الكوليرا في السودان.. إعلان متأخر وخطر داهم بهذه الحالة
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
رفعت السلطات الصحية السودانية وتيرة تحركاتها لمحاصرة وباء الكوليرا، بعدما أعلنت رسميا أن المرض ضرب عددا من المناطق، خاصة في شرق البلاد، حيث جرى تسجيل معدلات عالية للأمطار.
وأعلنت وزارة الصحة السودانية أن ولايتي كسلا والقضارف بشرق السودان الأكثر تضررا من الوباء، نتيجة للأوضاع البيئية، والماء غير الصالح للشرب.
وأكد وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، الأحد، ارتفاع عدد الإصابات بالكوليرا إلى 354 إصابة، معلنا وفاة 22 من المصابين بالمرض.
والكوليرا عدوى إسهالية حادة تنتج عن تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا ضمة الكوليرا.
ويتسبب المرض بالإسهال والجفاف الشديد الذي قد يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات، وفق منظمة الصحة العالمية.
وكشف إبراهيم عن حملة لإصحاح (معالجة) البيئة وتوفير مياه الشرب في المناطق التي ضربها الوباء، بجانب حملات لتوعية المواطنين بالاشتراطات الصحية ومطلوبات الوقاية من الوباء.
وأكد الوزير السوداني تواصلهم مع المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة لطلب لقاحات الكوليرا.
وفي الفترة من مطلع العام إلى 28 يوليو 2024، تم الإبلاغ عن 307433 حالة إصابة بالكوليرا و2326 حالة وفاة في 26 دولة، وفق منظمة الصحة العالمية.
ويشير وزير الصحة في ولاية كسلا، علي آدم، إلى أن وباء الكوليرا الذي ضرب بعض مناطق الولاية فاقم معاناة القطاع الصحي، الذي يعاني أصلا من مشكلات كبيرة.
وقال آدم لموقع الحرة، إن انتشار الكوليرا في السودان كان متوقعا، منوها إلى أن الحرب التي تدور بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من 16 شهرا أثرت بشكل مباشر في ظهور وانتشار المرض.
وأوضح وزير الصحة بولاية كسلا، أن الإصابات ناتجة عن مشكلات متعلقة بمياه الشرب، لافتا إلى أن سكان المحليات التي ضربها الوباء يشربون من الأنهار، ويفتقرون إلى مصادر المياه الآمنة.
وأشار آدم إلى أن السلطات خصصت عنابر لعزل المرضى، لكنه قال إن هناك حاجة لعنابر عزل أكثر تخصصية لوباء الكوليرا، داعيا المنظمات الإقليمية والدولية للتدخل لتقديم المساعدة المطلوبة.
ويشهد السودان منذ أسابيع عدة أمطارا غزيرة أدت إلى نزوح آلاف الأشخاص وظهور عدد من الأمراض مع زيادة حالات الإسهال خصوصا بين الأطفال.
وأشار المختص في طب المجتمع، نزار الطريفي، إلى أن هناك "ارتفاعا متسارعا لمعدلات الإصابة بالكوليرا"، مقارنة مع تاريخ تسجيل أول حالة للوباء.
وأرجع الطريفي، في حديثه لموقع الحرة، تصاعد معدلات الإصابة بالكوليرا إلى فشل وعجز السلطات السودانية عن تقديم الخدمات العلاجية المناسبة للمرضى، في التوقيت المناسب.
وأشار إلى أن العنابر المخصصة لعزل المصابين بالكوليرا في أغلب المستشفيات لا تناسب طبيعة وسرعة الوباء في الانتشار، مشددا على ضرورة أن تتم عمليات العزل بدقة طبية عالية، لضمان محاصرة المرض.
وفي محاولة لسد النقص في الخدمات، أطلق ناشطون في عدد من المدن السودانية التي شهدت تسجيل حالات إصابة بالكوليرا، مبادرات لتوعية المواطنين، وللمساعدة في تقديم العون للمرضى.
وقالت هاجر عثمان، وهي ناشطة في مبادرة مجتمعية بمدينة كسلا، إن مجموعات من المتطوعين شرعت في تنفيذ حملات توعية وسط النازحين الذي أجبرتهم الحرب على الفرار إلى المدينة الواقعة بشرق السودان.
وقالت عثمان لموقع الحرة، إن الإصابات حتى الآن جرى تسجيلها في مناطق خارج المدن الرئيسية، مما يجعل إمكانية السيطرة على الوباء تبدو ممكنة، "لكن الخطر سيكون كبيرا إذا تسلل الوباء إلى المدن الكبيرة، إذ تصعّب السيطرة معه".
وأشارت الناشطة الطوعية إلى أن حملاتهم التوعوية ترمي لرفع إدراك النازحين بالوباء، وكيفية الوقاية منه، بما يقلل فرص انتشاره وتمدده إلى مراكز الإيواء التي تكتظ بالآلاف ممن شردتهم الحرب.
بدورها، ترى نقابة أطباء السودان أن إعلان وباء الكوليرا بالبلاد "جاء متأخرًا"، مشيرة إلى أن الوضع تفاقم بسبب عدم إعلان الوباء في التوقيت الحقيقي.
وقالت النقابة في بيان على منصة (إكس)، إن المعلومات المعلنة عن الوباء متعلقة بالمناطق الآمنة فقط، مشيرة إلى عدم توفر معلومات دقيقة عن الوضع الوبائي في الولايات التي تشهد عمليات عسكرية نشطة.
وطالب البيان بوقف الحرب "التي أثرت سلبًا على فعالية النظام الصحي"، مشددا على ضرورة أن تتعامل السلطات بالشفافية الكاملة مع المرض، بما في ذلك عدد الحالات، والموقف الدوائي.
ودعا إلى أهمية عزل الحالات المشتبه فيها أيضا، ورفع التثقيف الصحي، بالإضافة إلى العمل لمنع انتشار المرض إلى الولايات الأخرى.
وكانت منظمة الصحة العالمية قالت في مايو الماضي، إن نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار، بينما تُدمر المرافق الصحية وتتعرض للنهب وتعاني نقصا حادا في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات.
وقال المتحدث باسم المنظمة، كريستيان ليندميير، إن ما بين 20 إلى 30 بالمئة فقط من المرافق الصحية تعمل في السودان، منوها إلى أن أكثر تلك المرافق يعمل بالحد الأدنى.
وأشار ليندميير إلى أن الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 بالمائة من الاحتياجات، لافتا إلى أن بعض الولايات مثل دارفور "لم تتلق الإمدادات الطبية خلال العام الماضي".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: وباء الکولیرا الکولیرا فی وزیر الصحة فی السودان إلى أن
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان
في خضم التصريحات المتأخرة التي أدلى بها أحد قيادات المؤتمر الوطني لقناة الجزيرة محاولًا تحميل قوى الحرية والتغيير وزر تمكين قوات الدعم السريع يقف المراقب أمام مشهد عبثي تختلط فيه الحقائق بالمزايدات ويتحول فيه التاريخ إلى ساحة لتبادل التهم في حين أن السؤال الحقيقي يظل غائبًا عن الأذهان. من الذي أنشأ هذا الكيان أصلًا. ومن الذي سمح له بالنمو خارج مؤسسات الدولة حتى صار دولة موازية داخل الوطن.
الحقيقة التي لا يرغب كثيرون في مواجهتها هي أن الدعم السريع لم يكن صناعة وطنية محضة لا من قبل النظام السابق ولا من قبل القوى المدنية بل كان أداةً تم إعدادها بعناية فائقة في غرف المخابرات الإقليمية والدولية ووُظفت في لحظة فارقة من تاريخ السودان لخدمة أجندات تتجاوز حدود البلاد وسياقاتها الداخلية. لقد كان ظهوره المفاجئ وتضخمه السريع وتمتعه بحصانات فوق دستورية كلها إشارات واضحة على أن اللعبة أكبر من مجرد مليشيا محلية خرجت من رحم الصراع في دارفور.
النظام السابق يتحمل المسؤولية الأولى. لا لأنه أنشأ الدعم السريع بقراره السيادي. بل لأنه سمح بتكوين كيان مسلح خارج منظومة الجيش السوداني. منح قادته صلاحيات بلا سقف. وتعامل معهم كأداة لضرب الخصوم السياسيين وضبط الأمن الداخلي. ثم ما لبث أن تحول هذا الكيان إلى كابوس يفوق القدرة على السيطرة. وهو ما ظهر جليًا في المشاهد الأخيرة التي عصفت بالعاصمة ومدن السودان كافة.
وقد كان موقف الجيش السوداني واضحًا منذ البداية في رفضه لوجود قوات موازية خارجه. وقد صرّح حميدتي نفسه في مقابلته الشهيرة مع الصحفي الطاهر حسن التوم بأن قيادة الجيش كانت ضد التوسع في قوات الدعم السريع. وأنها حاولت تقييد نشاطه. إلا أن الرئيس السابق عمر البشير هو من تجاوز قرارات الجيش ومنح الدعم السريع شرعية غير مشروعة وفتح له أبواب التوسع والتغلغل في أجهزة الدولة والسيطرة على مواردها الحيوية و كان ذلك كما ذكرنا من قبل بسبب الصراعات السياسية داخل منظومة الحكم.. هذا الإقرار العلني من قائد المليشيا نفسه يكشف أن المشروع لم يكن مطلبًا من القوات المسلحة بل فُرض عليها من جهة عليا كانت رهينة لضغوط أكثر من حرصها على بنية الدولة الوطنية.
ولعل ما يثير الأسئلة العميقة هو أن حميدتي لم يأتِ بطلب من الجيش كما يزعم البعض. بل هو من عرض خدماته على المؤسسة العسكرية في توقيت دقيق خلال صراعات دارفور. مما يفتح الباب لتساؤل مشروع. من الذي أرسله أصلًا. ومن الذي هيأ له الأرضية ليتحول من قائد مليشيا محلية إلى شخصية ذات نفوذ يتجاوز حدود السودان. والإجابة التي تتضح مع تعاقب الأحداث هي أن نفس القوى الاستخباراتية الإقليمية والدولية التي أرسلته بادئ الأمر هي التي ظلت تدعمه سياسيًا وماليًا ولوجستيًا طوال السنوات الماضية. مما يؤكد أن الحكومة السودانية السابقة وقعت في فخٍ محكم صنعته جهات خارجية واستثمرت فيه باحتراف حتى استطاعت أن تغرس سكينًا في قلب الدولة.
أما الحديث عن مسؤولية الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تمكين الدعم السريع فهو مجافٍ للواقع. فحين تولى البرهان القيادة كانت قوات الدعم السريع قد تحولت بالفعل إلى كيان مهيمن واسع الانتشار يملك المال والسلاح والعلاقات الدولية. وكانت أي محاولة مباشرة لتفكيكه ستعني الدخول في مواجهة شاملة مكلفة في وقت كان فيه السودان غارقًا في هشاشة سياسية واقتصادية غير مسبوقة. وقد حاول البرهان خلال تلك الفترة احتواء الموقف وتطويق النفوذ المتزايد لهذه القوات عبر دمجها تدريجيًا في القوات المسلحة. لكنه واجه مراوغة ممنهجة من قيادة الدعم السريع التي كانت تخطط لمشروعها الخاص بعيدًا عن سلطة الدولة وعقيدتها العسكرية.
أما قوى الحرية والتغيير فمسؤوليتها أخلاقية وليست تأسيسية. فهي لم تُنْشِئ الدعم السريع ولم تدفع به إلى الواجهة. لكنها تعاملت معه في مرحلة ما كقوة أمر واقع. وارتكبت خطأً استراتيجيًا في التحالف معه بطرق مختلفة..
من يتحدث اليوم عن تمكين الدعم السريع من قوى التغيير يتناسى أن هذا التمكين بدأ قبل التغيير بسنوات. وأن أولى مظاهره كانت في التعديلات الدستورية التي أُدخلت خصيصًا لشرعنة وجوده وتوسيع نفوذه داخل أجهزة الدولة. ثم في الصمت المريب عن نشاطه الاقتصادي والعسكري وتمويله المفتوح عبر شبكات إقليمية ودولية كانت ولا تزال ترى فيه حارسًا لمصالحها في السودان ومنطقة الساحل.
من هنا فإن تسطيح النقاش في هذه المرحلة الحاسمة وتحويله إلى معركة بين أنصار النظام السابق وخصومه أو بين مكونات قوى التغيير هو هروب من مواجهة الحقيقة العارية. وهي أن ما جرى كان اختراقًا استخباراتيًا مكتمل الأركان. وأننا جميعًا سلطة ومعارضة وقعنا في فخ لعبة أكبر من الجميع.
إن تحرير سردية الدعم السريع من قبضة التبرير والتسييس هو الخطوة الأولى نحو فهم جوهر الأزمة الراهنة ومآلاتها. فالمعركة اليوم ليست مع مجموعة متمردة فقط. بل مع مشروع طويل الأمد استثمر في الانقسام وتغذى على فشل النخب وتواطؤ بعضهم وصمت البعض الآخر.
إن كشف القوى الخفية التي صنعت هذا الوحش ورعته هو التحدي الحقيقي أمام كل من يدّعي الوطنية اليوم. فالمعركة لم تعد مع مليشيا طاغية فقط، بل مع مشروع استخباراتي دولي زرع في قلب السودان سرطانًا متشعبًا لا يمكن استئصاله بالإنكار أو التلاوم. استمرار الانشغال بلعبة الاتهامات وتوزيع المسؤوليات هو هروب من الحقيقة وتعطيل للمعركة المصيرية. المهم الآن هو التعرية الكاملة لهذا المشروع وفضح ارتباطاته الخارجية وقطع الحبل السري الذي يغذيه، هذا فقط ما يمكن أن يُصنّف عملًا وطنيًا نقيًا. أما ما دون ذلك، فإما تواطؤ معلن أو غفلة قاتلة.
habusin@yahoo.com