إصدار جديد للشاعر العراقي عماد جبّار، إليك هذه القراءة فيه
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
من لا يعرف بغداد، لا يستطيع استيعاب هذه الجمل الأولى الطافحة بالشعرية والمحبّة، بكلّ شيء عظيم، وإحساس نبيل، بعظمة بغداد خاصة إذا كان الزائر، شبه مقيم بل ساكن متجذّر فيها وعاد ثانية من سفر وكلّه حنين لأشيائها المكشوفة والمنسية، هكذا ورّطني الشاعر الفذّ عماد جبّار في عشق قديم، حين أقرأ هذه الأبيات في مقدّمة مجموعته التي عنوانها “الطيور تداوي جراحاتها” والصادرة هذه الأيام، بعد أن صدرت كتابا إلكترونيًا من قبل، وهذه المرّة كتب الشاعر فرحا بإصداره (أخيرا طيوري بين يدي):
“أعودُ من وحشة الأسفار ثانية
ولا أُصدّق عينيَ أنّني فيها
هذي المدينة عين الله تحرسها
وكفّ من ركّب الأكوانَ تحميها
……….
يمضي الزمان ونمضي في مفازته
ماء نَجفّ ولا تمضي أغانيها
وهي التي ملء كلّ الأرض أحرفها
وكلّنا اليوم بعض من معانيها”
رجوع إلى جراحات العراق، نطالع في المجموعة قصيدة (الرحلة) وهي متن شعري فيه إشارة إلى الشهيد مصطفى العذاري الذي شنقته جماعة داعش الإرهابية على جسر الفلوجة، يتحاسب الشاعر مع أشيائه وشعبه وقلبه ويتساءل عن جدوى الحرب ويعدّد المصائب التي تزخر بها شوارع العراق وساحاته وأزقته المنسية وبيوته الحزينة جرّاء الحروب التي التهمته:
“..وقديما قيل جسرٌ
يجمع الناس إذا ما فرّق الموج المحبّينَ
يُريح الزورق المتعب من أسفاره
لكنّما في الجسر هذا اليوم
شيء لا يُسرّ
يشنق الناس على أعمدة النور
…………
صباح مكفّهر
………..
ولقد نمشي على سكّتنا
لكنّنا نستغرب الآن لماذا الوقتُ وعرُ؟”
قصيدة قصيرة موجزة ملخّصة لهذا الخور الذي تعيشه بعض أقطارنا، وخاصة ما يكابده العراق، هي بعنوان “في البلاد البعيدة”، سأنسخها كاملة لا أقتطع منها شيء، أريدها أن تكون صرخة الشاعر الخافتة في مقالتي، كأنني أحاول تخليدها وهي خالدة مخلّدة فهي من أعمق جراحاتنا وعذاباتنا، اسمعوا كيف يكتب مغترب عن وطنه وبأيّ عين يبكي، إنّه يبكي من ثقب القلب المفجوع المكلوم الدامي:
“مستمتع أنا بالنهار
فكيف يا وطني نهاركْ
فأنا هنا داري مسوّرة
بريش الطير
والمطر الخفيف فكيف داركْ
هل يا تُرى ما زال في الطرقاتِ
يستجدي صغاركْ
هل ظلّلتهم خضرة الأشجار
هل وسعت قفاركْ”
نحن نقف أمام شاعر فحل، يقول ما يريد ويفعل ما يريد في اللغة باللغة، في قصائد عديدة أدان العمر الذي يمرّ وتطرّق إلى الحياة بكلّ تفاصيلها، تكلّم عن الحبّ والعراق العظيم وعن الجوع والحزن المتجذّر في الذات العراقية، وفي قصيدة بعنوان “حوار” طرح عدّة مقترحات على نفسه الشاعرة، من ضمنها: مرافقة طائر في بحثه عن حبّة في الدروب أو مراقبة ذوبان السكر في كأس شاي ساخن أو متابعة كيف يحاول غصن النخيل أن يؤجّل الغروب، الفرضيات كثيرة منها ما يذكّره بمسيرة الإنسان على الأرض ومنها الفنّي الذي يجعل الحديقة ملآنة بالوعود إلى أن يصل إلى لبّ الموضوع فنقرأ له هذه الأسطر الغارقة في الشعرية والرقة والعذوبة:
“..أو أنّ فتيان المحلّة يُكثرون وقوفهم
في هذه الأيام
في طرق البنات العائدات
من المدارس.. حيث تُكتشف القلوب
أو أنّ طفلا لاهيا
فكّ القماط وراح يزحف
نحن قطّ الجارة الوقح اللعوب
ما كان أفضل يا صديقي
أن نناقش أيّ شيء
أيّ شيء تافه
بدل الحروب”
لا بدّ أن أقول أمرا في حضرة شاعر بارع مثل عماد جبّار، وهو أنّي أعرف الشاعر من مراوغة رشيقة أو جملة بسيطة يجمع فيها ما أراد من معان أو فقرة غنية في زمن الفقر الأدبي المستشري بين أجيال متعاقبة، لذلك أشدّ على يده محرّضا له على المضي قدما فهو في الطريق الصحيح، وما مجموعته “الطيور تُداوي جراحاتها بالسفر” إلا نزر بسيط يؤكد ما ذهبت إليه ويفضح الكمّ الشعري الهائل الذي يكمن في ذاته الشاعرة، ففي هذه المجموعة تحليق عال ومنخفض فوق جراحات وطن ووقوف على خفقان قلب متيّم بالعراق وعاشق لتفاصيل ذات عاشت محن العراق وأفراحه وإن قلّت وتباعدت خلال هذه الفترة الحرجة التي يعيشها الكوكب المختنق.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود
الركوع و السجود.. قالت دار الإفتاء المصرية إن الصلاة من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أفضل أركانها الركوع والسجود؛ فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عن عَبْد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: «إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ».
حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود
وأوضحت الإفتاء أن الركوع والسجود محلّان لتعظيم الله سبحانه وتعالى بالتسبيح والذكر والدعاء، وليس محلًّا لقراءة القرآن، فيكره للمصلي قراءة القرآن الكريم في ركوعه وسجوده بقصد تلاوته، ويجوز ذلك بلا كراهة إذا كان بقصد الدعاء والثناء على الله عزَّ وجلَّ.
واضافت: أجمع العلماء على أن ذلك لا يجوز؛ قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 431، ط. دار الكتب العلمية): [أما قراءة القرآن في الركوع فجميع العلماء على أن ذلك لا يجوز.. وأجمعوا أن الركوع موضع لتعظيم الله بالتسبيح وأنواع الذكر] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (23/ 58، ط. مجمع الملك فهد): [وقد اتفق العلماء على كراهة القراءة في الركوع والسجود] اهـ.
وتابعت: والأصل في هذا الإجماع ما ثبت من النهي عنهما فيما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ؛ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
وما أخرجه أيضًا من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ".
وأكملت: جاءت نصوص الفقهاء من المذاهب الأربعة المتبوعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 523، ط. دار الفكر): [وفي "المعراج" أول الباب: وتُكره قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود والتشهد بإجماع الأئمة الأربعة] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 291، ط. دار الفكر): [وكذا تُكره القراءة في الركوع أو التشهد أو السجود] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 157، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وتُكره القراءة فيه)؛ أي: في الركوع (وفي السجود)، بل وفي سائر أفعال الصلاة غير القيام كما قاله في "المجموع"؛ لأنَّها ليست محل القراءة] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير على المقنع" (3/ 484، ط. هجر): [يُكره أن يَقرأ في الركوع والسجود] اهـ.