتمل إلى مزيد من البلدان وربما إلى مختلف أنحاء العالم. حتى قبل أن تندلع جائحة كوفيد-19، كنت أحذر من أن فشلنا في كسر هذه الحلقة المفرغة يعرضنا لخطر جسيم. وفي سبتمبر 2019، أصدر مجلس مراقبة التأهب العالمي (الذي أشارك في رئاسته) تقريرا يسلط الضوء على الخطر الشديد المتمثل في انتشار وباء عالمي أو جائحة مدمرة. لم نكن نعرف آنذاك مدى الدقة التي كانت عليها تحذيراتنا.

الآن نجد أنفسنا في مرحلة جديدة من الإهمال، والذي لا يمكن فهمه إلا على أنه فشل يعيب الإرادة السياسية. على الرغم من كل الكلمات الـوَرِعة التي نطق بها رؤساء الدول والحكومات في عصر كوفيد-19، فإنهم فاشلون في معالجة أوجه التفاوت التي أعاقت جهود التعافي. ومن غير المقبول أن تفعل الدول الغنية أقل القليل لجعل الاستجابة للوباء التالي أكثر إنصافا ــ وبالتالي أكثر فعالية.

في يونيو، على سبيل المثال، فشلت جمعية الصحة العالمية السابعة والسبعون في إبرام اتفاقية جديدة بشأن الجوائح الـمَـرَضية، حتى برغم أن هيئة التفاوض الحكومية الدولية كانت تعمل على الاتفاق العالمي، الذي يهدف إلى منع اندلاع جائحة جديدة بحجم كوفيد-19، طوال عامين. وقد مددت البلدان الأعضاء المحادثات لمدة تصل إلى 12 شهرا. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أنها لا تزال غير راغبة في تزويد المفاوضين بالدعم السياسي اللازم للموافقة على التدابير الكفيلة بمعالجة فجوات التفاوت في التأهب للجوائح والاستجابة لها والتعافي منها.

إن الفشل في التوصل إلى الإجماع بشأن مسائل جوهرية يشكل عَرَضا من أعراض عجز الثقة المتنامي بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وانعدام فعالية النظام المتعدد الأطراف في عصر التوترات الجيوسياسية المتعمقة. ولكن ليس من الجائز استخدام هذا كعذر لتأخير العمل على واحد من أكبر التهديدات في عصرنا. إن هيئة التفاوض الحكومية الدولية تحتاج إلى نهج جديد يتيح أقصى قدر من المشاركة من جانب الخبراء المستقلين ومنظمات المجتمع المدني، مع ضمان تركيز البلدان الأعضاء على تحسين العدالة العالمية ــ بدلا من الاكتفاء بالتشدق بها. علاوة على ذلك، إذا كنا تعلمنا أي شيء من السنوات الأربع الأخيرة، فهو أن العمليات التي تقودها منظمة الصحة العالمية وحدها لا تكفي للتصدي للتهديد الذي تفرضه الجوائح الـمَـرَضية على وجودنا ذاته. ينبغي لمؤسسات أخرى متعددة الأطراف أن تتبنى قضية تحسين التأهب. ويتعين على قمة المستقبل التي تعقدها الأمم المتحدة في سبتمبر، فضلا عن الاجتماعات المقبلة لمجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين، أن تسلط الضوء على مدى إلحاح هذا التحدي وتشجع زعماء العالم على التحرك.

الواقع أن الدعوة الأكثر وضوحا إلى الأمن الصحي العالمي في هذه المنتديات قد تكون حاسمة في تأمين الزعامة السياسية والتمويل اللازمين لإحداث تغيير حقيقي. لتحقيق هذه الغاية، تدعم مجموعة الزعماء السياسيين السابقين المعروفة باسم منظمة الحكماء اعتماد منصة طوارئ ــ مجموعة من البروتوكولات التي من شأنها أن تسمح لقادة الأمم المتحدة بالاستجابة السريعة للصدمات العالمية - في قمة المستقبل. ينبغي لأعضاء منظمة التجارة العالمية أيضا أن يتفقوا على مراجعة تنفيذ اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، كما اقترحت كولومبيا. يحكم اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية حماية براءات الاختراع للقاحات والعلاجات، وهو بهذا يضطلع بدور رئيسي في جهود الاستجابة للجائحة. إن العودة إلى الالتزام بالتأهب للجوائح الـمَـرَضية ضرورة أساسية. ولكن ينبغي لهذه العودة أيضا أن تكون جزءا من جهود أوسع لإحياء التعددية. لن يتسنى لنا التصدي لأخطر التحديات التي تواجه البشرية إلا من خلال التراضي والتعاون.

جرو هارلم بروندتلاند رئيسة وزراء النرويج السابقة والمديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، وهي رئيسة مشاركة لمجلس مراقبة التأهب العالمي وعضو في منظمة الحكماء.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: منظمة الصحة العالمیة جائحة کوفید 19 ـر ضیة

إقرأ أيضاً:

صائدو فيروسات يترصدون التهديدات المحتملة للحماية من جائحة مقبلة

تعمل شبكة عالمية من الأطباء والمختبرات على تحديد التهديدات الفيروسية الناشئة، بينها ما هو ناجم عن التغير المناخي، في محاولة لتجنّب الجائحة التالية التي قد تضرب العالم.

وقد كشف تحالف يصف أعضاؤه أنفسهم بأنهم "صائدو فيروسات"، عن تهديدات فيروسية شتى، من مرض غير عادي ينقله القراد في تايلاند إلى تفشّ مفاجئ في كولومبيا لعدوى تنتشر عن طريق البعوض.

وقال غافن كلوهرتي، خبير الأمراض المعدية الذي يترأس تحالف أبوت للحماية من الأوبئة Abbott Pandemic Defense Coalition، "إن قائمة الأشياء التي يجب أن نقلق بشأنها، كما رأينا مع كوفيد-19، ليست ثابتة".

وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية "علينا أن نكون يقظين للغاية بشأن كيفية تغيّر العناصر المؤذية المعروفة… ولكن علينا التنبّه أيضا لإمكان ظهور عناصر جديدة".

يجمع التحالف بين أطباء وعلماء في جامعات ومؤسسات صحية في جميع أنحاء العالم، بتمويل من شركة "أبوت" العملاقة للرعاية الصحية والأجهزة الطبية.

من خلال الكشف عن تهديدات جديدة، يمنح التحالف "أبوت" ميزة محتملة في تصميم أنواع جديدة من أدوات الاختبار التي كانت أساسية في الاستجابة لجائحة كوفيد-19.

ويمنح هذا الالتزام التحالف قدرة على اكتشاف الفيروسات الجديدة وتسلسلها، ولكن أيضا الاستجابة لها.

وقال كلوهرتي "عندما نرصد أمرا ما، يمكننا بسرعة كبيرة إجراء اختبارات تشخيصية على مستوى الصناعة"، مضيفا "الفكرة تكمن في الحماية من تفشي المرض، حتى نتمكن من منع حدوث جائحة".

وحدد التحالف التسلسل الخاص بما يقرب من 13 ألف عينة منذ أن بدأ العمل في عام 2021.

في كولومبيا، رصد التحالف تفشيا للـ"أوروبوش" Oropouche، وهو فيروس ينتشر عن طريق البعوض، ونادرا ما شوهد هناك من قبل.

كشف العمل التطوري لتتبع سلالة هذا الفيروس أنه جاء من البيرو أو الإكوادور، وليس البرازيل، وهي نقطة ساخنة أخرى لانتشار الفيروسات.

وأوضح كلوهرتي "يمكن أن ترى من أين تتجه الأمور. إنه أمر مهم من منظور الصحة العامة".

صعب ومكلف

في الآونة الأخيرة، كشف التحالف بالتعاون مع أطباء في تايلاند أن فيروسا منقولا بالقراد كان وراء مجموعة غامضة من حالات المرض.

وأوضح الأستاذ المساعد في الأمراض المعدية في مستشفى سيريراج، باكبوم فومبونغ، أنه "في ذلك الوقت، لم نكن نعرف الفيروس الذي يسبب هذه المتلازمة".

وأظهرت اختبارات وتحديد تسلسلات لعيّنات يعود تاريخها إلى عام 2014، أن عددا كبيرا منها كانت تُظهر إصابة بالحمى الشديدة مع متلازمة نقص الصفيحات (SFTSV).

وقال باكبوم لوكالة الصحافة الفرنسية "تم تشخيص أقل من 10 مرضى (سابقا) بمتلازمة نقص الصفيحات في تايلاند… ليس لدينا تشخيص عبر +تفاعل البوليميراز المتسلسل+ (بي سي آر)، وليس لدينا بيانات عن مصل الدم لتشخيص هذه العدوى الفيروسية".

وأشار إلى أن تشخيص هذه الحالات "صعب ويتطلب جهدا مكثفا، كما أنه مكلف أيضا".

وهناك حاجة متزايدة لتتبع هذه التهديدات مع توسع نطاق الأمراض المعدية عالميا بسبب تغير المناخ.

ثمة ارتباط راسخ ومتعدد الأوجه بين تغير المناخ والأمراض المعدية.

فمن المعلوم أن الظروف المناخية الأكثر دفئا تسمح للناقلات مثل البعوض بالعيش في أماكن جديدة، فيما تؤدي زيادة المتساقطات إلى بروز مزيد من أحواض التكاثر، ويجبر الطقس المتطرف الناس على الخروج إلى العراء حيث يكونون أكثر عرضة للدغات البعوض.

كما أن التأثير البشري على الكوكب يدفع انتشار الأمراض المعدية وتطورها بطرق أخرى: ففقدان التنوع البيولوجي يجبر الفيروسات على التطور عبر الاتجاه إلى وسائط استضافة جديدة، ويمكن أن يدفع الحيوانات إلى الاتصال الوثيق بالبشر.

اليقظة

يقدم التحليل التطوري لسلالة SFTSV في تايلاند لمحة عامة عن التفاعل المعقد في هذا الموضوع.

وأظهر التحليل أن الفيروس تطور من كونه محمولا بواسطة قرادة ذات نطاق جغرافي أصغر، إلى الانتقال عبر القراد الآسيوي طويل القرون الأكثر صلابة.

وأشار التحليل إلى أن تطوره كان مدفوعا إلى حد كبير باستخدام المبيدات الحشرية التي قللت من أعداد مواقع الاستضافة الأصلية للقراد.

بمجرد تطور الفيروس، يمكن أن ينتشر بشكل أكبر جزئيا لأن القراد الآسيوي طويل القرون يمكن أن يعيش على الطيور، التي تسافر لمسافات أطول وبسرعة أكبر بسبب تغير الظروف المناخية.

وقال كلوهرتي إن هذه الوسائط "أشبه بشركات الطيران".

كما أن بصمات تغير المناخ موجودة في كل شيء، من تفشي حمى الضنك في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى انتشار فيروس غرب النيل في الولايات المتحدة.

وفي حين نشأ التحالف من تعاونات سبقت الجائحة، فإن الانتشار العالمي لفيروس كوفيد-19 قدّم تذكيرا قويا بمخاطر الأمراض المعدية.

لكنّ كلوهرتي يخشى أن يكون الناس قد نسوا هذه الدروس بالفعل.

وقال "يجب أن نتحلى باليقظة"، إذ "إن شيئا يحدث في بانكوك قد يحصل في بوسطن غدا".

مقالات مشابهة

  • «الصحة العالمية»: إمدادات صحية عاجلة للبنان على إثر تفجيرات البيجر
  • صائدو فيروسات يترصدون التهديدات المحتملة للحماية من جائحة مقبلة
  • منظمة الصحة العالمية تحذر من زيادة لدغات الأفاعي حول العالم
  • منظمة الصحة العالمية: المجاعة تنتشر في كل مكان بالسودان
  • غيتس يحذر من انتشار جائحة مقبلة لن يتمكن العالم من مواجهتها
  • بيل جيتس يتوقع جائحة عالمية خلال ربع قرن
  • نجاح مشروع تعزيز الاستجابة لجائحة كوفيد-19 ودعم نهج الصحة الواحدة في مصر
  • ظهرت في 15 دولة.. هذا ما نعرفه عن سلالة فيروس كوفيد-19 الجديدة
  • بيل جيتس يحذر من وباء عالمي
  • بيل جيتس يحذر من وباء عالمي... عاجل