أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري

من لا يعرف بغداد، لا يستطيع استيعاب هذه الجمل الأولى الطافحة بالشعرية والمحبّة، بكلّ شيء عظيم، وإحساس نبيل، بعظمة بغداد خاصة إذا كان الزائر، شبه مقيم بل ساكن متجذّر فيها وعاد ثانية من سفر وكلّه حنين لأشيائها المكشوفة والمنسية، هكذا ورّطني الشاعر الفذّ عماد جبّار في عشق قديم، حين أقرأ هذه الأبيات في مقدّمة مجموعته التي عنوانها “الطيور تداوي جراحاتها” والصادرة هذه الأيام، بعد أن صدرت كتابا إلكترونيًا من قبل، وهذه المرّة كتب الشاعر فرحا بإصداره (أخيرا طيوري بين يدي):

“أعودُ من وحشة الأسفار ثانية
ولا أُصدّق عينيَ أنّني فيها
هذي المدينة عين الله تحرسها
وكفّ من ركّب الأكوانَ تحميها
……….


يمضي الزمان ونمضي في مفازته
ماء نَجفّ ولا تمضي أغانيها
وهي التي ملء كلّ الأرض أحرفها
وكلّنا اليوم بعض من معانيها”

رجوع إلى جراحات العراق، نطالع في المجموعة قصيدة (الرحلة) وهي متن شعري فيه إشارة إلى الشهيد مصطفى العذاري الذي شنقته جماعة داعش الإرهابية على جسر الفلوجة، يتحاسب الشاعر مع أشيائه وشعبه وقلبه ويتساءل عن جدوى الحرب ويعدّد المصائب التي تزخر بها شوارع العراق وساحاته وأزقته المنسية وبيوته الحزينة جرّاء الحروب التي التهمته:

“..وقديما قيل جسرٌ
يجمع الناس إذا ما فرّق الموج المحبّينَ
يُريح الزورق المتعب من أسفاره
لكنّما في الجسر هذا اليوم
شيء لا يُسرّ
يشنق الناس على أعمدة النور
…………
صباح مكفّهر
………..
ولقد نمشي على سكّتنا
لكنّنا نستغرب الآن لماذا الوقتُ وعرُ؟”

قصيدة قصيرة موجزة ملخّصة لهذا الخور الذي تعيشه بعض أقطارنا، وخاصة ما يكابده العراق، هي بعنوان “في البلاد البعيدة”، سأنسخها كاملة لا أقتطع منها شيء، أريدها أن تكون صرخة الشاعر الخافتة في مقالتي، كأنني أحاول تخليدها وهي خالدة مخلّدة فهي من أعمق جراحاتنا وعذاباتنا، اسمعوا كيف يكتب مغترب عن وطنه وبأيّ عين يبكي، إنّه يبكي من ثقب القلب المفجوع المكلوم الدامي:

“مستمتع أنا بالنهار
فكيف يا وطني نهاركْ
فأنا هنا داري مسوّرة
بريش الطير
والمطر الخفيف فكيف داركْ
هل يا تُرى ما زال في الطرقاتِ
يستجدي صغاركْ
هل ظلّلتهم خضرة الأشجار
هل وسعت قفاركْ”

نحن نقف أمام شاعر فحل، يقول ما يريد ويفعل ما يريد في اللغة باللغة، في قصائد عديدة أدان العمر الذي يمرّ وتطرّق إلى الحياة بكلّ تفاصيلها، تكلّم عن الحبّ والعراق العظيم وعن الجوع والحزن المتجذّر في الذات العراقية، وفي قصيدة بعنوان “حوار” طرح عدّة مقترحات على نفسه الشاعرة، من ضمنها: مرافقة طائر في بحثه عن حبّة في الدروب أو مراقبة ذوبان السكر في كأس شاي ساخن أو متابعة كيف يحاول غصن النخيل أن يؤجّل الغروب، الفرضيات كثيرة منها ما يذكّره بمسيرة الإنسان على الأرض ومنها الفنّي الذي يجعل الحديقة ملآنة بالوعود إلى أن يصل إلى لبّ الموضوع فنقرأ له هذه الأسطر الغارقة في الشعرية والرقة والعذوبة:

“..أو أنّ فتيان المحلّة يُكثرون وقوفهم
في هذه الأيام
في طرق البنات العائدات
من المدارس.. حيث تُكتشف القلوب
أو أنّ طفلا لاهيا
فكّ القماط وراح يزحف
نحن قطّ الجارة الوقح اللعوب
ما كان أفضل يا صديقي
أن نناقش أيّ شيء
أيّ شيء تافه
بدل الحروب”

لا بدّ أن أقول أمرا في حضرة شاعر بارع مثل عماد جبّار، وهو أنّي أعرف الشاعر من مراوغة رشيقة أو جملة بسيطة يجمع فيها ما أراد من معان أو فقرة غنية في زمن الفقر الأدبي المستشري بين أجيال متعاقبة، لذلك أشدّ على يده محرّضا له على المضي قدما فهو في الطريق الصحيح، وما مجموعته “الطيور تُداوي جراحاتها بالسفر” إلا نزر بسيط يؤكد ما ذهبت إليه ويفضح الكمّ الشعري الهائل الذي يكمن في ذاته الشاعرة، ففي هذه المجموعة تحليق عال ومنخفض فوق جراحات وطن ووقوف على خفقان قلب متيّم بالعراق وعاشق لتفاصيل ذات عاشت محن العراق وأفراحه وإن قلّت وتباعدت خلال هذه الفترة الحرجة التي يعيشها الكوكب المختنق.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

مكتبات الشارقة تكشف برنامج فعاليات «المئوية» للأشهر القادمة

الشارقة (الاتحاد)
تستعد مكتبات الشارقة العامة لإطلاق برنامج فعالياتها الثقافية، احتفاءً بمرور مئة عام على تأسيسها، حيث تمتد الاحتفالات على مدار عام كامل، وتتضمن سلسلة من الفعاليات التي تسلط الضوء على دور المكتبات في تعزيز المعرفة، وتوثيق الإرث الثقافي، وترسيخ القراءة كمحور أساسي في الحياة اليومية.
وفي إطار هذا البرنامج، تنظم المكتبات سلسلة من الفعاليات خلال الأشهر الثلاثة القادمة، والتي تجمع بين النقاشات الفكرية، والجولات الثقافية، والورش التفاعلية، بمشاركة نخبة من الأدباء والمتخصصين والباحثين، وبالتعاون مع نخبة من المؤسسات الثقافية بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وتنطلق أولى فعاليات مئوية مكتبات الشارقة يوم الخميس 27 فبراير، من الساعة 10-12 ظهراً بجامعة الشارقة، بالتعاون مع جمعية الناشرين الإماراتيين. وتتضمن الفعالية ندوة نقاشية بعنوان «الجذور الأدبية»، تشارك فيها أميرة أبو كدرة، نائب رئيس جمعية الناشرين الإماراتيين، ويديرها الإعلامي عبد الرؤوف أميرة.
تناقش الندوة مساهمة الشارقة في جعل الأدب والمعرفة جزءاً أصيلاً من هويتها الثقافية، وسبل ترسيخ القراءة لدى الأجيال القادمة، إلى جانب مشاركة شركة «منصة» للتوزيع ومبادرة «اقرأ.. أنت في الشارقة» لتعزيز ثقافة القراءة.
يرافق الندوة ورشة تفاعلية في الكتابة الإبداعية، يقدِّمها الكاتب عبد الهادي تقي، الذي يُكلف المشاركين بكتابة نص أدبي مستوحى من إمارة الشارقة، ثم قراءته ومناقشته. وستُجمع النصوص على مجسم شجرة مستوحى من مفهوم «الجذور الأدبية»، ليعكس دور الكتابة في مد جذور المعرفة والإبداع في المجتمع.
جولة ثقافية
ضمن محور «النهضة الثقافية» في احتفالات مئوية مكتبات الشارقة، ينظم مجمع اللغة العربية يوم الخميس 29 مارس، جولة ثقافية في إمارة الشارقة لمجموعة من المستعربين بهدف تعزيز التواصل الثقافي والانفتاح على الحضارة العربية، من خلال تسليط الضوء على الجذور الأولى لمكتبات الإمارة ودورها المحوري في نشأة وازدهار الثقافة في دولة الإمارات.
كما تتضمن الجولة زيارة للمعالم السياحية في مدينة خورفكان، مما يتيح للمشاركين فرصة لاكتشاف التاريخ الثقافي للإمارة عن قرب. ويتخلل الفعالية مجموعة من الفقرات الثقافية، حيث يقدم المستعربون قراءات شعرية لنخبة من روائع الأدب العربي، إلى جانب إلقاء نصوص أدبية تعكس تفاعلهم مع اللغة العربية وإتقانهم لها.
كما يشاركون تجاربهم الشخصية في تعلم اللغة العربية.
«حكايات من التراث»
تنظم مكتبات الشارقة يوم الثلاثاء 29 أبريل المقبل، من الساعة 9-11 صباحاً، فعالية «حكايات من التراث»، في «محمية الحفية لصون الطبيعة» التابعة لهيئة البيئة والمحميات، بالتعاون مع معهد الشارقة للتراث، ضمن محور «الحضارة الثقافية»، مستهدفة الأطفال من فئة 6-13 سنة.
تهدف الفعالية إلى غرس القيم التراثية في نفوس الأطفال وتعريفهم بالموروث الثقافي الإماراتي عبر ثلاث محطات تفاعلية تجمع بين السرد القصصي، والفنون التقليدية، والأنشطة الترفيهية. تبدأ الفعالية بورشة نقاشية بعنوان «مدرسة الحكاية»، التي تبرز قيمة الحكاية الشعبية كأحد أشكال أدب الأطفال، وتأثيرها في تعزيز النمو العقلي والأدبي والنفسي والاجتماعي، مع مناقشة المفردات التراثية المستخدمة فيها.
يليها محور «الأزياء التراثية»، الذي يشمل ورشة «التلي» لتعليم الأطفال فن التطريز التقليدي، وورشة الكندورة الإماراتية لتعريف الفتيان بزيهم الوطني، وورشة المخور للفتيات لتصميم أزيائهن التراثية بأسلوب إبداعي. وتختتم الفعالية بمسابقات تراثية ترفيهية بالتعاون مع معهد الشارقة للتراث.
الكتب القديمة
ضمن فعالية «إحياء الصفحات المنسية»، التي تنظّمها مكتبات الشارقة يوم الخميس 29 مايو المقبل من 5-7 مساء، في متحف الشارقة للآثار، بالتعاون مع مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ومتحف الشارقة للآثار، يتعرف المشاركون من فئتي اليافعين والبالغين على أهمية الحفاظ على الكتب القديمة وتعزيز القراءة داخل الأسرة، من خلال محاضرة نقاشية بعنوان «المكتبة المنزلية: تعزيز القراءة وتنظيم الكتب»، حيث يتم استعراض تقنيات الحفاظ على الكتب وطرق تحفيز العائلات على دمج القراءة في حياتهم اليومية.
كما تتضمن فعالية «عيادة الكتب»، التي تتيح للمشاركين تعلم أساليب تنظيف الكتب القديمة وحفظها، إلى جانب ورشة لصناعة الكتب التقليدية وتصميم أغلفتها بأساليب فنية مبتكرة.
تختتم الفعالية بجولة في متحف الشارقة للآثار، حيث يستكشف المشاركون قاعة العصر الحديدي وقاعة شبه الجزيرة العربية الكبرى، ويتعرفون على أول الكتابات التي ظهرت في الشارقة باستخدام خط المسند الجنوبي. كما يخوضون تجربة محاكاة الكتابة القديمة على الطين، لنقش أسمائهم واستحضار دور الكتابة في توثيق التاريخ وحفظ المعارف، تأكيداً على أهمية الكتاب كمصدر أصيل للحضارة الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • فوائد فاكهة التين اللذيذة وأهم الوصفات التي يمكنك استخدامها فيها
  • «النواب العراقي» يقدم 10 مقترحات لدعم غزة.. أبرزها نشاء صندوق لإعمار القطاع
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • قصيدة ياسر التويجري في ذكرى يوم التأسيس ..فيديو
  • مكتبة القاهرة الكبرى تناقش دور القراءة في مكافحة التطرف
  • قيمة الانتماء في مجموعة بنكهة البرزخ للشاعر يونس البوسعيدي
  • ما الحالات التي يباح فيها الفطر في رمضان؟ .. مفتي الجمهورية السابق يجيب
  • عماد محمد يعلن تشكيلة منتخب العراق للقاء استراليا
  • معركة التأهل.. اليوم المنتخب العراقي للشباب في اختبار صعب أمام أستراليا
  • مكتبات الشارقة تكشف برنامج فعاليات «المئوية» للأشهر القادمة