العمليات الاستشهادية السلاح الإستراتيجي للمقاومة.. هل يعود للواجهة؟
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
بعد نحو 12 عاما جاءت عملية تل أبيب أمس الأحد لتفتح الباب مجددا على احتمالية عودة العمليات الاستشهادية إلى الأراضي المحتلة عام 1948، وحدوث تغيرات إستراتيجية في مسار المواجهة مع الاحتلال خاصة في ظل الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من 10 أشهر.
ومما زاد من أهمية استخدام المقاومة لـ"سلاحها الإستراتيجي" كما يقول المراقبون، من خلال عملية تل أبيب بعد نحو 5 أيام فقط من انفجار سيارة مفخخة في مدينة الخليل بالضفة الغربية كان يشتبه في أنها كانت معدة لتنفيذ هجوم على موقع مجاور.
ولم تعرف بعد أجهزة الأمن الإسرائيلية أو أجهزة أمن السلطة الفلسطينية المكان الذي كانت تلك السيارة المفخخة تعتزم استهدافه.
ووفقا لما يقوله المحللان الإسرائيليان إليشع بن كيمون ويوآف زيتون في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية فإن "الخوف الأكبر في المنظومة الأمنية إدخال عبوات ناسفة ذات متفجرات عادية إلى قلب المدن الكبرى في إسرائيل، الأمر الذي قد يسبب الكثير من الأضرار".
ويرى المحللان أن موضوع المتفجرات اكتسب زخما في السنوات الأخيرة لدى الاحتلال، إذ يمكن "تحضيرها من المتفجرات غير القياسية والمرتجلة في مختبرات التصنيع في الضفة الغربية".
ويرى الخبير العسكري والإستراتيجي حاتم كريم الفلاحي أن توقيت العملية يعطى دلالة "واضحة على قدرة المقاومة على الانتقال إلى أساليب أخرى، وهي قادرة على تنفيذها منذ فترة ولكن تم إيقافها بقرار سياسي من قبل فصائل المقاومة".
ورغم أن العملية لم يكتب لها النجاح وانفجرت العبوة الناسفة التي كان يحملها الاستشهادي قبل وصوله للمكان المراد استهدافه، يرى الباحث والمحلل السياسي سعيد زياد أن "هذه العملية تمثل هزيمة لجهد عسكري وأمني إسرائيلي استمر لـ20 عاما، وتمثل نجاحا كبيرا للمقاومة على صعيد التوقيت والمكان وتجاوز المنظومة الأمنية المعقدة".
ففي ظل الاستنفار والاحتياط الأمني المشدد الذي تتخذه إسرائيل استعدادا لهجوم من إيران وحزب الله ردا على عمليات الاغتيال جاءت عملية تل أبيب المشتركة بين كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
إذ تمكن مقاوم قادم من مدينة نابلس وسط الضفة الغربية من التسلل لمدينة تل أبيب ومعه عبوة ناسفة وتجول في شوارع المدينة بهدوء لتنفيذ علمية استشهادية.
وهو ما دللت عليه تصريحات قائد شرطة تل أبيب عندما كشف أنه لم تكن لديهم "معلومات بشأن أي خلفية جنائية أو قومية لمنفذ التفجير أمس" وأن المنفذ "وصل من الضفة الغربية وخطط لتنفيذ عملية كبيرة".
ويرى الفلاحي أن العملية تظهر "الفشل الاستخباراتي الذريع لدى إسرائيل، إذ لم توجد أي إنذارات مسبقة أو مؤشرات على وقوع مثل هذه العمليات، كما يعكس ذلك خللا في تحليل المعلومات والتنبؤ بها، وهو ما يعد نقطة ضعف كبيرة في المنظومة الأمنية الإسرائيلية".
ويرى المختص بالشأن الإسرائيلي هاني أبو السباع أن هذه العملية "أشبه بإنزال في عمق خطوط العدو، وتوصل رسالة أنه لا أمان للمستوطنين بتل أبيب، وتحد واضح لنتنياهو".
كما أنه وبعد أكثر من 10 أشهر على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومحاولة خنق المقاومة في الضفة الغربية تدلل العملية على أن المقاومة ما زالت ممسكة بزمام الأمور، وأنها قادرة على فرض معادلات جديدة وتحويل مسار المعركة إلى مسارات أخرى هي المتحكمة بها.
وهو ما أشار له تصريح القيادي في حركة حماس أسامة حمدان حيث اعتبر أن "المقاومة الفلسطينية أطلقت نموذجا جديدا من خلال عملية تل أبيب، وأنه ما زال لديها من الأوراق ما تقدمه في المواجهة".
سلاح إستراتيجي
وفي خضم المواجهة المستمرة ومعركة طوفان الأقصى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، جاءت علمية تل أبيب لتفتح باب النقاش حول دوافع هذه العودة والرسائل التي تحملها.
فوفقا لمحمد غازي الجمل الباحث والمحلل السياسي فالعملية تعتبر تغيرا مُهما في المواجهة بين المقاومة والاحتلال، فقد امتنعت المقاومة "عن العمليات الاستشهادية منذ ما يزيد على عقد ونصف العقد وفقا لتغييرات ارتبطت بالرأي العام العالمي والخسائر المدنية التي قد تترتب على هذه العمليات".
فقد كانت العمليات الاستشهادية أحد أبرز أدوات المقاومة في مواجهة الاحتلال، ورغم توقفها خلال السنوات الماضية فإنها كانت حاضرة في ذاكرة للمقاومة وجمهورها وتطور مسار المقاومة.
وفي تفسيره لسبب عودة المقاومة لهذا النوع من العمليات يرى الجمل أن "حجم المجازر التي حصلت في غزة، والصمت والتواطؤ الدولي مع الاحتلال قد دفع المقاومة إلى إعادة النظر في هذه الإستراتيجية بوصفها أداة فاعلة للضغط على المجتمع الإسرائيلي".
ويمكن القول إن العودة للعمليات الاستشهادية تحمل عدة رسائل:
رفض الفلسطينيين والمقاومة للوضع الراهن أو القبول به حيث سعى الاحتلال لفرض سطوته من خلال القتل والمجازر والتهجير. إعادة توازن الرعب والردع بين المقاومة والاحتلال ما قد يجبر الاحتلال على إعادة حساباته في استهداف المدنيين للضغط على المقاومة. تذكير الاحتلال بأنه لن ينعم بالاستقرار وأن المقاومة ستضغط على عصب الأمن المؤلم للمجتمع الإسرائيلي وما سيواجهه في المستقبل في حال استمر نتنياهو في سياساته.السلاح الأسهل
وفي محاولته للدفاع عن نفسه في مواجهة منتقديه بسبب العمليات الاستشهادية في تسعينيات القرن الماضي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين "ماذا يمكن أن تفعل لإنسان يريد أن يموت؟!".
رد رابين يظهر مدى العجز الإسرائيلي عن مواجهة تلك العمليات وكيف استطاعت كي الوعي الإسرائيلي، وباتت تلك العمليات السلاح الأبرز والأكثر تأثيرا للمقاومة.
فهذه العمليات تتسم بعدة ميزات:
صعوبة تصدي الاحتلال لها ومواجهتها. تعد الأسلوب الأبسط لحد ما مقارنة مع الأساليب الأخرى. تعد أفضل الوسائل لإيقاع أكبر وأفدح الخسائر بالاحتلال.
بين غزة وتل أبيب
ولا يمكن بحال من الأحوال فصل ما يجري في ساحة الضفة الغربية، وما تستطيع الضفة تقديمه خلال الحرب على غزة، فمن شأن عملية تل أبيب أن تدفع بملف الحرب على غزة وصفقة التبادل إلى آفاق جديدة.
فالقيادي في حماس أسامة حمدان يرى أن "التطور في نوعية العمليات سينعكس إيجابا على طاولة المفاوضات".
وهو ما يذهب إليه أيضا الباحث والمحلل السياسي محمد غازي الجمل، فاستمرار العمليات الاستشهادية "سيؤدي إلى تعديل في ميزان القوى الحاصل ويؤثر على مفاوضات التهدئة ويضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية باعتبار ذلك مدخلا لإيقاف الحرب والضغط على الحكومة الإسرائيلية لتقبل بوقف إطلاق النار وتتراجع عن تحقيق طموحها بما تسميه النصر المطلق".
ويرى المحلل الإستراتيجي الفلاحي أن المقاومة لجأت لهذا التصعيد "مضطرة لوقف العمليات وإجبار الجيش الإسرائيلي على وقف المجازر بحق المدنيين، وبالتالي إجبار القيادة السياسية على الذهاب إلى صفقة لتبادل الأسرى ووقف هذه الحرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العملیات الاستشهادیة الضفة الغربیة عملیة تل أبیب وهو ما
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء الحديث عن نزع سلاح المقاومة كشرط لوقف الحرب في غزة؟
فجّر الاحتلال الإسرائيلي أزمة جديدة على طاولة مفاوضات وقف إطلاق النار وعقد صفقة لتبادل الأسرى، حينما نقل إلى الوسطاء مقترحا يتضمن نصا صريحا لأول مرة يتحدث عن نزع سلاح المقاومة، كشرط لإنهاء حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
وسارعت حركة المقاومة الإسلامية إلى إعلان رفضها المطلق لمناقشة هذه المسألة، لكنها أكدت في بيان صحفي، أن قيادتها تدرس بمسؤولية وطنية عالية، المقترح الذي تسلمته من الوسطاء، وستقدم ردها عليه في أقرب وقت، فور الانتهاء من المشاورات اللازمة بشأنه.
وجددت "حماس" تأكيدها على موقفها الثابت بضرورة أن يحقّق أيّ اتفاقٍ قادم: وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال من قطاع غزة، والتوصّل إلى صفقة تبادل حقيقية، وبدء مسار جاد لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال، ورفع الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
بدوره، قال رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس في الخارج سامي أبو زهري، إن "الاحتلال في مقترحه الجديد لا يعلن التزامه بوقف الحرب تماما، ويريد استلام الأسرى فقط".
مليون خط أحمر
وأضاف أبو زهري في تصريحات تلفزيونية عبر قناة "الجزيرة مباشر" تابعتها "عربي21"، أنّ "المقترح المقدم إلينا هو مقترح إسرائيلي، وتضمن لأول مرة نزع سلاح المقاومة ضمن مفاوضات المرحلة الثانية".
وتابع قائلا: "تسليم سلاح المقاومة هو مليون خط أحمر، وهو أمر غير خاضع للسماع فضلاً عن النقاش"، معربا عن جهوزية حركة حماس لتسليم كل الأسرى دفعة واحدة، مقابل وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة.
ونوه إلى أن "نتنياهو يعمل لصالح مستقبله السياسي وترامب شريكه في قتل سكان غزة"، مشددا على أنه "يجب ألا يكون مرحبا بزيارة ترامب للمنطقة ويداه ملطختان بدماء أطفاء ونساء غزة".
ولفت إلى أن "الاستسلام ليس واردا أمام حركة حماس ولن نقبل بكسر إرادة شعبنا"، مؤكدا أن "حماس" لم تستسلم ولن ترفع الراية البيضاء، وستستخدم كل أوراق الضغط ضد الاحتلال، وما يجري في غزة جنون ولا يمكن مواجهته إلا بجنون مماثل.
طرح مشبوه
من جهته، رأى الكاتب الفلسطيني إبراهيم المدهون أن أي حديث عن نزع سلاح المقاومة، هو طعن في ظهر الدماء الفلسطينية، مشيرا إلى أنه "يتردد في كواليس المفاوضات طرح مشبوه يتحدث عن نزع السلاح كشرط لوقف إطلاق النار".
وأضاف المدهون في منشور عبر صحفته بموقع "فيسبوك" أنّ "من يرتكب المجازر ليس الفلسطيني بل الطيران الإسرائيلي، ومن يهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها ليس من يحمل بندقية آلية، بل من يضغط على زر القصف من قمرة طائرة أمريكية الصنع".
وذكر أن "سلاح الفلسطيني ليس تهديدًا للأمن، بل صرخة وجود ووسيلة دفاع في وجه ماكينة عدوان لا تعرف الرحمة"، منوها إلى أننا "لا نملك طائرات F16، ولا دبابات ميركافا، ولا قنابل ذكية (..)، نملك إرادة لا تُكسر، ورجالًا لا يعرفون الانحناء".
وأردف بقوله: "كل من يتحدث عن نزع سلاح المقاومة، قبل نزع سلاح الاحتلال، إنما يُطالب الضحية بأن تخلع درعها وهي تنزف (..)، ويمنح الجلاد سيفًا إضافيًا ليُكمل الذبح".
وختم قائلا: "المقاومة ليست بندقية فقط، بل هي شرف هذه الأرض، وروح هذا الشعب، وسلاحها ليس للمساومة بل للكرامة".
وفي الإطار ذاته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة، أنه "عندما يتحدث الاحتلال عن نزع سلاح المقاومة في غزة، فهو لا يعني تجريد فصيل من معداته، بل يسعى لانتزاع حق شعب بأكمله في الدفاع عن قضيته ووجوده".
خلاصة عقود من النضال
وأكد عفيفة في قراءة اطلعت عليها "عربي21"، أن "سلاح المقاومة في غزة لم يكن يوما ترسانة كلاسيكية قابلة للجرد أو التسليم، بل هو خلاصة عقود من النضال، تراكمت عبر أجيال، ووسط ظروف قهرية من الاحتلال والحصار والاستهداف".
وبيّن أن "هذا السلاح وُلد في قلب الاحتلال، حين كانت دباباته تجوب شوارع غزة، وواصل تطوره رغم القصف والتضييق السياسي، كفعلٍ مستمر للنضال الفلسطيني منذ الستينات".
وشدد على أن "المعركة التي يسعى الاحتلال لحسمها اليوم بشروط الاستسلام ليست عسكرية فقط؛ بل معركة على الذاكرة والوعي والمعنى، لأن سلاح غزة ليس مجرد بندقية، بل هو تعبير عن إرادةٍ تقاوم، وصوت عشرات آلاف الشهداء والجرحى الذين قاتلوا دفاعًا عن الحق الفلسطيني".
ورأى أن "المطالبة بنزع هذا السلاح تعني عمليًا إنهاء المقاومة، وإجهاض الحلم الفلسطيني، وتحويل غزة إلى كيان منزوع الإرادة"، معتبرا أن "هذه ليست نهاية المعركة، بل بداية لمخطط تصفوي يتجاوز غزة نحو مشروع التصفية والتهجير".
وأشار إلى أن "قرار المقاومة لم يعد حكرا على فصيل أو جناح مسلح، بل بات قرارا شعبيا ووطنيا، متجذرا في الوعي الجمعي، ومرتبطا بمشروع تحرري لم يكتمل بعد (..)، مشروعٌ لا ينتهي إلا بزوال الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة".